صباحات الغــــــــــربة - دكتور عارف عفان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 06:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-17-2004, 07:38 AM

ABU QUSAI
<aABU QUSAI
تاريخ التسجيل: 08-31-2003
مجموع المشاركات: 1863

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
صباحات الغــــــــــربة - دكتور عارف عفان

    صباحات الغــــــــــربة


    "اصبحنا واصبح الملك لله ..
    الناس فتحت دكاكينا .. وشغلت موازينا ..
    الرزق سَبح ..
    قوموا يا خلق
    وحدوا الخالق .. "

    صوت محايد بلا ملامح يأتي في المنام عند صباح كل يوم . قد يكون لاحد الوجوه القديمة المنسية وسط زحام الحياة من سوق الجلود في امدرمان !.. او ربما لاحد زملاء الدراسة !.. لا يهم من صاحب الصوت ، المهم أنه لايتغير ولايتأخر، بل يقتحم بلا إستئذان كالخنجر عبر مسامات الاحلام والكوابيس الدائمة .. يتبعه إنهمار سيل من ذكريات :

    " أين اوراق التنظيم يا زميل؟ " .. " المحَاضِر يا فلان " ... " فتش في المكان عن كل نسخ الميدان .."
    ثم تمتد اصابعك وتدير أزرار الراديو في عصبية ، فالعادة أن تبدأ الصباحية بسماع الراديو قبل أن ترى العين ما حولها بوعيَ ، وهى نتاج لإنعدام الطمأنينة المترسب لدينا من إحتمال حدوث مفاجأة قومية تكون قد أنجبتها الليلة السابقة ، حينما كانت الناس تنام ..
    العادة قديمة قدم الانتظار نفسه والترقب لسماع المارشات العسكرية ، حيث لا يمر يوم يخلو فيه إحتمال وقوع انقلاب .. لذا تجد ان غريزة البقاء لدي اهل السودان ولدت منبهات كهذا الصوت من اجل المعرفة المبكرة و تدبر امر " البيهم و العليهم" كي لايباغتوا . فقد كانت البيوت عامرة بمن يعيشون مواسم الحريق مباشرة بعد " البيان الاول " وقبل شروع العسكر واعوانهم فيما يجيئون لاجله حقيقة ، وهو التفرغ للتفتيش والتنكيش ، والهتك والاعتقال ، الفصل للصالح العام والمصادرة بغرض تكبير كوم المال العام للنهب العام ..
    ويمر العام تلو العام و بغرض " التأصيل" أو " تأمين الثورة" ضد اعدائها – كل الشعب - تستمر رحلة الوطن كئيبة عبر نفس الدروب ، مزيداً من العمارات الفخمة والمدن العشوائية ، تتضخم الكروش وحسابات البنوك الاجنبية لكل من يهمهم الامر ويزداد شقاء اغلب افراد القطيع يلوكون التساؤل الاحمق في صمت : " من أين آتى هؤلاء الناس ؟ " ..
    ويستمر طنين الصوت المزعج :
    " ما هو لون الانقلاب القادم؟.. من منهم "حملوا رؤوسهم فوق أكفهم " باسمنا هذه المرة؟" ..
    كأنما كان هناك من يطير رؤوس اعداء الحريات والديمقراطية إن فشلوا .. يا للسخرية.. لو كانت هناك رؤوس تطير لما تكرر الفعل ، فالمفعول به مسجل غياب ، والرؤوس المحمولة فوق الكفوف ، و رؤوس من يحتكروا الوصاية على الحقب الديمقراطية الجالسين في كراسي القصر هي هى ، خاوية لم تتغير ولم تتطور من قبل ارتفاع علم الاستقلال المبجل فوق سماء الخرطوم . زد على ذلك إن كل الانقلابات كانت معروفة مواقيتها حتى من قبل وقوعها ، حتى في أبريل حينما " قرروا" إبتلاع ما بدأ فى اواخر مارس واغلاق الطريق امام الغد الجديد لم تُخدش مصالح ولا طارت رؤوس!
    يبدأ الحفر والدفن لبعض الاوراق والكتب فى اماكن متفرقة داخل الحوش او فى "التٌكُل" القديم الذي تغير سطح ارضيته على مر الايام مع تكاثر الانقلابات والحفريات ، او تقوم بزيارة سريعة عبر " النفاج " للجيران وستجد اكثر من مرحب لمساعدتك في إخفاء ما تحمل ، فروعة الشعب السوداني تتبين عند ساعات الشدة...
    " إحذر الشِعر فخلف كلماته تكمن الكارثة وزبانية الامن قد يفهمون طلاسمه ، وقد يقرأون فى عيونك ما تحفظ من شعر محجوب وما كتبت عن فكر المحجوب .."
    والان وبعد مرور حقب من الزمان ، والحرب قد انتشرت الى كل مكان ، والمباحثات لا تنعقد إلا خارج السودان - حتى يظل باب العودة للقتال مفتوحاً - . فى هذه الاثناء أتقن عسكر السودان العملية الانقلابية للعودة بالبلاد الى الوراء- التى رسمتها لهم النخب الحاكمة - وإلا فلماذا كانت مشكلة الجنوب والاحساس بقرب التوصل الى حل فيها هو دائماً المحرك لاحداث تغيير عام ..
    اتقن العسكر المهمة فما عادت محتكرة لاواخر الليل .. وصار حاملو السياط والسيخ لا يحتاجون أن يقرأوا الاحلام ، العيون ، او الوثائق كي يقرروا ضمك لعالم الاشباح .. صار الامر سيان بالنسبة لمن يعيشون داخل السودان أن توجد لديهم " الميدان" ، او تعداد سكان اليابان .. إن اراد ايا كان ان يرسلك حيث تهان كرامة الانسان ، لا يحتاج لتبرير او برهان ، وكله بقوانين الامن القومي التي لا تدخل ابداً في بنود التفاوض !!!.... ورغم هذا يوقظني يومياً ذاك الصوت المبكر !!
    ورغم أن المنفي الآمن الذي إخترناه لاتقع عيناك فيه على جندي مدجج الا في نشرات الاخبار ، فهؤلاء القوم يعلمون أن الحروب يجب ان تكون في الاماكن البعيدة عن اهلهم وديارهم .. إلا أن العادات القديمة لا تموت بتقدم العمر بل يصعب التخلص منها .. فالراديو والاستيقاظ المبكر ومتابعة نشرات الاخبار سمات لاتفارق جسد السوداني المهدود وإن تغيرت هيئته مع تغير الزمان وإختلاف المكان ..
    المذياع المحلي عند الصباح لا يحمل سوى اخبار الطقس القارس والطرق السالكة للسير والمختنقة وبعض الموسيقى ، لكن تبقى العادة بغرض الاطمئنان "انو الدنيا مازالت بخير"... واين يكون الخير والصوت لا زال يمزق طبلة أذني ويردد : "التامين يا زميل ، اصحي ياسجم...." .
    هذا الصباح تكاسلت ، فاليوم نهاية اسبوع والثلج عواصف بالخارج , دفء الغرفة حميم، لكن الحزن الجاثم على صدري اقوى من كل وسائل الراحة . حزن موجود بخبايا تحت الضلوع لا يطوله إدراكك ولا تستطيع الامساك به ، فقط تشتم رائحته . نعم تشتم رائحته.. فللحزن رائحة كما للموت رائحة ، ورائحة الحزن لا يشمها إلا الحزاني ، فهذه الرائحة تجعل كل اجزاء الجسم متشنجة متوترة . احساس صار رفقة مزمنة منذ عشرات السنين وفي كل المنافي لا يتغير.
    الرائحة من الداخل وفي الداخل تغلق كل المنافذ فيصعب التبول وابتلاع ريق الصباح ، بالكاد يتبع زفراتك شهيق ، وحركة الايدي الا إرادية وبلا هدف تعبر جسدك المهدود تهرش باعوضاً غير مرئي فوق جلدك المقشف . حين يجوب الراس أرجاء الغرفة بسرعة وهو فاقد للثبات والاتزان يبحث عن اللاشئ , هذا يعني أن درجات الحزن المزمن قد تعدت الخط الاحمر فى هذا اليوم ، فتبدل موقعها في دفتر الادمان من الامان الي الخطر .
    والحل حين تخنقك رائحة الحزن المِنتنه ، يكمن في ممارسة التعذيب الذاتي ، الذي يعتبر النوع الوحيد من العنف الذي لايعرضك لطائلة القانون ، فانت حر هنا تفكر كما تشاء وتفعل ما تشاء ، ومع قليل من الحظ قد يخف ذاك الحزن الحنين ويتراجع للتربص داخل موتور جسدك المٌستهلك من سنوات الغربة والمنافي ..
    البرد قارس ، والسماء تواصل النزيف في الخارج ، ثلجاً ينهمر ويلبس المدينة حُلةًً أبيض من لحية شيخ الطريقة .. و من التجربة تعلمنا جميعنا – كل بطريقته الخاصة - أن الجليد من أنجع المراويد لإجراء عملية الكـــــــيَ ، لذا تسارع وتتدثر بكل ما تصل له يداك من الملابس الثقيلة – إن كنت تريد التعذيب فقط لا الانتحار - وتحمل مجرفة وسنوات عمرك الخمسين فوقهما الطاقية ذات القرنين والتى تعزلك تماماً عن سماع اصوات هذا العالم الغريب الذي لم تفهم حتى اللحظة ذبذباته ، ثم تعمل بلا شفقة على كنس الطريق امام منزلك من الثلوج المتراكمة ...
    تزيل ثلجا ً وينهمر متساقطاً من فوق راسك ثلج جديد يسخر منك ومن لعنة الرحلة الأبدية ...
    تندفع الدماء الممتلئة بالاحباط والحزن فيك فتصرخ ملء فيك :

    " يا حــــــــــــي يا قيوم .. يا حــــــــــــــــي يا قيوم "

    و يتلصص من خلف زجاج النافذة جارك الصبني العجوز وهو يراك ترقص فوق الجليد رقصة هنود حمر ، وتصك سمعه عقيرتك المرتفعة كالمجذوب تخاطب السماء وتردد :

    "انـــا الذي إشترته المنافي بثمن بخس..
    انـــــا الذي إشترته دروب الشتات والشقاء
    انا من ذهب جفاء ,
    وخضبت جبينه الدماء ...
    ضميني في احضانك برهة ,
    و اغسلي كفني بنيران السماء

    ثم ابعثيني عارياً بلا خطيئة ..

    انا الذي باع ..
    وبلا وداع
    خرج ولم يعود ...

    يا ودود .... يا ودود
    يا حـــــــــــــي ياقيـــــــــوم ......
    حـــــــــــــي قيوم.. يا حي قيوم ................. ".



    عارف عفان
    كنـــــــــــــــــــــــــــــدا








                  

04-17-2004, 01:19 PM

ABU QUSAI
<aABU QUSAI
تاريخ التسجيل: 08-31-2003
مجموع المشاركات: 1863

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صباحات الغــــــــــربة - دكتور عارف عفان (Re: ABU QUSAI)

    فوق
                  

04-17-2004, 06:04 PM

mustafa mudathir
<amustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صباحات الغــــــــــربة - دكتور عارف عفان (Re: ABU QUSAI)

    عارف أخوي هون عليك!
    انت ياخي ماتنسى انك كنت راجل ملهم و أخو أخوان.
    دي براها ممكن تخفف عليك أعراض الأندروبوز التي وصفتها!!!!
    أخوك في كندا
    مصطفى مدثر
                  

04-18-2004, 07:57 AM

ABU QUSAI
<aABU QUSAI
تاريخ التسجيل: 08-31-2003
مجموع المشاركات: 1863

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صباحات الغــــــــــربة - دكتور عارف عفان (Re: mustafa mudathir)

    شكرا مصطفى على الطلة ، ويا أخوي عارف في السعودية كان مسكون بما أخرجه لنا اليوم وما عارف في بلاد الصقيع دي يعمل كيف . وبالحال الهو فيه دا نتوقع منه الكثير .

    (عدل بواسطة ABU QUSAI on 04-18-2004, 08:00 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de