|
الاصلاح والديموقراطية مرة أخرى وثالثة ورابعة
|
أيها القادة العرب: اتركوا الجامعة وابدأوا بإصلاح أنفسكم أولاً!
د. خالد الدخيل هناك شبه إجماع بين الحكومات العربية على رفض مبادرات الإصلاح التي تأتي من الخارج، والمقصود بها تحديدا المبادرة الأميركية المعروفة بـ"مبادرة الشرق الأوسط الكبير". ومبررات ذلك صحيحة، وتستدعي بالفعل رفض هذه المبادرة، خاصة أن الولايات المتحدة بمبادرتها لا تنطلق، وهذا طبيعي ومتوقع، إلا مما يخدم مصالحها هي قبل المصالح العربية. ثم إن المبادرة الأميركية لا تنسجم بشكل واضح مع السياسات الأميركية تجاه المنطقة ككل، وتجاه الصراع العربي الإسرائيلي بشكل خاص. وكلا الأمرين يجعل الموقف الأميركي يتسم بتناقض واضح يفقده المصداقية. الأكثر من ذلك أن مسالة الإصلاح هي من حيث المبدأ مسألة داخلية لكل دولة، ومن ثم لا يجوز لأية دولة أن تفرض على غيرها من الدول موضوع الإصلاح، ما ينبغي وما لا ينبغي إصلاحه، لأن هذه خيارات وطنية.
كل هذا صحيح، لكنه لا يعني أن الموقف الرسمي العربي من المبادرة الأميركية، وغيرها من المبادرات الخارجية، موقف صحيح أيضا. لأنه في واقع الأمر غير ذلك تماما. هو موقف مراوغ لا يهدف إلا إلى شيء واحد، وهو تفادي تناول مسألة الإصلاح بشكل جاد ومسؤول. الموقف الرسمي العربي يستخدم افتقاد السياسة الأميركية إلى المصداقية، والموقف الشعبي العربي المناهض لهذه السياسة لتبرير رفضه لما تضمنته المبادرة الأميركية عن الديمقراطية، وتوسيع المشاركة السياسية في كل بلد عربي. من ناحية أخرى، يستخدم الموقف الرسمي العربي الطبيعة المحافظة للمجتمعات العربية لتبرير هذا الرفض أمام الأميركيين والأوروبيين. في الوقت نفسه لا يقدم القادة العرب بديلا إصلاحيا جادا. وقبل ذلك لم يبادروا إلى الإصلاح سدا لباب ذريعة التدخلات الأجنبية.
ثم هناك سؤال لا يقل أهمية هنا: هل الدول العربية في رفضها للمبادرة الأميركية صادقة في ادعائها بأن سبب الرفض هو التمسك باستقلالية القرار العربي، ورفض فكرة التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لكل بلد عربي؟ لندع النيات جانبا ونتحدث عن السياسات ونتائجها على الأرض. أولا الدول العربية لا تعلن رفضها للمبادرة الأميركية بشكل مباشر. وإنما تعلن رفضها لـ"مبادرات"، هكذا بصيغة الجمع، مع أنه ليس هناك في الواقع مبادرات، بل مجرد مبادرتين، أميركية وأخرى ألمانية، قد تتحول إلى مبادرة أوروبية. مما يعني أن الدول العربية تتخلى عن حريتها في التعبير حتى لا تغضِب الإدارة الأميركية الحالية. ومن المعروف أن أول مبادئ الديمقراطية هو حرية التعبير عن الرأي. الدول العربية لا تمنح هذه الحرية لمواطنيها، وفي الوقت نفسه لا تريد، أو لا تستطيع، أن تتمتع هي بهذه الحرية في علاقتها بالولايات المتحدة. والأخيرة على رغم مبادرتها التي تدعو إلى الديمقراطية تستمتع بهذه المهادنة العربية على رغم أنها تتعارض مع أهم مبادئ ما تدعو إليه. الأمر الذي يكشف عدم مصداقية الطرفين. صاحب المبادرة غير صادق في مبادرته، والطرف الرافض للمبادرة غير صادق في سبب رفضه.
فإذا كان السبب في رفض المبادرة هو رفض لمبدأ التدخل الأجنبي، فلماذا إذاً لم نسمع أن دولة عربية أعلنت بشكل واضح رفضها لتوسع الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وهو وجود بدأ في سيناء في إطار اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين مصر وإسرائيل، وانتهى حتى الآن بالاحتلال العسكري الأميركي للعراق، مرورا بالتواجد الأميركي في الكويت، وقطر. بل أجرت الأخيرة قاعدة "العديد" في الدوحة للقيادة المركزية الأميركية لعشرين سنة قادمة.
ربما قيل إن سوريا أعلنت وتعلن رفضها للوجود العسكري الأميركي في المنطقة. لكن هذا الرفض يفتقد هو الآخر إلى المصداقية والجدية. إنه رفض لتبرير التمسك بالسلطة. وبذلك فهو تكرار لثقافة ترى شرعية النظام السياسي ترتكز على رفض الأجنبي، مع تجاهل كامل لمبدأ أن المنطلق الأول والأساسي لهذه الشرعية هو رضا الشعب وقبوله بأن هذه السلطة تمثله وتمثل مصالحه. الرفض السوري من هذا النوع قديم، ومع ذلك لم يقدم ولم يؤخر في الأوضاع السورية التي ظلت تتدهور مثل بقية الأوضاع العربية. ومثله الرفض الليبي الذي كان يوما الأعلى صوتا، ثم انقلب أخيرا إلى استجداء من أجل تحالف مع الولايات المتحدة.
هناك ميل للتعايش مع الواقع الذي فرضه اتساع التواجد العسكري الأميركي، ومسايرة لما يفرضه على المنطقة. إذاً ما الذي ترفضه الأنظمة العربية؟ ترفض ما قد يفرضه هذا الواقع من تغيرات سياسية تتجاوز حدود ما تقبل به هذه الأنظمة. وهنا المفارقة. يبدو أن الدول الأجنبية هي التي تدفع باتجاه تغيرات سياسية واسعة. في المقابل تقف الدول الوطنية ضد هذا التوجه الذي قد يخرج عن نطاق سيطرتها. والحقيقة هي أن الدول الأجنبية، والولايات المتحدة تحديدا، توظف هيمنتها في هذه اللحظة، وتستغل ضعف الأنظمة كأداة للضغط عليها لأهداف سياسية تخص الولايات المتحدة دون سواها. والغريب أن الدول العربية لا تستطيع مواجهة المبادرة الأميركية انطلاقا من هذا الافتراض. وإنما تختفي في رفضها لهذه المبادرة وراء ما تسميه بالطبيعة المحافظة لشعوبها، ووراء شعارات أصبحت مكشوفة، من مثل الخصوصية، والتدرج في الإصلاح... الخ.
حتى تتضح صورة الموقف العربي على حقيقته لابد من طرح السؤال التالي: من الذي أتى بالولايات المتحدة، وأفسح في المجال أمام هيمنتها، مما سمح لها بأن توزع مبادراتها نحو الإصلاح والديمقراطية؟ الذي أتى بكل ذلك هي الأنظمة العربية التي ترفض المبادرات الأجنبية.
سؤال آخر: هل تفتقد الدول العربية إلى الديمقراطية، مما يجعلها في حاجة إلى الإصلاح؟ أعتقد أن الإجابة واضحة. إذا شكوى الدول العربية من التدخلات الأجنبية لا معنى لها إلا إذا أخذناها على أنها محاولة من جانبها لتفادي مواجهة استحقاقات فشل سياساتها على مدى أكثر من نصف قرن الآن. وفي ذلك تعمل على التلاعب بمشاعر مواطنيها من خلال رفعها لشعار رفض التدخلات الأجنبية، وهو شعار فارغ، لأنه يتضمن كلمة حق يراد بها باطل. وحتى تتضح الصورة أكثر لاحظ أن الرفض الرسمي العربي للمبادرات الخارجية يترافق معه تفادٍ متعمد لاستخدام كلمة "الديمقراطية". ولهذا دلالته، وهي أن مفهوم الديمقراطية مرفوض، أو غير مستحب على الأقل، من قبل الأنظمة العربية. من المنطقي في هذه الحالة أن يفهم الرفض العربي الرسمي لمبادرات الإصلاح القادمة من الخارج على أنه ليس رفضاً للمصدر الأجنبي لفكرة الإصلاح، بل رفض للتفسير الديمقراطي لهذه الفكرة. وإذا صحت هذه القراءة للموقف الرسمي العربي، فإنها تعني إن الأنظمة العربية تمارس نوعا من التذاكي المكشوف مع شعوبها.
لاحظ ثالثا، أن رفض المبادرات الخارجية يترافق مع كثرة الحديث عن إصلاح الجامعة مع ابتعاد ملحوظ عن التركيز على مسالة الإصلاح الداخلي. مما يشير إلى أن الحكومات العربية تسعى إلى إلهاء الرأي العام العربي بمسألة إصلاح الجامعة عوضا عن التعاطي الجاد مع موضوع الإصلاح بما يلبي طموحات الشعوب، وبما يشير إلى تغيير سياسات ثبت فشلها داخليا وخارجيا، وفتحت أبواب التدخلات الأجنبية.
نحن هنا أمام معضلة مستحكمة فعلا، عناصرها: الدول العربية التي تعتمد على الدول الأجنبية سياسيا واقتصاديا، وأمنيا. ترفض الدول العربية أن تبادر بذاتها إلى الإصلاح، وتريد أن تتلهى بموضوع إصلاح الجامعة، مع معرفتها بأن الجامعة ما هي في الأخير إلا انعكاس لها. في الوقت نفسه ترفض مبادرات الإصلاح إذا جاءت من الخارج. وإزاء ذلك لا تقدم بديلا ثالثا. تظن القيادات العربية أن رفع شعار مناهضة التدخل الأجنبي يكفي عن كل إصلاح، أو يبرر إصلاحات بطيئة، ومحدودة، إلى جانب أنها شكلية.
إذا صح هذا، فهو يعني أن قياداتنا لا زالت تعيش ثقافة ستينيات القرن الماضي، أو ثقافة الشعارات لكن بأسلوب أقل صراخاً...
== الدخيل نشر هذا الموضوع في وجهات نظر بصحيفة الاتحاد هذا الصباح 14/3/2004 يبدو انني لن امل الطرق عليه ,, الحديث عن الاصلاح في مؤتمر مكتبة الاسكندرية مورس عليه تعتيم اعلامي كثيف ولكن رفض الاصلاح من الخارج نقلته كل الاعلاميات الحكومية ,, لماذ التعتيم هنا والاعلان هناك --
|
|
|
|
|
|