صدرت القرارات الأخيرة التي أتت بحكومة "معتز موسى" إلى العلن بعد مجهودٍ من العمل الخفي والتكتم الشديد واللقاءات السرية إنحصر نطاقها على شخصيات محدودة جداً حتى أزف اليوم الموعود وأُعلن عن مكونات تلك الحكومة "الرشيقة"، كما يقولون، لتخلف حكومة "متخمة ومتضخمة" كان يقودها الجنرال بكري! في تقديري، وبناءً على قراءة لواقع الحال، فإن مرحلة الإعداد لهذه الحكومة الجديدة قد لفت بسياج قوي من السرية التامة ولربما لم تتم حتى مشاورة الصف الأول في الدولة بمن فيهم رئيس الوزراء السابق نفسه و نائب رئيس الجمهورية أيضاً! هذا إستنتاج محض يمكن أن يجانبه الصواب ولكن إن صح ذلك فإن المشير البشير يكون قد أضاف نقطة جديدة إلى رصيد مفاجآته السياسية والتي كان آخرها إعادة تعيين الفريق "قوش" مديراً لجهاز الأمن المخابرات بعد سجن الرجل عدة أشهر في زنزانة بمعتقلات الأمن ليخرج بعدها وقد عفى الله عما سلف! لست من المندهشين لتسمية معتز موسى رئيساً للوزراء، فأين الدهشة في ذلك وما الذي يمنع، ولكنني من المشفقين على الرجل وهو يرى أن أيامه ال 400 قد تسارعت خطاها ما بين بيروقراطية عرجاء ومجاملات خرقاء وصراعات جوفاء، كما أن جموع المهنئين بالمنصب سوف تأخذ قدراً من وقته هو أحوج ما يكون إليه، وهي عادة لا أجد لها سنداً منطقياً البتة غير "السودانوية" المحضة، وتخيلت كيف يتم الأمر في البلدان المتقدمة وهل تتقاطر جموع المهنئين على الوزراء وأصحاب المناصب الرفيعة عند تعيينهم كما نفعل نحن؟ لم أقرأ في حياتي تهنئة على صفحات الجرائد الأوروبية بمناسبة تعيين وزير أو رئيس شركة أو والي مقاطعة! يضاف إلى إشفاقي على الرجل إستفهاماً كبيراً عن خطته لإدارة دفة الأمور في البلاد والحال عندنا قد وصل لمراحل بالغة التعقيد على جميع الأصعدة، وهو واقع لا ينكره حتى قادة الإنقاذ أنفسهم، أما حيرتي والتي لن يبددها إلا الرجل نفسه فهي أين يخبئ معتز "عصا موسى" التي سيغير بها واقع الحال؟! أولى التحديات التي ستواجه الرجل هي فقدان الشعب ثقته في كل ما هو "حكومي" أو بالأحرى "إنقاذي" وهذا لعمري أمرٌ جلل يحتاج معتز فيه "لعصا موسى" لترميمه. قد يكون الطاقم "الجديد" من الكفاءة بمكان ليقود دفة التغيير مع رئيس الحكومة الشاب وهو ما عجز عن القيام به تحت قيادة الجنرال بكري، وهو ما نحتاج فيه "لعصا موسى" لنقتنع به. ربما تتقزم المعضلة الإقتصادية في عهد معتز ليصبح حلها ممكناً ما بين غمضة عين ورحاها فيستقر سعر الصرف وتنتعش عملتنا الوطنية وتنتفض الأرض فرحاً فتخرج من بطنها زيتاً وغازاً وقمحاً، وهذا عصي علينا فهمه دون "عصا موسى". أما التحدي الأكبر، وهو ما تحتاج فيه فعلاً "لعصا موسى" يا معتز، أن تخلع عنك عباءة الحزب وجلباب الرئيس لترتدي ثوب الشعب ولتكن بوقاً للأمة لا بوقاً للسلطة، فهذه أمرها زائل ولو بعد حين، أما الشعب فهو الرعية التي سيحاسبك الله عليها يوم القيامة، فلا تظنن أن التكليف هين، فإن لدغت بعوضة أحدهم كانت تتخذ من الماء الراكد المتأسن سكناً، بسبب سوء التصريف، فقتله داء الملاريا سيسألك الله عنه، وإن سقط أحدهم في حفرة لم تسوى بسبب تقاعس المسؤولين وإهمالهم فكسرت رجله فلن تفلت من سؤال الواحد الأحد، وإن ظُلمت إحداهن من جراء مصادرة عدة الشاي التي تعول بها أسرتها أو أُهينت كرامتها بسبب سوء سلوك موظفي "الكشة" فأنت المسؤول عنها، وإن سكت عن قول الحق في وجه "أمير المؤمنين" مخافة العزل أو الإبعاد، فأنت كغيرهم ولن ينتظر الشعب منك كثير رجاء! لست من المتشائمين، يا دولة رئيس الوزراء، ولكن الجمود الذي لازم عمل حكوماتنا طوال الفترات السابقة يجعلنا ندمن الفشل ونعيشه في كل تفاصيل حياتنا إبتداءً من أكوام القمامة المتكدسة أمام منازلنا مروراً بالتصريحات فارغة المعنى والمحتوى التي نسمعها من ولاة أمورنا حتى ليخيل إلينا أننا شعب في مرحلة "الروضة" حتى يخاطبه المسؤولون بهذه السذاجة، فكيف بمن يغيب عقولنا أن يكن له نصيب من إحترامنا وطاعتنا! فبالله عليك أن تضبط تصريحات وزرائك في المرحلة القادمة وأن تأتي المعلومة عبر ناطق رسمي بإسم مجلس الوزراء أو حساب شخصي بإسم رئيس مجلس الوزراء، ولا تجعلهم يدمنون الميكروفون فيتسرب إلينا رذاذ هفواتهم حتى لا نصاب بالغثيان! هناك الكثير الذي ينتظر رئيس الوزراء، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولنا في ذلك عودة، ولكن الأيام تمضي يا معتز، وهذا الشعب يستحق أكثر من مجرد حكومة محدودة الوزراء وكأن العبقرية في الحكم أن تكون لنا حكومة "رشيقة" فليس الأمر مسابقة لإختيار ملكة جمال!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
مجدي مكي المرضي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست