التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 11:16 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-26-2003, 07:13 PM

Amin Elsayed
<aAmin Elsayed
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 1252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة


    محمد علي جادين

    مقدمة:-
    اتفاق الترتيبات الأمنية العسكرية في الفترة الانتقالية الذي توصلت إليه الحكومة وحركة تحرير شعب السودان في مفاوضات نيفاشا (24/9) يمثل حلقة هامة علي طريق إيقاف الحرب الأهلية وتحقيق السلام في البلاد. فقد اتفقت تصريحات الطرفين والوسطاء والشركاء علي أهمية الاتفاق ودوره المحوري في فتح الطريق للوصول إلى اتفاق سلام شامل في وقت قريب. ويبدو أن ذلك يرتبط بمجهودات المبعوث الأمريكي للسلام في السودان الذي زار الخرطوم في سبتمبر 2001 ونجح في تحريك عملية مفاوضات الإيقاد بعد تعسرها لسنوات طويلة (1994 – 2001) حتى تمكنت من الوصول إلى اتفاق مشاكوس الاطاري في يوليو 2002.
    وهو اتفاق هام يمثل أول اختراق عملي في طريق السلام. وذلك لأنه حدد إطاراً عاماً لاتفاقية سلام شامل ولمجرى عملية المفاوضات نفسها, تحت رعاية منبر الإيقاد وبدفع مباشر من شركائها وخاصة أمريكا وبريطانيا والنرويج وإيطاليا. واتفاق الترتيبات الأمنية الحالي يمثل خطوة عملية كبيرة في طريق تحويل اتفاق مشاكوس الاطاري إلى اتفاقية شاملة ومحددة في محاورها المختلفة (السلطة, الثروة, الترتيبات الأمنية... الخ) وتتضاعف أهميته لارتباطه بالترتيبات الأمنية والعسكرية المعروفة بحساسيتها وتعقيداتها ومكانتها المحورية في نظرة الأطراف المتفاوضة لمحاور الاتفاق النهائي والتسوية السياسية المرتبطة به. فقد كان هذا المحور نفسه أهم العوامل التي أدت إلى انفجار خلافات واسعة بين الطرفين حول (مسودة ناكورو) ومن ثم فشل جولة المفاوضات السابقة في أغسطس الماضي. وجاءت مفاوضات نيفاشا بقيادة النائب الأول لرئيس الجمهورية وزعيم الحركة الشعبية لتجاوز تلك الخلافات وتدفع عملية السلام خطوات إلى الأمام. ويبدو أن الاهتمام الكبير الذي وجده هذا المحور يرتبط بتراكمات الصراع الطويل والممتد وانعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين وتخوفات القوى الجنوبية الناتجة عن تمادي السياسيين الشماليين في نقض العهود والمواثيق كما يقول السياسي الجنوبي البارز أبيل الير – فقد كان الطبيعي أن تأتى الترتيبات الأمنية والعسكرية كتتويج لاتفاق سياسي شامل حول قضايا التسوية الوطنية السياسية والاقتصادية وغيرها وليس العكس. وأياً كانت أسباب ذلك, فإنها لا تقلل من أهمية المحاور الأخرى ولا من أهمية الاتفاق كخطوة في طريق السلام ووضع البلاد في أعتاب مرحلة جديدة لها سماتها وملامحها المحددة.








                  

12-27-2003, 00:46 AM

Amin Elsayed
<aAmin Elsayed
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 1252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة (Re: Amin Elsayed)

    خلفية تاريخية:-
    تمتد جذور المفاوضات الجارية الآن إلى فترة الديمقراطية الثالثة 85 – 1989 حيث بدأت الاتصالات بالحركة الشعبية بعد سقوط النظام المايوي في أبريل 1985 ونجحت في الوصول إلى اتفاق كوكادام مع التجمع الوطني لإنقاذ الوطن في بداية 1986, ثم تواصلت حتى حققت اتفاق الميرغني/ قرنق 1988 الداعي لحل مشكلة الحرب الأهلية والأزمة السودانية بشكل عام من خلال مؤتمر دستوري وطني تشارك فيه كل القوى السياسية والاجتماعية في البلاد. وفي أبريل 1989 دخلت حكومة الجبهة الوطنية, برئاسة الصادق المهدي, في برنامج عملي لعقد المؤتمر الدستوري الوطني وتحقيق السلام في إطار الاتفاقية المذكورة. وفي هذه الظروف بالتحديد جاء انقلاب 30 يونيو 1989 لإجهاض التجربة الديمقراطية وقطع الطريق على عملية السلام الجارية وقتها, وذلك تحت شعارات الدفاع عن العقيدة والوطن والهوية الحضارية والشريعة الإسلامية, وبذلك أهدرت فرصة تاريخية نادرة لحل مشكلة الجنوب والحرب الأهلية بجهد سوداني جماعي لأول مرة منذ الاستقلال. وفي السنوات اللاحقة أدت السياسات العملية للنظام الانقلابي (نظام ثورة الإنقاذ الوطني) إلى تصعيد الحرب الأهلية وتمديدها للشمال نفسه والي تحويلها إلى حرب دينية وعرقية بين الشمال والجنوب من خلال شعارات الجهاد وتفويج الطلاب والشباب. وفي الخارج ظلت سياسات الدولة تجري وراء المبادرات الخارجية بمختلف أشكالها ومصادرها. ومنذ 1993 استقرت في مبادرة الإيقاد المستمرة حتى الآن. وخلال سنوات قليلة أدت هذه السياسات إلى طرح شعار حق الجنوب في تقرير مصيره وتكوين دولته المستقلة والي تدويل مشكلة الحرب الأهلية والأزمة السودانية بشكل عام. هذان التطوران يشكلان ابرز تطورات الحرب الأهلية والسياسة السودانية خلال النصف الأول من تسعينات القرن الماضي والسنوات اللاحقة وذلك نتيجة لاتساع الحرب وتأثيراتها في استقرار المنطقة واستمرارها دون حل متطور. فقد برز شعار تقرير المصير في أوساط مجموعة رياك مشار وآخرين بعد انقسامها من الحركة الشعبية في 1991, بحجة استحالة تحقيق الوحدة مع الشمال, كما كانت تدعو شعارات الحركة حتى ذلك الوقت. ومع اشتداد الصراع بين الطرفين اضطرت الحركة الشعبية في مؤتمر 1991 لتوسيع خياراتها, لتشمل الكونفدرالية وحق تقرير المصير جنباً لجنب مع شعار الوحدة الطوعية في إطار السودان الجديد. وفي 1992 توصل نظام الإنقاذ مع المجموعة المنشقة لإعلان فرانكفورت الداعي لحق الجنوب في تقرير مصيره وتكوين دولته. وبعد ذلك وجد الشعار طريقه إلى لقاء واشنطن 1993 بين جناحي الحركة ودوائر في الكونغرس الأمريكي. وفي 1994 جاء إعلان مبادئ الإيقاد واقترح إنهاء الحرب الأهلية بإقامة دولة ديمقراطية علمانية موحدة أو منح الجنوب حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة. وفي 1995 تبنى الشعار مؤتمر التجمع الوطني المعارض في اسمرا ( ارتريا ) كآلية لإيقاف الحرب وإعادة بناء الوحدة الوطنية على أسس طوعية جديدة. وكانت حكومة الإنقاذ قد رفضت اقتراحات مماثلة طرحتها مفاوضات ابوجا 1993. وبعد ذلك رفضت إعلان مبادئ الإيقاد بدعوى اشتماله على حق تقرير المصير وهاجمت مقررات مؤتمر اسمرا واتهمت التجمع الوطني بالتفريط في وحدة البلاد. وخلال فترة قصيرة تراجعت عن مواقفها هذه في ميثاق السلام (1996) واتفاقية الخرطوم للسلام وملحقاتها (1997) التي وقعتها مع القوى المنشقة من الحركة تحت شعار السلام من الداخل, حيث أكد الميثاق والاتفاقية على حق الجنوب في تقرير مصيره بعد فترة انتقالية محددة وضمنت ذلك في دستور 1998. ومن ثم عادت الحكومة إلى منبر الإيقاد وظلت تشارك في جولاته حتى الآن. ومن خلال المبادرات الخارجية المتتالية واتساع مآسي الحرب وتأثيراتها في المنطقة, من خلال كل ذلك بدأ تدويل مشكلة الحرب الأهلية. وتجسد ذلك بشكل محدد في تزايد دور أصدقاء وشركاء الإيقاد في جولاتها في النصف الثاني لتسعينات القرن الماضي. وامتد دورها لتعيين مبعوث خاص أمريكي وبريطاني في السودان ومبعوث خاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية... الخ. وظل دور هذه القوى يتزايد عاماً بعد الآخر, ونتيجة لذلك ظل منبر الإيقاد يمثل المنبر الوحيد المعتمد في مفاوضات السلام, وذلك حتى بعد إعلان المبادرة المصرية الليبية المشتركة في 1999, ورغم مطالبات التجمع الوطني المتكررة بتوحيد المبادرتين في منبر تفاوضي موحد, ورغم ظهور اختلالات مبادرة الإيقاد ودورها في تعسر المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود, وتمثلت تلك الاختلالات في ثلاثة جوانب أساسية هي:-
    1. أنها تحصر المفاوضات في طرفين فقط, هما الحكومة والحركة, وتستبعد قوى التجمع الوطني وقوى المعارضة الشمالية والجنوبية الأخرى. وظلت أيضاً تركز, بحكم إعلان مبادئها, على قضية الجنوب ومشكلة الحرب والسلام وتتجاهل القضايا الأخرى للازمة السودانية (الديمقراطية, نظام الحكم, الوحدة الوطنية, التنمية...الخ).
    2. أنها تمثل البعد الأفريقي في محيط السودان الإقليمي وتتجاهل بعده المصري والعربي, خاصة بعد إعلان المبادرة المشتركة.
    3. أنها تحولت إلى منبر لتزايد دور القوى الدولية, خاصة أمريكا وبريطانيا, في الحرب الأهلية بشكل خاص والأزمة السودانية بشكل عام, حيث اصبح دور الشركاء هو الأساس في عملية السلام على الأقل منذ 1999 على حساب الدور الوطني والإقليمي. وتركز اهتمام هذه القوى في مبادرة الإيقاد, بحكم اهتمامها بمشكلة الحرب والسلام واستقرار منطقة وسط أفريقيا والقرن الأفريقي
                  

12-27-2003, 02:29 AM

Amin Elsayed
<aAmin Elsayed
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 1252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة (Re: Amin Elsayed)

    اتفاق مشاكوس الاطاري:-
    هذه الاختلالات الأساسية ظلت تتحكم في مسار مفاوضات منبر الإيقاد طوال السنوات السابقة وتعرقل تقدمها في اتجاه السلام. ومع ذلك ظلت تجد قبول أطرافها الرئيسية, أي الحكومة والحركة ودول الإيقاد والشركاء, لأسباب مختلفة. وفي هذا الإطار تتحمل الحكومة المسئولية الأكبر, بحكم دورها الحاسم في تحديد مجرى وإطار المفاوضات إذا أرادت ذلك اكثر من الحركة الشعبية ودول المبادرة وشركائها. ولكنها ظلت ترفض توسيع إطار الإيقاد واجندتها, بهدف إبعاد القوى السياسية الأخرى وضمان سيطرتها على الشمال من خلال صفقة ثنائية مع الحركة شبيهة لاتفاق عام 1972 بين الحركة الجنوبية المسلحة وقتها وحكومة نميري الدكتاتوريه وتحسين علاقاتها مع القوى الدولية المؤثرة في السودان والمنطقتين العربية والأفريقية. وفي هذا الوقت كانت الحركة تعمل على المحافظة على هذا المنبر كما هو والعمل من خلاله لتعظيم المكاسب الإقليمية للجنوب والمشاركة الواسعة في إدارة المركز وطرح بعض قضايا التسوية الوطنية الشاملة, بما في ذلك خيار الكونفدرالية كخيار يمكن أن يحافظ على وحدة الكيان السوداني ويفتح الطريق لتغيرات سياسية لاحقة. وهذا التناقض في التوجهات العامة ظل يقف خلف تعسر المفاوضات وتزايد دور الشركاء والقوى الدولية المؤثرة طوال الفترة السابقة. وجاء صعود الإدارة الأمريكية الحالية بتوجهاتها المختلفة عن الإدارة الديمقراطية السابقة ليفتح الطريق أمام تطوير علاقات نظام الإنقاذ مع أمريكا ولدفع الأخيرة للعب دور اكبر في مشكلة الحرب الأهلية والأزمة السودانية بشكل عام. وساعدها في ذلك أحداث سبتمبر 2001. وهكذا ظهر تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي (3/2001) وتم تعيين دانفورث مبعوثاً أمريكياً خاصاً للسلام في السودان حيث نجح في تحقيق اتفاق جبال النوبة في بداية 2002 وفي تحريك عملية المفاوضات حتى وصلت إلى اتفاق مشاكوس الاطاري في منتصف 2002. وكان هذا الاتفاق خطوة كبيرة في اتجاه إنهاء الحرب وتحقيق السلام. وذلك من خلال حسمه لقضايا حق الجنوب في تقرير مصيره بالوحدة أو الانفصال وعلاقة الدولة والدين ونظام الحكم والية الرقابة الإقليمية والدولية... الخ. ولكنه بجانب ذلك كانت له سلبياته المحددة المتمثلة في:
    - انه أدى إلى تدويل مشكلة الحرب الأهلية والأزمة السودانية عموماً, حيث أصبحت دول الشركاء وخاصة أمريكا وبريطانيا هي التي تشرف على عملية التفاوض وتعمل على توجيهها بأساليب عديدة تشمل العصا والجزرة في إطار استراتيجيتها العامة في السودان والوطن العربي وأفريقيا. وفي أكتوبر من نفس العام صدر قانون سلام السودان الأمريكي بهدف تسهيل جهود الحل السلمي الشامل لمشكلة الحرب في جنوب السودان, حيث نص القانون على معاقبة الطرف الذي يتسبب في إفشال عملية السلام الجارية. وبذلك تحول الفانون إلى أداة هامة في تسريع المفاوضات والوصول إلى نتائج محددة.
    - انه وضع الأساس لاتفاق ثنائي بين الحكومة والحركة, يستند إلى إعلان مبادئ الإيقاد وتقرير مركز الدراسات الأمريكي وجهود المبعوث الأمريكي الخاص للسلام في السودان ويركز على مشكلة الجنوب والحرب الأهلية ويتجاهل القوى السياسية الأخرى والجوانب الأخرى للازمة السودانية. ولذلك وضع الاتفاق تصوراً جديداً يختلف كلية عن كل التصورات السابقة مستبعدا كل الجهود الوطنية والإقليمية التي بذلت لحل المشكلة السودانية في السنوات السابقة.
    - أن مضمون الاتفاق يقوم على إقامة دولة واحدة بنظامين ويستهدف إنشاء نظام فيدرالي يتكون من إقليم جنوبي له دستوره (العلماني) وولايات شمالية لها دستورها (الإسلامي) وحكومة مركزية يحكمها دستور (قومي) يحدد الصلاحيات وآليات اقتسام الثروة وغيرها. وذلك خلال فترة انتقالية تنتهي باستفتاء شعب الجنوب بين الوحدة والانفصال.
    هذه السلبيات أدت إلى تعسر مفاوضات الإيقاد خلال العام المنصرم ووصولها إلى حافة الانهيار في أغسطس الماضي, وأدت أيضاً إلى تزايد دور الوسطاء والشركاء وتزايد تدخلاتهم وضغوطهم من اجل دفع عملية السلام إلى الأمام. ومن خلال ذلك برزت أزمة الاتفاق الاطاري في التناقض بين طبيعته الثنائية والجزئية من جهة وضغوط التجمع الوطني وحزب الأمة وقوى المعارضة الأخرى من اجل تسوية وطنية شاملة من جهة أخرى. ولذلك كان تردد مواقف الأطراف المعنية بين متطلبات التسوية الثنائية المحكومة بالاتفاق الاطاري ومتطلبات التسوية الشاملة الضاغطة في ارض الواقع والمسرح السياسي, كما تعكسه تناقضات تصريحات الأطراف المتفاوضة وحتى الوسطاء والشركاء مع واقع ما يجري في قاعات المفاوضات. وتجسدت هذه الأزمة أخيراً في الخلافات المعلنة حول (مسودة ناكورو) في أغسطس الماضي, وهي في حقيقتها تمثل انعكاساً لغياب القوى السياسية الأساسية وتجاهل دور ومصالح البعد المصري والعربي في الأزمة السودانية من جهة وحضورها العملي في قلب المفاوضات من جهة أخرى, وذلك من خلال طرح بعض قضايا التسوية الشاملة ورغبة بعض الأطراف في توسيع إطارها واجندتها وشعورها الطاغي بقصور اتفاق مشاكوس في معالجة الأزمة الوطنية الجارية لمصلحة كافة قطاعات الشعب وأقاليم البلاد. ومع اتساع أزمة الثقة بين الحكومة والحركة وانفجار خلافتهما حول مسودة ناكورو, جاءت تحركاتهما في الفترة الأخيرة السابقة لاتفاق نيفاشا نحو التجمع الوطني وحزب الأمة وقوى المعارضة الأخرى ونحو مصر والجامعة العربية. وذلك بهدف الاستقواء بها في عملية التفاوض ومحاولة إيجاد مخرج إيجابي لازمة الاتفاق الاطاري. والشعور بهذا المأزق قاد في الفترة الأخيرة إلى اتساع الأصوات المنادية بالوفاق الوطني والإجماع الوطني حول قضايا السلام والتسوية السياسية وخاصة وسط النخبة الاسلاموية الحاكمة, كما حدث في لقاء رئيس الجمهورية بالقوى السياسية وظهور اكثر من مبادرة لتوحيد الصف الوطني. وفي الوقت نفسه ظهرت تحركات أخرى تدعو للحوار الجنوبي الجنوبي وتوحيد القوى السياسية الجنوبية. وهذه التحركات في مجملها تعكس تخوفاً وقلقاً مشروعاً حول ما قد تسفر عنه المفاوضات بعيداً عن القوى السياسية والاجتماعية الأساسية في البلاد. وتعكس أيضاً توجهاً جاداً لاعادة الاصطفاف السياسي على أساس شمال/جنوب تمشياً مع توجهات اتفاق مشاكوس وما سيفرزه من واقع عملي وبالتالي مع التوجهات الانفصالية في الشمال والجنوب. والمهم هنا أن التجمع الوطني وحزب الأمة وقوى المعارضة الأخرى, بما في ذلك بعض دوائر النخبة الاسلاموية, كل هذه القوى ظلت تشير منذ وقت مبكر إلى اختلالات اتفاق مشاكوس وتعمل على تجاوزها وتصحيحها من خلال الحوار مع الأطراف المعنية والمطالبة بتوسيع إطار الاتفاق واجندته. وهناك أيضاً محاولات تنظيمات المجتمع المدني وخاصة منبر السودان أولاً. وهي كلها تنطلق من ضرورة الاعتراف بواقع الأزمة الوطنية ومواجهتها بشكل جدي, ولكن كل هذه المحاولات ظلت تصطدم بتعنت السلطة الحاكمة وإصرارها على تفتيت وحدة التجمع الوطني وقوى المعارضة بشكل عام وجذب بعضها إلى جانبها والوصول معها إلى مصالحة ثنائية في إطار نظامها السياسي القائم. وساعدها في ذلك ثلاثة عوامل محددة, تمثلت في الآتي:-
    - استمرار مبادرة الإيقاد كمنبر وحيد للمفاوضات وتزايد دور الشركاء في داخله ورغبة الوسطاء والشركاء في إنهاء الحرب وتحقيق السلام وضعف اهتمامهم بالجوانب الأخرى للازمة السودانية.
    - تراخي وتردد المبادرة المشتركة وموقفها السلبي من حق الجنوب في تقرير مصيره.
    - ضعف قوى التجمع الوطني وقوى المعارضة بشكل عام, خاصة بعد إعلان جيبوتي 1999 وخروج حزب الأمة من التجمع وعودة قياداته للخرطوم. كما تجسد هذا الضعف في غياب العمل الشعبي وسط مختلف قطاعات الشعب والتركيز على العمل الفوقي والخارجي تحت شعار (الحل السياسي الشامل) منذ مؤتمر مصوع في منتصف 2000.
    هذه العوامل الثلاثة هي التي تحكمت في مسار عملية السلام خلال السنوات السابقة وبالذات بعد اتفاق مشاكوس وأدت في النهاية إلى اتفاق نيفاشا وتحديد مجرى التسوية السياسية القادمة. وذلك رغم جهود التجمع الوطني وحزب الأمة وقوى المعارضة الأخرى المتواصلة طوال العام المنصرم ورغم ثقل هذه القوى السياسي والاجتماعي واتفاقها العام حول القضايا الوطنية الأساسية.

    اتفاق نيفاشا خطوة هامة:-
    في أغسطس الماضي دخلت مفاوضات الإيقاد دورة أخرى من التوترات والخلافات التي تركزت حول محاور مؤسسة الرئاسة والمناطق المهمشة والعاصمة القومية والترتيبات العسكرية وغيرها المتضمنة في مسودة ناكورو وكادت تؤدي إلى انهيارها. وكشفت تلك التوترات خلافات عميقة حول حدود واطار الاتفاق النهائي والتسوية المتوقعة, بين اتجاه الحكومة الذي يعمل على حصرها في نسخة متطورة لاتفاقية 1972 واتجاه الحركة الذي يعمل على اختراق النظام القائم وخلق تركيبة سياسية جديدة يلعب فيها الجنوب دوراً أساسياً وتفتح الطريق نحو تغييرات جوهرية وذلك انطلاقاً من اتفاق مشاكوس نفسه. وهنا تحرك الوسطاء والشركاء وتحركت مصر وكينيا بشكل خاص للضغط على الطرفين وإعادتهما للتفاوض. وفجأة أعلن عن لقاء نيفاشا بين النائب الأول لرئيس الجمهورية وزعيم الحركة الشعبية. وتعددت تفسيرات دوافع ومبررات هذا اللقاء, خاصة مع غياب غازي صلاح الدين, الذي ظل يقود الوفد الحكومي في المفاوضات طوال الفترة السابقة, وتقدم النائب الأول المتهم من قبل جهات عديدة بتشدده ونفوذه المؤثر وسط النخبة الاسلاموية الحاكمة. وهناك تواصلت المفاوضات لأكثر من ثلاثة أسابيع بدلاً من أيام معدودة. وشملت المناقشات معظم قضايا التسوية وخلافاتها, واستمرارها طوال هذه الفترة بعكس عمق خلافات الطرفين حول القضايا المطروحة ويؤكد في نفس الوقت ضغوط الوسطاء والشركاء وإصرارهم على إحراز تقدم حاسم يفتح الطريق للتسوية النهائية. فقد كانت المفاوضات تجري وسط حضور كثيف لهذه القوى وفي ظروف تأمل فيها الإدارة الأمريكية في تحقيق نجاح حقيقي يعوض مآزقها في العراق وفلسطين ويساعدها في تجميل صورتها وسط شعوب المنطقة وتمكينها من تذليل بعض عقبات معركة الانتخابات الرئاسية القادمة. وظلت تعتمد في ذلك على نجاحها في تحريك عجلة المفاوضات في الفترة السابقة وعلى قانون (سلام السودان) الأمريكي الذي يهدد بمعاقبة من يتسبب في إفشال عملية السلام. ولذلك نجحت هذه الضغوط في دفع الطرفين لتقديم تنازلات متبادلة. ويمكننا تخيل صعوبة تلك التنازلات المطلوبة أياً كان حجمها في لقاء مباشر بين المشروع الحضاري الاسلاموي ومشروع السودان الجديد, بين زعيمي هذين المشروعين المتناقضين في المنطلقات والتوجهات. وستبرز هذه التنازلات بشكل واضح في تفاصيل الاتفاق النهائي. ولكنها بدأت منذ الآن في الاتفاق الاطاري حول الترتيبات الأمنية, وذلك استناداً إلى نصوص اتفاق مشاكوس الاطاري. وظهرت تأثيراتها في الانطباعات الشخصية الإيجابية بين رئيسي الوفدين وتصريحاتهما في الأيام الماضية. والاتفاق ينص على تكوين جيش موحد في المستقبل من القوات المسلحة والجيش الشعبي. وفي الفترة الانتقالية يعترف بالأمر الواقع أي بوجود جيشين (القوات المسلحة في الشمال والجيش الشعبي في الجنوب) وقوات مشتركة في الجنوب وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق والخرطوم تشكل نواة للجيش الموحد إذا ما أكد الاستفتاء وحدة البلاد. وهذه التشكيلات يقودها مجلس دفاع مشترك يخضع لرئاسة الدولة. وينص الاتفاق على عدم السماح لأي مجموعات مسلحة خارج إطار قوات الطرفين ومعالجة أوضاع هذه المجموعات وكذلك يشير إلى معالجة أوضاع القوات النظامية الأخرى في إطار ترتيبات اقتسام السلطة. ويشير أيضاً إلى ترتيبات وقف إطلاق نار مراقب دولياً ويتم ترتيب تفاصيله بواسطة الطرفين (جنباً إلى جنب مع الوسطاء والخبراء الدوليين). وبذلك يسير الاتفاق في نفس توجهات الاتفاق الاطاري الذي منح الجنوب حق تقرير المصير ووضع الأساس لبناء دولة واحدة بنظامين مختلفين في الفترة الانتقالية, والمهم هنا أن الاتفاق يمثل خطوة عملية كبيرة في طريق تحويل الاتفاق الاطاري إلى اتفاقية سلام شامل في محاورها المختلفة. ولذلك ظهرت سلبياته في أن ترتيباته وضعت خياري الوحدة والانفصال في نفس المستوى وتجاهلت قوات الفصائل العسكرية الأخرى في الشمال غير المرتبطة بالطرفين وأخضعت عملية وقف إطلاق النار لرقابة دولية من دول الإيقاد وشركائها ودول أخرى. ومع ذلك يتضمن الاتفاق إيجابيات عديدة تعمل على تحقيق السلام وتغليب خيار وحدة الكيان السوداني, يتمثل أهمها في تكوين الوحدات المشتركة كنواة لجيش موحد والتنسيق بين الجيشين في الفترة الانتقالية من خلال رئاسة الدولة وعدم السماح لأي مجموعات مسلحة خارج إطار قوات الطرفين. وهذا يعني إعادة بناء القوات المسلحة على أسس جديدة. ويضاف إلى ذلك أن الاعتراف بوجود جيشين يشكل ضمانة لتنفيذ الاتفاق وعدم تكرار ما حدث لاتفاقية أديس أبابا 1972. وقد يؤدي ذلك, مع الترتيبات المتوقعة في المحاور الأخرى, إلى تعظيم فرص الوحدة وتخفيف ضغوط ومخاطر الضمانات الخارجية والغطاء الدولي والإقليمي المرتبط بها. وانطلاقاً من كل ذلك, ومن حساسية وتعقيدات الترتيبات الأمنية والعسكرية, جاء تفاؤل الطرفين المتفاوضين والوسطاء والشركاء بإمكانية الوصول إلى اتفاقية نهائية في وقت قريب.
    ويستند هذا التقرير إلى مناقشات الجولات السابقة ومسودات الاتفاق النهائي التي نشرتها صحف عربية في الخارج, بما في ذلك مسودة ناكورو بكل ما صاحبها من توترات وخلافات. صحيح انه لا يزال هناك خلافات حول جوانب من المحاور الأخرى, مثل الرئاسة, المناطق المهمشة, العاصمة القومية, تقسيم الموارد والعملة وغيرها, وهى جوانب هامة, لكنها لا يمكن أن تعرقل مسيرة المفاوضات نحو نهايتها المحتومة في إطار اتفاق مشاكوس المحدد- ولكن ما هي ملامح التسوية النهائية القادمة؟
                  

12-27-2003, 03:38 AM

Amin Elsayed
<aAmin Elsayed
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 1252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة (Re: Amin Elsayed)

    تسوية مؤقتة أم تسوية تاريخية؟
    البعض يتناول إجراءات التسوية السياسية الجارية من خلال المغانم التي يحصل عليها الجنوب والشمال أو الحركة الشعبية والحكومة وقوى المعارضة بشكل عام والأحزاب الكبيرة والتجمع الوطني بشكل خاص. ولكن هذه النظرة تنطلق من مصالح طبقية وجهوية ضيقه هي التي تسببت في تفجر مشكلة الجنوب وتهميش الأقاليم البعيدة في الشرق والغرب والشمال الأقصى, بل أدت حتى إلى تخريب مثلث الوسط ومشروع الجزيرة الذي ظل يتحمل أعباء تنمية البلاد وإدارتها طوال اكثر من سبعين عاماً. ولذلك لا يمكن أن تقودنا إلى سلام عادل ودائم ومواجهة جادة لمظالم ومطالب المناطق المهمشة ومشاكل التخلف والتنمية غير المتوازنة الموروثة منذ أيام الحكم الثنائي, ومن ثم وضع البلاد في مجرى تطور جديد قادر على تلبية تطلعات وأشواق كل أبنائها وأقاليمها. فالإقليم الجنوبي, وكذلك الأقاليم الأخرى, لها مظالمها ومطالبها المشروعة. وتلبيتها في إطار تسوية شاملة لا يمكن اعتبارها مكاسب على حساب فئات وأقاليم أخري. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن القوى السياسية بشكل عام. وإذا كانت التسوية المتوقعة تنطلق من حسابات الأرباح والخسائر, فإنها ستؤدي فقط إلى تعميق الأزمة الوطنية الجارية وليس إلى مواجهتها وتصفيتها.
    وفى رأي هذه المقالة أن التناول الصحيح يجب أن ينطلق من مدي استجابتها لمتطلبات مواجهة الأزمة السودانية بكاملها واجتثاثها من جذورها- فبلادنا تعيش أزمة وطنية شاملة تهدد وجودها في أساسه. ومثل هذه الأزمة لا يمكن مواجهتها إلا من خلال تسوية وطنية تاريخية شاملة وبمشاركة كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع. ويشمل ذلك الآتي:-
    · إنهاء الحرب الأهلية الجارية وتحقيق السلام العادل والدائم في كل بقاع البلاد وليس في الجنوب وحده.
    · تصفية دولة الحزب الواحد وتأسيس دولة الوطن المدنية الديمقراطية, على أساس المساواة في حقوق وواجبات المواطنة ومنع استغلال الدين في السياسة وبالتالي تمكين الجميع من المشاركة في إدارة وطنهم.
    · تعزيز الوحدة الوطنية في إطار الهوية القومية العربية- غير العربية المزدوجة والتنوع الاثني والثقافي واحترام حقوق المجموعات المختلفة في المحافظة على ثقافاتها وخصوصياتها والمشاركة في بناء الوطن. ومنح الجنوب حق تقرير المصير يجب أن يكون آلية لتعزيز الوحدة الوطنية الطوعية وليس لتمرير انفصاله. وذلك من خلال توحيد جهود قوى الوحدة وتأكيد مستلزمات الوحدة الوطنية الطوعية.
    · التزام منهج التنمية المستقلة الشاملة والمتوازنة, وذلك وفق خطط تراعي احتياجات المناطق المهمشة والأكثر تخلفاً وترابط أقاليم البلاد المختلفة في بناء اقتصاد وطني متقدم ومتطور ومتكامل مع محيطه الإقليمي وقادر على التعامل مع مقتضيات عصر العولمة والتكتلات السياسية والاقتصادية الكبيرة والثورة العلمية والتكنولوجية.
    من خلال مواجهة هذه القضايا يمكن تجاوز الأزمة الوطنية القائمة وبناء سودان ديمقراطي موحد ومستقل وفاعل في محيطه العربي والأفريقي والدولي. وعلى ضوء ذلك يمكننا تناول التسوية الجارية وتحديد مدي اقترابها وابتعادها من متطلبات ما نسميه تسوية وطنية تاريخية شاملة. فما هي ملامح التسوية القادمة؟؟

    ملامح التسوية الجارية:-
    7. قلنا أن اتفاق الترتيبات الأمنية والعسكرية يرتبط باتفاق مشاكوس الاطاري ويشكل خطوة هامة وكبيرة في طريق تحويله إلى اتفاقية سلام شامل وتسوية سياسية محدّدة. وتكتمل ملامح هذه التسوية بعد الاتفاق حول المحاور المتبقية (تقسيم السلطة والثروة والمناطق المهمشة والعاصمة القومية...الخ) ومن خلال نصوص اتفاق مشاكوس الإطاري ومسودات اتفاق نهائي نشرتها صحف عربية في الخارج, يمكننا القول أن ملامح هذه التسوية تتمحور في إجراء تغييرات جوهرية في تركيب السلطة والنظام السياسي السائد في السودان منذ الاستقلال في اتجاه منح الجنوب كإقليم حكماً ذاتياً مستقلاً ومشاركة فعالة في إدارة المركز (الحكومة الاتحادية) وذلك من خلال شراكة سياسية بين المؤتمر الوطني الحاكم وحركة تحرير شعب السودان في إطار نظام فيدرالي موسع. وهذه التغييرات تشكل تحولاً كبيراً في نظام حكم الإنقاذ ونظام الحكم الذي ظل سائداً في السودان منذ أيام الحكم الثنائي. فهي تنهي ما يسميه كثير من المفكرين والناشطين السودانيين الشماليين سيطرة النخبة الشمالية النيلية على السلطة المركزية, ويسميه بعض الكتّاب والسياسيين السودانيين الجنوبيين سيطرة القومية العربية الشمالية ومثلث الوسط بالتحديد على السلطة والثروة في البلاد على حساب الأقاليم والمجموعات الطرفية المهمشة. وهنا نشير إلى أن هذه المصطلحات تحتاج إلى إعادة تعريف وتحديد اكثر دقة. وذلك لأنها تخلط بين القوى الاجتماعية والمؤسسة السودانية التي ظلت تسيطر على السلطة طوال سنوات ما بعد الاستقلال من جهة وجذورها القومية والثقافية من جهة أخري. وهى أيضاً تتجاهل مشاركة صفوات الأقاليم البعيدة والمجموعات المهمشة في تلك السيطرة من خلال تحالفاتها الثابتة مع القوى المهيمنة في المركز. وتتجاهل أيضاً الظروف الموضوعية التي أدت إلى تطور ظاهرة النمو الاقتصادي غير المتوازي وخاصة خلال فترات النظم العسكرية وسيادة سياسات الانفتاح الاقتصادي غير المرشد والمراقب ديموقراطيا وسيطرة الفئات الرأسمالية الطفيلية. المهم بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذه المقولات, فإن هذه التغييرات لها مدلولاتها السياسية والاجتماعية وتأثيرها الكبير في مستقبل التطور السياسي في البلاد. فالواقع أن هذه التغييرات تؤدي إلى بناء دولة اتحادية موحدة بنظامين مختلفين حسب نصوص اتفاق مشاكوس والاتفاق الأخير في نفس الوقت. ويمثل ذلك توجهاً جديداً في تاريخ الدولة السودانية الحديثة. فهناك الإقليم الجنوبي بدستوره (العلماني) والولايات الشمالية بدستورها (الإسلامي) ويجمع بين هذين الكيانين مركز موحد يقوم على دستور (قومي) يحدد الصلاحيات وآليات تقسيم الموارد وغيرها وشراكة سياسية مؤهلة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في مؤسسة الرئاسة ومجالس التشريع والجهاز التنفيذي وجهاز القضاء والخدمة المدنية الاتحادية. ويشمل الاتفاق ترتيبات خاصة للمناطق المهمشة وانتخابات عامة في الفترة الانتقالية الخ... ويرتبط برقابة دولية وإقليمية لمتابعة وضمان تنفيذه بشكل دقيق.
    هذه الملامح العامة للتسوية السياسية ظلت واضحة منذ إعلان الاتفاق الاطاري في مشاكوس في يوليو 2002م وجاء اتفاق الترتيبات الأمنية ليؤكدها بشكل عملي. وخلال العام المنصرم تقدمت القوى السياسية والاجتماعية المختلفة بمساهمات مقدرة في مناقشتها وتقويمها وتقديم مقترحات جادًّة لمعالجة جوانب قصورها واختلالاتها. وتمثلت ابرز هذه المساهمات في جهود منبر (السودان أولاً) حيث توصل إلى ملاحظات واستنتاجات هامة في كافة محاور المفاوضات ولكن سلطات الإنقاذ منعته من مواصلة جهوده حتى نهايتها. ونأمل في قيام المنبر بنشر مساهماته هذه الآن لتنوير الرأي العام والاستفادة منها في تطوير ما تتوصل إليه المفاوضات الجارية. وظهور (منبر السودان أولاً) كان محاولة لتنبيه سلطة الإنقاذ والحركة الشعبية بشكل خاص إلى أهمية توسيع المشاركة وتمكين الخبرات الوطنية من المساهمة في تقرير مصير وطنها بحكم انتمائها وخبراتها المتراكمة واحتكاكها المباشر بقضايا الأزمة الوطنية. وكان أيضاً احتجاجاً مؤسساً على اعتماد منبر الإيقاد على خبرات أجنبية لا علاقة لها بمشاكل السودان وتطلعات شعبه وأقاليمه. وتمثلت أهم مساهماته في إبرازه لاختلال نظام الحكم الاتحادي الذي يقوم على إقليم وحيد هو الإقليم الجنوبي ومنحه حقه كاملاً في إدارة شئونه والمشاركة في إدارة المركز وحرمان الأقاليم الشمالية من هذا الحق دون أي مبررات مقنعة. ونشير هنا إلى أن المنبر اقترح إنشاء ستة أقاليم في الشمال. المهم أن هذا الاختلال دفع البعض, خاصة في أوساط النخبة الإسلامية الحاكمة, إلى اعتباره تنازلاً غير مبرر يمنح الجنوب حقه في حكم نفسه وفى المشاركة في حكم الشمال من خلال الحكومة المركزية المسئولة أيضاً عن حكم الشمال. وهو تقدير في غير محله, لأن انتزاع الجنوب لحقوقه لم يكن على حساب الشمال. وذلك لأن نظام الإنقاذ هو الذي أصّر على هذا النظام المختل ورفض إنشاء أقاليم في الشمال بهدف ضمان سيطرته عليها من خلال إبقاء هياكل الحكم في الشمال كما هي دون أي تغيير- وهو بذلك يحاول تكرار تجربة اتفاقية 1972م, ولكنه بتجاهل أن ما حققه الجنوب سيدفع الأقاليم الشمالية للمطالبة بحقوقها كاملة, أي إدارة شئونها بنفسها والمشاركة في إدارة المركز تماماً كما يفعل الجنوب. وفى مجال اقتسام الموارد ركزت المفاوضات والمسودات المنشورة في صحف عربية في الخارج على عائدات النفط وأهملت تماماً قضايا التنمية الشاملة والمتوازنة. وظلت تعتمد في ذلك على تجارب لم تنجح حتى في بلدانها, كما هو حال التجربة النيجيرية, وعلى خبرات أجنبية بعيدة عن مشاكل وهموم السودان, وتجاهلت تماماً الخبرات الوطنية المجرًّبة. ولذلك جاءت مقترحاتها بعيدة عن تناول القضايا الأساسية لمشكلة التخلف والتنمية غير المتوازنة وركزت فقط على موارد النفط والمساعدات الخارجية. ولكن هل يؤدى ذلك إلى رفع مظالم الجنوب والمناطق المهمشة وتنميتها؟ أم أنه سيؤدي فقط إلى تنمية فئات رأسمالية طفيلية في تلك المناطق متحالفةً مع القوى المهيمنة في المركز؟
    وفى جانب ثالث نلاحظ ابتعاد المفاوضات والمسودات المنشورة في الخارج عن تناول قضايا الهوية والثقافة واللغة والتعليم, رغم أنها ظلت تشكل أهم أسباب استمرار الحرب الأهلية لأكثر من عشرين عاماً ورغم أهميتها في تناول قضايا التنوع الاثني والثقافي والديني في البلاد. ويبدو أن الانشغال بتقسيم (السلطة والثروة) لم يسمح بمناقشة مثل هذه القضايا. ولكن ذلك لا يقلل من أهميتها ودورها في بناء سودان موحد ولا يلغي ضرورة مناقشتها وتكييفها في إطار تسوية وطنية شاملة- المهم كل هذه الملاحظات لا تنفي أن التسوية الجارية تتجه منذ الآن لإحداث تغييرات سياسية جوهرية في نظام حكم الإنقاذ بشكل خاص والنظام السياسي الذي ظل سائداً في البلاد منذ إعلان الاستقلال في مطلع 1956 بشكل عام وربما في مستقبل السودان نفسه. ويتمثل أهمها في الآتي:-
    · إنشاء نظام فيدرالي يقوم على إقليم موحد في الجنوب وولايات في الشمال ويحكمه دستور (قومي) يقوم على المساواة في حقوق وواجبات المواطنة وحقوق الإنسان ويحدد الصلاحيات وآليات تقسيم الموارد بين الجنوب والحكومة المركزية والشمال. وهذا الدستور يمثل المرجعية الأولى للدولة الاتحادية. ويعني ذلك استبعاد (الشريعة) في المستوى الاتحادي والجنوب وحصرها في الولايات الشمالية فقط. ويؤدي أيضاً إلى خلق تركيب جديد يضعف هيمنة السلطة المركزية على الأقاليم ويؤسس لبناء نظام فيدرالي واسع الصلاحيات وبالتالي إحداث تحول كبير في النظام السياسي القائم في اتجاه إعادة هيكلة السلطة وموارد الدولة وتقسيمها بين الدولة والأقاليم. وذلك مع وضع الاعتبار للاختلالات المرتبطة بهذا النظام كما أشرنا في مكان سابق.
    · بناء شراكة بين المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية تشمل كافة مواقع الحكومة الاتحادية وهى شراكة مفهومة تفرضها ضرورات تنفيذ الاتفاق خلال الفترة الانتقالية. ولكنها تختلف عن تحالفات نظام الإنقاذ والحكومات المركزية السابقة خلال الفترات الماضية مع القوى الجنوبية, بحكم استنادها إلى ركائز واقعية ومشاركة حقيقية ورقابة دولية صارمة. وهى بذلك تضع أساساً لهيكلة جديدة للسلطة تدخل الجنوب لأول مرة في قلب المركز وتنهي سيطرة الحزب الواحد على السلطة في الجنوب والمستوى الاتحادي وإبقائها كما هي في الشمال. وسوف يكون لذلك تأثيرات حاسمة في بعض جوانب السياسات العامة وخاصة في مجالات الحريات والمشاركة السياسية, بحكم تأثيرات مناخ السلام ودور الحركة والرقابة الدولية الصارمة.
    · وضع خياري الوحدة والانفصال في نفس المستوي تقريباً, رغم توجه الاتفاق الاطاري لدعم الخيار الأول. وهذا يعني احتمال تقسيم البلاد إلى دولتين بعد الفترة الانتقالية. ويعني أيضاً إثارة الأقاليم الأخرى للمطالبة بحقها في إدارة شئونها والمشاركة في الإدارة المركزية. ومن ثم إثارة نعرات جهوية وإقليمية واسعة.
    المهم أن هذه التغييرات سيكون لها تأثيراتها في إعادة هيكلة السلطة ووضع البلاد علي أعتاب مجري تطور جديد. ومع كل ذلك نلاحظ إن التسوية الجارية تشكل تسوية ثنائية وجزئية, وذلك بحكم عدم شمولها لكل أطراف وأجندة الأزمة السودانية, ولا يزال ينتظرها الكثير لتتحول إلى تسوية وطنية شاملة. وهى أيضاً لا تملك إمكانيات ذاتية للنمو والتطور بعيداً عن قوى الوسطاء والشركاء, بحكم الخلافات العميقة بين أطرافها وارتباطها بدور حاسم للقوى الخارجية. ومن هنا جاءت محدوديتها وفشلها في تلبية متطلبات التسوية الشاملة.

    تساؤلات مشروعة:-
    هكذا جاءت ملامح التسوية الجارية نتيجة لظروف وأسباب أشرنا إليها في مكان سابق. ولكن ذلك لا يقلل من أهميتها في أحداث تغييرات أساسية في مجري التطور الوطني. وهى تغييرات لها مدلولاتها رغم ارتباط معظمها بمشكلة الجنوب. ومع أن كل قوى المعارضة السياسية والاجتماعية قد ظلت تعمل على أحداث هذه التغييرات وغيرها, خاصة خلال العقدين الأخيرين, كطريق وحيد لمواجهة الأزمة الوطنية الجارية, ومع وضوح استحالة مواجهة هذه الأزمة دون مشاركة سياسية واسعة, مع كل ذلك ظلت مفاوضات الإيقاد تحصر نفسها منذ سنوات في الطرفين المتحاربين فقط وتستبعد كل القوى الشمالية والجنوبية الأخرى وذلك مع تقديرنا لدور الإيقاد واهتمام الشركاء بالمشكلة السودانية. وكأنها بذلك تحاول تقرير مصير السودان من خلال تسوية سياسية محدودة يتوصل إليها هذان الطرفان, استناداً إلى مآسي الحرب الأهلية ورغبة القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في إيقافها وتحقيق السلام في السودان. وإذا كانت الأطراف المتفاوضة قد ظلت تبشرنا طوال الأيام الماضية بقرب السلام العادل والدائم ودخول البلاد في مرحلة تطور جديدة, بمشاركة الجميع, فإن ملامح التسوية الجارية تطرح أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابات واضحة ومحددة وليس مجرد تطمينات. هل هذه التسوية تمثل بداية لتسوية وطنية تاريخية وشاملة تضع البلاد في مجري تطور جديد, أساسه السلام والديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية والبناء الاقتصادي والاجتماعي؟ أم هي مجرد بداية لشراكة ثنائية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية محدودة الأهداف وبعيداً عن كل القوى الشمالية والجنوبية؟ وهل هناك إمكانية حقيقية لبناء واستمرار مثل هذه الشراكة؟ والى أين تقودنا؟ إلى مواجهة الأزمة السودانية واجتثاثها من جذورها؟ أم هي مجرد هدنة مؤقتة يفرضها توازن قوى محدد وتدخلات إقليمية ودولية؟ وهل ستستمر علاقة الحركة بالتجمع الوطني؟ أم أنها ستنتهي؟ وإذا كانت الأطراف المعنية تبشرنا بسلام عادل وتحوُّل ديمقراطي حقيقي ومشاركة الجميع في عملية السلام والبناء ...الخ فكيف يتم ذلك؟ وما هي ضماناته ؟ هل تشارك قوى المعارضة السياسية والاجتماعية والأقاليم المختلفة مشاركة فعالة في عملية السلام والتحول السياسي الجاري؟ أم أنه سيتم استبعادها وتهميشها كما هو حادث الآن؟ وهل يساعد ذلك في مواجهة الازمة الوطنية الجارية؟ أم أنه سيزيدها اشتعالاً وخاصة في الأقاليم الشمالية؟ المهم أن التسوية الجارية تطرح كل هذه الأسئلة وغيرها بعنف وإلحاح. وهى أسئلة جادة وحريصة على إنجاح عملية السلام والتسوية السياسية المرتبطة بها وضمان استجابتها لتطلعات كل فئات الشعب وأقاليمه وقواه السياسية. ولذلك تتطلب إجابات جادة وواضحة من الأطراف المتفاوضة وكل القوى الفاعلة في المجتمع. وهى لا تقلل من شأن النجاح في وضع الأساس لإنهاء الحرب وتحقيق السلام, لكنها تعمل لمعالجة اوجه قصورها وسلبياتها الواضحة وعدم شمولها لكل أطراف واجندة الأزمة السودانية. وذلك لأن الفشل في استغلال الظروف المواتية الآن, وخاصة الاهتمام الإقليمي والدولي الراهن بالمشكلة السودانية, في اتجاه اجتثاثها من جذورها, هذا الفشل سيطال كل القوى الفاعلة ويهدد بتفتيت البلاد إلى دويلات على أسس عرقية ودينية. ووقتها لا مجال للتنصل من المسئولية التاريخية.
    السلبيات وجوانب القصور المرتبطة بالتسوية الجارية لا تحتاج إلى شرح وتوضيح ويمكن معالجتها بسهولة إذا خلصت النوايا وانطلقت من الاعتراف بالأزمة الوطنية وعمقها واتساعها. ويتطلب ذلك أول ما يتطلب وعياً وإدراكاً بالمسئولية في مواجهة ما يجري بكل ما يحمل من مخاطر بما في ذلك المخاطر المتوقعة في مرحلة تنفيذ الاتفاق النهائي. ويتطلب ثانياً قيام الأطراف المعنية باتخاذ خطوات عملية سريعة يتمثل أهمها في الآتي:-
    · مشاركة التجمع الوطني وحزب الأمة وقوى المعارضة الأخرى في عملية التسوية منذ الآن, خاصة في مفاوضات ومناقشات المحاور المتبقية (السلطة والثروة وغيرها) وفى إجراءات الفترة الانتقالية التمهيدية, وخاصة لجنة الدستور, وفى مؤسسات الفترة الانتقالية. هناك اتجاه وسط الوسطاء والشركاء لإشراك هذه القوى بعد توقيع الاتفاق النهائي بطريقة رمزية. ولكن ذلك لا يكفي, بحكم ثقل هذه القوى في المجتمع ودورها المعروف في العمل من أجل حلّ سياسي شامل طوال السنوات السابقة. وفى هذا الاتجاه يمكن للحركة الشعبية أن تقوم بدور أساسي, بحكم ارتباطها بالتجمع الوطني والقوى الأخرى وتوجهاتها السياسية المعلنة.
    · التوجه الجدي لإحداث تحوّل ديمقراطي حقيقي يمكن كل القوى الفاعلة من المساهمة في عملية السلام والتسوية السياسية الجارية. وهذا التوجه هو الآخر لا يحتمل التأجيل حتى توقيع الاتفاق النهائي, لارتباطه بجوهر التسوية وشموليتها لكافة أطراف الأزمة الوطنية وأجندتها. ويبدأ بإلغاء القوانين الاستثنائية وينتهي بتحويل مؤسسات الدولة إلى مؤسسات قومية.
    · العمل على إنشاء نظام حكم فيدرالي متوازن يمنح الأقاليم الشمالية (الشرق, الغرب, الشمال, الوسط) كامل حقوقها في إدارة شئونها والمشاركة الفاعلة في إدارة المركز. وبذلك تتساوى مع وضعية الإقليم الجنوبي المحددة في إطار التسوية الجارية.
    · اتخاذ خطوات عملية تدفع في اتجاه تغليب خيار الوحدة الوطنية على خيار الانفصال, بما في ذلك إضافة الكونفدرالية كخيار ثالث في استفتاء شعب الجنوب بعد نهاية الفترة الانتقالية.
    · تناول الجوانب الاقتصادية بأفق أوسع يركز على قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمتوازنة دون تفريط في القاعدة الإنتاجية الراهنة للاقتصاد الوطني. وذلك وفق خطط وأوليات محددة في إطار برنامج إنقاذ انتقالي يستند إلى تعبئة الموارد المحلية والخارجية ويتناول قضايا التخلف والتهميش والتطور غير المتوازي بأسلوب علمي ناضج, مع التركيز على قضايا التعليم والخدمات.
    · التركيز في جانب المساءلة ورد المظالم على قضايا الفساد المالي والإداري والسياسي وانتهاكات حقوق الإنسان خلال سنوات حكم الإنقاذ وذلك باعتبارها قضايا لا يمكن التنازل عنها أو التساهل في تناولها, على أن تقوم بذلك لجنة مؤهلة ومستقلة.
    · عقد المؤتمر الدستوري الوطني في الفترة الانتقالية لمناقشة القضايا الوطنية الأساسية والاتفاق على مستلزمات بناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والأفريقي والدولي.
    هذه الإجراءات هي المخرج الوحيد لمعالجة وتجاوز سلبيات التسوية السياسية الجارية وتحويلها إلى تسوية وطنية شاملة قادرة على مواجهة تحديات الأزمة السودانية بكل أبعادها. وفي وثيقة الإجماع الوطني التي أصدرها التجمع الوطني وحزب الأمة في يوليو الماضي طرحت هذه القوى برنامجاً أكثر تفصيلاً في هذا الاتجاه ويشكل أساساً لأي تسوية شاملة. وبدون هذه الإجراءات والبرنامج المذكور ستصبح التسوية الجارية مجرد تسوية سياسية ثنائية وجزئية أمامها عقبات ومشاكل لا حصر لها وذلك لأن الأزمة الوطنية الجارية لا يمكن مواجهتها إلا بتسوية شاملة, تشارك فيها كل القوى المعنية. والإصرار على أي تسوية جزئية يعني فقط استمرار الصراع بأشكاله المختلفة, وليس إنهاء الأزمة وفتح الطريق لبناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه الإقليمي والدولي. وفي كل الظروف, فإن التطورات المتسارعة تتطلب تمسك قوى التجمع الوطني وحزب الأمة وقوى المعارضة الأخرى بتوحيد صفوفها وبرنامجها المشترك حول قضايا السلام والديمقراطية والوحدة الوطنية والبناء الاقتصادي والاجتماعي والعمل الجاد من اجل فرض وجودها ودعم عملية السلام الجارية وتطويرها إلى تسوية شاملة. وحسناً فعلت هذه القوى عندما أيدت اتفاق نيفاشا وخطوات السلام الجارية رغم استبعادها عن المفاوضات (بيانات تجمع الداخل, الحزب الاتحادي, حزب الأمة, حزب البعث السوداني, الحزب الشيوعي وغيرها). ولذلك عليها أن تعمل من اجل تطوير التسوية الجارية إلى تسوية شاملة. ويمكن أن تقوم منذ الآن بتنظيم مؤتمرات تخصصية حول القضايا الأساسية, مثل الوضع الاقتصادي العام والتعليم والخدمات والإعلام وإعادة اعمار الجنوب ودارفور والمناطق المهمشة الأخرى وحول إعادة تنظيم الخدمة المدنية وأجهزة الدولة المركزية والولائية وغيرها, وذلك بالاعتماد على الخبرات الوطنية في الداخل والخارج وبهدف الوصول إلى برنامج إنقاذ انتقالي ملائم يشكل أساساً لنشاطها اليومي. والمدخل إلى ذلك يتركز في توسيع نشاطها من اجل إلغاء القوانين المقيدة للحريات وإشاعة الديمقراطية بهدف تمكين الجميع من المشاركة في تحقيق السلام والتسوية الشاملة, وتزداد أهمية ذلك بسبب ضعف اهتمام الوسطاء والشركاء بقضايا التحول الديمقراطي وحصرها فقط في مشاركة رمزية بعد الاتفاق النهائي. وأيضاً لمواجهة تحركات قوى الديكتاتورية والشمولية وسط النخبة الحاكمة المعادية لأي تسوية سياسية, وذلك من خلال سيطرتها على المفاصل الأساسية في جهاز الدولة, ومن المهم أيضاً الاهتمام بقضية الوحدة الوطنية وتعظيم فرص تأكيدها, من خلال العمل الجاد لتصفية مرارات الحرب الأهلية ومآسيها وما خلفته من مواقف سلبية في علاقات الشمال والجنوب وبشكل خاص التشويهات التي تسببت فيها سياسات الانقلابيين يتحويل حرب الجنوب الي حرب اهليه قائمة علي اسس دينينة وعرقيه في دور الإسلام والعروبة الشمالية في بناء الكيان السوداني الموحد وفي المحافظة على وحدته وتماسكه والتعايش السلمي الديمقراطي مع المجموعات الوطنية الأخرى في الشمال والجنوب على السواء خلال السنوات السابقة. ومن كل ذلك يمكننا جميعاً مواجهة تحديات الأزمة السودانية بكل أبعادها وصولاً إلى تسوية وطنية شاملة وتجنب بلادنا مخاطر حقيقية وماثلة أمام أعيننا.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de