|
|
 فقه التحرر
|
ثار صديقنا ابوشنب حينما ضبطنا ذات يوم , ونحن ثلة من الاولاد والبنات نتانس ونضحك , واعلن انه ( رجل شرقي ) لايستطيع تقبل مثل هذه الامور ..
كان ذلك في ثمانينات القرن الماضي . بعدها بسنوات صرت اتامل فكرة ان تكون شرقيا هذه , وكيف تاتي للسوداني ان يصير شرقيا . فالسودان - كما يعلم البعض – يقع في افريقيا التي تصنف ضمن قارات العالم القديم , وبتصنيف اقتصادي ضمن جنوب الكرة الارضيه الفقير , وبتصنيف ثقافي –سياسي لا يقع ضمن الشرق , لا الاقصي ولا الاوسط ..
فما هي اهم مميزات ان تكون شرقيا ؟
التهذيب المبالغ فيه , الغموض , والتربية الصارمة للذات كما عند اليابانيين , حيث انتحر الكاتب يوكيو ميشيما علي مرأي من اصدقائه احتجاجا علي تخلي الجيل اليابني الجديد عن القيم العتيده وتبنيه لمسلك حياة يجنح نحو الغرب .
ام هي عقلية النمل المثابرة التي بنت سور الصين القديم ؟
ام هو الروح المسالمة للمهاتما غاندي بزهده وصبره الذي دفع به للحج نحو المحيط مشيا علي الاقدام
ان ما يجعل من السوداني شرقيا محضا , يجب ان يجعل من الكاميروني والاوغندي والغاني ايضا شرقيين فهل ثمة قاسم مشترك ؟ الصبر , التسامح , التهذيب ؟ لا اظن
ام هي فكرة تقسيم الادوار في الحياة اليومية بين الرجل والمرأة , وهي فكرة شرقيه لا يمكن تجاهلها صديق لي اخر يذهب للاعتقاد ان فكرة تقسيم الادوار هذي جديدة نسبيا في المجتمع السوداني ويربطها بدخول الاتراك للسودان وظهور ثقافة الحريم ( حوش الرجال وحوش النساء ) فقبل ذلك بزمان كان الجميع طلقاء يعملون ويأكلون ويشربون ويحتقلون سوية.
ومن المفارقات ان تركيا اليوم تسعي للتخلص من جذور هذه الثقافة , علي مستوي المظهر تمنع ظهور النساء بالحجاب في المؤسسات التعليمية ودواوين الحكومة , وعلي مستوي سياسي تمنع تشكيل الاحزاب علي ارضية دينيه وجعلت من الجيش التركي كلب حراسة لحماية هذا المبدأ الدستوري , هو المشكل ذاته الذي يعوق تركيا من الانضمام للمجموعة الاوربيه , اعني تدخل الجيش في المسرح السياسي . واضح ان تركيا لا تستطيع التوفيق بين خصوصيتها الشرقيه واوربيتها المزمعة .
وواضح ان هنالك ثمة خلط بين الشرقيه والدين
فالسوداني المسلم الذي يضرب زوجته , يفعل ذلك لان هنالك ثمة مسوغ ديني يبيح له ذلك وينام بضمير مرتاح.
والسوداني غير المسلم يفعل ذلك لان الضرب تعبير عن الاهتمام بل والحب , والاوغندي والكيني يفعلان ذلك لذات السبب او ربما لاسباب اخري ..
والهندية البوذية التي تغسل قدمي زوجها تفعل ذلك عن حب خالص وليس لذلك علاقة باضطهاد الرجل الشرقي لزوجته .
سادع صديقي الشرقي ابوشنب في نعيمه , لان الفكرة اضحت بالنسبة لي غامضة ومعقدة , او انا الذي تعمدت ان اجعلها كذلك .
ولنجرب فكرة اخري ليست ببعيدة عن هذه المقدمة المطولة , هي فكرة العلاقة , بل التنافر بين الدين والشيوعية , التنافر الذي ادي الي تبني الدين للراسمالية والتمترس معها في مكافحة الشيوعيه ..
هذا التحالف الذي دفع بامريكا الي تبني بن لادن ذات زمان وتدريبه من اجل مكافحة الشيوعية ..
التنافر الذي جعل الفاتيكان يصف الشيوعية بانها فاسدة من اصلها .
فذات يوم في نهاية الستينيات – لعله العام 1967 – التقي الاسقف البرازيلي ( دون كامارا ) بروجيه غارودي الذي كان وقتها في سكرتارية الحزب الشيوعي الفرنسي , فقاما بفتح حوار بينهما تمخض عن تحالف جديد وغير مسبوق لم يكتب له ان يعمر طويلا .
اتفقا ان المقولة الشيوعيه ( الدين افيون الشعوب ) تنطبق فقط علي الدين حين يتحول الي اداة لتغييب الشعوب وقهرها ونهب ثرواتها من صكوك الغفران الي البيوت الدينية التي تسخر بسطاء المؤمنين للعمل المجاني غير المدفوع .
بالمقابل ليست الشيوعيه فاسدة من اصلها , ولكنها تكون كذلك حين تحيد عن مبدأ العدالة والمساواة , وحين تخل بعلاقات التوزيع لصالح الفئات البيروقراطيه وحين تقتل الرأي الاخر داخل اجهزتها .
وتم الاتفاق علي وصم الراسمالية بالفساد في لعبها بجعل الفئات الاجتماعية تتصادم ببعضها , في سحقها للفئات المعدمة قليلة الامكانيات والحيله , وفي اطلاقها العنان لمبدأ الربح المطلق والفاحش .
دشن هذا التحالف لمجموعة من الكتابات التي بدأت بلاهوت التحرر الذي دمغ كل الكتابات التالية بهذا الاسم في امريكا اللاتينيه .
بهذا تم اسقاط التنافر السافر والفظ بين الحاد\ ايمان وتم التركيز علي قضايا بعينها كانت تهم الطرفين بعيدا عن اوهام الفيزيقا والميتافيزيقا .
لم يكتب لهذا التحالف بين الكنيسة البرازيلية والشيوعيه ان يدوم طويلا فالاسقف دون كامارا قد تلقي توجيها من الفاتيكان بالكف عن هذا ( الهراء ) .
وروجيه غارودي قد تم فصله من الحزب الشيوعي .
فهل نطمع في مثل هذه التحالفات التي تسمي الاشياء بأسماءها . بحيث تري القتل قتلا في دارفور وجبال النوبة وشرق السودان وليس مهمة ربانية مقدسه.
وان فكرة الالحاد منحي شخصي في الاقتراب من الحياة يفضل استكشاف ما يربض خلفه من القضايا الحيوية والحياتيه التي تهمنا جميعا .
النداء موجه لاهل البورد يمين ويسار , مؤمنين وملاحده
لنقبل ببعضنا كما نحن.. ولنترك قليلا لهجة التناحر الديني
( ولو شاء ربك لامن من في الارض جميعا )
فلماذا تشاءون انتم غير ذلك ؟
|
|
 
|
|
|
|
منعمشوف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست