|
الوعى الدينى وحركة الاسلام السياسى:يس حسن بشير
|
الوعى الدينى وحركة الاسلام السياسى
لقد سجلت بعض الملاحظات العامة اثناء فترة غياب صحيفة (الايام) وكان من ضمنها ملاحظاتى حول المناظرة التى تمت بين د. محمد جلال العظم ود. حسن الترابى في برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة بتاريخ 20/1/2004م.. وكما لاحظ غيرى من الذين تابعوا تلك المناظرة فقد كان الحوار اقل من توقعاتنا حيث جاء باردا وسطحيا.. ان النقطة الرئيسية التى دار حولها النقاش هى مستقبل حركة الاسلام السياسى.. هل الى نماء وازدهار ام الى اضمحلال وزوال.. فالدكتور/ العظم يرى ان حركة الاسلام السياسى تسير نحو الاضمحلال والزوال ولكنه لم يقدم دعما نظريا مقنعا.. ويرى الدكتور / الترابى ان حركة الاسلام السياسى على العكس تسير نحو الازدهار والنماء.. لماذا ؟ يقول د. الترابى ان الوعى الدينى الاسلامى في تزايد والاقبال على الالتزام الدينى ايضا في تزايد وهذا يغذى حركة الاسلام السياسى ويدعمها. في تقديرى ان ما ذكره د. الترابى - مع احترامى له - غير صحيح لانه في البداية يخلط بين عنصر دينى وعنصر سياسى لاجراء عملية تحليل سياسى ... فتزايد الوعى الدينى وسط المسلمين يعتبر عنصرا دينيا بحتا.. واضمحلال حركة الاسلام السياسى يعتبر عنصرا سياسيا بحتا.. والربط بين هذين العنصرين هو ربط تعسفى بمعنى آخر لا يعنى تزايد الوعى الدينى ازدهارا تلقائيا لحركة الاسلام السياسى.. لماذا؟ لان الانسان عندما يزداد.. وعيه الدينى يكتشف ان حركة الاسلام السياسى ليست حركة دينية وانما هى حركة سياسية تستغل الدين الاسلامى لاستقطاب ولتعبئة الجماهير.. فتزايد الوعى الدينى للانسان المسلم يجعله يحاسب الحركة الاسلامية وفق معايير دينية اسلامية سلوكية دقيقة.. فتتبلور امامه الاخفاقات السياسية لحركة الاسلام السياسى في جميع انحاء العالم وعجزها عن معالجة القضايا الرئيسية للشعوب المسلمة التى تتعلق بالديمقراطية والتنمية والسلام.. وتتجسد في ذهنه - اي في ذهن الانسان المسلم - المسافات الشاسعة بين سلوكيات الدين الاسلامى والسلوك السياسى لعناصر الحركة الاسلامية.. ففى جميع الدول التى مارست فيها حركة الاسلام السياسى عملا سياسيا سواء اكان ذلك في موقع الحكم او في موقع المعارضة جاء سلوكها السياسى متناقضا مع القيم والاخلاق التى ينبغى ان تحكم سلوك اي انسان مسلم ... والتى يعرفها تفصيلا المسلم الواعى بامور دينه.. فمقابل الزهد والتقشف والتضحية والايثار.. وجد البذخ والتفاخر وحب المباهج الدنيوية والانانية.. ومقابل الامانة والصدق والشفافية.. وجد النفاق والفساد والمحاباة.. ومقابل احترام وصيانة وحماية وحسن استخدام المال العام المملوك للمسلمين.. وجد تبديد واستغلال المال العام.. ومقابل التسامح مع الآخر... وجد التشنج والعنف ضد الآخر.. ومقابل الاجتهاد الفكرى والعلمى.. وجد الكسل الفكرى والعلمى.. وهكذا كلما ارتفع مستوى الوعى الدينى للانسان المسلم كلما اقتنع بانه في حاجة الى عناصر سياسية تعمل وتضبط سلوكها السياسى وفق قيم واخلاقيات الدين الاسلامى .. وليس في حاجة الى عناصر سياسية ترفع مسميات وشعارات وبرامج اسلامية براقه مثل اللوحات المضئية مع سلوكيات سياسية فعلية لا علاقة لها بتلك القيم والاخلاق الدينية الخيرة. خلاصة القول في هذا المقال هو ان العلاقة بين الوعى الدينى وحركة الاسلام السياسى ليست علاقة طردية كما عبر د. الترابى وانما هى علاقة عكسية فكلما زاد الوعى الدينى للمسلمين كلما اضمحلت حركة الاسلام السياسى.. لذلك اعتقد ان حركة الاسلام السياسى في كل العالم الى اضمحلال وزوال لان المجتمع في نموذج الدولة المدنية الذي سيسود مستقبلا لن يعرف التحزب والتكتل السياسى على اسس دينية وستختفى ظاهرة الاستغلال السياسى للدين بكل اشكالها.... وعلى عكس ما يروج بعض عناصر حركة الاسلام السياسى الآن فان المسلم في ظل الدولة المدنية المستقبلية سيكون اكثر تمسكا بقيم واخلاقيات الدين الاسلامى في سلوكه السياسى اليومى على مستوى القيادة والقاعدة.. ولن يسقط الانسان المسلم الدين من حياته كنتاج لاضمحلال وزوال حركة الاسلام السياسى.. فالتاريخ يؤكد ان الالتزام الدينى لم يبدأ مع ظهور حركة الاسلام السياسى في العالم. مع احترامى وتقديرى للدكتور/ حسن الترابى وللدكتور صادق جلال العظم Source: Al-ayam March 15, 2004
|
|
|
|
|
|