الإسلام والتسامح الديني ‏في أحدث كتابات الأمام الصادق المهدي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 12:36 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-19-2004, 03:40 PM

ebrahim_ali
<aebrahim_ali
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإسلام والتسامح الديني ‏في أحدث كتابات الأمام الصادق المهدي

    بقلم: الإمام الصادق المهدي‎
    التسامح أحد منظومة أخلاق ومعاملات عرفها فضلاء‎ ‎البشر وأكدها الوحي على نحو ما ‏قال النبي (ص) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.. إنها‎ ‎منظومة العفو، والعرف، والاعتدال، ‏والوسطية، وقبول الآخر.. منظومة ما برحت حقائق‎ ‎الوحي تستوجبها (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ ‏بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ‎ ‎الْجَاهِلِينَ)1 وقوله تعالى: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ‏‎ ‎كُنْتَ ‏فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ‎ ‎وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا ‏عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ‎ ‎عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين)2 وقوله تعالى (ادْعُ إِلَى‎ ‎سَبِيلِ رَبِّكَ ‏بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ‎ ‎بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ ‏سَبِيلِهِ‎ ‎وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)3‏‎.‎‏ الإسلام فريد بين الأديان الكبرى، جمع بين الدعوة‎ ‎لعقيدة ‏واضحة وتعاليم محددة والاعتراف بقيمة دينية لأديان أخرى: (لَيْسُوا سَوَاءً‎ ‎مِنْ أَهْلِ ‏الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ‎ ‎اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‎ ‎وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي‎ ‎الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * ‏وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ‎ ‎فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)4. هذا نهج فريد في قبول‎ ‎الآخر ‏والتسامح في التعامل معه. ولكن واقع المسلمين عرف منذ وقت مبكر ربطا للدين‎ ‎بالتعصب، وبالعنف، وبالاستبداد وبنفي الآخر.. فما هو السبب في أن منظومة التسامح‎ ‎الناصعة في نصوص الوحي لم تمنع وجود ممارسات معطونة في منظومة التعصب‎ ‎وإخوانه؟‎.‎
    أولا: الإسلام والتسامح.. الأبعاد النظرية‎
    لم يقبل‎ ‎كل المسلمين اعتبار آيات التسامح محكمة، ومع أنها تبلغ مائة آية في القرآن المكي‎ ‎والمدني، فإن بعض المجتهدين اعتبروها منسوخة بآيات السيف. قال سيد قطب: إن في ‏كتاب‎ ‎الله سورة هي سورة التوبة تضمنت أحكاما نهائية بين الأمة الإسلامية وسائر الأمم ‏في‎ ‎الأرض. الآيات المعنية في سورة التوبة والمسماة آيات السيف ثلاث‎:
    ‎* ‎آية 5 ونصها‏‎: (‎فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ‎ ‎وَجَدْتُمُوهُمْ ‏وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ‎ ‎فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ ‏فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ‎ ‎إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم)‏‎
    ‎* ‎آية 29 وهي: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا‎ ‎يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ‎ ‎اللَّهُ ‏وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا‎ ‎الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ ‏صَاغِرُونَ)‏‎
    ‎* ‎آية 36‏‎ ‎ونصها: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً‎ ‎وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ ‏الْمُتَّقِينَ)‏‎.
    ‎* ‎إن الآية الخامسة من سورة‎ ‎التوبة قد سبقتها الآية الرابعة ونصها (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ‎ ‎الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ‎ ‎أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى ‏مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ‎ ‎يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).. هذه الآية أعطت الأمان لمن كان على عهد مع المسلمين‎.
    ‎* ‎وأعقبت الآية الخامسة الآية السادسة ونصها: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ‎ ‎اسْتَجَارَكَ ‏فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ‎ ‎مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ).. هاتان الآيتان -‏الرابعة‎ ‎والسادسة- تؤكدان أن الآية الخامسة إنما تقرر حكما معنيا بفئة معتدية من‎ ‎المشركين‎.‎أما الآية 29 فالمقصود بها فريق معين من أهل الكتاب‏‎.. ‎قال الشيخ محمد رشيد ‏رضا صاحب المنار في تفسير هذه الآية: "إنها تعني قاتلوا الفريق‎ ‎من أهل الكتاب، عند ‏وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو‎ ‎اضطهادكم أو ‏فتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سببا‎ ‎لغزوة تبوك". أما ‏الآية 36 فهي بنصها نفسه لا تأمر بهجوم بل توجب أن نقاتل المشركين‏‎ ‎كافة كما ‏يقاتلوننا كافة. إنها مثل الآية (فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى‎ ‎الظَّالِمِينَ)5‏‎.‎المرجع في تبرير القتال في ‏سورة التوبة موضح في الآية‎ 13 ‎ونصها: (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا‎ ‎بِإِخْرَاجِ ‏الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ‎ ‎فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ*)‏‎.‎ومما ‏يؤكد صحة ما ذهبنا إليه أن في القرآن مائة آية‏‎ ‎موزعة على 48 سورة مكية ومدينة ‏سبقت وأعقبت سورة التوبة تأمر بالتعامل مع الآخرين‎ ‎بالتي هي أحسن. مثلا الآية الثامنة ‏من سورة الممتحنة: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ‎ ‎عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ‎ ‎دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ‎ ‎الْمُقْسِطِينَ)‏‎.‎الإسلام هو دين (ادْعُ إِلَى ‏سَبِيلِ رَبِّكَ‎ ‎بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ‎ ‎أَحْسَنُ6).. الدعوة لله في ‏الإسلام بالحسنى أما القتال فهو لرد العدوان دفاعا‎: (‎أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ ‏اللَّهَ عَلَى‎ ‎نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)7‏‎.‎إننا نلمس الاجتهاد الذي يجعل القتال في الإسلام هجوميا‎ ‎في ‏روايات سيرة النبي (ص). لقد تناول السيرة حوالي ألف كتاب. ألح كثير من تلك الكتب‎ ‎على هجومية القتال في الإسلام ولذلك سموا السيرة المغازي، مع أن الحقيقة‎ ‎هي‎:‎
    ‎*‎أن بيعة العقبة التي ناصر أهل يثرب بموجبها النبي (ص‎) ‎بيعة دفاعية‎.‎
    ‎* ‎إن دور المغازي في نجاح الدعوة كان محدودا. ففي حياة‎ ‎النبي (ص) كان القتال ما بين ‏عامي 3هـ و9 هـ، وكان عدد المقتولين في جميع السرايا‎ ‎والغزوات‎:‎
    ‎259 ‎شهيدا من المسلمين‎
    ‎759 ‎قتيلا من غير‎ ‎المسلمين‎
    ‎1018 ‎الجملة‎
    ‎* ‎وكانت الحرب بين الطرفين على حد تعبير أبي سفيان‎ ‎سجالا‎.
    حكمة النبي (ص) حققت أهم إنجازات للدعوة الإسلامية بوسائل سلمية‎:
    أ‎- ‎أسس الدولة في المدينة في عام الهجرة دون قتال، وكتب صحيفة المدينة وهي وثيقة ‏تسامح‎ ‎لا تجارى واعتراف بالآخر وكفالة حقوقه‎.‎
    ب- استمال غالبية سكان الجزيرة العربية للدعوة في عامي‏‎ ‎صلح الحديبية فتحا بالسلم لا ‏بالقتال‎.
    ج- فتح مكة دون قتال‏‎.
    ومع هذه الحقائق‎ ‎التاريخية الواضحة فإن كتّاب المغازي صوروا النبي (ص) نبيا حربيا أشبه ‏ما يكون‎ ‎بملوك التوراة أو العهد القديم‎.
    ثانيا: ظروف نشأة الغلو والتعصب‎:
    الظروف‎ ‎التاريخية التي عاشها المسلمون أطاحت بهذا التسامح والاعتدال وأدت إلى نشأة ‏الغلو‎ ‎والتعصب فيما بين المسلمين وفيما بينهم وبين الأديان الأخرى. أهم تلك الظروف‎ :‎
    ‏(أ ) تفرق الفرق‎:
    كان الخوارج في أول أمرهم‎ ‎جماعة رفضت نتائج التحكيم بين الإمام علي ومعاوية بن أبي ‏سفيان.. هذا الموقف تحول‎ ‎إلى عقيدة ثيوقراطية: لا حكم إلا لله، ومفاصلة إقصائية تكفّر ‏الآخرين فالإمام علي‎ -‎في رأيهم- كفر بقبوله التحكيم في أمر ديني مرده لكتاب الله. ‏والتشيّع بدأ تأييدا‎ ‎لحق الإمام علي في خلافة النبي (ص) وحبا لآل بيت النبي (ص) مأمور ‏به في الدفاتر‎ ‎الإسلامية، وتحول فيما بعد إلى مدرسة دينية تعتبر الإمامة نبوة بلا وحي ‏مستمرة من‎ ‎الإمام علي وعلمه اللا دني إلى ابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى ‏حفدته من‎ ‎ذرية الحسين. والإيمان بإمامتهم وطاعة أمرهم فريضة على المسلمين وطاعتهم ‏واجب ديني‎ ‎لأن إمامتهم بأمر من الله وأقوالهم وأفعالهم معصومة‎.‎
    والتصوف بدأ نهج زهد ورياضات روحية مطلوبة: (اتَّقُوا‎ ‎اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ ‏كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ‎ ‎لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) 8ثم لحقت ببعض مدارسه مفاهيم الحلول ‏ووحدة‎ ‎الوجود‎.‎
    في دراسته الموضوعية المحيطة للملل والنحل أوضح‎ ‎الشهرستاني تعددها وتعصبها لمواقفها ‏وتكوينها لمناخ نفي الآخر‎.‎
    ‎ ‎‏(ب ) عصبية أهل الكتاب‎:
    موقف الإسلام الأصلي من‎ ‎اليهود والنصارى إيجابي. النصوص الآتية تؤكد ذلك‎.‎
    ‎* ‎قال تعالى: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ‎ ‎عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ‎ ‎وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ‎ ‎رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ‏وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* وَمَنْ‎ ‎يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)9 فالآية الأولى توسع‏‎ ‎مفهوم ‏الإسلام ليشمل رسالات الأنبياء السابقين‎.‎
    ‎* ‎وعلى نهج هذا الفهم الموسع قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ‎ ‎مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي ‏أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا‎ ‎وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا‎ ‎تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ ‏عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ‎ ‎يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ‎ ‎يُنِيبُ)10‏
    ‎* ‎وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ‎ ‎هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ ‏الْآخِرِ‎ ‎وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ‎ ‎وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)11 في ‏الآية معني لطيف غاب على كثير من المفسرين إذ فسروا‏‎ ‎الصابئين بعبدة الملائكة أو ‏الكواكب، وهذا خطأ الصائبون هم الذين اهتدوا للتوحيد‎ ‎بالفطرة لا بواسطة رسالة. ‏وهذا أمر وارد لقوله تعالى(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ‎ ‎بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ ‏عَلَى أَنفُسِهِمْ‎ ‎أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ‎ ‎إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا ‏غَافِلِينَ)12. يورد ابن منظور في "لسان العرب" تفاسير‎ ‎مختلفة للصابئين، منها أنهم "قوم ‏يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام" كما يورد‎ ‎أنه "كان يقال للرجل إذا أسلم في ‏زمن النبي (ص) قد صبأ، عنوا أنه خرج من دين إلى‎ ‎دين‎".‎قال تعالى(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ ‏شِرْعَةً‎ ‎وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ‎ ‎لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا ‏الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ‎ ‎مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ‎ ‎تَخْتَلِفُونَ).13ولكن هذه المواقف ‏المعترفة بالقيمة الدينية لأهل‎ ‎الكتاب، علاوة على القيمة الإنسانية لكل البشر الموجودة في ‏الآية: (وَلَقَدْ‎ ‎كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)14 واجهتها مواقف متزمتة دفعتها نحو التعصب‎:‎التعصب ‏اليهودي: المؤسسة الدينية اليهودية مؤسسة‎ ‎إقصائية فهي تؤمن بالآتي‎:
    إن بينهم وبين الله عهدا خاصا بهم وأنهم شعبه المختار،‎ ‎وهذا الاختيار نفسه ليس هبة من ‏الله (يهوذا) باختياره بل أرغمه يعقوب على ذلك حينما‎ ‎لاقاه وصرعه، وإسرائيل نفسها ‏تعنى "الذي صرع الرب". إن للآخرين أي غير اليهود مرتبة‎ ‎إنسانية دنيا. إن الله منحهم ‏أرضا هم أصحابها بموجب ذلك ولا حق لغيرهم فيها. لذلك‎ ‎كان موقف المؤسسة ‏اليهودية من عيسى عليه السلام وأفكاره التسامحية موقفا متشددا جدا‎ ‎فأدى ذلك إلى رفع ‏درجة التعصب والعداء الديني في تاريخ الإنسانية إلى درجة غير‎ ‎مسبوقة. إن فيلم "آلام ‏المسيح" الجاري عرضه هذه الأيام يمكن أن يعاب عليه أنه بالغ‎ ‎في إبراز العنف وأغفل ‏القصة خلفه، ولكنه لم يجاف حقيقة العصبية المتشددة التي واجهت‎ ‎بها المؤسسة الدينية ‏اليهودية رسالة عيسى عليه السلام‎.‎وكان موقف المؤسسة الدينية اليهودية من الإسلام ‏كذلك‎ ‎متشددا في العصبية والرفض‎.‎التعصب المسيحي: المسيحية أصلا رسالة روحانية ‏لمعادلة‎ ‎المادية في اليهودية، وقد كانت موجهة "للخراف الضالة من بني إسرائيل" لأنها ‏كانت‎ ‎رسالة موجهة لليهود، و كان حواريي السيد المسيح وأتباع المسيحية في بداية ‏أمرهم‎ ‎يسمون باليهود النصارى. لكن، وعلى يد القديس بولس تحولت المسيحية إلى دين ‏عالمي‎ ‎وارتبطت فيما بعد بعدة رموز كالصليب، وبمؤسسة كنسية قوية.. هذه المؤسسة ‏المسيحية‎ ‎عندما اشتد عودها ردت الصاع صاعين لليهود في حلقات مأسوية عمت كافة ‏الأقطار‎ ‎المسيحية‎.‎عمليا، عرف تاريخ المسيحية تطرفا وعصبية لم تشهد‎ ‎الإنسانية قبلها ‏مثلها، والمؤسسة المسيحية تنطوي على موقف إقصائي حاد بيانه‎: ‎وحدهم الذين يؤمنون ‏بالمسيح مخلصا لهم يذهبون للجنة‎.
    ‎* ‎عودة المسيح ثانية منتظرة ولن تتحقق إلا بعد معركة نهائية بين الخير‎ ‎والشر-أرمجدون- ‏عندما ينجو المؤمنون الحقيقيون ويهلك الباقون‎. ‎
    هذا الموقف الإقصائي المتعصب كان له أثر كبير في‎ ‎العلاقات العدائية بين المسلمين ‏والكتابيين، وإن كانت لم تبلغ ما بلغته عداوات‎ ‎المسيحيين واليهود ولا ما بلغته عداوات ‏المسيحيين فيما بينهم، ولكنها مع ذلك كانت‎ ‎تنافسية متوترة يشهد بذلك التاريخ ‏والأحكام التي استنبطها الفقهاء للتعامل مع أهل‎ ‎الكتاب‎.‎هذا الموقف التنافسي كان له أثر ‏آخر لدى بعض الأوساط‎ ‎الإسلامية فدب في الأدب الديني الإسلامي كثير من ‏الإسرائيليات أهم ما فيها ما حرص‎ ‎عليه بعض كتاب المغازي في النظر لجهاد النبي (ص) ‏بالقياس لما نسب لملوك‎ ‎التوراة‎.‎كذلك دب في الأدب الديني الإسلامي تصور للنبي (ص) ‏منافس‎ ‎في غيبياته لسيرة عيسى عليه السلام مع أن الفرق في القرآن واضح أن الله أراد ‏لعيسى‎ ‎دورا مصحوبا بآيات معنية بينما أراد لرسالة محمد (ص) أن يكون صاحبها كامل ‏البشرية‎: (‎قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ‎ ‎وَاحِدٌ)15‏‎.‎الحرب العقائدية ‏الباردة بين الفرق الإسلامية وبين‎ ‎المسلمين وأهل الكتاب رسبت لدى جمهور المسلمين ‏فهما إقصائيا للولاء والبراء مدعوما‎ ‎بتفسير متشدد لبعض النصوص وفهم هجومي للقتال ‏في الإسلام وكثير من المسلمين يعتقدون‏‎ ‎أن يوما قتاليا فاصلا سيأتي مع اليهود بحيث ينطق ‏الحجر للمسلم أن هذا يهودي‎ ‎فأقتله‎.‎
    ‏ (ج) الدولة المستبدة‎:
    غيبت التجربة التاريخية‎ ‎الإسلامية الشورى منذ وقت مبكر والتماسا للاستقرار بعد الفتنة ‏الكبرى وآثارها‎ ‎المضطربة لجأ معاوية بن أبي سفيان إلى الخطة التي درجت عليها الممالك ‏الأخرى قبل‎ ‎الإسلام. قال المغيرة بن شعبة لمعاوية : "قد رأيت ما كان من سفك الدماء ‏والاختلاف‎ ‎بعد عثمان وفي يزيد منك خلف فاعقد له فإن حدث بك حادث كان كهفا ‏للناس وخلفا منك ولا‎ ‎تسفك دماء ولا تكون فتنةً". ولما كان مبدأ الاستخلاف الوراثي ‏هذا جديدا فإن معاوية‎ ‎استوفد الناس من أنحاء البلاد وأكرههم على البيعة ليزيد على حد ‏تعبير يزيد بن‎ ‎المقفع الذي حضر مجلس معاوية مع الوفود فقام وقال: "أمير المؤمنين هذا ‏وأشار‎ ‎لمعاوية، فإن هلك فهذا وأشار ليزيد، ومن أبي فهذا وأشار لسيفه. قال له معاوية: ‏اجلس‎ ‎فإنك سيد الخطباء‎". ‎هكذا قام ملك بني أمية وبني مروان وبني العباس مؤسسا‎ ‎على ‏عصبية العشيرة. واستسلم جمهور الفقهاء لهذا الأمر الواقع خشية الفتنة فاطرد‎ ‎الخلاف بين ‏الورثة ولجأوا غالبا لحسمه بالعنف فقتل الأخ أخاه كما فعل المأمون‎ ‎بالأمين، وقتل الإبن ‏أباه كما فعل المنتصر بالمتوكل، وقتلت الأم ابنها كما فعلت‎ ‎الخيزران بالهادي. بل بلغ ‏الأمر درجة من إهدار حقوق الآخرين في سبيل السلطان أن‎ ‎أصدر السلطان محمد الفاتح ‏‏(1451-1481م) وهو من أعظم سلاطين العثمانيين قانونا يبيح‎ ‎لمن يتولى العرش أن ‏يقتل إخوته الذكور وبالفعل قتل محمد الثالث 91 أميرا هم أخوته‏‎ ‎الذكور. وسالت الدماء ‏أنهارا لحسم خلافات الإمامة. كما قال الشهرستاني: "وأعظم خلاف‎ ‎بين الأمة خلاف ‏الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على‎ ‎الإمامة‎."‎
    الدولة المستبدة راعية للعصبية التي تدعمها نافية‎ ‎للآخرين، تمارس عنف الدولة مهدرة ‏كرامة وحقوق الإنسان، تتعامل مع مخالفيها من‎ ‎المسلمين بالإقصاء ومع غيرهم من الملل ‏الأخرى باعتبارهم طابورا خامسا عميلا‎ ‎للأعداء. والتسامح والاعتدال وسائر المنظومة ‏ضحايا للاستبداد‎:
    ودعوى القوي كدعوى‎ ‎السباع من النـــاب والظفــر برهانه








                  

05-19-2004, 04:14 PM

محمد عبدالرحمن
<aمحمد عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 03-15-2004
مجموع المشاركات: 9059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإسلام والتسامح الديني ‏في أحدث كتابات الأمام الصادق المهدي (Re: ebrahim_ali)

    الحبيب ابراهيم علي

    بتجيبوا الحاجات السمحة ده من وين لفووووووووووق
                  

05-19-2004, 04:57 PM

ebrahim_ali
<aebrahim_ali
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإسلام والتسامح الديني ‏في أحدث كتابات الأمام الصادق المهدي (Re: محمد عبدالرحمن)

    الحبيب محمد سلامي وعظيم احترامي
    لسع الخير الجاي في الطريق دي كده بس المناظر ياحبيب
    فقل لهم موتوا بغيظكم
    ياريت نجد الفرصة لكي نراك قريباً وتلفونا عندكم
                  

05-20-2004, 12:16 PM

ebrahim_ali
<aebrahim_ali
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإسلام والتسامح الديني ‏في أحدث كتابات الأمام الصادق المهدي (Re: ebrahim_ali)

    للحديث بقية ومازال الحديث ممتعاً وشيقاً عندما يتطرق للتسامح الديني الذي نفتقده بشدة هذه الايام وكأننا في عهد العصور الوسطي التي لا دين ولا خلق لها
    فاصل قصير ونواصل ما انقطع من حديث
                  

05-21-2004, 00:37 AM

محمد حسن العمدة

تاريخ التسجيل: 03-31-2004
مجموع المشاركات: 14086

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإسلام والتسامح الديني ‏في أحدث كتابات الأمام الصادق المهدي (Re: ebrahim_ali)

    الحبيب ابراهيم علي ود بربر
    سلام
    يا ليتهم يعقلوا ما يكتبه السيد واقصد بذلك مرافيد اليسار ودعاة العصبية لان الشعب السوداني يعرف صفاء ونقاء وطهر واجتهاد الرجل الصادق الصديق لم ارى رجلا في تسامحه وفكره وحبه لبلده واهله
                  

05-24-2004, 04:27 PM

ebrahim_ali
<aebrahim_ali
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإسلام والتسامح الديني ‏في أحدث كتابات الأمام الصادق المهدي (Re: محمد حسن العمدة)

    الحبيب محمد حسن العمدة سلام وعظيم احترام
    بربر اعتز بها جداً لكثرة أصحابي بها واصدقائي ولم اتشرف بزيارتها برغم أنني جلست في عطبرة فترة انا انتمى للشمال ولكن أقيم في الوسط في منطقة رفاعة

    شكراً لك ياحبيب على المرور وسوف أكتب لاحقاً الجزء الثاني من الاسلام والتسامح الديني الذي اختص به الامام الصادق المهدي جريدة الصحافة
                  

05-24-2004, 08:45 PM

عبدالله

تاريخ التسجيل: 02-13-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإسلام والتسامح الديني ‏في أحدث كتابات الأمام الصادق المهدي (Re: ebrahim_ali)

    الفضيله لاتوصف اما ان تكون فضيله او لاتكون عليه فليس هناك تسامح ديني وتسامح غير ديني
    فالانسان المتسامح هو صاحب الفضيله ايا كان دينه ان عبارات مثل التسامح الديني هي عبارات لو امعنا النظر فيها لما وجدنا لها معني اصلا اللهم الا اذا اردنا ان نكابر
    فاذا كان سيد الخلق يقول بانه بعث ليتمم مكارم الاخلاق فهذا خير دليل بان الاخلاق لادين لها انما الدين للبشر ليرتقوا لمكارم الخلق ان الذين يدعون بانه علماء الدين او منظريه يخترعون الالفاظ والجمل الطنانه التي تحمل حروفها المعني الجميل ولكنها خواء من المعني الطيب ومن هنا يكون التناقض بين ما يخبقه هؤلاء الناس من واقع مزيف لمن يتبعونهم وبين الواقع الحقيقي للحياة ومن هنا ياتي تطرف البعض عندما يحبط
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de