في هذا اليوم من قبل 48 عاماً أعدم نظام مايو أستاذنا عبد الخالق محجوب (1927-1971) سكرتير الحزب الشيوعي السوداني منذ 1949. كان في الثانية والعشرين من عمره حين تقلد قيادة الحزب واستشهد قائداً له وهو في الخامسة والأربعين. كان يافعاً حين خرج بمشروعه الوطني الماركسي وغادرنا إلى دار البقاء وهو في حدود الشاب القصوى. ولا تريد أن تنظر للحزب الشيوعي لترى حفر أستاذنا الفكري في بنية مجتمعنا بل إلى لوثة عداء خصومه المرضية بهذا المشروع منذ الأربعينات. لا أعرف من عوى طويلاً كالذئاب عواء الرجعية السودانية بوجه مشروع الرجل ونباحها. لأسامه الخواض قصيدة في نعي أستاذنا عبد الخالق محجوب لم تشتهر شهرة الأخريات لمحجوب شريف والفيتوري وجيلي عبد الرحمن. وهي عندي بهمسها، في حين اختارت الأخريات الصدع بالسياسة، الأكثر نفاذاً إلى سريرة الرجل السياسية. وقفت بحس القصيدة الاثنوغرافي (وهو علم وصف الثقافات) على الثقافة التي أطلق سراحها أستاذنا الوسيم عبد الخالق محجوب من قبو مجتمعنا. فليس هناك ما صار هو نفسه بعد أن مسه أستاذنا بخياله الآخر. فقد كان، في قول الشاعر "قلقاً على مستقبل العشب": كان مسموعاُ ومرئيَّاُ لدي الزهرةِ مقروءاً كصفْحاتِ الرياضةْ واسمه السريُّ "راشدْ" واسمه القوميُّ مكتوبٌ بأحلام الشبابيكِ، ورعْشات الأيادي العاشقةْ يقرأ "الميدانَ" لا يطربهُ من صوتها إلا رنين الكلماتْ كان مشغولاً بتنسيق الصراع الطبقيْ لابساً بدْلته الحمراء، حلاها بأقوال الغمامْ مُلْحداً بالفقْرِ والقهْرِ، و صدِّيقا لدى عُمَّال "بحْريْ" ونساء الريفِ، والزرَّاعِ، والطُّلابِ، والورْدة ِ، والكسْرةِ، والحُلْمِ، و أولاد الحرامْ كان أستاذنا في بدء مثل هذه القصيدة وزنها وسحرها. كان في سهد ماتع لتخيل مجتمع غير الذي نحن فيه. كان ساهراً عند تصميمه وتشييده من صلصال الشعب. ولما جاء وقت الفداء كان ثمرة مانجو تدلت من زعانف المشنقة. وفيه "انطوى مجد كل البلد" كما قال الشاعر الهامس الآخر محجوب عباس. . سألني صحفي مؤخراً ماذا بقي من عبد الخالق. قلت ما الذي لم يبق منه. لم أر فتاة أو فتى يقود رفاقه بالهتاف من فوق أعناقهم إلا هجس لي أستاذنا. فقد تخرج رتل من بعد رتل شيوعي من فوق مثل هذه الأكتاف منذ الخمسينات ليهبوا نفسهم طوعاً لقضية الحرية والديمقراطية والعدالة. نهلوا كالفراشات من شهد شعبهم وعَلّوا من زاد العالم. وشقوا طريقاً ذكياً للسودان بين وطنيتهم وعالميتهم. لم أمر بمشهد من ثورة ديسمبر إلا وجدت له نسباً في فكر وممارسة أستاذنا. قرأت لشابة هديل عبد السلام ميرغني عن اكتشافها الثورة في ديسمبر 2019 فتطابق ذلك مع اكتشاف أستاذنا للثورة في رسالة صدرت باسم "دفاع عبد الخالق محجوب أمام المحاكم العسكرية" (1959). وإلى دسامة فكرها كان دفاعه طلي الأسلوب حفظ جيلنا مقاطع منه يتلوه معجبا. وقرأت عن مبادرة الحشد لاسترداد مفقودي ليلة فض الاعتصام، أو مشروع كراسات تؤرخ لشهداء الثورة بين تلاميذ المدراس، أو عزيمة تيري#، أو "تشجيع الوطن"، كما كنا نقول، في إعمار شباب أب كرشولا لبلدهم. وعادتني مواظبة استاذنا لتربية فرع الحزب في استثارة إبداعية جمهور الشباب من حوله. فعرّف الشباب كملكات عند محطة عمرية لا مجرد شيوخ صغار. وهي ملكات واجبة الإشباع بلا تسويف. وعليه انتقد قيام هيكل اتحاد الشباب السوداني كالحزب على مركز وفروع. وجادل لكسر هذا التنظيم المركزي ليقوم الاتحاد على مركز وبؤر من المنظمات تتفق للشباب أنفسهم في زمالة حول مواهبهم ونازعاتهم. وفي ذكرى استشهاد أستاذنا عبد الخالق محجوب أهديه ثمرات من حصاد ثورة ديسمبر التي لم يتكهن بها بالطبع ولكنه لم يعتقد في غيرها طريقاً لسودان الحرية والسلام والعدالة: 1-كلمة هديل عبد السلام ميرغني 2- دعوة لحشد تيري# 3-مشروع كراسات ثورية 4-مشروع استرداد مفقودي فض الاعتصام 5-همة شباب اب كرشولا في عمار بلدهم
الصورة لاستاذنا عبد الخالق محجوب بصحبة المرحوم عبد الرحمن الوسيلة في دردر المرحوم حسن سلامة السكرتير السياسي للحزب الشيوعي لغرب السودان بمدينة الأبيض.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة