لقد مضت على ثورة ديسمبر المجيدة عام كامل منذ ان اطاحت بنظام الانقاذ البائد ولايزال السودان غارق فى الازمات. اليوم ازمة الخبز وغدا ازمة المواصلات وبعد غدا ازمة النفط. لاننسى ايضا التفلتات الامنية الخطيرة فى بورتسودان فى الشرق الى الجنية فى دارفور والى أبيى فى جنوب كردفان. لا احد يدرى الى متى ستنتهى هذه الازمات والتفلتات التى اصبحت تكرار مثل الصلوات الخمسة واصبحت وتيرة تداعياتها تتصاعد حتى خيمت على سماء السودان الوطن الجريح الذى لم تندمل جراحه وجراح اهله المنكوبين الصابرين على الوضع السياسى والامنى المتردى. لا احد يريد ان يرى الدماء تسفك والارواح تسحق الم تكفى تلك الارتال من الشهداء اللذين قدموا ارواحهم الطاهرة من اجل السودان وليس من اجل أسرهم الفاتورة باهظة. ولكن سددها شباب الثورة بكل بسالة وجراء وشجاعة. ولكن رغماً عن ذلك كله لايزال الوضع كما هو عليه لا جديد يذكر. فلطالما مؤسسات الدولة العميقة لاتزال حية فى كل ركن من اركان السودان الوطن المكلوم و الموجوع. لاندرى الى متى ستبقى الدولة العميقة تخرب هنا وهناك. الحكومة الانتقالية بشقيها المدنى والعسكرى غير قادرة على تصفية مؤسسات العهد البائد وايضا تسريح كل مليشياته العسكرية التى اذقت الشعب السودانى الويل. التفلتات الامنية اصبحت خطيرة تهدد سلامة وامن المواطنين فى ديارهم وبيوتهم ومزارعهم وطرقاتهم كما انه قد اصبح من الصعب على النساء الخروج لجمع الحطب للطبخ والماء للشرب كل هذه تحديات جسام تواجه هولاء المواطنين الابرياء. لان غياب الامن الذى من المفترض ان توفره الحكومة الانتقالية لدرع كل اشكال الانتهاكات لحقوق الانسان البشعة التى يتعرضون لها هولاء المواطنين اهملتهم الحكومة. التفلتات الامنية لها تداعيات وخيمة على السلم الاجتماعى والتعايش السلمى على امتداد الوطن بين هذه المكونات الاجتماعية. فلذلك اصبح من الصعب جداً على السودانين بدول المهجر مشاهدة هذه التفلتات الامنية الدموية تتنقل من قرية الى قرية ومن مدينة الى مدينة ومن منطقة الى منطقة يذبحوا الرجال والنساء والاطفال يشردوا الالاف من ديارهم وتغتصب النساء على وضح النهار والسكوت عليها. فقالوا بصوت واحد لماذا يحدث ذلك؟ انه السؤال الذى طرحه السودانين المقيمن فى بريطانيا عندما اقاموا المائدة المستديرة للسودانين بالمملكة المتحدة كمنبر يجمعهم لمناقشة تداعيات الوضع الامنى فى السودان وخاصة مناطق التفلتات الامنية الدموية. ففى يوم السبت الموافق 1.2.2020 الجارى اقيمت الندوة فى قلب لندن وتحدث فيها نخبة ممتازة من المثقفين السودانين الوطنين الاوفياء والغيرون على وطنهم السودان الجريح وهم. د. ياسر حمودة الامين العام لرابطة تضامن ابناء جبال النوبة بالمملكة المتحدة واحمد محمود عن رابطة البنى عامر والحباب و كمال موس عن رابطة الهدندوة والرائد معاش راشد بابكر والاستاذة مروة الحاج مقدمة الندوة كانت محنكة وبارعة فى التقديم. كان الحضور كبير وعظيم رجال ونساء. لقد بدات الندوة فى الخامسة مساء وانتهت فى العاشرة مساء. كان لقاء حميم وودى واخوى دافى مشبع بالحنان والحب والمودة. ولكننى اقول ان الازمة السودانية التاريخية ذات الجذور العميقة مربوطة بازمة الهوية العربية الاسلامية التى تمثل الاختلاف حول مفهوم الهوية الوطنية او القومية بين المكونات السودانية الاجتماعية. الا ان اصبحت ازمة الهوبة العربية الاسلامية سببا فى اعاقة تطور السودان وتقدمه نتيجة للصراع بين المكونات الاجتماعية داخل السودان حول النموذج الامثل للنظام السياسى الاجتماعى فى هذا السياق يرى بعض المكونات الاجتماعية انه لم يكن هناك مشروع وطنى ثقافى جامع لكل المكونات السودانية يقود الى توافقت ومفاهيم. ثورة ديسمبر المجيدة اللتى شاهادها العالم كله منذ البداية حتى سقوط النظام البائد شكلت نهضة حضارية لتخرج السودان وشعبه من معابد الطائفية والاسلامين الى رحاب الدولة العلمانية المدنية. ثورة ديسمبر انتصرت على الاستبداد والطغيان ونهجت طريق الحرية والسلام والعدالة والديمقراطية لتنظيم حياة المواطنين تحت مظلة دولة القانون والمواطنة المتساوية فى الحقوق والواجبات والهوية الوطنية. الانسان السودانى لم يتمتع بالحقوق والحريات نتيجة الى طبيعة الثقافة السائدة فى المجتمع السودانى. ثقافة العنف تقمع الحرية والعدالة والابداع ثقافة تحتاج الى تنقية من الشوائب العالقة بها. ولذا يجب معالجة قضية الدولة العلمانية المدنية كنموذج اجتماعى امثل اللذى يتوافق عليه المكونات السودانية الاجتماعية فى السياق الثقافى والدينى والايديولجى والتعدد الاثنى. الطائفية والاسلامين فى السودان يشكلون خطراً على الهوية القومية والانسجام المجتمعى. اخيرا ما ذهب اليه المتحدثون فى تلك الندوة محقين فيما ذهبوا اليه من شجب وادانة واستنكار لما يحدث من تفلتات امنية دموية واحراق للقرى وتهجير المئات فى الصحارى والفيفافى هذا غير مقبول اطلاقاً ان نرى النساء مشدوهات بحياة صعبة باطفالهن. فاذا استمر الحال كما هو عليه قد يؤدى الى عدم الاستقرار السياسى والامنى للوطن الجريح السودان. حرية سلام وعدالة.
أختصاصى فى حقوق الانسان والقانون الاوروبى 2/2/2020
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
سليم عبد الرحمن دكين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست