|
لماذا يخاف الرجال من رؤوس النساء؟
|
غسيل دماغ
نفت السعداوي الموقف الذي يعتبر الحجاب وسيلة دفاعية في الصراع ضد الامبريالية الغربية وقيمها وحضارتها التي تغزو العالم العربي الاسلامي. وتأتي بمثال معاكس يشير الى منع النساء من المشاركة في المقاومة الدائرة اليوم ضد الامبريالية والاحتلال في العراق وفلسطين. ويتم هذا، كما تفسر السعداوي، من خلال "القضاء اولا على منظماتهن ووأدها وهي في المهد". والنموذج هو القانون المطبق منذ عامين في مصر ضد تشكيل المنظمات. ولكن الوسيلة المثلى تبقى غسل ادمغتهم لمنعهن من مجرد التفكير في التغيير.
وترى السعداوي اننا امام حرب ضارية شُنّت على عقول الرجال والنساء معاً. وللنساء القسط الاوفر من القمع، فهن يقعن بين فكي كماشة: فمن جهة السوق الحرة وسياسة الاستهلاك، ومن جهة اخرى الاسلام الاصولي السياسي. ومع ان الغرب والاسلام يبدوان متنازعين الا انهم في الحقيقة موحدان في السعي لاستعباد النساء والسيطرة على عقولهن وأجسادهن وحبسهن في اطار النظام الابوي والحجاب.
ان اكثر الاسلحة فتكا وخطورة، تقول السعداوي، ليس اسلحة الدمار الشامل او الاسلحة النووية ولكنها غسيل الدماغ. انه المنوّم الذي يشل العقل، ويتم الترويج له من خلال وسائل الاعلام، جهاز التعليم العام والتعليم الديني الاصولي. وعن هذا ينتج "الوعي الخاطئ" لدى النساء (والرجال ايضا)، مما يحولهن لاداة طيّعة بيد من يضطهدهن. هذا الوعي المغلوط تنقله النساء بالتربية للاجيال القادمة من البنات والاولاد، مما يدمر القدرة على فهم الواقع، الذي هو شرط اساسي للعمل والمقاومة من اجل التغيير. محل الوعي يحل الخوف، الخنوع والاوهام، وتتحول النساء الى عدوة لنفسها، عاجزة عن التمييز بين العدو والصديق.
وفي حين تعترض السعداوي على الادعاء بان الحجاب مفروض حسب الشريعة، او ان فرنسا تحاول اجبار النساء والفتيات على معصية الاوامر الدينية، فانها تتساءل: لماذا يعتبر عدم وضع النساء لقطعة القماش، كارثة في نظر متبعي الدين الاسلامي؟ لماذا يعتبر رأس المرأة بهذه الخطورة حتى تجدر بنا تغطيته؟ وتجيب: ان الامر يتعدى كونه صراعا ابويا، انه الخوف من ان تبدأ رؤوس النساء بالتفكير الذي سيجعلها تفك حبال العبودية وتثور ضد التقليل من قدرها الذي يحكم به الدين والمجتمع على السواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من ملحمة جلجامش:
ستة أيام وسبعة ليال قضاها إنكيدو مع فتاة اللذة. روى نفسه من مفاتنها، ثم غادرها نحو رفاقه من الحيوان، فولت لرؤيته الغزلان هاربة. حيوانات الفلاة فرت أمامه ، جعلته في حيرة من أمره. ثقيلا كان جسده، خائرة كانت ركبتاه ، ورفاقه ولوا بعيداً، تعثر إنكيدو في جريه ، صار غير ما كان. لكنه غدا عارفاً ، واسع الفهم عميقه. قفل عائداً إلى المرأة. جلس عند قدميها رفعاً بصره إليها كله آذان لما تنطق به.
هذه الجلسة التي جلسها إنكيدو يستمع إلى حكمة المرأة هي ما يجب أن تتعلمه أخيراً حضارة اليوم؛ فلقد قضينا آلاف السنين نعلم المرأة، وآن الأوان اليوم كي نستمع إليها قليلاً، فلديها الكثير مما تقوله لنا ، ولعل في بعضه خلاصنا من الطريق المسدود الذي وصل إليه سعي حضارة الرجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صك زواج
في الحضارة المصرية وفي أحد صكوك الزواج الذي يعود تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد يقول الزوج لسيدة المستقبل: " منذ اليوم، أقر لك بجميع الحقوق الزوجية . ومنذ اليوم لن أفوه بكلمة تعارض هذه الحقوق. لن أقول أمام الناس أنك زوجة لي ، بل سأقول بأنني زوج لك. منذ اليوم لن أعارض لك رأياً. وتكونين حرة في غدوك ورواحك دون ممانعة مني. كل ممتلكات بيتك لك وحدك، وكل ما يأتيني أضعه بين يديك.". وبعد ألفي عام على هذا الصك نجد المرأة تخاطب في صك آخر زوج المستقبل: " إذا تركتك في المستقبل لكرهي لك أو لمحبتي رجلاً آخر فإني أتعهد بأن أدفع لك مكيالين ونصف من الفضة وأعيد إليك هدايا الزواج.".
ولكن ..
ينبغي أن لا يتبادر إلى الذهن أن دور الرجل في المجتمع الأمومي كان دور التابع؛ ذلك أن الرجل بوأ المرأة مكانتها احتراماً وتقديراً لا خنوعاً . ورجال العصر الأمومي كانوا أكثر أنفة وعزة وفروسية من رجال المجتمع البطريركي. فقد نقل لنا مؤرخو اليونان ممن احتكوا بمجتمعات أمومية أن رجال تلك المجتمعات كانوا من أفضل فرسان عصرهم، وكانت بطولاتهم وتضحياتهم مضرب الأمثال. ثم يأتي أرسطو ليؤكد هذه الحقيقة ويجعل منها ظاهرة شمولية عندما يقول أن أغلب الشعوب العسكرية الميالة إلى القتال هي شعوب منقادة إلى النساء؛ ذلك أن المرأة برغم طبيعتها المسالمة تسلك سلوك اللبوة الشرسة إذ يتعرض أشبالها للخطر.
|
|
|
|
|
|