أمبرتو إيكو يبحر إلى الأسطوري على صهوة الخيال

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 04:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-12-2004, 08:33 AM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أمبرتو إيكو يبحر إلى الأسطوري على صهوة الخيال

    أمبرتو إيكو يبحر إلى الأسطوري على صهوة الخيال:

    سعد جمعة:

    في العام (1155) اختلس باودولينو دي غالياودو آل أولاريو وهو مازال صبيا في الرابعة عشرة من عمره عددا من الرقوق من درج أسقف، كي يدون سيرة حياته إلا انه يفقدها في رحلته الطويلة إلى مملكة الراهب جان، وعندما يبلغ 60 عاما من عمرة يلتقي بشخصية تدعى نيساتاس كان من قريب ـ قبل لقائهما ـ خطيب البلاط وقاضيا في الإمبراطورية البيزنطية في القسطنطينية التي كانت تحترق وتسقط في أيدي البرابرة في الرابع عشر من نيسان سنة ،1204 حيث ينقذه باودولينو ويسرد له قصة حياته· يقول باودولينو: ربما كانت قصتي لا معنى لها· · ويرد عليه نيستاس: القصص الخالية من المعنى لا وجود لها· وأنا من طينة الذين يجيدون العثور على معنى ما حتى حين لا يعثر الآخرون·

    هكذا تبدأ أحداث رواية امبرتو إيكو الأخيرة ''باودولينو''، وفيها يسرد قصة بطلها باودولينو مستخدما كل فنون السرد الأسطوري، حيث يقول: ''ثمة في التاريخ وقائع غير قابلة للتصديق وتبدو مستحيلة للوهلة الأولى ومخترعة إذ أوردها في كتابي، لكنها تكون قد جرت فعلا، ويتسلى القراء متوهمين أنها محض اختراع مني، أنا أيضا أتسلى، أتسلى إلى حد أني أشعر بحزن شديد كلما انتهت واحدة من رواياتي، ولذلك أحاول إطالة متعتي قدر الإمكان''·
    في هذه الرواية الجديدة لامبرتو ايكو التي تأتى بعد اكثر من ـ 20- سنة على رائعته ''اسم الوردة'' يقوم بإبحار في أقصى الخيال، حيث المستحيل يتحقق على الورق· يأتي ايكو من منطقة اللاممكن والغير متحقق من التاريخ، ويسرد الحلم بذهنية واسعة مليئة بخيال روائي أسسته المعرفة الضخمة بتاريخ الإنسان·
    أيكو يجعل من باودولينو ومن خلال 604 صفحات مليئة بالدهشة والمتعة في آن، شخصية تخلق من كل شيء قيمة تؤمن بها وتحققها حتى لو كانت في المستحيل· ومن خلال هذه الشخصية يصدمك بحالة القدرة على الحلم والاستمرار والتمادي فيه وعدم التوقف عن التدحرج ككرة من النار لهبها ينير جحور الجبال،تصهر الحديد إذا ما وقف أمام انطلاقها·

    سحرية السرد

    في هذه الرواية لا تتوقع التوقف للحدث انه يتمدد كجدول يسقي ويروي الأحداث ويصعدها إلى أن يتوقد الجمال فيها، ويدهشك وأنت مسترسل في القراءة، أنه يحرضك كقارئ على الاسترسال في تأمل ذهابه إلى أقصى تجليات السرد الروائي الساحر·
    باودولينو شخصية ممزوجة بالكذب والصدق والخيال والهيام حتى التطرف بالفكرة، منذ بواكيره الأولى، ويروي عن طفولته: حين قصصت على أبي غالياودو أني رأيت القديس باودولينو، أدبني بثلاثين ضربه عصا على مؤخرتي مرددا يا ربي لماذا ابتليت أنا بصبي تتراءى له الرؤى ولا يعرف حتى ان يحلب بقرة فإما أن أشج رأسه بالعصا وإما أن أهبه لأحد الذين يجولون بين البيوت والأسواق مرقصو القرود الأفريقية· كما صاحت أمي في وجهي: أنت الأدهى من بين الدواهي، بم أذنبت يا ربي لكي أرزق ولدا يرى القديسين''· وأمام هذه الشخصية يجعلك ايكو لا تملك إلا أن تحبها وتتعاطف معها و أحيانا تبكي أو تضحك عليها أو على نفسك·
    ويتنقل إيكو بهذه الشخصية إلى مراحل متعددة الأحداث منها تبني إمبراطور ألماني يدعى ''فردريك بربروس'' لباودولينو بعد أن يعجب بتمكنه من سرد قصص من اختلاقه حول قدرته الخارقة على رؤية القديسين، وإتقان اللغات، ويتمكن باودولينو من الاستحواذ على قلب وعقل الإمبراطور، الذي يأمر بدوره بأن يعلم باودولينو الكتابة والحساب والنحو، حيث تعلم في القصر وتعلم في فرنسا وتعلم في الحروب·
    ومن شدة حب الإمبراطور لباودولينو الذي اعتبره ابنه بصدق، صحبه إلى كل مكان، إلى الدرجة التي أعاره أذنه طوال حياته وكان يسمعه ويقبل اقتراحاته ومشورته·
    باودولينو في كل ذلك صار يحلم ويصر على تحقيق الحلم، ويختلق وجود مملكة لراهب يدعى الراهب (جان) تقع في شرق العالم، حيث يحيك الحكايات ويوجه الأحداث ويصنع كل شيء كي يصدق الإمبراطور هذه المملكة التي يحكمها ملك من الشرق يدعى الراهب جان، ويقنع الإمبراطور بأن هذا الملك هو الذي سيزيد من قيمة وقوة وسطوة الإمبراطور الذي لم يكتف كعادة معظم الجالسين على كراسي السلطة ـ أيا كان نوعها ـ بما لديهم من جاه وسلطان ورغبة متأصلة في المزيد، وان أمكنهم لا يترددون في الاستحواذ على ما فوق الأرض وتحتها·

    رسالة الراهب

    وبعد ان يقنع الإمبراطور بفكرة المملكة يسترسل ايكو في الخيال وهو يكتب هذه الرسالة ليمكن الإمبراطور من شحذ الهمة للتوجه شرقا إلى مملكة الراهب: وتكتب الرسالة برؤيا وأفكار ستة أشخاص جمعتهم ظروف الدراسة في فرنسا وجميعهم يمثلون أعراق وديانات الأرض، باقتباس من رسالة استلهمت فكرتها من حكاية كان أحد الأصدقاء الستة ويدعى (ربي سليمان) قد سمعها في أوساط عرب أسبانيا تدور حول لقاء سندباد بملك سرنديب، حيث حمل الأخيرـ سندباد ـ رسالة إلى هارون الرشيد مع رجاء أن يقبل هدية مرفقة مع الرسالة، وهي عبارة عن كأس من الياقوت الأحمر رصع جوفها باللآلئ وهذه الهدية زادت اسم هارون الرشيد هيبة ووقعا في عالم المستشرقين·
    لذلك اتفقوا أن يكون للراهب جان شيء غير موجود عند أحد مطلقا يهديه للإمبراطور فردريك كدليل على عظمته وقدره العالي، فتشاوروا عن ماهية هذه الهدية التي قالوا عليها(الغر دال) أن تكون قصعة، أو أثمن ذخائر المسيحية قاطبة وهي الكأس التي منها شرب المسيح النبيذ خلال العشاء الأخير، ويختلفون حول الغردال ألا أنهم يتفقون أخيرا على انه شيء يخص السيد المسيح، ثم يختلسون من(ديوان دير سان فكتور) بفرنسا رقا فاخرا لم يبق عليه سوى الختم لكي يكتبوا رسالة تبدو من ملك، واتفقوا على أن تكتب باللغة اللاتينية وذلك كي يظهروا الاحترام الذي يبديه الراهب جان للإمبراطور فردريك وعلى أن الرسالة ينبغي أن تدهش وتقنع البابا والأمراء المسيحيين الآخرين ـ لذا يجب أن تكتب بلغة يفهمونها، وعلى هذا شرعوا في الكتابة، ثم شرع باودولينو في البحث عن الغردال، إلى ان اهتدى في لحظة سكينة مع والده الذي كان يحتضر وهو يكشف له عن سر مملكة الراهب جان ويخبره بأنه سيعطي الإمبراطور الغردال تلك الكأس التي شرب منها المسيح، وحين سأله أبوه: وكيف هي هذه الكأس؟
    يرد باودولينو: من الذهب المرصع باللازورد·
    ويعلق أبوه: حقا أدركت الآن أن رأسك هذا فارغ من أي عقل؟ مرددا عليه زهد المسيح عن الحياة والدنيا وانه لرأفة من السماء لو أنه امتلك قصعة مثل هذه منحوتة من جذع يابس ـ يقصد الكأس التي يشرب منه النبيذ ـ قصعة متينة تدوم العمر كله ولا تنكسر حتى لو ضربت بدبوس·
    بذلك يكتشف باودولينو الغردال الذي لابد أن يكون حسب قوله: قصعة مثل هذه بسيطة وفقيرة مثل السيد المسيح، ولهذا قد تكون هنا في متناول الجميع، ولم يتعرف عليها أحد من قبل لأنهم قضوا أعمارهم باحثين عن شيء يبرق·
    هكذا يحمل باودولينو قصعة والده على أنها كأس المسيح·

    مملكة الراهب جان

    يخلق امبرتو ايكو ملك الراهب جان ومملكته من كل ما يختزنه من أساطير وفنتازيا مرعبه ومضحكة في آن مستعينا بذاكرة الشعوب قاطبة حيث يصف ملك الراهب جان (انه ملك غير الملوك سلطانه يتخطى كل ملوك الأرض وموارده لا تنضب، ويتسع ملكه ليشمل أصقاع الهند، وتترامى أراضيه حتى تخوم الصحاري الأكثر بعدا حتى برج بابل· وعلى مائدته يتناوب ثلاثة ملوك كل شهر·
    وفي مملكته تعيش أفيال وجمال وحيدة وثنائية السنام، وعجول نهر، وفهود، وحمير الوحش، وأسود بيض وصُهب، وزيزان حصاد خرس، وعنقاوات، ونمور، ومصاصون دماء، وضباع، إضافة إلى بشر لم ير لهم مثيلا، ممن يأتي ذكرهم في مصنفات(طبيعة الأشياء والكون) بشر بقرون، وبرؤوس طيور، وسنير، وأقزام، وبشر برؤوس كلاب، عمالقة بقامات بعلو أربعين ذراعا، و بشر بعين واحدة·
    وأرضه تجري فيها انهار العسل وتفيض لبنا وحليبا ولم يكن فيها لا أفاعي ولا عقارب، ولا وجود للصوص ولا فقراء أو ناهبين أو بخلاء أو مارقين، ولا زناة، ولا أحد فيها يكذب، وان الذين يكذبون يموتون على الفور، أو كأنهم يموتون، لأن كل الحقوق تسقط عنهم، ولا يعود أحد يبالي بهم)·
    وكدليل على شساعة ارض الراهب جان يكتب الأصدقاء الستة على لسان الراهب جان إلى فردرك: يكفيك في الوقت الراهن أن تعلم بان أراضينا تمتد من جهة على مسافة أربعة اشهر من المسير، فيما تمتد من الجهة الثانية إلى حيث ما لا يدري أحد إلى أين، فإن كنت أنت قادر على عد نجوم السماء ورمل البحر، لأمكنك عندئذ أن تحصي ممتلكاتنا وسلطاننا·
    في هذا الوصف المسترسل لمملكة الراهب جان لا تخلو كلمات وجمل ايكو من الدلالة والإسقاط على واقع الحاضر، حاضر الإنسان الحديث، محاولا أن يهشم أو يفضح بعض من ما قام به الإنسان من افتراء على نفسه وعلى التاريخ، وما قامت به السلطة نفسها من أجل تحقيق مآربها من خلال تمسكها الدائم بالميثولوجيا لمزيد من السيطرة ومزيد من الجاه والمال، ولكي تخلق لنفسها هيلمانا يفوق التخيل، كي تبقى الرعية في خنوع وخضوع، ومن الجانب الآخر تعرية مأزق الإنسان في بحثه عن سبل السعادة حيث دخل باب الشر الواسع لأجل تحقيقها·
    في حملة الإمبراطور فردرك للمشاركة في الحرب الصليبية الثالثة يقتل وينسحب الجيش بجثته فيما يبقى الحلم الذي سكن باودولينو وأصدقاءه راسخا وثابتا بالإيمان، وانطلق مع رفقته في مسيرة طويلة نحو مملكة الراهب جان، وفيها يحارب ويقع في الحب ويؤسر ويعود مجنونا ويعود يروي حكايته لنيساتاس·

    باودولينو يقع في الحب

    يقحم امبرتو ايكو بطله باودولينو في ثلاث قصص حب داخل أحداث الرواية· الأولى: تعلقه بزوجة الإمبراطور بياتريس التي كانت تكبره بأربع سنوات و كنَّ لها الحب الكبير والشوق الذي سكنه طوال فترة دراسته في فرنسا، فراح يكتب لها رسائل، رسائل ملؤها الغرام والوجد والشوق، رسائل لم يستطع أن يبعثها إلى معشوقته، ولإرضاء نفسه وسكينتها كتب رسائل جوابية لنفسه على أنها من الإمبراطورة، حتى عاد ذات سنة من دراسته في فرنسا وتأتي لحظة غير كل اللحظات في حياته، ويكون مباشرة في خلوة أمام الإمبراطورة، ودون أي تفكير، حيث الشوق والهيام الذي كان يوجه كل سلوكه، دفع بالرسائل إليها، فتناولت الرسائل من يده، قرأتها وهزتها الكلمات كثيرا حتى وقفت أمامه مباشرة وكانت القبلة·· قبلة هي الأولى والأخيرة، ولم يستطع باودولينو بعدها أن يمحو عنه عذابات الضمير لخيانته الإمبراطور بهذه القبلة، لقد أحبته الإمبراطورة بصمت ولم تستطع إلا إن تكتم هذا الحب في صدرها، ومن جانبه استمر باودولينو يكن للإمبراطورة الحب والشوق والوله، إلى أن صار يكتب الشعر، ويعاقر الخمر وبقي في فرنسا ليطيل فترة غيابه عنها بعيدا عن عينيه، خاصة أن محاولة النسيان وقتل الحب في القلب، لا ينفع فيه أن يكون المحبوب قريبا من حدود النظر، ولم يسعفه من هذا الحب سوى موقف حاسم تمثل في سقوط الإمبراطور فردريك جريحا في إحدى الحروب الكثيرة التي خاضها، وينقذه باودولينو من الموت الذي شاع نبأه بين رعاياه وعند زوجته بياتريس، وعند ما وصل فردريك إلى قومه برفقة باودولينو، احتضنته زوجته فرحا وهي ترتدي ملابس الحداد، ويشير الإمبراطور إلى باودولينو ذاكرا فضله بإنقاذه، و قال لها بأنه مدين بحياته لباودولينو·· فاحتقن وجهها احمرارا ثم شحوبا عندما فطنت لباودولينو قرب الإمبراطور، وبكت، ثم مدت يدها ولامست صدره عند موضع القلب مبتهلة إلى السماء أن يجازي صنيعه خيرا واصفة إياه بأنه الابن والصديق والأخ·
    وهنا أدرك باودولينو أنه وفا دينه وانزاح شعوره بذنب خيانة والده بالتبني عندما عشق بياتريس· حيث يقول: وهكذا أدركت بأنني ما عدت أحبها· كانت كجرح قد التأم، رؤياها تثير في ذكريات جميلة لكنها لا تثير في الرجفة، وشعرت بأني صرت قادرا على البقاء قربها من دون عذاب وأن ابتعد عنها من دون ألم، فلابد أنني بلغت الرشد وخبت في داخلي كل انفعالات الصبا، ولم أشعر بألم، بل بحزن خفيف· شعرت أني حمامة لبثت تبذل هديلها دونما حساب، غير أن موسم الحب قد انقضى الآن وما ينبغي أن أفعله هو أن أرحل، أن اذهب إلى ما وراء البحار· وهكذا تخلص باودولينو من حبه الأول وتبع الحلم·
    أما الحب الثاني فوقع فيه بعد الزواج من فتاة من مدينته الإسكندرية التي كانت تحت سيطرة الاسكندر الثالث، تزوجها فقط من اجل الزواج ومع مرور الوقت أحبها، بالرغم من انه كان دائما بعيدا عنها بسبب الأسفار والتنقل مع الإمبراطور وكان لا يراها إلا في فترات متقطعة، ويقول عن ذلك: كان لقاؤها مؤثرا في كل مرة لفرط بهجتها لرؤيتي·
    وحين سأله نستاس: هل كنت تحبها؟
    أجاب باودولينو: أعتقد أنني أحببتها·· وكلما أعود من سفر اطلب منها أن تسامحني لأني ابتعد عنها· ومن هذه المرأة أراد أن ينجب ابنا إلا انه أنجب مسخا، وقد أتعبته هذه الحادثة كثيرا،
    ولم ينجده من حالة الحب هذه إلا موتها·
    أما الحب الثالث فهو الأخطر والأعمق والإنساني إلى أقصى حد، حيث يحب امرأة من مملكة النساء تدعى (هيباسي) وهم في الطريق إلي مملكة الراهب جان رآها باودولينو امرأة فاتنة جميلة، قال عنها: أنها هي المرأة الأولى التي أحببتها حقا وهذا صحيح اليوم وسيبقى صحيحا غدا وإلى الأبد· معها أدركت أن الحب الحقيقي يحل في صميم القلب، وهنا يلقى الدعة، منفذا إلى الأسرار الأكثر نبلا، ونادرا ما يعود إلى ردهات التخيل·
    وبعد لقاءات عديدة بينهما ملأى بالحب اكتشف إنها شبه إنسانه، لها من الأسفل جسم شاة وفي طرف ساقيها حافران بلون العاج، إلا ان كل هذا لم يطفئ نار الحب المتقدة في صدره، بل زادها اتقادا، ويقول: حتى طبيعتها الحيوانية كانت بعضا من مزايا حسنها، وأطرافها المحتجبة في البداية كأنها مرسومة بيد فنان، كنت أعشق، كنت أريد المخلوقة المطيبة بأريج الغابة، وكنت لأعشق هيباسي حتى لو كان لها جسم حيرم أو نمس أو أفعى مقرفة· وذلك لأن اكتشافه سبقته لقاءات كانت الأجمل والأروع في حياته، التقيا في الغابة لقاءات خجولة ومؤثرة·· ولقد جلس معها صامتا ومتحدثا في الحب والوجود، هام بها وهامت به، انتظرها بالشوق والوله، سكنت بكل جمالها الإنساني في كيانه، ولم تغب عنه· يعشقها ويهيم بها حبا وشغفا إلى الدرجة التي أنسته كل مشاعر الوله والشوق والعذابات في قصتي حبه السابقتين، وكأنه لم يحب أبدا·

    الحب الحقيقي

    من هذه القصة يقدم ايكو الحب الحقيقي، حسب رؤيته وهو الحب الذي لا يعرف المآرب الشكلية والمادية، هو الشعور الجميل الذي يسكن القلب والدم وتفاصيل الجسد كله، حب صاف كالألماس ولامعا كالكريستال، ليذكرنا بغياب قصص الحب العميقة التي شهدتها الثقافات البشرية·
    بعد هذا الحب الشفاف ينتقل ايكو بأحداث الرواية إلى منحى آخر، حيث يستمر باودولينو في طريقه إلى مملكة الراهب جان مع من تبقى من رفاقه على ان يعود بعد ذلك الى حبيبته هيباسي ليأخذها معه إلى بلاده، خاصة أنها كانت حاملا منه، إلا انه يقع في الأسر·
    وهنا يستعير ايكو قصة علاء الدين، ويكسيها من الأسطورة الكثير، حيث يقع باودولينو ورفاقه في الأسر عند علاء الدين، وينجح مع رفاقه في النجاة من الأسر بالفرار بواسطة طائر الرخ الأسطوري الذي يحملهم إلى القسطنطينية التي كانت تحترق، ويلتقي نيساتاس ويسرد عليه قصته· وبعد ذلك يدخل في نوبات نفسية ذات دلالات عديدة، وبعد ان يشفى منها يقرر أن يعاود المسير للبحث عن حبيبته هيباسي ومطاردة الحلم·
    هذا شيء من رواية مليئة بالأحداث والتفاصيل والتساؤلات الوجودية العميقة، لساحر الكتابة الروائية امبرتو ايكو الذي عاش طوال تجربته سواء العلمية والفلسفية، يكتب بحوثه على شكل روايات وقصص حتى تفجر فن الروي لديه في الخمسين من العمر، وأنجز لنا رائعته اسم الوردة· وفي الطريق حسب آخر تصريحاته رواية جديدة من المؤكد أن تمتعنا وتضيف وتربي شيئاً من الخيال الجميل فينا، الخيال الذي يراد له أن يهشم في هذا العالم الصعب جدا، العالم المليء بالقتل والخراب وأصوات المدافع وأزيز الطائرات والجوع والفقر والموت·

    http://www.alittihad.co.ae/details.asp?M=4&A=1&ArticleI...05&Journal=5/12/2004








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de