|
|
 «الدم - قراطية» من طرف جعفر عباس
|
الاستكراد في السياسة والولائم!
ما فعلته بحق نفسي ووطني، «عيب» بكل المقاييس، فقد غبت عنه 15 سنة، ثم عدت لاقضي فيه فقط 15 يوماً!! يعني يوم واحد عن كل سنة غبتها عن بلد يسكن هو واهله في كل خلية من جسمي، وليسامحني الاقارب والاصدقاء الذين لم تسمح ظروفي باللقاء بهم، فقد قضيت نصف اجازتي في «فواتح» اعزاء كانوا قطعة من كبدي وقلبي.. وضاع نصف اسبوع وانا اصارع جماعة الامانة العامة للمغتربين، على مدى عدة جولات، انتهت بحمد الله «بالتعادل»، حيث جرّدوني من نصف الاموال السائلة التي كنت احملها، وحرمتهم من نصف «المستحقات» التي طالبوني بسدادها..
b
واذا كان في العمر بقية فسأعود في المرة القادمة الى جهاز المغتربين، مقتدياً بذلك الذي كان يقف امام الكاونتر وسأله الموظف المختص: راتبك كم يا ابن العم؟ فاجاب: 800 ريال، فسأله: مغترب ليك كم سنة؟ فأجاب: 12 سنة!! فهمست في اذنه: والمغترب ليها شنو يارجل؟ فضحك حتى كادت اسنانه الاصطناعية ان تسقط، وقال لي: انت معاهم وللا معاي؟ فقلت له: انا معاك.. لكن انت كذاب هاوي.. وما في زول بيصدق انو زول في عمرك مغترب 12 سنة قصاد 800 ريال في الشهر، ممكن تجيب اكتر منها لو بعت مساويك في محطة السكة الحديد في شندي!!
نعم سأغادر الخرطوم باذن الله يوم غد الجمعة الثاني من يناير من عام 2004 جعله الله عام سلام ووئام، رغم انني استبعد ان الديناصورات الذين ظلوا يتحكمون في حياتنا السياسية منذ ايام روبرت هاو، سيجعلوننا ننعم ببعض السلام او الطعام، وما يؤكد سوء ظني بهم انهم يتهافتون على السلطة والثروة، ويطالبون بحل هذا الجهاز او ذاك، ولكن لم يطالب اي منهم بحل «جهاز المغتربين»،... أتعرفون لماذا؟ لانه حجر الاساس في «الثروة» التي يطمحون في اقتسامها، ولو حلّوا ذلك الجهاز لاتيت وغيري الى الوطن ثلاث مرات في السنة!!
وجهاز المغتربين من مخلفات نظام نميري، وقامت الحكومات التي جاءت بعد نميري بحل الاتحاد الاشتراكي وجهاز الامن القومي، ولكنها لم «تهبش» جهاز المغتربين الذي صار مثل «قوانين سبتمبر»، التي تفنن ساستنا في قدحها، ووصفها بمجافاة شرع الله والتناقض مع روح الاسلام، ولكن ما ان وصل اولئك الى السلطة حتى حلت كلمة «الشريعة» محل «سبتمبر» في قاموسهم، وظلت تلك القوانين باقية منذ عام 1983، بينما ذهب اولئك الساسة غير مأسوف عليهم، وسيعودون «بكل اسف» وأسى تحت راية «الديمقراطية» وهي ابداع سوداني محصن يتم بموجبه استكراد الشعب وايهامه بأن كلمة تتألف من «الدم - قراطية».. حيث ينتج «الدم» عن «القرط» والتقريط، تعني حكم الشعب لنفسه:
لما سألت عن الحقيقة قيل لي الحق ما اتفق السواد عليه
فعجبت كيف ذبحت ثوري في الضحى والهند ساجدة هناك لديه
نرضى بحكم الاكثرية مثلما يرضى الوليد الظلم من أبويه
ويتم استكرادنا هذه الايام على عينك يا تاجر، فالكل يتحدث عن الديمقراطية العائدة والراجحة، ويبشروننا بديمقراطية جديدة فل اوتوماتيك اسمها «مستدامة»، ولكن يغلب الظن عندي انها ستكون مستوردة من تايوان وليس اليابان، وانها تليق بـ «أمة الامجاد» ومن ثم ستكون مثل سيارات «امجاد» التي يتم تحميلها ما فوق طاقتها التصميمية، وسرعان ما تنقلب بسائقها وراكبيها!!
يحدثوننا عن الديمقراطية، وهم منهمكون في اقتسام الحكم والوزارات، وسيخرج علينا احد الفرقاء قريباً ليعلن على نحو غاضب ان مسيرة الديمقراطية باتت متعثرة، مما يعني انه فشل في الحصول على «وزارة التجارة»!!
كيف ديمقراطية والكيمان مقسمة سلفاً؟! أم هي الديمقراطية العربية العرجاء حيث يطلب من الجماهير القيام بدور الكومبارس في فيلم هندي يقوم بدور البطولة فيه الزعيم الاوحد، والقطب السند، وبطانته التي تهتف: مدد يا سيدنا مدد؟
لماذا لا يستطيع السوداني الحديث عن الطقس او الزلابية او نادي المايقوما دون ان يعرج على السياسة؟ مع ان الخوض فيها يسبب الطُمام والبواسير؟ يُخيَّل الىَّ ان ولعنا بالسياسة نجم عن كذبة فبركناها وصدقناها، ومؤداها اننا «شعب فاهم في السياسة»!! وحقيقة الامر اننا لا نعرف كوعنا من بوعنا في السياسة، وإلاّ لما ظللنا طوال قرابة نصف قرن نتوجه الى صناديق الانتخابات لنختار نفس الوجوه الكالحة والشخصيات التي من بره هلاّ هلاّ، ومن جوه لا تساوي بصلة، لان كل رأس مالها حبال صوتية من مسد، مما يؤكد ان ساستنا «ظاهرة صوتية» وهذا هو الابتلاء الحقيقي.. وانا مستعد لتحمل السادة الساسة مهما نهبوا وسرقوا وقتلوا وسحلوا، بس يرحموا آذاننا من تُرهاتهم، ويكفوا عن استعباطنا.. يعني يفعلوا بنا ما يشاؤون و«خشومهم عندهم»، ويسمحوا لنا فقط ان نهمس بين الحين و الآخر «ربنا على المفتري»!!
اعود فاعتذر لكل من كان الواجب يحتم علىّ زيارتهم للعزاء او العشاء، كما اعتذر لمن التقيت بهم ولم اتمكن من تلبية «عزائمهم» ولكن «ما فات شي»، وبصراحة شديدة فإن عزومة الاكل لا تخلو ايضاً من استكراد: خروف، وسمك ودجاج، وبيض هندي وسلطات وفواكه بالآف مؤلفة، ولا يكون نصيبي من كل ذلك سوى نحو ربع كيلو غرام، فجهازي الهضمي يشبه شوارع الديوم، وكل ما يدخل فيه «يطقطق» والوجبة التي تكلف عشرة آلاف تكلفني عقاقير مضادة للحموضة والغازات بعشرين الفاً.. يعني اية عزومة معي بالخسارة!!
وعلى كل حال حصل خير، وبامكان كل من زعل مني لانني لم اتمكن من تلبية دعوته للطعام ان يذهب الى جهاز المغتربين، ليقول لهم انه «من طرف جعفر عباس» ليودع قيمة العزومة في حسابي، فالجماعة ما زالوا يطالبونني بضرائب ست سنوات، سددتها ولكنني اضعت ايصالاتها.. واما ان اسددها ورجلي فوق رقبتي، واما ان اذهب الى المحكمة لاداء القسم بأنني سددتها،.. ولكنني نشأت على الخوف من المحاكم والبوليس، واسأل الله ان لا اتعامل معها متهماً او شاكياً او شاهداً، ولولا خوفي من المحاكم لكنت اليوم من الاثرياء، فقد قرأت للشيخ ابن جبرين عضو هيئة الافتاء في السعودية، كلاماً في مجلة اليمامة مفاده ان الزوج غير ملزم بتحمل نفقات علاج زوجته، وقد ظللت طوال السنوات الست الاخيرة اطوف اركان الدنيا الاربعة لعلاج زوجتي، مما يفسر فشلي في «تكوين نفسي»، وخلال وجودي في الخرطوم جمعت اهل زوجتي وطالبتهم برد المبالغ التي انفقتها في علاجها فقالوا: القضاء بيننا، فقلت لهم: الايام بيننا.. (كان أحد معارف الصديق الراحل خالد الكد يقول: الأيام بينما).
الراي العام
|
|
 
|
|
|
|
Nasr
almulaomar
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست