ألفاظ القرآن ومعانيه من أسرار الإعجاز البياني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 03:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-28-2004, 06:45 AM

مصطفى بابكر حامد

تاريخ التسجيل: 12-21-2003
مجموع المشاركات: 100

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ألفاظ القرآن ومعانيه من أسرار الإعجاز البياني


    ألفاظ القرآن ومعانيه من أسرار الإعجاز البياني
    ـ ترتيب حروف القرآن وتناسق كلماته من أسرار إعجازه البياني
    ـ الوحي إلى النبيين بطريقة خفية لا يشعر من حولهم بما أوحي إليهم
    ـ على دارسي العلوم التطبيقية جعل القرآن محور دراستهم


    لعلك إذا قلبت النظر بين ألفاظ القرآن ومعانيه تجد إعجازه يشع عليك منهما معا، فتترتب حروفه بمالها من صفات وإيحاءات وتناسق كلماته بما لها من شعاع يتألق من رصفها وترتيبها وتنساق المعاني التي تسابق إلى النفس وقع ألفاظها في السمع كل ذلك من أسرار الإعجاز البياني في القرآن فقد قدر في ترتيب حروفه مخارجها ونبراتها وصفاتها وما يوحي به كل حرف من أثر في النفس كما قدر في ترتيب الكلمات التناسق العجيب بحيث تكون كل كلمة منها لقف أختها فلا تجد ما بينها ما ينبو عنه السمع أو ينفر منه الطبع، وما أجمل وصف الأستاذ الرافعي لحروف القرآن إذ وصف كل حرف منها بأنه يمسك الكلمة ليمسك بها الجملة، وما أروع المثل الذي ضربه للقرآن حيث جعل مثله مثل نظام الكون في ترتيبه الدقيق وتناسقه العجيب بكل ما فيه من الذرة إلى المجرة، وإذا كان الأستاذ الرافعي يراعي في هذا المثل الشبه بين نظام القرآن ونظام الكون في تناسقهما فإن هناك وجها آخر للشبه بينهما وهو ما يستجلي بين حين وآخر من أسرار آيات الله الكونية وآياته القرآنية سواء ما يتعلق ببيان القرآن المعجز أو معانيه الباهرة ولنعد إلى ذكر بعض الأمثلة لما ذكرنا....
    من مميزات التعبير القرآن يقول تعالى مصورا عاقبة نوح وما أصابهم من الغرق (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود/44) إن كل من أوتي نصيبا من الذوق والحس يشعر بتلاوة هذه الآية إن تلاها أو من تليت عليه بهاجس نفسي يستوقفه عند كل كلمة بل عند كل حرف منها وما ذلك إلا لما فيها من دقة الترتيب وجمال التنسيق بين الحروف وبين الكلمات وما يصحب ذلك من ترتب المعاني وتساوقها فكان كل حرف منها لـه إشعاعة الخاص ويبدأ تجلي ما فيها من جمال وجلال بتصدير الآية بالقول مبنيا للمجهول : (وقيل) وما ولي ذلك من نداء الأرض باسمها الصريح بنا من أحرف النداء دون غيرها وأمرها بأن تبلع الماء وإضافة الماء إليها وإتباع نداء الأرض بنداء السماء بنفس الأداة وأمرها بالإقلاع وإظهار النتيجة وهي غيض الماء وقضاء الأمر بصياغة فعل مبني للمجهول من كل منهما واستواء السفينة على الجودي وإعلان النهاية وهي بعد القوم الظالمين، ولو أن حرفا من هذه الحروف انتزع من مكانه لم يسد غيره مسده وبهذا يظهر أن البلاغة كما تكون في الجمل تكون في المفردات أيضا مع الترتيب وإن كانت الكلمات المفردة لا يتجلى جمالها ولا يسطع ضياؤها إلا إذا قرنت بما يناسبها بحيث تكون كل واحدة منها آخذة بحجزة أختها بحسب ترتب المعاني في النفس، وإن شئت فانظر في قوله تعالى (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) (التكوير/1 تجد من الروعة والجمال باجتماع كلمتي الصبح والتنفس ما لا تجده لو جيء بأي كلمة لتوضع مكان إحدى الكلمتين بهذا التأثر فإن كلمة الفجر إذا تنفس لم تخالط نفسك هذه الروعة ولم تحس بهذا التأثر فإن كلمة الفجر وإن كانت رديفة لكلمة الصبح فهي تختلف معها في الاشتقاق لأنها مشتقة من الانفجار وهذا يعني أن الفجر أول سطوع ينشق عنه ظلام الليل والصبح مأخوذ من الإصباح وهو سريان الضوء لتمزق رداء الظلام الذي يجلل الفضاء ولذلك كانت كلمة الصبح هنا أليق وأنسب من كلمة الفجر لاقترانها بذكر التنفس والتنفس دليل الحياة لأنه عبارة عن جذب الأنفاس إلى داخل الجسم وإخراجها منه وبدخول الأنفاس في الجسم تعطي الجسم مادة الحياة وخروجها استمرار للحياة وهذا لا يناسب ذكر الفجر كما يناسب ذكر الصبح لما تصوره جملة (والصبح إذا تنفس) من ذلك المشهد الذي ينساب فيه ضوء الصباح في الفضاء فيطوي رداء الظلام وتسري الحياة في عالم الأرض فتغني الطيور وتحيا الحركة إذ ترى الناس بين آت وذاهب يغدون إلى أعمالهم والحيوانات تنطلق من مرابضها ساعية وراء رزق الله، والأشجار تستقبل أزهارها وأوراقها هذا الضياء استقبال العاشق لمعشوقه، ومثل ذلك قل في تناسب جميع الكلمات وتآخيها انظر إلى قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورٍُ) (الشورى/52، 53) تجد هاتين الآيتين مسبوقتين بذكر الوحي وكيفيته في قوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب....الآية) وهنا وجه الخطاب بأسلوب الالتفات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (وكذلك أوحينا إليك) يعني أنه سبحانه أوحى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم بنفس الطريقة التي كان يوحي بها إلى النبيين من قبل ولم يقل عز من قائل وكذلك أرسلنا بدلا من أوحينا لما في الإيحاء من معنى لطيف فهو يدل على الخفاء الذي لا يدل عليه الإرسال. والوحي إلى النبيين يكون بطريقة خفية بحيث لا يشعر من حولهم بما أوحي إليهم به وبين سبحانه أن الموحى به روح من أمره والروح أنسب بالوحي لما في الروح من اللطف والخفاء ويظهر أن الأرجح تفسير الروح هنا بالقرآن لا جبريل فإن الموحى به هو القرآن وحمله على جبريل- كما يقول كثير من المفسرين- لا يتأتى إلا إذا فسر أوحينا بأرسلنا وبين- سبحانه- في الآية أن الروح الموحى به من أمره فلا دخل لأهواء الناس ونزعاتهم فيما أوحي به ولا تأثير لشيء عليه وفي التعبير بالروح أيضا ما يشعر بأن الموحى به سبب للحياة، كما أن الروح التي تنفخ في الجسم سبب لحياته، وإنما حياة الناس بالروح الموحى به حياة معنوية فهي حياة العقول والأفكار وحياة المشاعر والأحاسيس ثم أتبع ذلك قوله (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) لإظهار المنة على النبي صلى الله عليه وسلم الذي أكرمه الله بالوحي وهداه به ولم يكن يقرأ قبله من كتاب ولا يعرف تفاصيل الإيمان وإن وقر مجمل الإيمان في قلبه، إذ لم تؤثر حياة الجاهلية على عقله ولا سلوكه ثم تلا ذلك قوله (نهدي به من نشاء من عبادنا) لبيان أثر القرآن فهو نور من الله يشرق على العقول فيهديها ويطوي من النفس ظلمات الطبع ثم بين - تعالى - تشريفه لرسوله صلى الله عليه وسلم بجعله هاديا إلى صراط مستقيم يهدي ببيان ما أنزل إليه من الكتاب يفصل مجملاته ويوضح مبهماته وينشر طواياه فانظر إلى هذا التناسق بين الكلمات والتساوق في المعاني وما تجده من لذة وقع الكلمات في سمعك وأثر معانيها في نفسك، وتجد التآلف بين الحروف كالتآلف بين الكلمات وخذ مثلا قوله تعالى عن أخوة يوسف (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ) (يوسف/85) تجد تصدير المحكى عنهم بالقسم ولم يكن القسم بالباء أو الواو وإنما كان بالتاء وهي مقرونة بما يضاهيها من الحروف والكلمات في الشدة والندره، منها كلمة (تفتأ) التي تكررت فيها التاء وتلتها الهمزة وهي من الحروف الشديدة أيضا، وجردت تفتأ من لا النافية لتخلص الشدة في التركيب ثم جاءت كلمة (تذكر يوسف) وتذكر فيها حرفان من حروف الشدة وهي التاء والكاف، ثم جاءت جملة (حتى تكون حرضا) في هذا الموضع لتتم ندرة التعبير فإنها مع ثقلها نادرة الوقوع، وهذا التعبير القرآني يعكس الحالة النفسية التي كان عليها المحكى عنهم فإنهم كانوا يشعرون كلما طرق ذكر يوسف مسامعهم أو خطر على قلوبهم ببشاعة جريمتهم فتتصور لهم في سويداء قلوبهم وتتمثل لهم أمام سواد أعينهم وتجرد لهم ضمائرهم سياطا من الملامة تلذعهم بوقعها في نفوسهم، فقد جنوا على أبيهم الشيخ الكبير الحاني وعلى أخيهم الناشئ الصغير الضعيف وهم يرغبون في التخلص من الإحراج الذي يواجهونه كلما دار اسم يوسف على لسان لا سيما لسان أبيهم الذي لا ينفك عن ذكره ولا تبارح نفسه ذكراه. فلا غرو إذ جئ بمثل هذه الكلمات الشديدة النادرة في الحكاية عنهم، وقل مثل ذلك فيما حكي عنهم من قولهم (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) (يوسف/73) فإن الحكاية قسمهم بالتاء تعكس انفعالهم وكذلك ما ذكر عن إبراهيم عليه السلام من قوله (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) (الأنبياء/57) فإن المقام مقام غضب وانفعال من أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام بسبب تعنت قومه في الكفر وإصرارهم عليه واتخاذهم الأنداد لله سبحانه.سر ميزة التعبير القرآني وقد يتساءل بعض الناس كيف تكون هذه الميزة للتعبير القرآني؟ وكيف يعجز العرب عن الإتيان بمثله؟ مع أنه لم يأت بجديد من الحروف والكلمات فحروفه هي حروفهم التي ألفوها وكلماته هي كلماتهم التي عرفوها
    وأرى أن ترك الإجابة هنا للباحث الكبير الدكتور محمد دراز الذي أجاب عن مثله في كتاب (النبأ العظيم) بأن صنعة البيان كصنعة البنيان، فالمهندس الماهر لا يأتي بمادة جديدة في البنيان ولكن يظهر تفوقه بحسن التصميم وباختيار النوع الجيد من مادة البناء وترتيبه للغرف والأبهاء حتى تتسع المساحة الصغيرة من الأرض لكثير من الحجر التي لم تكن لتتسع لها لولا حسن الترتيب وحتى يتخللها الضوء والهواء إلى غير ذلك من نحو خفة السقف ومتانة الأسس، فكذلك يكون التفاوت في صنعة البنيان في جودة المعاني وترتيب الكلمات وإلا فالحروف هي الحروف والكلمات هي الكلمات، وأريد أن أضيف إلى ما يقوله العلامة دراز شيئا آخر وهو أن التفاوت بين صنعة- تفاوت لا تمكن معه المقارنة فالناس يصنعون من مادة التراب أنواع الأوعية الخزفية والآجر وسائر المصنوعات المألوفة وهي كلها من أنواع الجمادات الميتة والله تعالى صنع من التراب نفسه الإنسان وجميع عناصر التراب موجودة في جسمه وقد نفخ الله فيه من روحه فسرت الحياة إلى كل خلية من خلاياه وجعل فيه من الغرائز والطبائع والأحاسيس والأفكار ما يؤهله لأن يكون خليفة في الأرض، وجعل فيه من عجائب التكوين ما يبهر الباحثين فجسمه يشتمل على ملايين الملايين من الخلايا ولكل خلية وظيفتها ولكل خلية مطالبها التي هيأها الله تعالى لها، وهكذا مثل الفارق بين كلام الله وكلام الناس فالحروف هي الحروف والكلمات هي الكلمات ولكن لكلام الله روح تميزه ليست في كلام الناس، وبسبب هذه الروح كان هذا القرآن يسري في نفس أي إنسان سريان الروح في الجسم والضوء في الفضاء والماء في الشجر.ويتميز القرآن عن كل كلام بأنك لا ترى فيه أثرا للسأم ولا تجد فيه ما يشير إلى الملل ولذلك لا تستطيع أن تفاصل بين عبارة وأخرى منه فهو كنهر من النور كل حرف منه لمعة نورانية ساطعة بينما كلام الخلق تظهر فيه بـأحدهم جواد البيان فترى في كلامه الإسفاف الذي لا يقارن ببليغ كلامه فهذا امرؤ القيس من نوابغ شعراء الجاهلية تجد له كبوات في شعره ومثله المتنبي من كبار شعراء المولدين وقل مثل ذلك في جميع الشعراء والخطباء والكتاب بدون استثناء.عجز العرب عن الطعن في القرآن أو معارضته وقد ترصد العرب للقرآن وأمعنوا النظر في حروفه حرفا حرفا علهم يجدون ما يأملون من مطعن، ولكن وجدوا كل جملة تبهرهم بتركيب كلماتها وتناسق حروفها وتآخي معانيها وجمال تصويرها وسعة مدلولها بحيث لا تبقى خاطرة تخطر بالنفس إلا وقد استوفتها في الدلالة، والناس مهما أوتوا من ملكة البيان فبيانهم لا يفي بما في نفوسهم من التصورات فقد تتناسق في نفس أحدهم المعاني الكثيرة فإذا جاء يعبر عنها أخفق في التعبير وجاء بيانه دون ما يرمي إليه وهذا لأن فنية التصوير تكون دائما وأبدا أقل من عمق التصور وهذا أمر مشترك بين جميع البلغاء لا فرق فيه بين العرب وغيرهم، وقد قسم أحد الكاتبين الكلام إلى ثلاثة أقسام (صوت النفس وصوت العقل وصوت الحس).فصوت النفس هو الكلمة التي تخرج حاملة معها نبرات حروفها مع ما توحيه تلك الحروف باختلاف مخارجها وتعدد صفاتها من إيحاءات خاصة فهذه الكلمة هي خطوة من خطوات المعاني تتقدم بها إلى النفس.وصوت العقل هو ما يشد الإنسان ويثير انتباهه من معان تؤدي بالعبارات البليغة التي تصل إلى موضع الإقناع من العقل والوجدان من القلب.وصوت الحس هو أعمق أثر وأقوى تأثيرا من ذلك كله وهو أن يستولي الكلام على حس الإنسان استيلاء يجعل النفس تشعر أنها منساقة إلى هذا التعبير انسياقا لا تملك دفعه وتنجذب إليه انجذابا لا تستطيع تصوره ولا تصور أسبابه، ذلك لما في الكلام من روح غيبية فوق مدارك الأفهام وهذا الصوت إن وجد في كلام الناس فهو نادر الوقوع ولا يكون إلا في كلمات معدودة أما أن يكون في جميع الكلام أوله وآخره فهو لم يعهد إلا في القرآن وحده، فكل حرف من حروفه تسري فيه هذه الروح الغيبية فتجعله نابضا بحياة لا توجد فيه لو أزيل من موضعه ووضع في أي موضع من كلام بلغاء البشر، وبهذه الروح التي يتميز بها القرآن ملأ قلوب العرب سر إعجازه فكان هذا الإعجاز راسخا في قرارة كل نفس من نفوسهم وإن أنكروه بأطراف ألسنتهم وكان هذا الإحساس لا ينفك عنهم فلو حاولوا أن يأتوا بأي كلام آخر ليعارضوه به لشعروا بذلك الإحساس يسد عليهم مسالك التعبير ولو استطاعوا ترتيب المعاني الذهنية في نفوسهم بعمق تصورهم وسعة خيالهم لخانتهم ألسنتهم وتعثرت في نهج البيان وإذ عجز العرب- الذين كان البيان سجية من سجاياهم - عن معارضته فمن بعدهم من المولدين أوغل في العجز وإن تعمقوا في دراسة سر البيان واستجلوا لطائف التعبير إذ ليس التطبع كالطبع (ليس التكحل في العينين كالكحل). ولو حاول ذلك لبدا لهم عجزهم من حيث يتخيلون قدرتهم فلو اشتغلوا بالحروف ينظمونها مع رعاية مخارجها ونبراتها وإيحاءاتها لفاتتهم المعاني وجاءوا بكلام لا يجدون له معنى، ولو اشتغلوا بالمعاني وتحرروا من التقيد بأسلوب القرآن لوجدوا الطباع نافرة عن تقبل ما يقولون مع العلم أن الكلام البليغ لا يوجد في فقرات قصيرة إلا في بعض الأمثلة التي تضرب وتأثير هذه الأمثلة في النفس موقوف على شرحها وبيان المناسبات التي قيلت فيها وأين ذلك كله من كلام الله الذي تجد الفقرة منه تغوص في أعماق النفس فتمتلك لبها بمجرد وصول حروفها إلى السمع. ولم أكن أظن أحدا من الناس وإن غلظ طبعه لا يحس بالفارق بين القرآن وغيره إذا تليت آية منه في وسط أي كلام مهما بلغ من شأو في حسن التركيب وجزالة المعنى وقد سمعت أن امرأة أوروبية لا تتفقه العربية أصغت إلى خطيب عربي كانت تتخلل خطبته آيات من القرآن فأخبرت الخطيب أنها شعرت بكلام من غير جنس كلامه يتخلل عباراته فأخبرها أن ذلك هو القرآن، وما أعجب إلا من حال الذين حرموا من هذا الذوق فلا يحسون بالفرق بين القرآن وغيره مع معرفتهم باللسان العربي وانطلاق ألسنتهم به. من دلائل الإعجاز في التعبير القرآني سومن دلائل الإعجاز في عبارة القرآن تميزه عن غيره من الكلام البليغ بكثرة الاحتمالات فإن كلام البشر كلما كان أبلغ كان أدل على المطلوب وأبعد عن الاحتمالات ولكن القرآن بما أنه صوت الغيب الموجه إلى مسامع الدهر يعي كل زمن من أزمنة الدهر من معانيه بقدر ما يكون فيه من مقاييس الفكر وتطورات العلم ومن ثم تجد الإنسان في كل عصر يشعر إذا تلا القرآن أن حقائقه تتجلى أكثر ما تتجلى في العصر الذي هو فيه فتجد الأعرابي البدائي الذي ما كان يتخيل المراصد الجوية ولا درس شيئا من الهيئة الكونية إذ تلا قول الله تعالى (وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُون وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يسن/37، 39) يتصور منه المعاني التي تنطبق على فكره ، ويتسع لها أفقه العلمي ، كما تجد عالم الفلك الذي يستعين بالآلات المستحدثة المتنوعة على مهمته العلمية يتصور أن هذه الآيات ما جاءت إلا لتخاطب عقله وعقول نظرائه من العلماء الباحثين ومثل هذه الآيات قول الله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان/62) وقوله تعالى (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا) (الأعراف/54) وقوله (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) (الزمر/5) بل تجد صاحب كل تخصص علمي في كل عصر يستخرج من القرآن الحقائق العلمية بحسب ما أوتي من فهم وما وصل إليه من اكتشاف ولا تجد ما يدل على التصادم بين نصوص القرآن ومدلولات العلم وإن اختلفت أطوار العلماء وتباينت مذاهبهم العلمية فكيف وسع هذا القرآن الدهر كله وجاءت عباراته - مع بلاغتها التي تنحط دونها بلاغة البلغاء - منسجمة مع إفهام الناس المختلفة باختلاف الأطوار الثقافية.ما تمتاز به بلاغة القرآن ومما يميز بلاغة القرآن أنك تجد آياته تتناول الموضوعات المتعددة من غير تبويب وترتيب فبينما تجدها تأمر وتنهي تجدها تعد وتتوعد أو تعظ وتذكر أو تكشف عن طبيعة الكون أو تكوين الإنسان أو تقص أنباء الأمم السالفة وأخبار الأنبياء إلى خلخلة في البلاغة ولكن تجده طبقة واحدة في قوة التعبير وجزالة المعاني وانسجام الألفاظ وحسن التركيب بحيث لا يمكنك أن تفضل بيانه في جانب عليه في جانب آخر، بينما كلام نبغاء البشر لا يتيسر له قدرها من البلاغة في كل شيء ولذلك يتفاضل الشعراء والخطباء والكتاب باختلاف الموضوعات التي يطرقونها فقد يفضل شاعر غيره في الوعظ أو الرثاء أو الحماس أو الغزل أو الفخر ولا تجد شاعرا واحدا بعينه يتفوق على الشعراء في جميع أغراض الشعر ومثلهم الخطباء والكتاب وبالجملة فإن وجوه الإعجاز في بيان القرآن أكثر من أن تحصى وما قصدت بهذا النموذج اليسير الذي ذكرته إلا تحريك الهمم وبعث العزائم في نفوس شبابنا خصوصا إلى دراسة الأدب منهم، علهم يصرفون همتهم إلى القرآن الكريم فإنهم- ولا ريب- سيجدون منه النبع الذي لا ينقطع والنور الذي لا يأفل والكنز الذي لا يفنى وفي هذا ما يغنيهم عن المستنقعات الآسنة من الأدب الساقط كغزليات عمر بن أبي ربيعة، وخمريات أبي نواس، وغيرها من الأدب المكشوف الداعر الذي تقذفه سموما قرائح الفساق الحاقدين على الإسلام والمناوئين لأهله وما أكثر هؤلاء في كل عصر خصوصا في عصرنا الذي تميعت فيه الأخلاق وانحدرت فيه القيم وحورب فيه الإسلام بأنواع الشعارات التي ظاهرها الرحمة وباطنها شر أنواع العذاب ولا يفوتني أن أهيب بشبابنا الذين يدرسون الطب والعلوم والاجتماع والاقتصاد وغيرها من فنون العلم أن يجعلوا محور دراستهم القرآن الكريم حتى يكشفوا عن أسرار إعجازه التي لا تزال في الخفاء وأسأل الله لي ولهم ولكل المسلمين التوفيق والعون والتسديد.








                  

05-22-2004, 12:30 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ألفاظ القرآن ومعانيه من أسرار الإعجاز البياني (Re: مصطفى بابكر حامد)


    اللهم انفعنا بالقرآن واجعله حجة لنا لا حجة علينا
    آآآآمين
    _____



    أتق الله حيث ما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن

                  

05-22-2004, 12:33 PM

حمزاوي
<aحمزاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2002
مجموع المشاركات: 11622

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ألفاظ القرآن ومعانيه من أسرار الإعجاز البياني (Re: مصطفى بابكر حامد)

    اللهم اجعلنا من اهل القران
    واجعلنا في زمرة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام
    جزاك الله خيراً اخينا مصطفى بابكر حامد
    وجعله في ميزان حسناتك يوم لقاءه
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de