|
|
 الوفاء لأرض العطاء ... قصة إنجاز ..كم أفخر أنني كنت واحد منهم ..
|
( سفريات أبو ياسمين ) ..
أحد البصات التي تعمل في نقل الركاب من الخرطوم إلى مناطق الشمالية الأقصى وتحديدا منطقة المحس و(بالعكس) .. يشق رمال الصحراء في صبر وعناد .. وسائقه ذو التقاطيع النوبية الجميلة ووجهه الجامد (وكأنه لم يبتسم من قبل) يمسك عجلة القيادة بيد من حديد ..محددا خط سير البص ..معتمدا فقط على ذاكرته يجبره على ذلك عدم وجود أي علامات طبيعية او اشارت مرور ارشاديه او حتى إسفلت ... وفي سقفه يحمل أعداد كبيره من الكراتين و الشوالات والصناديق .. ليصل ارتفاع( العفش) فوق سطح البص لاكثر من متر ونصف !!! وفوق كل هذا العفش يجلس عدد من الأشخاص يناضلون حتى لا يطير أحدهم من فوق البص .. ويضحكون .. والهدف الذي من اجله تركوا بيوتهم يجعلهم لا يحسون بمعاناة السفر وتعبه ... حيث إن خط الشمالية هو واحد من أقسى واصعب خطوط السفر في السودان .. وفي جانبي البص تم تعليق قطعتين من القماش (الدمور ) كتب في منتصف كل قطعة (الوفاء لارض العطاء ) ترفرفان بقوة مع شدة الهواء الناتجة من السرعة الكبيرة للبص .
داخل البص ما يقارب ال 30 شاب وشابه ... كلهم من منطقه واحده في المحس ..لا يحملون هما غير إنجاح هدفهم وإنجازه بالصورة المطلوبة .. فيما يحاول بعضهم ومن شدة الشوق للأرض ألام ... ان يشغل نفسه بالغناء والهتاف بل الصراخ (انفعالا) حتى لا يحس بطول المسافه.. واختصارا لمدة السفر التي تتجاوز أل 24 ساعة .. فيما كان البعض يتجاذب اطراف حديث هزلي ..والبعض نائم والبعض هادئ ينظر من نافذة البص للصحراء الممتدة إلى ما لانهاية .. ومجموعة تتناقش بجديه في المقاعد الخلفية ...وهم ينظمون ويضعون اللمسات الأخيرة والترتيبات النهائية ... محاولين بكل السبل ان لا يفشل الأمر وان يتم كما يجب محققا كل ما يهدف إليه ..وكلهم يتجاهل الكميات المهولة من التراب والغبار ..الذي يهاجمهم من نوافذ البص ..
هؤلاء كانوا أعضاء رابطة طلاب وخريجي دفوي بالجامعات والمعاهد العليا .. ودفوى هذه قرية صغيره من قري المحس ..أهم ما يميزها إنها ستكون أول القري التي ستغرق وتسكن في أعماق النيل في حال إنشاء (سد كجبار) المزعوم (المشؤوم) ..وذلك لان المسافة بين كجبار ودفوي لا تتجاوز 3 او 4 كيلو متر .. .
والهدف الأسمى الذي يسعون إليه هو ..قافلة (إنقاذية ) شاملة لمنطقتهم ألام ...
ولكن ... مهلا ... ما هذا ..كيف أتينا الي هذه الصحراء .. آسف جدا ..لقد تجاوزت الكثير من النقاط الهامة ...دعوني أعود بكم قليلا إلى الخلف ...إلى النقطة التي بدا فيها كل هذا .... وتحديدا قبل عام ...
عندما اجتمع ثلاثة او أربعه اشخص في إحدى المناسبات .. وفي أثناء الو نسه المعتادة ..طرح أحدهم فكرة تكوين رابطه للمنطقه تضم وتحتوي كل طلابها بالجامعات والمعاهد في السودان ...يستطيعون من خلالها خدمة القريه ..ذات الموارد (المهدودة) ..وللمساعده في رفع بعض المعاناة عن الأهل فيها ..في ظل غياب أي خدمات او دعم حكومي .. وتردي كامل في كل المرافق ..التي تنحصر فقط في شفخانه صغيرة ومدرسه ابتدائية مختلطة .. واللتان تعانيان من فقد لكل ما يشير لهويتهما . .. . فأنت لاتعرف ان هذه شفخانه لا إذا أخبرك أحدهم بذلك ..لا معمل ولا صيدلية ولا دكتور ..حتى لا توجد (يا فطه) ..لقد كانتا تعانيان وتحتضران...انه الموت. البطيئ ..
وخير دليل على ذلك هو ان المدرسة كانت في ذلك العام تحتل الترتيب قبل الأخير بين مدارس الولاية .. وان المريض الذي يقصد الشفخانة للعلاج لايجد فيها غير نوعين فقط من الأدوية (حبوب الملاريا والبندول )
بعدها ...بحوالي الشهرين ...التقينا نفس المجموعة في ساحة النشاط الطلابي بجامعة النيليين ..نفس الشباب ...ونفس الحماس ...ونفس الرغبة في عمل شئ لأهلنا ... واعدنا فتح الموضوع .. وكونا من أنفسنا لجنة تمهيدية , ووزعنا المهام .. لحصر الطلاب بالجامعات .. ولعمل دستور مقترح ... وللدعوة للجمعية العمومية ..
وبعد جهد مضني .. ومعاناة حقيقية بسبب عدم وجود مصادر للدخل في ذلك الوقت .. وصراع متوقع ..مع الاتحاد العام للطلاب السودانيين ..تمكنا بحمده من تسجيل الرابطة في الاتحاد ... وكانت المعاناة في إقناع الطلاب والطالبات بالفكرة من أساسها عن طريق الشرح ..والذي كان أكثرهم لا يعلمون أساسيات العمل النقابي ..لانعدام التجربة بالنسبة لهم ..وجاء يوم الجمعية العمومية ...وفي حضور عضو الاتحاد العام للطلاب(والذي قدمنا له الحاجة الباردة .. مكرهين ..). وبعد مناقشة الدستور المقترح .. وتعديله بما يناسب مصالح الطلاب ..تمت إجازته .
وتم تكوين المكتب التنفيذي للرابطة .... وكم كانت الدنيا لاتسعنا من الفرحة في ذلك اليوم ..
وفي أول اجتماع .. وضعنا تصور للعمل به خلال الدورة (التاسيسية ) .. كان كل مافي عقلنا الباطن يتجه صوب قريتنا الهادئة ... الحالمة في ارض الشمال ...التي كانت في حال سكون وخمول هو اقرب للاحتضار ..
أولا ..كان لابد لنا من لم شمل الأعضاء ... ثانيا كان لابد من التعريف بالرابطة وأهدافها بالنسبة لاهلنا في العاصمة .. ثالثا كان لابد من وجود مصادر للدخل ..غير اشتراكات الأعضاء ..التي حاولنا حين تقديرنا لها أن تكون رمزية وغير مرهقة لجيوب الطلاب ..
.. وبدانا العمل.. و قمنا أولا بإصدار النشرة الأولى من جريدة الرابطة ... الناطقة باسمها ..كضربة مزدوجة تخدم هدفين .... الجانب المالي ... والتعريف بالرابطة .. فكان العائد المادي المجزي .. ثم قمنا بأعمال للم أعضاء الرابطة... فكانت حفلات الاستقبال للطلاب الجدد بالجامعات ..وعدد من الإنجازات جعلت بعد مرور ما يقارب ال10 اشهر خزينة الرابطة متكدسة بالأموال ...التي جعلتنا نفكر جديا في البدء في تنفيذ فكرة القافلة ... والتي كنا نعلم يقينا انها تحتاج في المقام الأول الي الأموال .. وثانيا الي أشخاص لا يهز عزيمتهم شئ
فكانت الاجتماعات التحضيرية الاولى ولوضع تصور للقافلة ...
ولابد للإشارة لوقفة اهلنا في العاصمة بجانبنا ..خاصة التجار (الكبااار) ..حيث كان الدعم السخي ..لدرجة ان أحدهم قام بتأجير البص على حسابه الخاص..ذهاب وإياب ..
وتم تقسيم الأعضاء والأعباء حسب جوانب القافلة و أقسامها ..
فقمنا اولا بتحديد الهدف من القافلة ..ومنها الأقسام او الجوانب الرئيسية للقافلة .. فكانت تشتمل على الآتي ..... الجانب الاهم وهو الصحي ... حيث قامت اللجنة الصحية المكونة .. من مخاطبة شركات الأدوية ... للدعم .. وكلية الطب جامعة الخرطوم للسماح لنا بمعمل متكامل من معاملها ... ومعمل استاك القومي .. وشراء كل ما ينقص ولم يجدوه بالدعم من هذه الجهات ( كالتحاليل الطبية ) التي اكتشفنا عدم وجود بعضها حتي في هذه المعامل (القومية..!!)
فكان هذا الجانب ...الصحي ..من اهم وانجح الجوانب .. ثم الجانب الثقافي ... والاجتماعي ..والأكاديمي ..والرياضي . .. حتى الجانب التجميلي للقرية لم نتجاهله ..
وتمت مخاطبة اللجان الشعبية فى المنطقة للتحضير لاعمال القافلة ..حيث ان المنطقة تنقسم الي جنوب وشمال والجزيرة .. فتم تقسيم عمل القافلة وفترتها مناصفة بين الشمال ومعها الجزيرة من جهة والجنوب من جهة أخرى ..وتم تجهيز كل شئ .. ومناقشة ادق التفاصيل ..لم نترك شئ للصدفة والظرف .. تم تجهيز المعامل والأدوية والصيدلي والدكاترة ..للصحي ...وتم توفير الكتب الأكاديمية والبرنامج المصاحب للجانب الاكاديمي والمناقشات المفتوحة بين الأهالي والأساتذة وبين مسؤلي التعليم في الولاية الشمالية (من وزير التعليم بالولاية وموجهي التعليم في منتديات مفتوحة مباشرة (وكورسات للتلاميذ وتحديد شخص من الطلاب لتدريس كل مادة ) والأدوات المدرسية من الطباشير لأدوات شرح المعلمين والكراسات .. كما تم تجهيز واعداد برامج اجتماعية ثقافية متكاملة .. تتمثل في ندوات تنويرية عن العادات الضارة .. تحدث فيها مسؤلي الصحة بالولاية .. ومعارض ثقافية وندوات اجتماعية مفتوحة للنقاش الجاد بين الأهالي والمسؤول . كل هذا مدعم بالصور التوضيحية والنشرات المختصة من الوزارات والهيئات الحكومية ... .حتى إننا حاولنا ان نقوم بتعليم الأهالي شئ عن أداة العصر ..الكمبيوتر ..من خلال عمل غرفة متكاملة لها ..لتعليم كل من لديه الرغبة .. كما تم تجهيز متطلبات الجانب الرياضي للقافلة ..والإذاعة المتنقلة .. والفنانين واجهزتهم .. لاحياء الليالي الغنائية ولإدخال البهجة في النفوس .. حيث قررنا ان يكون ختام اليوم دائما بحفل غنائي حتى بزوغ الفجر (حكاية الحفلة للساعة حد اشر دي ..ما مطبقة عندييـــنا  )
وهكذا أصبحنا على أهبة الاستعداد للتحرك ... كل شي جاهز ..وكلو تمام ..وكلو في محلو ...
قبل ما نتحرك .. انا دوامي خلص ..
حاجيكم تانى عشان نكمل ..
..
|
|
 
|
|
|
|
samo
7abib_alkul
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست