العداله العاجزه كيف يستقيم القضاء في دولة معوجة /سيف الدوله حمدناالله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 02:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-12-2004, 09:06 PM

عبدالله

تاريخ التسجيل: 02-13-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العداله العاجزه كيف يستقيم القضاء في دولة معوجة /سيف الدوله حمدناالله

    Quote: (كيف يستقيم القضاء في دولة معوجة)

    سيف الدولة حمدنالله عبدالقادر/مسقط
    [email protected]

    مقدمة

    هذه خواطر مبعثرة تحكي عن ايامي في العمل بالقضاء في السودان ( يناير 1981 - اغسطس 1989م ) وهي احداث كنت طرفا في بعضها وكنت شاهدًا عن قرب في البعض الآخر ، اما ثالثها فقد كنت ضحيتها.

    الواقع ان القضاء في السودان ظل بعيدا عن تناول الكتاب من القضاة او من غيرهم ، ليس من باب المهابة بقدرما هي حالة من الجمود والاسترخاء التي اصابت وتصيب مثقفي السودان وطلائع المجتمع فيه في المجالات المختلفة والتي جعلت من التوثيق مهمة عزيزة ونادرة، ويأتي ذلك - والحديث عن القضاء - على الرغم من اهمية وخطورة الاحداث التي مرت به ، ويكفي القول بأن محاكم الطوارئ ( 1983-1985م ) قد ادارت عدالتها الناجزة باسم محاكم السودان وقضائه (المستقل) ومع ما جرى فيها من مظالم على رأسها اعدام المفكر محمود محمد طه ، فإن احدًا لم يتناول تلك الفترة بالكتابة او التحليل سوى بطل الطوارئ نفسه العارف بالله القاضي/ المكاشفي طه الكباشي ، الذي اصدر كتابًا وزعه على نطاق واسع في ايام الديمقراطية التي اعقبت حكم مايو ، دافع فيه الرجل عن نفسه وعن الاحكام التي اصدرها واضاف حيثيات لم تتضمنها محاضر محاكماته العاجلة والمتعجله ، فاورد اسانيده من الدين والفقه لتبرير حكمه في اعدام المفكر محمود محمد طه وكذا احكامه الاخرى التي اثارت كثيرا من الجدل وسط الاسلاميين وغير الاسلاميين في السودان وخارجه كحكمه بقطع يد المحاسب الذي كان يعمل بمدرسة وادي سيدنا وغيرها من اصناف الظلم والتشويه لاحكام الخالق عز وجل والتي كانت تتم بإسم القضاء وعدالة دولة الاسلام في ذلك العهد ، ولم ينبري احد من رجال القانون او المجتمع بالرد او بالتعقيب على ذلك الكتاب ، ولعل الرجل - المكاشفي طه الكباشي - ينام الآن بضمير مستريح ومطمئن في انتظار جزائه في الآخرة بعد ان نال جزاء الدنيا كما سيعرض لاحقًا .

    إن سكوت الناس عن مثل تلك الافعال والمجازر التي تمت بإسم العدل والقضاء هو الذي قاد جلادي تلك الايام الى الظهور في مسرح الحياة العامة مرة اخرى بعد زوال دولتهم دون ان يهتز لهم رمش حياء لما اقترفوه ، فالذي لا يعرفه كثير من الناس ان القاضي الذي اصدر الحكم إبتداء بإعدام المفكر محمود محمد طه امام محكمة الطوارئ بامدرمان (إستهل عمله في محال القضاء الجنائي لاول مره بمحاكم الطوارئ بعد ان امضى سنوات خدمته كقاضي للاحوال الشخصيه مختصًا بنظرها من زواج وطلاق وميراث .. الخ دون غيرها من القضايا المدنية والجنائية) يعمل الآن استاذًا يحاضر طلبة كلية الشرطة في إمارة ابوظبي بعد ان نال شهادة عليا في القانون من جامعة ام القرى بالسعودية فور خروجه من السودان عقب الانتفاضة ، ولم نذهب بعيدًا وقد ادار الرمز الثاني للعدالة الناجزة ظهره لتلك الايام ليظهر يوما بعد يوم في التلفزيون وبصوت متهدج طالبًا الشفاعة عند ربه لاهل السودان .

    إن تطبيق قواعد العدل والقانون لا يرتبطان بالتدين والورع ولا بإرسال اللحى ، فلا ينتطح عنزان حول وجود محاكم عادلة ونزيهة تطبق العدالة والقانون على افضل وجه في فرنسا والسويد وبريطانيا وغيرها من الدول التي لا تعرف الاسلام ولا تعاليمه ، ولم يكن من بين الرعيل الاول لقضاة السودان الذين عرفوا بالنزاهة والشجاعة وارسوا مبادئ وطريق العدل في السودان التي سار القضاء والقضاة على هديها من بعدهم من تظاهر بالورع والصلاح ، ففي عهد اولئك الأفذاذ لم يصادر قاض ممتلكات متهم ليؤثر بها نفسه كما فعل رئيس قضاء السودان في عهد العدالة الناجزة الاسلاميه ، فحين صادرت محكمة الطوارئ الاسلامية سيارة المرسيدس التي وصلت لتوها ميناء بورتسودان خاصة التاجر الهندي "لالا كريشنان" امر رئيس القضاء في ذلك العهد الضال بأن تخصص تلك السيارة لاستعماله الشخصي وكأنها غنيمة . ولم يكن ممكنًا في عهد اولئك الابرار من رجال الدولة والقانون ان يعدم شاب غرير كالشهيد مجدي محجوب لحيازته دولارات معدودة يمتلكها شيوعا مع اشقائه الايتام في بلد قلد فيه نظام دولة الاسلام عراب تجارة الدولارات وامبرطورها وسام ابن السودان البار .

    إن الاسلام يشترط في القاضي ان يكون عالمًا بامور الدين والدنيا ، ورعًا وتقيًا ، لأن القضاء في الاسلام لايعتمد فيه القاضي على تشريعات مكتوبه ، كما هو الحال في القوانين الوضعية ، ففي صدر الاسلام وعهوده اللاحقة ، كان القاضي يحكم بما لديه من حصيلة في الدين والعلم ، مما يفتح الباب لاجتهاد القاضي ليبحر في اصول الفقه والاجتهاد والعلم ليقضي في كل نزاع عرض عليه بما ينطبق عليه من احكام وفق اجتهاده ، بما في ذلك الحدود الشرعية التي كان لقضاة الاسلام وفقائه خلاف حول مسقطاتها وطرق اثباتها .

    وعلى سلامة هذا النهج ، الا ان تطبيقه يستلزم قضاة لا يدفعهم الغلو ولا الشطط ، دافعهم الرحمة وارجاع الحق وتصحيح الباطل وهو - اي القضاء - بهذا المعنى عبادة في ذاته ومدرار للحسنات يتقرب به القاضي الى ربه وخالقه ، بيد ان عدل الاسلام شئ وما حدث من قضاة الاسلام في السودان شئ آخر ، فما أن اذن المشير جعفر نميري لقضاة سبتمبر واطلق يدهم في بني بلدهم حتى تباروا في اظهار الشطط والتعسف فيما بينهم ، ومن ذلك ما هدى به الله قاضي محكمة جنايات القسم الشرقي بالخرطوم ليحكم بربط اليد بعد قطعها لتتدلى من رقبة المحكوم عليه ليوم كامل تعرض فيه على الجمهور ، وبين القاضي صاحب الحكم سنده في ذلك من الفقه الاسلامي.



    القضاءان المدني و الشرعي
    لم يعرف القضاء السوداني مبدأ التخصص فيما كان يعرف بالقضاء المدني ، فالقاضي ينظر ما يعرض امامه من قضايا مدنية وجنائية ، ولا يحول بينه وبين نظرها الا ضوابط الاختصاص الذي تحدده درجته الوظيفية ، وليس استثناء على ذلك ما تقتضيه ظروف تنظيم العمل في المدن الكبرى من تخصيص - ليس تخصص - بعض المحاكم لنظر القضايا المدنية كما هو الحال فيما يعرف بالمحكمة الجزئية ، وتخصص محاكم اخرى في نظر القضايا الجنائية . وفي المقابل عرف القضاء السوداني محاكم اخرى متخصصة في مجال الاحوال الشخصية عرفت بالقضاء الشرعي ، وكان معظم قضاتها من خريجي المعهد العلمي وقليل منهم من خريجي كليات الشريعة والقانون بالجامعات ، وقد ظل كل من القضاء المدني والشرعي مستقلا بذاته يرأس الاخير قاضي القضاة ، وكان اكثر ما يميز القضاة الشرعيين هو زي رجال الدين الذي كانوا يرتدونه ويميز كبارهم تلحفهم بالجبه والقفطان ، وحتى حلول قوانين سبتمبر الشهيرة في العام 1983 ، كان على القاضي الشرعي الذي يرغب في التحول الى القسم المدني ان يجتاز امتحان تنظيم مهنة القانون (المعادلة) ، وقد كان كثير من القضاة الشرعيين يسهرون الليالي استذكارًا للدروس بغية اجتياز المعادلة والهروب من القسم الشرعي لندرة فرص الترقي فيه فضلا عن النظرة الاجتماعية الفارقة بين القسمين الشرعي والمدني في ذلك الوقت ، وكان يتم تعيينهم في اسفل الدرجة التي كانوا يشغلونها بالقسم الشرعي ، ولو كان هؤلاء يدرون لما تكبدوا كل تلك المشاق فقد تبوأ القضاة الشرعيون فيما بعد اعلى المناصب القضائية والقانونية بعد دمج القسمين ، وان كان اكثرهم قد تخلى عن هيئة رجال الدين في ملبسهم ، فإن قليلا منهم لا يزال يلبس الجلباب والعباءة الا عند السفر خارج السودان لحضور المؤتمرات الدولية . وقد كان معظم ابطال محاكم الطوارئ من بين القضاة الشرعيين الذين تحولوا الى القسم المدني او كانوا تواقين الى التحول اليه .

    إن المتتبع لهذه الاوراق سوف يجد فيها تعريحات متكررة الى مناحي اخرى خارج موضوع القضاء ، ذلك ان موضوع العدل والعدالة يرتبطان بجميع ضروب الحياة الاخرى من سياسة واقتصاد ومجتمع وغيرها ، فضلا عما اوردناه سابقا من عدم تقيدها بتسلسل زمني لترابط الاحداث وتشابكها بشكل يجعل من التقيد باسبقية حدوثا مخلا بترابطها .



    جلد مضيفة طيران

    عند تفتيش رجال الجمارك بمطار الخرطوم لحقيبة المضيفة الجوية لشركة طيران عند عودتها من سفرية جوية في اول ايام تطبيق قوانين سبتمبر ، عثر معها على زجاجتين تحتويان على مشروبات كحوليه ، كما عثر مع زميلها الطيار القادم على نفس الرحلة على عدد مماثل من الزجاجات ، قدمت المضيفة والطيار للمحاكمة امام القاضي الاول بمحكمة جنايات الخرطوم شرق ، وكنت وقتئذ قاضي بالدرجة الثانية بنفس المحكمة ، ولم تكن لمثل تلك الجرائم - حتى ذلك الوقت ليختص بنظرها القاضي الاعلى درجة بالمحكمة ، لولا ما اثارته القضية من اهتمام وما احدثته من ضجة .

    ادينت المضيفة وزميلها الطيار بجريمة حيازة الخمر ، ورأت المحكمة ان تفرج عنهما تحت اختبار حسن السير والسلوك لأسباب اوردتها تفصيلا ومن بينها او اهمها ان المضيفة كان قد تحدد زفافها بعد اسبوع واحد من تاريخ النطق بالحكم .

    في اليوم التالي لصدور الحكم قام احد اعضاء مجلس الشعب باثارته في الجلسة ، ولما لم يكن ممكنا مساءلة القضاء بواسطة البرلمان فقد انقلب استفسار العضو الموقر الى شئ اقرب الى التظاهرة الطلابيه فما لبث ان شايعه بقية الاعضاء وتحدثوا في جلسة اذيعت على الهواء عن مخاوف ممثلي الشعب على الشريعة وهي بين ايدي قضاة علمانيون يعملون على تعطيل الحدود وشرع الله .

    في اليوم التالي تسلمت محكمة الموضوع خطابا من محكمة الاستئناف تطلب فيه اوراق القضية ، وسرعان ما تصدى القاضي الشرعي بمحكمة الاستئناف لموضوع العقوبة وانتهى الى بطلان وقف التنفيذ وامر بتوقيع عقوبة الجلد والسجن والغرامة (كانت معظم مواد قانون العقوبات تقضي بتوقيع عقوبة الجلد والسجن والغرامة مجتمعات مما حمل رئيس القضاء - مولانا دفع الله الحاج يوسف - فيما بعد لاصدار منشورا خفف به من غلواء القانون بتوجيهه القضاة الى قراءة حرف الواو الواقع بين كل عقوبة واخرى كما لو كان "او" ) وبوصول قرار محكمة الاستئناف ارسلت المضيفة الى سجن امدرمان بعد ان جلدت اربعين جلده وشهد عذابها طائفة من الفضوليين بفناء المحكمة .

    لقد كانت لدى القضاة الشرعيين عقيدة راسخة بانهم ورثاء الاحكام الشرعية حتى لو كانت في مجال قانون الجنايات ، فقد تحامل قاضي محكمة الاستئناف الشرعي على قاضي الموضوع واتهمه وغيره بسيطرة العقلية العلمانية على احكامهم وترددهم في تطبيق شرع الله .. الخ ، وذكر بيانًا لنقضه الحكم ، انه لا يجوز الحكم بتوقيف العقوبة اذا كانت الجريمة مخالفة لاحكام الشريعة الاسلامية ، ولما كان حمل الخمر قد ورد فيه الحديث الشريف " لعن الله شاربها وحاملها .. الى اخر الحديث " فإنه يتعين توقيع عقوبة الجلد والسجن والغرامة كما اراد المشرع .

    لقد اعمت الحماسة لتطبيق الشريعة القاضي الشرعي الى ان يفطن الى حقيقة بديهية هي ان اي جريمة سواء وردت في قانون العقوبات الاسلامي او العلماني هي بالضرورة وحتما تتعلق بفعل يخالف احكام الشريعة الاسلامية ، وهذه حقيقة بسيطة مردها ان الشريعة اشمل من القانون لتعلقها بكافة مناحي الحياة وبدأ مما ورد عن ايذاء الحيوان واماطة الاذى عن الطريق وانتهاء بالنهي عن قتل النفس الا بالحق ، ولماذا نذهب بعيدا فان الحديث الشريف " لا ضرر ولا ضرار " يبتلع كل القوانين الوضعية ويجعل من مخالفتها مخالفة لاحكام الشريعة الاسلامية على النحو الذي اراد له القاضي الشرعي القائم بامر الجنايات في ذلك الوقت .

    لم تكن الحماسة وحدها تسعف القائمين على تطبيق القانون ، فما كادت تمضي بضعة ايام على تطبيق العقوبات الشرعية في المضيفة وزميلها حتى قدم الى مطار الخرطوم وزيرفي احدى ولايات المانيا الاتحادية ، وكان من بين متاعه زجاجات من الخمر لم يقم حتى باخفائها عن اعين رجال الجمارك ، فلم يكن هناك ثمة خيار سوى فتح بلاغ ضده بحيازة الخمر .

    ومن مقر اقامته بفندق هيلتون الخرطوم احضر الوزير الالماني في صبيحة اليوم التالي امام المحكمة مصحوبا بكبار مسئولي وزارة الخارجية ، وفيما لم يتردد الرجل في الاقرار بحيازته للخمر ملقيا اللوم على سفارة السودان في بلاده التي اغفلت تنبيهه ، ولم يصلح لومه دفاعا في قضيته ، واصدر قاضي الجنايات حكمه بالادانه بيد انه لم توقع اية عقوبة اذ قام باطلاق سراحه تحت اختبار حسن السير والسلوك ، وما كانت مسألة حسن السير والسلوك تهم الوزير الالماني في شئ ، فقد غادر الخرطوم في ذات النهار ، اما برلمان مايو ومحكمة استئناف الخرطوم الشرعية الجنائية فقد لاذ كلاهما بصمت كامل ، لعلها اعتبارات حسن العلاقلت الدولية !!

    إذا كان الوزير الالماني قد امتلك الشجاعة للاقرار بجريمته المخالفة لاحكام الشريعة الاسلامية ، فلم يكن ذلك هو الحال مع عشرات المتهمين الذين كانوا يساقون كل صباح بجريمة شرب الخمر او حيازته ، وكانت العادة - واظنها لا تزال - ان يحضر المتهمين المقبوض عليهم ليلا لتتم محاكمتهم في صباح اليوم التالي ، ولما كان رجل او رجال الشرطة الذين يلقون القبض على المتهمين يكونون في اجازة عن اعمالهم في صباح اليوم التالي للقبض ، فقد كانت المحاكم تبادر بسؤال المتهم عن رده على التهمة في غياب الشهود ، وفي البدايه كان معظم المتهمين يقرون بشربهم او حيازتهم للخمر ، والذي تلاحظ ان اكثرهم يتراجع عن اقراره - بنصيحة من فضولي او خبير - عندما يخرج القاضي من مكتبه لحضور تنفيذ عقوبة الجلد التي صدرت عن اقرار المتهم ، ولا يجد القاضي امامه من سبيل سوى ابطال العقوبة وتسريح المحكوم الذي يمضي في شأنه بين مصدق ومكذب .

    هذه الصوره من الحمل على الكذب ، كانت تعكس وجه المفارقة بين معنى العقوبة الحدية كتطهير للنفس من ذنوب الدنيا كما كان يبتغيها من عاشوا في صحيح الاسلام ، وبين معناها في مجتمع كان يستحي افراده من الكذب ويجاهرون بالشرب .

    لقد كشف تطبيق المحاكم الجنائية لقوانين سبتمبر عن ثغرات وعيوب بالغة الجسامة ، وقد المحنا اليها في اكثر من موضع ومن بحث ، ومع ذلك استمر تطبيق تلك التشوهات التي نجمت عن عجز واضعي تلك القوانين في المزج بين الاحكام الشرعية المستقاه من كتب الفقه والنظريات المستحدثة في علوم القانون كالمسئولية عن التحريض والتستر الجنائي والاتفاق الجنائي ... الخ .

    لذلك لم يكن غريبا ان تقوم بعض محاكم الاحوال الشخصية الجنائية باصدار احكام بالقسامة ، والقسامة لمن لم يسمع بها هي - بايجاز - تقسيم دم الميت على اهل القرية او المنطقة من الرجال البالغين التي عثر على جثته بقربها اذا لم يتم التوصل لمعرفة قاتله ، والمفارقة واضحة بين الحكم الشرعي المراد من القسامة في ظل المجتمعات العربية التي تقوم على السند القبلي والعشائري ، باعتبار ان الفرد كما تحميه قبيلته فهي تتحمل اوزاره ايضا ، وكانت القسامة طبقا لهذا المفهوم مدعاة لدرء الثأر من القبيلة او العشيرة ، فضمان الدم يعني تقسيم دية القتيل بين افراد القبيلة او العشيرة فتهدأ النفوس وتستقيم الحياه ، واستنساخ القسامة يبدو مثيرا للسخرية اليوم في مجتمع اكثره من المستأجرين العابرين في احياء ومدن لا يعرف فيها الساكن اسم جاره . ولعله التباري في احياء التراث الفقهي هو الذي قاد محاكم الاحوال الشخصية الى اقامة القسامة فهي اجتهاد فقهي تناسب مع الظروف التي نشأ فيها ولا محل لتطبيقه اليوم وليس في اغفاله وتجاوز تطبيقه مجافاة للدين او الشرع في شيئ .

    وليست احكام التحريض الجنائي في تلك القوانين بافضل حالا من القسامة ، فالمعلوم ان المحرض على الجريمة ( بالاشتراك او المساعدة ) وكذلك الذي يتستر على الجريمة يكون شريكا فيها ، ولكن - بطبيعة الحال - بدرجة اقل ، والذي افرزت عنه قوانين سبتمبر العقابية الشرعية انتهت الى نتائج معكوسة شديدة الغرابة ، فقد حدث في قضية مقتل محامي شهير في منطقة الجزيرة ان حوكم القاتل بالاعدام بينما عوقب آخرون تستروا على جريمته وساعدوه في اخفاء معالمها بالسجن لفترات متفاوته (سنتان وخمس سنوات) وحينما انتهت المحكمة العليا للاحوال الشخصية الجنائية الى استبدال عقوبة الاعدام بالدية ، قام القاتل وذووه بسداد مبلغ الدية في خزينة الحكمة وظل القاتل يواظب على زيارة رفقائه في السجن كل جمعه لخمس سنوات ، ومن باب التزيد نضيف هنا ان سند المحكمة العليا في اسقاط القصاص الشرعي (الاعدام) كان اغرب من النتيجة التي انتهى لها حال الشركاء في تلك الجريمة ، فقد كان الرأي عند المحكمة العليا انه لا يجوز القصاص من مسلم بموجب شهادة صادرة من غير المسلم ولم يجد المكتب الفني بالمحكمة العليا حرجا في نشر ذلك الحكم بالمجلة القضائية ليصير سابقة يسير على هديها القضاة والمحاكم .

    اما في الجرائم الجنسية فقد كانت المفارقة انكأ ، ففي محاكمة جرت امامي بمحاكم الخرطوم بحري ، قدمت النيابة اربعة شبان اقوياء بتهمة هتك عرض واغتصاب صبي صغير ، وقد فوجئت منذ بدء سير المحاكمة باقرار المتهمين - في حضور محاميهم - بالفعل المنسوب لهم بادخال كل منهم ذكره في دبر الصبي ، ولم ادرك نباهة المتهمون ومحاميهم الا عند اعلان العقوبة الحدية وهي الجلد ثمانون جلده لكل منهم ، اذ ان الجريمة في صورتها المخففة - هتك العرض دون الاغتصاب الكامل بادخال الحشفة "راس الذكر" او ما يعادلها ان كانت مقطوعة طبقا للتعريف الشرعي - يمكن ان تنتهي بهم الى عقوبة السجن الذي قد يصل الى عشرة اعوام - ليس هناك ما يمنع من توقيع عقوبة السجن المؤبد - وما كان ذلك فقد فضل المتهمون عقوبة الجلد ليهرش كل منهم ظهره بعدها ويتوجه الى منزله .

    لا ينتهي هذا الحديث اذا لم نذكر ان تلك عيوب تنسب الى واضعي تلك القوانين وعجزهم عن مزجها بالنظريات العلمية المستحدثة ولا تنسب بحال الى عجز او قصور في الفقه الاسلامي او - بطبيعة الحال - الشريعة الاسلامية الغراء .

    سيف الدولة حمدنالله عبدالقادر

    مسقط- سلطنة عمان

    مارس 2004











                  

03-12-2004, 09:08 PM

عبدالله

تاريخ التسجيل: 02-13-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العداله العاجزه كيف يستقيم القضاء في دولة معوجة /سيف الدوله حمدناالله (Re: عبدالله)

    الموضوع نقلا عن سودانايل
                  

03-13-2004, 06:48 AM

عبدالأله زمراوي
<aعبدالأله زمراوي
تاريخ التسجيل: 05-22-2003
مجموع المشاركات: 744

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العداله العاجزه كيف يستقيم القضاء في دولة معوجة /سيف الدوله حمدناالله (Re: عبدالله)

    تحياتى عبدالله...
    لقد سعدت ايما سعادة ان اجد مقال القاضى العالم والقانونى الفذ مولانا سيف حمدنا الله، فقد شهدنا له بالحصافة والنزاهة والجرأة البالغة قبل واثناء وبعد ظهور ذاك المسخ المشوه والمسماة بمحاكم العدالة الناجزة؛ وكأن العدالة تؤتى بالشعارات الجوفاء..
    تلك ايام حالكة السواد فى تاريخ القضاء، ويكفينا ما اورده الصديق سيف من بؤس وغلو ومفارقة للقانون وسجل الاحكام والسوابق وضمير القاضى الذى ينبغى ان يتصف بالأعتدال...
    لقد زاملت احد القضاة، الذين يتربعون على عرش القضاء اليوم، ورايته يصدر حكما يقطع يد السارق الشاب، والأمر بتعليق اليد المقطوعة فترة من الزمن.....
    وما بدر من هذا النحرير وضع فى ميزان حسناته القضائية ليوم راينا فيه هذا القاضى يوزع صكوك الصلاح يمنة والعلمانية يسرة...
    لقد آن الأوان لتوثيق الخراب الذى حل بالقضاء على يد قضاة العدالة الناجزة وانصاف القضاة الذين يتربعون على عرشه؛ بقيادة نفر من قضاة الحيض والنفاس....

    تحياتى لمولانا سيف....
    والشكر للزميل عبدالله
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de