علي حرب في الخرطوم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 01:07 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-23-2004, 01:05 AM

SUKA


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
علي حرب في الخرطوم

    حوار مع علي حرب


    الحقيقة ليست ما نعرفه وما نخبر عنه، وانما ما نقدر على خلقه وانتاجه من الوقائع والحقائق في كافة المجالات



    الاعتراف بالآخر لا يعني فقط الاعتراف بحقوقه السياسية والمدنية، بل بانه يملك الخبرة والمعرفة في مجال اختصاصه



    لابد من كسر ثنائية النخبة والعامة ورفع الوصاية عن المشروع الحضاري العربي



    العولمة: ليست فردوساً ولكنها ليست جحيماً، فلابد من الافادة من الافق الكوني الذي فُتح



    احتلال العراق ليس كله سلبياً .. فخلاله استعاد العراق قدرته على التفكير



    حاوره: سمؤل محمد احمد



    استضافت الخرطوم في الاسبوع الماضي د. علي حرب المفكر العربي الكبير واستاذ الفلسفة اليونانية في الجامعة اللبنانية، ود. علي حرب مفكر كثيف الانتاج في المجال المعرفي، ظل حاضراً على المشهد الثقافي العربي عبر كتبه التي اثارت كثيراً من المعارك الفكرية، والتي اثرت الساحة المعرفية بالكثير من المفاهيم الجديدة، والروائي منذ كتابه «وهم النخبة» و«حديث النهايات حول العولمة» «والعالم ومأزقه ».



    قد د. علي حرب العديد من المحاضرات ضمن منتدى الفكر والديمقراطية الذي نظمه مركز الدراسات السودانية واتحاد طلاب جامعة الخرطوم. التقته «الاضواء» وتجاذبت معه اطراف الحديث ..



    من احدث كتبك «العالم ومأزقه» الذي تناول الازمة كمشروع خطاب يحيط بالمعضلات التي تجتاح العالم، بالاضافة للازمة المضاعفة في العالم العرب - كما ذكرت - نقف لتحدثنا بصورة مختصرة الى ما وصلت اليه في بحثك؟



    في هذا الكتاب تحدثت عن الازمة العالمية، والازمة اليوم كونية وشاملة لكل المجتمعات والدول، كون العالم اصبح عالماً واحداً فقد تداخلت المصائر والمصالح وتشابكت بحيث ان كل المشاكل الكبرى لم تعد تحل الا على اساس المشاركة، والازمة التي اتحدث عنها عناوينها الكبرى، اقتصادية واجتماعية وبيئية وامنية، فاقتصادياً لا زال الفقر مشكلة بلا حل وربما ازداد وبيئياً مزيداً من التلوث، ويمثل الامن مشكلة المشاكل، فالبشرية عاجزة عن صنع سلام على اي مستوى بل القرن الحادي والعشرين افتتح بعنف لا سابق له، وهو يُرد للعولمة يرد للادوات. فبمقدار ما الادوات فائقة والتقنيات فعالة بمقدار ما العنف يصبح ايضاً فائقاً، يُرد اكثر من ذلك للزمن وليس للعولمة كامكان فتح اطلاقاً، هذه العناوين الكبرى .



    اما الازمة في العالم العربي فهي مركبة ومضاعفة ومزمنة سواء في مواجهة التحديات الداخلية او الخارجية، فالتحديات الخارجية هنالك محاولات الابتزاز والضغط والهيمنة والسيطرة وحملات الكره والعداء التي تجلت بعد 11 سبتمبر، وبالطبع حدث العراق الذي يعتبر برأي كثير من العرب عوده الى عهد الاستعمار المباشر، ولي تفسيري الخاص لهذا الحدث فانا اعتبر الحدث فرصة تفتح امام الانسان الذي يفكر بطريقة حرة، مستقلة دوماً ليرى الوجه الآخر للاحداث، والحدث العراقي يتعدى صانعيه كما نص بتعدي مؤلفوه، ولذلك اعتبره فرصة فتحت امام العراقي لم يشأها الامريكيون - لان ما حدث ليس تحريراً وامريكا ليست حركة تحرير ـ ان العراق استعاد طاقته الفكرية المعطلة بل المؤودة اذا جاز القول - استعاد اهم ما يميز الانسان قدرته على التفكير، يكفي هذه الايجابية لهذا الحدث، طبعاً من المؤكد هنالك سلبيات لكن هذه السلبيات لا تعادل السلبيات التي كانت موجودة في ظل النظام السابق، وهذا ما يتناساه الكثير من المثقفين العرب. هذا جزء من علاقة الازمة بالخارج، اما من الداخل، هنالك اخفاقات متراكمة ومزمنة، فيما يتعلق بمشاريع النهوض العربي، المشروع الحضاري العربي الذي طرح منذ ايام محمد عبده حتى الآن بنسخه والوانه المختلفة، والمشروع اعني به علاقتنا مع الحرية والوحدة واصلاح المجتمع المدني، العقلانية والاستنارة، الآن التنمية، فالعالم العربي يملك ثروات هائلة بمقدار ما يملك تراثاً رحباً غنياً وهائلاً لكنه لم يستطع ان يصنع من ذلك نموذجاً، هنالك هوة بين ما نملكه ويحسدنا عليه البعض من مواد نفطية وطبيعية هائلة. تراثنا العربي من الغني والاتساع، لكننا لم نصنع من كل ذلك اشياء جديدة يستفيد منها الآخرون لكي انتزع الاعتراف بمشروعيتي، كيف اثبت جدارتي؟ لايمكن دون ابداعاتي الفكرية واختراعاتي التقنية، ومن غير ذلك لا جدوى من الكلام، زائداً الموت السياسي الذي تعاني منه المجتمعات العربية كيف يمكن ان تحول الجمهورية الى نظام وراثي، مسألة علاقتنا بالقراءة هي فضيحة الفضائح في مجتمع نصه الاول القرآن، الذي بدأ بإقرأ، انظر الى البطالة، الحكومات تولد البطالة والعجز والدين، اقتصادياً انها كارثة ان تكون كل ميزانيات الدول العربية لا تعادل ميزانية دولة اوربية ليست هي الاولى من حيث النمو كاسبانيا، على الصعيد الثقافي - انا ناقد لنفسي قبل نقدي لغيري - نخب ثقافية وفكرية مذعورة من عصر العولمة، نخب ثقافية مفجوعة لسقوط النظام العراقي فقط لمجرد مقاومة الولايات المتحدة تحاول ان تبرر كل المظالم والمفاسد والفظائع والاهوال والكوارث التي صنعها النظام السابق على ما نسمع ونقرأ ونشاهد على الشاشات .



    قدمت اطروحة العقل التداولي كمخرج من هذه الازمة التي تناولت كثيراً من المفاهيم الجديدة حول الهوية والحقيقة والعلاقة بالآخر ودور المثقف وغيرها.. نمر في سياحة على كل ذلك .



    يجب ان نغير مفاهيمنا لكل مفردات وجودنا، الهوية، الحقيقة، العقل، الحرية، الديمقراطية فالنبدأ بالهوية .



    انا سعدت جداً بمجييء الى السودان اذ رأيت بلداً عربياً له خصوصيته الغنية، بلد عربي بالمعنى الرسمي هذا البلد يجمع بين العربي والافريقي والنوبي فضلاً عن تراكم كبير من الاطوار الحضارية والثقافية زائداً تلاوينه الطائفية والعرقية والمذهبية حتى داخل الديانة الاسلامية هنالك مذاهب وهنالك احزاب وفصائل. هناك خليط ومزيج، الهوية هي كل هذا «الكوكتيل» من الخلطة والتركيبة وهذه الخصوصية السودانية الغنية تغني بدورها العالم العربي ولا اتحدث طبعاً عن شعب عربي ولا وطن عربي، هذا فات اوانه - هذا الواقع يعني ان نقرأ الهوية قراءة جديدة، اذ لا يوجد مجتمع صافي ومتجانس احادي المعنى والرمز، ايضاً من وجوه العقل التداولي او مفرداته ان لا نتعامل مع بعضنا البعض بمنطق الاقصاء والرفض، كما هي الاستراتيجية السائدة حتى الآن والتي نمارسها كنخب ثقافية اكثر من سوانا، ونحن اذا شئنا ان نخرج من هذا المأزق الذي يعيق عقولنا ويدمر ما نطرحه من شعارات هو الاعتراف المتبادل ببعضنا البعض لان الاخر هو نظري وليس هذا الاعتراف مجرد تهويم لان ارض الواقع هي كذلك، من منا يعمل بعبقريته المحضة؟ هذا هراء واستبداد ونرجسية فوقية فعلىّ الا اعتبر نفسي احتكر الابداع وحدي دون سواي ولا احتكر العقل والفكر والاعتراف - وهذا هو التجديد - ان اعترف بالاخرين وان الا اقصي اي انسان اي كانت مهنته من دائرة المعرفة والوعي والقرار والمناقشة والمداولة وهذا يقع في صلب العقل التداولي. النخب الثقافية دوماً تقصي الآخرين سواء في العالم العربي او الغربي، تفرض المثقف دوماً باعتباره الاوعى الذي يريد ان يقود الاخرين ويحلم عنهم والمعبر عن مصالحهم، هذه فكرة مدمرة في النهاية انتجت الكوارث، فاننا لا اريد تحرير الناس ولا اقدر على تحريرهم بنخبويتي ونرجسيتي وانما اريد اناساً استبد بهم وافكر عنهم وامارس الوصاية عليهم، والا كيف نفسر فشل الاطروحات التي قدمها المثقفون، الاعتراف بالاخر ليس اعترافاً بانه مساو لي بالحقوق المدنية والسياسية، فهذه فكرة شرع لها من قبل «الناس سواسية كاسنان المشط» لكن الاسلام لم يتشكل في الواقع وفق النصوص، تشكل وفقاً للوجه الآخر لمنطق الاقصاء والتكفير والتبديع والاقصاء وتشكل وفق منهاج الفرقة الناجية. فالاعتراف كما اوسعه من المجال الصفوفي والسياسي الى المجال المعرفي نفسه وهي مسألة مهمة جداً ان اعترف بما هو خارج القطاع الثقافي وخارج ميادين المعرفة لان هذا الشخص يملك فكره وعقله وقد يكون مبدعاً في مجاله، فالمبدع في الهندسة او السياسة او تصميم الازياء او اية مهنة كانت. هذا المبدع صلته بالوعي والحقيقة والفكر اكثر من صلة اي مفكر او فيلسوف يردد الشعارات حول العلانية والاستنارة ولم يجدد شيئاً فيها، فاذن الاخر يعرف فلابد من كسر ثنائية الجمهور والنخبة وكسر ثنائية المعرفة الاكاديمية والمعرفة العامية، فالمعرفة الاكاديمية يمكن ان تتغذى من معرفة الناس .



    وماذا عن مفهوم الحقيقة؟



    مارس الفلاسفة الوصاية على الحقيقة بوصفهم الوكلاء والامناء والشهداء، وبوصفهم ينتجون المعارف، وانا ارى تناول الحقيقة يتم على مستويين، مستوى معرفي ومستوى وجودي، على المستوى المعرفي هو ان نعرف الوقائع وتجد عنها (اعرف واخبر) وهو ما اسميه معرفة المحقق وهو الذي يستقصي ليعرف ما حصل ويخبر عنه او يسجله، والمستوى الثاني هو خلق الوقائع والحقائق وهذا برأي الصلة الوجودية .



    نحن نتحدث عن الحقيقة بالمستوى الاول، المعرفة، التنوير ولذلك سمى الفلاسفة اصل التنوير والعقول الباسقة التي تنور وهي مهمة الواقع .



    لكن الاهم بالحقيقة خلق الوقائع وانتاج الحقائق، لنأخذ مثلاً لوحات بيكاسو التي خلق خلالها وقائع فنية جديدة غيرت المشهد الفني كله وربما تركت تأثيرها على المشهد الثقافي، نفس الشيء ماركس بنصوصه وافكاره، خلق بجملة مفاهيمه الفلسفية وقائع انتجت مالا يحصى من التنظيمات السياسية والساحات النضالية، وديكارت بقوله انا افكر انا موجود قلب المعادلة وانتقلنا من المرجعية الغيبية الى المركزية البشرية، في السياسة المقاومة ممكن ان نخلق وقائع عسكرية نغير الحرب، فنحن لا نعرف وفق منطق الثبات والتطابق، نعرف وفق منطق الخلق والتحويل، كل معرفة جديدة، كل فكرة حية خصبة خلاقة، انما تغير المشهد على خريطة الفكر وقد تغير الواقع نفسه .



    علاقتنا بالغرب كمحور من محاور الازمة كيف يمكن ان تكون وكيف تنظر اليها؟



    كما تصاغ هي اصلاً علاقة اعتماد متبادل، منذ قرنين هو اتى الى هنا بجيوشه وافكاره، فنحن العرب فتحنا العالم بالنص واللغة من جهة والسيف من جهة اخرى، لم نفتحه سلماً او لطفاً والفتوحات هي فكرية «كفتوحات ابن عربي في سفره الفتوحات المكية وهذا سفر تكوين بالفعل للمفاهيم والافكار ».



    فنحن بالنسبة للغرب منذ قرنين مواقع واسواق وموارد، هو يعتمد علينا ونحن نعتمد عليه، كمعارف وادوات، نصور اذا لم نستورد من الغرب كل الادوات، فستنقطع كل اسباب الحياة في العالم العربي، فكيف اليوم حيث التداخل اصبح لا فكاك منه، لذلك الغرب هو شرطي الاخر بعكس ما يهم الاصوليون في العالم العربي او الولايات المتحدة وفرنسا او المانيا، في كل بلد هناك اصوليون دعاة الهوية الواحدة المتجانسة والتي يمتلك اهلها مفاتيح الحقيقة والهداية والسعادة ويحملون مشاريع لانقاذ البشرية، هؤلاء لا يحسنون سواء اقامة معسكرات سواء سميناها معسكرات الخير او معسكرات الشر، فالذي يعتقد انه يملك الخير المحض لا ينتج الا الشر المحض، والذي يعتقد انه يملك الخير الاقصى بلغة الفلاسفة لا ينتج الا الشر الاقصى، ولا يصنع سوى الافخاخ ولا يمارس سوى العنف ضد الاخيرين، فالمطلوب لغة الشراكة والمداولة بيننا وبين الغرب، هنالك اناس يريدون المعارضة هنا وهناك، نعم هذه امكانية وانا اشتغل على الامكانية الاخرين خاصة ان هذه الامكانية ليست وهماً، لان العولمة فتحت الامكانات للتواصل، فالتواصل بين العالم العربي ازداد مساحة بسبب العولمة بالذات .



    امكانية الافادة من العولمة مع المحافظة على خصوصية الهوية؟



    ان الخوف على الهوية في مواجهة العولمة التي سوف تبتلع كل شيء انا برأيي ان من يتحدث هذا الحديث هو قاصر وعاجز، العولمة والهوية كما كتبت في كتابي «حديث النهايات حول العولمة» العولمة ليست مجرد نظام اقتصادي ولا مجرد استراتيجية سياسية تمارسها الولايات المتحدة، العولمة في اساسها حدث وجودي هائل تمثل في انتاج معطيات جديدة وخلق منتوجات جديدة لاول مرة في تاريخ الانسان، اذا كان الانتاج في الماضي في العصر الصناعي او الزراعي هو انتاج على نوعين انتاج مادي في السلع والادوات او ثقافي فكري كالنصوص، والعقائد والفلسفات والفنون، اما الآن فنحن ازاء انماط جديدة من الانتاج هي المنتوجات الافتراضية الاثيرية الالكترونية التي نراها على الشاشة والتي نستخدمها في ادارة انتاجنا، اليوم لا يمكن لاية مؤسسة ان تدير اعمالها بشكل ناجح اذا لم تستخدم المعطيات الالكترونية، وهذه المخلوقات الجديدة ليست هي مادية تماماً وليست فكرية، فثمة امكان فتح هل تستخدمه الولايات المتحدة بالطبع تستخدمه كونها المنتجة الأولى وتستخدمه اوربا كونها تشارك الولايات المتحدة في هذه الإختراعات، ولكن اليابان ايضاً منتجة فالأمر هنا يتعلق بقدرتي انا على التعامل مع هذا الحدث الكوني الذي فُتح، هل اتعامل معه بعقلية القوقعة والمحافظة او لغة الندب والشكوى، العولمة ليست فردوساً ولكنها ليست جحيماً وخاصة نحن العرب لم نكن قبل العولمة في واجهة العالم ثم خسرنا موقعنا. فمازلنا على الهامش، فلكي اخرج من قوقعتي والأفخاخ التي نصبتها لنفسي بعقلي فيجب ان اتعاطى مع ما يحدث بكونه فرصة لأقلب الأمور فاذا لم اكن فعالاً في ظل العصر السابق فلعل ما يحدث الآن هو فرصة كي اشارك في صناعة العالم وفي بناء مجتمعي بتغيير طريقتي في التفكير بحيث لا اتعاطى مع الأحداث والوقائع بلغة النفي والسلب، حتى لا تجرفني لمزيد من الهامش فلذلك انا اعتبر الهامش بالنسبة لي اني لأحسن استخدام عقلي ولا مواردي فالأغير طريقتي في التفكير الى طريقة حية وخصبة تركيبية متعددة، هذا مثال، اما الحديث عن غزو ثقافي فإنه لا يجدي ان لم اكن منتجاً لا يمكن ان ادافع عن هويتي بأية طريقة، المنتج هو الذي يثبت جدارته ويقلب المعادلة وينتزع الإعتراف بمصداقيته ومشروعيته، نحن العرب لا مصداقية لنا في ما ندعيه في الخارج انظر كيف نتعاطى مع بعضنا البعض في الداخل، عندما نتحدث عن الحرية او الديمقراطية نتهم الغرب بأنه ينتهك حقوقنا ولكن على ارض الواقع العربي ماذا يجري؟ فنحن اول من ينتهك هذه القيم سواء أكانت من منظور ديني او من منظور حديث لقد فشلنا فشلاً ذريعاً في تحقيق هذه القيم لذلك لا مصداقية لنا ان ثقافتنا وتراثنا لن يسلخنا احد عنه، انه ينتظرنا لكي نصنع منه عملة وواقعة معرفية جديدة، ان العاملين في مجال المعرفة الذين يتناسون مهمتهم الأساسية في تجديد المفاهيم وينخرطون في سجال لكي يعسكروا وراء افكارهم في أكثر مما يكون همهم في النهاية الوصول الى فهم جديد والى انتاج مفاهيم ورؤى جديدة حول الواقع .



    ما جدوى الصراع الدائر بين الحداثة وما بعد الحداثة على المشهد والمعرفي العربي؟



    نحن ننخرط في الصراع الآن بين حداثة وما بعدها وحداثة وما قبلها، ولكنني دوماً نحول الصراع الى متاريس سجال ايدولوجية ـ نحوله الى معسكرات ولا يعود منتجاً ونتناسى الأهم وهو ان الصراع ما بين حداثة وما بعدها في الغرب هو صراع بين اناس مبدعين منتجين سواء كان هابرماز الذي يتمسك بمشروع الحداثة انه مبدع خلاق جدد صيغة العقل عبر الفعل التواصلي والعقل التواصلي، وايضاً فدكو او ما سمى بفلاسفة ما بعد الحداثة والذين يمكن ان نسميهم حداثة جديدة فاذا انتقدوا الحداثة فالحداثة فيا ساسها نقدية، خاصة ان أهم علامة للحداثة هو الفيلسوف«كانت» ومشروعه اصلاً مشروع نقدي نقد العقل النظري ونقد العقل العملي ونقد ملكة الحكم .



    فالفريقان في الغرب مبدعون ومنتجون، لكننا نحن ننخرط في الصراع لكي نحول المدارس والمذاهب والأفكار الى متاريس ايدولوجية، فيما هو المطلوب العكس تماماً، ذلك ان المدارس والمذاهب هي مجرد ادوات لكي امارس فاعليتي وحضوري عبر انتاج، افكار جديدة حول واقعي ومجتمعي او حول الواقع والعالم، وهذا مالم يفعله الحداثيون العرب الذين يتباكون على الحداثة وهم ليسوا من صناعها، طبعاً هنالك فريقان فريق من الذين اطلقت عليهم الرجعيون الجدد من قومبيين وماركسيين الذين دوماً يعودون الى الوراء يواجهون المتغيرات ويقاومون التحولات بالعودة ليس للقديم بل المتقاوم من العملات الفكرية والشعارات والعنوانين. وثمة فريق آخر مراوغ مكابر معاند خرج على قوقعته المدرسية سواء أكانت ماركسية او قومية وافاد من الافق الفكري والامكانات والمفاتيح التي قدمتها ما بعد الحداثة، بل افاد من الكتابات العربية في هذا الخصوص ككتاباتي وانا واحد من هؤلاء منذ كتابي«نقد النص» وخاصة كتابي«اوهام النخبة» ثمة من أفاد من ذلك، وهؤلاء احياناً يردون عليّ ويقاومونني بإستخدام مقولاتي نفسها، وهذا يدل على مدى غياب وعي الإعتراف بالإنجازات التي ينتجها الآخرون وغياب التراكم المصرفي. هنالك محاضرون يتناولون مقولات الآخرين كأنها اقوالهم دون اية إحالة، اما اذا كان الحديث لهتنقتنون اوفوكوياما او هايرماز يستشهدون به لأنه اصبح معروفاً، اما اذا كان الكلام العربي فالإستبعاد المتبادل هو السائد على الساحة العربية .



    ثمة امر آخر فيما يختص بالمثقفين العرب عندما يقرأون كلمات النهايات مثلاً هي كلمات مجازية ، نهاية التاريخ لا يعني ان التاريخ قد توقف وانما هناك حقبة انطوت لكي تفتح صفحة جديدة،. نهاية المثقف لا تعني ان المثقف لم يعد له وجود، نهاية المثقف هي نهاية صورة لإبتكار صورة ودور، فهي كلمات مجازية واللغة العربية هي لغة مجاز وكل مجاز هو عبور من مرحلة الى مرحلة اخرى من عالم الى اخر هو فكاك من منهج، هذا هو منهج التفكيك في ما بعد الحداثة، وهو تفكيك لآليات العجز ليس أكثر، فبعض المثقفين هؤلاء قادة فكر او يتهمون ما بعد الحداثة بأنها تدمر المعنى والقيمة، في حين ان ما بعد الحداثة نشأت لأن هنالك دماراً وخراباً ونقائص في العقل والقيم والمعاني حتى من أيام ماركس، فلم تولد الماركسية الا لأن هناك استلاباً حسب لفظته ووصف ما بعد الحداثة بأنه ترهات كما قال احدهم يؤدي الى هذا التردي وهذا لا يعني ان ما بعد الحداثة معصومة .



    ذكرت في آليات الحجب ان النص يمارس حجباً مضاعفاً اذ هو يحجب ذاته كما يحجب ما يتكلم عليه ـ وهو بذلك يؤسس للسلطة على متلقى الخطاب ـ تناول يقرب ما ترمي اليه؟



    النص دوماً يمارس الحجب، النص دوماً مخادع ومخاتل كما شأن كل أثر او عمل فكري هنالك فيما افكر فيه منطقة مستبعدة مرجأة مكبوتة تمتنح على التفكير، لذلك الذين يقرأون النص يرون ما لا يراه صاحب. ومن امثلة ذلك عندما اقول ان هذه هي حقيقة الإسلام او هذا هو الإسلام الأصولي الصحيح ماذا افعل؟ انني بذلك استبعد الأصل واحل خطابي محله فيما انا اقول ان هذا ما قصده النص، انسى ان هذا قصدي ومقالي وليس قصد النص ـ ولذلك ان المفسرين ذوي البعد الأحادي الذين يقولون ان تفسيرهم للنص هو التفسير الوحيد ـ انهم يحلون تفسيرهم محل النص ويستبعدون سائر النصوص، هذا مثال واضح على تفكيك النص يعري لنا ما يمارسه النص من حجب واستبعاد والنص يحجب ذاته وصلته بالدرجة الأولى ـ هذه مفارقة لا يخلو منها نص، فأنا عندما اكتب اركب جملة اقصد بها معنى معيناً فيأتي غيري فيرى معانٍ اخرى ولهذا تقرأ النصوص قراءات متعددة سواء أكانت فلسفية، او دينية او فنية، حتى اللوحة فهي ثابتة ولكن المعاني متعددة، فمن يقول ان هذا هو الإسلام الصحيح فهو يقصد ان خطابه هو الصحيح، ومن يفعل ذلك يستبعد النص الأول القرآن. ويستبعد سائر النصوص. ذلك احب ان اورد هذا المثال فلي اصدقاء من الاصوليين عندما يقولون هذا هو الاسلام الصحيح اقول له اتق الله، انا احترمك واتناقش معك عندما تقول هذه وجهة نظري في الإسلام، ثانياً ان لإستخدام العنف الرمزي او المادي في فرض وجهة نظرك، فهذا هو المطلوب وليس دحضاً قوياً او وجهات نظر وهذا هو الفكر التعددي ان لا يقول احدنا هذا هو التفسير الوحيد الصحيح، فالطرح يجب ان يكون للتداول ليس ليتكون انسان على شاكلتي، فهذا نص فقير، نص استبدادي .



    ماهو رأيك في ما قدمه محمد عابد الجابري ومحمد اركون من مشاريع نقدية كبرى؟



    لن اعود للحديث عن هذه المشاريع لأنني تطرقت اليها في كتبي السابقة، ولكن اعود اليها من خلال إيجاز من خلال شرحي وتعاطيها مع مهنتي. فالأولوية دوماً للمهنة على المهمة النضالية، لأنني لو كنت ناجحاً في مهنتي المعرفية اكون فاعلاً في الشأن العام على الساحة النضالية وليس العكس، لذلك انا لست صاحب مشروع، هذه المشاريع الكبيرة إعادة كتابة التاريخ الإسلامي مشروع نقد العقل العربي بالمعنى الشاسع الواسع كلها مشاريع فيها الكثير من المبالغة ، انا اعمل على مفاهيم ونصوص ووقائع واحاول التجديد مثل مفهوم الحقيقة او العقل، ولا اقول العقل العربي والعقل الغربي ولو استخدمتها فأنا هنا انتقد نفسي ، أخذ نماذج من النتاج العقلاني واحاول ان اعمل عليها مفاهيم أكثر ما لم نقم به حتى الآن هو تجديد المفاهيم، تجديد العدة المعرفية فاذا كان العالم يتغير بإعتراف الكل يتغير لسبب او لآخ، وهناك تحولات وانفجارات وانقلابات وانهيارات واخفاقات فإذن طريقة التفكير لابد ان تتغير. ما اساهم فيه هو تجديد شبكات الفهم واطر النظر، صبغ العقلانية، قيمة المداولة اي كان المعطى لا اعتبر نفسي محصوراً بتراثي لأخاطب العالم، فنحن نعمل في ميدان معرفي لا هوية له الفلسفة، علم النفس، علم اللغة، لا تتعلق بهوية او مجتمع دون آخر، مثلاً علم الإجتماع ليس عربياً سماه ابن خلدون علم الإجتماع البشري، اذا انتج العرب معارفاً في علم الإجتماع قد يشار للمدرسة العربية كتلوين، ليس من الضروري ان احصر همي بتراثي مثلاً اذا تناولت مسألة منطقية طبعاً شواهدي تكون ارسطو، ابن سينا، الفارابي، جيل دولوز، جون لوي كل علماء المنطق في العالم يكونون هم ادواتي ومادتي ومخزوني، هذا هو الهاجس الأساسي نحن نعرف ان العالم يهجم علينا لسبب او لآخر بشكل سلبي او إيجابي، فالنتصرف بوصفنا معنيين بأمر العالم لنساهم في فهمه وإعادة بنائه بما نبتكره ونخالفه كل في مجالسه .



    هنالك وجه شبه بين التكوين الإجتماعي السوداني واللبناني من ناحية التعدد مما يجعل بعض المشاكل متشابهة ـ افق الحلول لكلا البلدين؟



    نعم يحتاج السودان الى اصلاح ونهوض وتنمية مثله مثل المجتمع العربي فهو يحتاج لعلماء اجتماع وإقتصاد ونفس ولغة وعلماء يخصصون الواقع للدرس والتحليل والتشريح لانتاج معارف حول واقع السودان ومجتمعه وبالطبع حول العالم والواقع، لأن كل معرفة ثمينة وغنية حول أي معطى انما هي معرفة تخاطب كل العقول هذا ما يحتاج اليه المجتمع السوداني واللبناني والعربي، وهذا ما لم نقم به حتى الآن، لقد تصرفنا دوماً كمنظرين ومناضلين وعقائديين وسيطرت علينا التهويمات العقلية والتنويرية وليس التنوير بما هو نقد وتعرية وتفكيك وتشريح، طبعاً السودان ولبنان ومصر وكل البلاد العربية وكما في الغرب يحتاج الى فلاسفة لا ليلعبوا دور التنظير وانما لينخرطوا في تجديد المفاهيم وعناوين الوجود التي هي الحقيقة والحرية والعدل والمساواة والهوية كل هذه العناوين تحتاج الى تجديد والى تنقية بطرح مفاهيم جديدة ـ فلذلك العقل التداولي هو اطروحة جديدة .



    ما لمسته في السودان؟



    كنت سعيداً بالمجيءئ للسودان، وفي الحقيقة ان المشقة التي عنيناها كما تحدث عنها الأخوان قد مُحيت تماماً بما لاقيناه من الحفاوة والنبل والكرم واللطف الزائد بدا لي حقاً ان هذه المشقة مثل مشقة الحبيب من اجل الوصال، انها زيارة تركت في نفسي اطيب الأثر واجمله، فقد كان عليّ فعلاً ان آتي الى السودان شاكراً الذين وعدوني بهذه الزيارة د. حيدر ابراهيم رئيس مركز الدراسات السودانية واتحاد طلاب جامعة الخرطوم اذ كان عليّ فعلاً ان آتي الى السودان، هذا المجتمع الذي يمارس حيويته وحريته الفكرية والسياسية ورشة لا تهدأ من اللقاءات والندوات السياسية والثقافية، جيل جديد يحركه شغف المعرفة ويتمتع بعقل نقدي يتيح له المشاركة في المساءلة العقلانية والمناقشة الخصبة للمسائل والقضايا، وهذه ظاهرة إيجابية وبناءة تبشر بالأمل، فالسودان كان في الستينايت محط الأمل والنظر بقادته وأفكاره وقواه ومشاريعه، ولكننا نسينا ذلك جراء الحرب في لبنان والسودان معاً، والأمل كبير ان يتمكن السودان بعد ان توقفت الحرب من ان يصنع سلامه ليعيد بناء نفسه وتنمية مجتمعه .



    عن الاضواء الخميس 30 اكتوبر 2003









                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de