في مداخلة بندوة بمدينة (أيوا، الولايات المتحدة) بمناسبقة الاستقلال، قال أحدهم أن من المؤسف جدا أن نأتي بعد 6 عقود من خروج الاستعمار لنناقش القضايا التي كانت تناقش قبل وبعد خروج المستعمر مباشرة من قبل مثقفي وسياسي الحركة الوطنية، فيما يختص بأوضاع السودان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية !! في تلك اللحظة تذكرت مخاوف (أهلنا) في جنوب السودان إبان حكم الاستعمار من اسعجال خروج الانجليز من السودان. وبالرغم من أنهم كانوا لايقبلون وجوده كمستعمر، إلا أنهم قبلو وجوده الآني لظروف معينة. مخاوفهم كانت في المقام الأول تخص إنسان الجنوب فقط، وكان قبولهم لبقاء المستعمر لسببين رئيسيين: الأول هو أن الانجليز هم من حمي وخلص الجنوبيين من التعرض للأسترقاق وتجارة العبيد_بعد أن عانو منها قبل وبعد الحكم التركي-المصري_ ولم تكتمل ثقتهم بعد في الشمال ليتركو تحت رحمته. السبب الثاني هو تخوفهم من أن يتم هضم حقوقهم السياسية والثقافية، ويتم استيعابهم في الثقافة العربية والدين الاسلامي. وبالرغم من أن هذا التخوف لم يبني علي قضايا كلية للوطن، بل علي واقع جغرافي معين، إلا أن السياسيين الجنوبيين في حينها، من وجهة نظر يدعمها الواقع، كانو أكثر وعيا وذكاءا فيما يخص الشأن السياسي السوداني العام. بالرغم من ذلك استعجلهم سياسيو الشمال بوعود (حالمه) من اجل التصويت للإستقلال. قال المفكر الراحل ابوالقاسم حاج حمد بأن السودان الذي نصطرع علي حدوده واطرافه مع جيراننا، ليس صناعة وطنية، إنما حدود جغرافية صنعها منذ العام 1821_وورثناها من بعد_الغزو التركي. بالتالي فليس لدينا تجربة سياسية أسست دولة بنفسها، ولا سياسيون استطاعوا أن يكونوا بحجم المسؤولية. والمسؤولية كانت صعبة جدا، لذلك لايعيبهم_السياسيون في ذلك الحين_ أنهم لم يستطيعوها، ولكن يعيبهم أنهم لم يعترفوا بمحدودية امكانياتهم، فاستعجلو رحيل الانجليز. حركة النضال الوطني والتي بدأت بشكل واضح تقريبا منذ العام 1924 بحركة اللواء الأبيض، كان بمقدورها أن تنتج سياسيين ومثقفين بفكر سياسي وطني أقوي ورؤي أوضح لمستقبل البلد، لو كان قدر لها_الحركة الوطنية_ أن تبقي أطول مدة في مختبر النضال الوطني ضد الاستعمار. بمعني أنه كان من الأفضل للسودان أن يبقي المستعمر مدة زمنية أطول، ويطول معها النضال الوطني، بحيث ينضج اكثر فأكثر وعي المواطن السوداني بالحقوق، والمثقف بتركيبة المجتمع، والسياسي بالممارسة السياسية وكيفية بناء الدولة والمحافظة عليها، حتي إذا مابلغ المجتمع أشده واستوي، آتاه المستعمر ما ناضل لأجله. كانت هناك العديد من المكاتبات والمراسلات بين الحكام الانجليز في الخرطوم ورؤسائهم في بريطانيا، تؤكد علي أن السياسيين في شمال السودان مازالوا غير ناضجين. ولأنهم "انجليز"، "مغتصبين"، و "كفار" لذلك لامعني ولامصداقية لكل مايقولون، لذلك وجب (ضرب كلامهم بعرض الحائط) والإلتفاف حول الذات، والإيمان بها من غير هادي، حتي إذا ما اجتمعت (شلة) المثقفين والسياسيين واعلنو أنهم جاهزون لقيادة الوطن، أعلنوا الاستقلال. ومنذ ذلك الحين وحتي الآن، يتخبط المواطنون والساسة علي حد سواء، يتخبطون علي حوائط الاحداث السياسية، ولايدرون الي أين هم ذاهبون، أو حتي الي أين يجب الذهاب. ومنذ خرج المستعمر، بدأ قابيل الصراع مع اخيه هابيل، صراع داخل (الشلة). اسقطت الاحزاب حكومة الأزهري لتستلم السلطة 1956، ليقوموا هم أنفسهم بتسليمها للعسكر فيما بعد 1958، فيخرج الشعب مهللا فرحا، ومن ثم نفس الشعب ونفس الساسة يخرجون غضبا علي العسكر، فتعود السلطة الي الاحزاب 1965، فيخرج الشارع مهللا فرحا، ثم يأتي العسكر لأخذ السلطة مرة أخري من حكومة الاحزاب 1969، فيخرج الشارع نفسه مهللا فرحا بقدوم العسكر، ثم تشرق اشماس وتغرب، ويخرج بعدها مرة أخري الشعب الي الشارع فيسثط حكم العسكر 1985 وتعود الاحزاب والشعب يهلل فرحا، حتي ما إذا جاء انقلاب 1989 بنظام عسكري مدني. لن يعود التاريخ ليمكن اصلاحه، ومؤسف جدا علي قول الدكتور أن نناقش نفس المشاكل والقضايا بعد 62 سنة من الاستقالال، لكن أيضا هذا التخبط وهذه المعاناة التي عاشها الشعب السوداني منذ الاستقلال وحتي الآن، كانت ثمنا لصقل الوعي الجاد الذي بدأ يتشكل الآن وسط المجتمع، وخصوصا الشباب، والذي كان يمكن تفاديه بالتريث قليلا قبل اجبار المستعمر علي الرحيل، ولكن هذا ماحدث.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
صهيب عبدالله عبدالسيد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست