تماشياً مع حالة السقوط العام لمستوى الإجادة ، في بلادنا المكلومة ، فإن ما يحدث الآن في دنيا الإعلام المرئي على الفضائيات السودانية من فقر ثقافي وفني وفكري وتخطيطي ، ليس إلا إمتداد طبيعي لما وقعت فيه البلاد من فخ عتيد ، يتمثل في إستشراء المحسوبية والواسطة في تعيين المذيعين والمذيعات ومعدي البرامج والمخرجين والقائمين على الأمر الثقافي والإعلامي عموماً (إلا من رحم ربي) ، طبعاً وفقاً لقاعدة أساسية تعتمد على إشارتين أولاهما أن يكون المذكور أو المذكورة (مُدَّجن) ، بمعنى أن يكون خاوياً على المستوى السياسي والثقافي والفكري من أيي توجهات أو إهتمامات تشير إلى إعتداده برأي شخصي على المستوى العام أو المستوى الفني والإبداعي ، وثانيهما وهذا ما يفضِّلة (النافذون خلف الكواليس) أن يكون المنتمي إلى تلك المؤسسات (مُسجَّل) رسمياً في التنظيم السياسي للحزب الحاكم أو على الأقل في إحدى روافده (الظِّلية) من إتحادات ومنظمات وهيئات ، غير أن ما يهمنا في هذا الموضوع أن العمل التلفزيوني سيظل شاءوا أم أبوا مرصداً فعلياً لحالة الإبداع والفن الذي تُعبِّر عنه جماليات الشاشة ومضمون ما يطِل من خلالها على الناس ، وما يحدث الآن من (تُرهات) تبدأ بشكل ومضمون الخطط البرامجية التي لا تمُت إلى إهتمامات وتطلعات المواطن بصلة ، ونهاية بتدهور الحالة المهنية والتأهيلية وإنعدام الموهبة الربانية لدى معظم العاملين اليوم في تلك المؤسسات ، فضلاً عن إعتماد المواد التي تُقدم عبر تلك الشاشات على تقييم غير المختصين والإعتداد في ذلك بالعلاقات الشخصية و(الشللية) والواسطة ، مما أدى إلى إظهار تلك الشاشات الفضائية وكأنها حِكراً لأشخاص معينين يمثلون (قسراً) كافة الإتجاهات والتخصصات ، بل إنها أصبحت أداةً فعَّالة في نشر المواد الركيكة أو على الأقل فلنقل تلك التي لا تُعبَّر عن أعلى مستوى وصل إليه الموضوع الذي يتم بثه ، بما في ذلك شتى أنواع الفنون والعلوم والثقافة ، إن ما تقدمه فضائياتنا على شاشاتها لا يُعبِّر البته عن المستوى الحقيقي لجماليات الفنون السودانية ولا عن المستوى الحقيقي لإرثنا الثقافي والفكري ، كما أن الإقصاء المُتعمَّد والناتِج عن إنزواء المبدعين والمفكرين والمثقفين الحقيقيين بعيداً عن تلك الشاشات لأنهم ما زالو يتمسكون بكبريائهم المهني أو لأنهم أنِفوا من التسكُع في ردهات مكاتب مدراء البرامج ومديري تلك الفضائيات ، قد قاد إلى خسارة الوطن والأمة لكمٍ هائل من المبدعين والمفكرين والمثقفين ، وطبعاً سيذهبون طال الزمن أم قصر دون أن يتم التوثيق لتجاربهم الجادة والثرة ، أما ساحات فضائياتنا فعلى ما يبدو ستظل إلا أن يقضي الله أمراً في ما نعانيه من بلاء (الفساد) و(المحسوبية) مرتعاً لأنصاف الموهوبين والمفكرين والمثقفين ، أما أصحاب الحق الأصيل من المبدعين الحقيقيين والذين يستحقون التوثيق لأعمالهم وأقوالهم وأفكارهم فسيظلوا ضحية شمولية النظام السياسي وإنعكاسات إحتكاريته لمؤسسات وأدوات الثقافة والبث الجماهيري ، دون ذنب أو جريرة إرتكبوها سوى أنهم يفضلون أن تكون لهم (وجهة نظر مُغايرة) .. ما بُني على باطل فهو باطل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة