انه لم يمت

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 07:17 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-21-2004, 11:44 PM

johnynl


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
انه لم يمت

    yahoo.com



    أصبحنا نلجأ إلى مداد القلم لينسكب بدلاً عن الدموع فقد جف القلب وكاد أن ينضب ، جلست وحدي أسائل نفسي حاولت أن أغالب نزف الحروف ونزف الحنين في قلبي وكبدي ، كان سريان الدم الحار أقوى من طاقة أوردتي ، تحسست أطرافي وكأني مسكون بعذابات لا تعرف النهاية . كان السؤال إلى متى نحترق يومياً شوقاً ووجداً ؟ إلى متى سنجتر الحنين إلى الوطن؟ إلى متى سنجتر ذكرى الذين نحبهم والذين يوقظون في أعماقنا جرحاً غائراً لا يندمل .

    تسألت وبحرقة إلى متى والبوح كله آهات حُرى . لا يزال السؤال يتشظى ناراً والأقلام تسكب حروفاً تبكي كل ما مر بها طيف الذين أحببناهم فحملناهم وحملونا على الأحداق ألقاً وصبوةً وحميمية . إلى متى ستظل جمرة العشق والهيام تُدمى حرائِقها قلوبنا .. حسِبتُ أن طاقة المشاعر الموّارة قد استطعت أن أسكُبها دمعاً وحبراً على الورق ، ولكني كما أعتقد لا زلت غارقاً في لجّة الوهم .

    كان مصطفى سيد أحمد أحد أولئك الذين نبحر في سفينتهم فيتجول بنا إلى شواطئ الفيروز والجزر المرجانية وحسبته أحد الذين نرى في عيونهم ونسمع من لسانهم ما رأى العقل والقلب والقصيد ، كان مصطفى أحد الذين تُورق بهم أيامنا وجداً وشوقاً.

    يظل مصطفى سيد أحمد شاخصاً ككل السحاب الماطر بالهنيهات السكرى حينما كان القمر مترعاً بالسنا مفضفضاً بالسحر كقصيدة عشق سكبها قلب قيس بن الملوح .

    الموت يهزم الحياة أحياناً ولكن هناك من يظل رغم سجن الموت غير محدود الإقامة .

    رثى أبو تمام صديقه محمد بن حميد الطوسي بقصيدة رائعة ولجمال ما كُتب فيها تمنى أبو دلف العجلي لو أن أبا تمام رثاه بها . منها :-

    وقد كان فوت الموتِ سهلاً فرده إليه الحفاظ المر والخلق الوعِرُ

    فأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشر

    مضى طاهر الأثواب لم تبق روضة غداة ثوى إلا واشتهت إنها قبر

    وعندما رد عليه أبو تمام ببديهته المعهودة قائلاً :-

    أنا المقدم في الموت قبلك ، أجابه أبو دلف يا أبا تمام إنه لا يموت من ترثيه بمثل هذا الشعر .

    وما كُتب من شعر ونثر في رثا الراحل المقيم مصطفي سيد أحمد ينطبق عليه نفس القول (إنه لا يموت من كُتب فيه كل هذا الرثاء) . الكواكب السماوية تتباين وتتفاوت في طريقة دورانها في فلكها وحجمها وخصائصها ومكوناتها وجاذبيتها ، كذلك حال الكواكب البشرية فهي متباينة الخصائص من حيث حجمها المعنوي وقوة جذبها الخفية وقوة تأثيرها الظاهرة وسرعة إنطلاقتها وشهرتها الذائعة والتي تستطيع من خلالها أن تتوغل وتلج في مخيلتنا لسنين وربما لقرون .

    هناك منظومة من الأشياء ألفت كياناً ضخماً من معجبي مصطفى سيد أحمد وجعلتهم صفاً واحداً وكان مصطفى لؤلؤةً في هذا العقد الطويل الفريد .

    لقد أحدث مصطفى تحولاً واضحاً في طريقة وخارطة الغناء السوداني برمته كما أحدث فريق البيتلز البريطاني في أوائل الستينيات ، مع تميز مصطفى بسمةٍ جديدة تميزت في صدق العاطفة ومعرفته الكاملة بطريقة تلحين الكلمات بأجمل الألحان والتي كانت تخرج في قوالب لحنية متناسقة ، كما أن طريقة أدائه عاضدتها أيضاً طريقة جديدة اتبعها في كل ما تغنى به . وقد استشف شعرائه خصوصيته وحساسيته النفسية الموغلة في الشفافية العاطفية . ونتيجة لما عاناه في أريق عمره وعنفوان شبابه من أهوال المرض تبنى مصطفى في حناياه الفسيحة أعمدة الحب السامقة وأركان الود الراسخة . وأي إستباق جميل وموفق للأحداث بكل ما تحمله الكلمة من معنى . وعندما بدأ مصطفى مشواره الفني بأغنياته ، غدّار دموعك ، السمحة قالوا مرحلة وحتى الشجن الأليم كانت تلك الأغنيات العاطفية الجميلة مؤشراً لمرحلة وردية وجدانية مختلفة وزاهية تفاعل معها معجبوه رغم قلة عددهم آنذاك إلا أنهم كانوا يجدون في أغنياته تلك وأغنياته اللاحقة متنفساً وترجمة حقيقية لما كان يعتمل في نفوسهم من مشاعر عاطفية فياضة لكنها كانت مكبوتة ودفينة لحدِّ‎ ما . وقد وجدت أغنيات مصطفى الأولى قبولاً وصادفت هوى في نفوس العشاق والحالمين بالحب وجاءت لتنفث ذوباً من السحر المستساغ المباح وحنواً وحناناً في نفوس جمهوره الوفي .

    تلت تلك المرحلة أغنيات أخرى ومن يصغي جيداً إلى أغنية مريم الأخرى سيجد فيها كل ما هو جديد في قالب لحني متميز يواكب المسار الجديد الذي خطاه مصطفى وكان أن انفجر ذلك البركان الفني الخالد المتجدد في كلماته وألحانه وأدائه موائماً ومنذراً ببزوغ عهد جديد واستطاع مصطفى أن يفعل فعلته في أركان الغناء السوداني وتجاوز كل العقبات التي وضعت أمامه وعن عمد من البعض كشيوخ لجنة النصوص القابعين بدوغمائيتهم التي تجاوزها الزمن .

    إستحدث مصطفى جلسات الإستماع وبها دخل إلى قلوب آلاف المعجبين ، فأغنياته لم تكن عملاً فنياً للإستماع فقط بل كانت باباً مشرعاً للتحرك والإكتشاف عبر النداءات التحريضية الجريئة . وكان طبيعياً أن يلامس أفئدة الملايين بعد ملامسته لكل الأوتار الحساسة وذلك بعد أن وجد فيه السواد الأعظم ضالتهم للتطلع نحو الإنسانية ومن خلال نظرته الفنية والسياسية الثاقبة التقط القفاز وصب فيه كل خبرته وظل يغني ويخطط للمستقبل بوعي كامل وكان في أقصي درجات التفاؤل بالنصر القادم وبالصباح الجديد حتى آخر لحظات حياته وكان يلفظ الفرح من أحشائه وهو ينزف من الألم .

    كانت جلسات إستماعه منتديات للجميع لتبادل الرأي في كل ما يتغنى به فهو لم يتعامل مع معجبيه كمجرد مستمعين ومتلقين لكل ما يغنيه بل كان يدعوهم ويحرضهم للخوض معهم في علاقات جدلية في نصوصها .

    وما لا خلاف عليه هو أنه لا معنى للفن إذا لم يستخدم كأداة في تفعيل ونقد الواقع المرير من كل الزوايا .

    تبتل مصطفى سيد أحمد في عشق الوطن ورغم آلامه وأمراضه إلا أن الداء العضال الذي عاناه وتمكن منه كان هو الحنين والشوق وعشق الوطن ، فداعب قلوبنا التي كادت أن تصدأ .

    وفي أوج ظلام الليالي كان هدير صوته وألحانه وكلماته يشق ذلك الظلام ، كان ينادي ويناجي كل الفرسان الذين تناثروا في كافة بقاع المعمورة ، كان ينتظر شمس الشروق وخريف العودة وكان إحساسه العميق بالحياة وظواهرها وأنماطها دافعه للمزيد من الإبداع . عرف كيف ومتى يعزف على أوتار الذاكرة والفكر في قالب ثوري ، وكانت ثوريته المفرطة هي التي قادته للبحث والتمحيص في كل ألوان الشعر وبحوره ، وبذلك تمكن من إكتشاف أساليب وأشكال ومضامين جديدة والتحم صوته مع أصوات الملايين وكان غناؤه دوحة لعشاق الحرية والحياة وكان حجر الزاوية الذي انطلق منه الشباب بكافة ألوان طيفهم السياسي والاجتماعي .

    شفافية مصطفى الحادة قادته إلى أن شيئاً ما سيحدث وكان ذلك بشهادة رفيق دربه الأستاذ عبدالله محمد عبدالله وفي ليلة 29 يونيو 1989م طلب مصطفى من مجموعة من عازفيه أن يذهبوا لتسجيل بعض الأغاني وقام بغناء رائعة محجوب شريف (عشرة مقاطع للحياة) وغنى لمحمد الحسن سالم حميد (قاسم أمين) وغنى الكثير وطلب أن يُحفظ ذلك للأجيال القادمة وبعدها بسويعات أطل طائر الشؤم ونعق البوم قبل شروق شمس 30 يونيو 1989 .

    تكثفت سحابات الحزن أمامنا وكأن أعيننا رغم أنها مفتوحة تماماً يبدو أنها أُصيبت بنوع من الخدر وربما نتوهم أن الظلاميين أعداء الفرح تمكنوا حتى من إصابة أعيننا من الرؤية وهي تسبح في ماء الذكريات لتجتر شيئاً من الماضي . ويبدو أن الوهم قد تحول إلى حقيقة فبغياب مصطفى انطفى ذلك الكوكب المشع ونزل ذلك برداً وسلاماً على الظلاميين أصحاب (التوجه الحضاري) أعداء الوطن ، إلا أن فرحتهم بغياب مصطفى لن تطول لأن الكنوز التي خلفها الراحل المقيم ستظل باقية أينما وجدت وستبث فينا الأمل أينما كنا لما فيها من قيم فنية وإنسانية حقه .

    مصطفى .. مصطفى .. مصطفى أحقاً فقدناك ؟ وهل تفتقدنا ؟ كم المسافة بيننا لماذا حضرت في هذه الزيارة القصيرة لتذهب إلى الزيارة الطويلة ؟

    لقد أسمعتهم صوتك .. صوتنا (بدون جواز سفر) رحلت أنت لتسكن فينا نناديك .. نناجيك .. تنادينا (تعالوا أيها الجوعى تعالوا أيها الفقراء) .. وضاحة يا فجر المشارق .. شفع العرب الفتارى البفنوا الشايلاه إيدهم ويجروا ساكين القطارى .. وسني على النضال إيدي وسوكي بالهتاف فمي. وفي الليالي القمراء وكعادة أطفالنا الصغار يلتهون ويتسامرون ويفتشون عن (شليل وين راح شليل ما راح) .

    مصطفى سيد أحمد ولجَ في أغوار الفن السوداني واقتفى أثر خليل فرح الذي سبق أوانه وكان مصطفى الامتداد الطبيعي للخليل ومتوجاً خليلاً للفرح الجديد ، إنخرط مصطفى في رسم أدق تفاصيل تلك المدرسة ليخرجها في أبهى حللها لتقضي على كل ما هو بالٍ ورثْ ، وكان أبرز معالم ذلك رمزيته البسيطة وألحانه النابعة من نبض الشارع السوداني والتي طرزها بعبقريته الفذة والتزامه الوطني الصارم إضافة للمسة حزن بدأت خافتة سرعان ما وضحت وارتفع صوتها وكان مردود ذلك الحزن نتيجة ما عاناه هو وربما من تعاون معه من الشعراء .

    كان مصطفى يسابق الزمن ويضع ريشته على لوحاته الفنية كمزيد من التحدي للزمن الجائر ومشرعاً باباً جديداً متحدياً الأجيال المقبلة بما خلفه من أعمال قل أن يجود الزمان بمثلها .

    كان مصطفى بسمةً جميلةً في فم الدنيا وكان ثورة في عالم الغناء والفن وكان كخلية نحل لا يهدأ وهو ينقب عن الجمال أينما كان .

    هناك يرقد مصطفى في رحم الأرض التي أنجبته وبادلها حباً بحب وعشقاً بعشق ووفاءً بوفاء وهي تحتضنه وتغمره بفيض حنانها ، لقد بدأ مصطفى المشوار فهل سنكمله ؟

    عبد الوهاب همت
    [email protected]








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de