لم يكن أكثر المتشائمين في السودان وفي ظل الأوضاع المعيشية الآنية الضاغطة أن تأتي موازنة العام 2020 مخيبة للآمال على النحو الذي أوضح بعض ملامحه وزير المالية الإنتقالي السوداني الدكتور إبراهيم البدوي، فسقف التوقعات كان مرتفعاً أن تشتمل خطة الموازنة على حلول ناجعة بمنهجيات جديدة خارج الصندوق لمشكلات المعيشة والتضخم وهذا هو التحدي الكبير الذي من أجله انفجر الشارع في ثورته على النظام البائد، ولكن جاءت موازنة البدوي تقليدية لا جديد فيها يُوازي عظمة الثورة وتطلعاتها الكبيرة، خطاب الموازنة المُقتضب الذي تلاه وزير المالية بشئ من السرعة ثم برر لنفسه أنها موازنة مبدئية خاضعة للجرح والتعديل بمشاورة المجلس السيادي وقوى الحرية والتغيير، وكان لافتاً من ناحية اخرى بعد فراغ وزير المالية من تلاوة خطاب الموازنة عدم فتح الباب لأية استفسارات بواسطة الوزير فيصل الذي هرول برفقة وزير المالية بعيداً عن التوضيحات اللازمة في مثل هذه الأمور المصيرية خصوصاً هذه الموازنة التي تعتبر من حيث إعدادها وتنفيذها ومواكبتها لصوت الشارع تعتبر من أكبر عقبات حكومة حمدوك.
وكأنّ وزير المالية كان يتحاشى النقاش حول القنبلة التي ألقاها بتخطيطه برفع الدعم عم المحروقات وهي القشة التي ستقصم ظهر الموازنة إن استمر في تطبيق هذا المقترح، وقد أورد في حيثياته للدفاع عن رفع الدعم مبررات عاطفية أكثر منها واقعية فرفع أسعار الوقود سيدفع فاتورتها نهاية المطاف هذا المواطن المطحون بالغلاء وشعف المداخيل وليس أصحاب وسائل النقل والمواصلات الذين سيعكفون على الإيفاء بتكلفة التشغيل من خلال رفع الفئات أمام المواطنين.
أما حديثه في معرض خطته التقديرية حول التضخم جاء مخيباً للأمل بحيث لم يقدم حلول لكبح جماح التضخم الإنفجاري الذي يكبل اقتصادنا الكلي وهل ستفي عائدات رفع الدعم عن الوقود بتوفير موارد كافية لردم الفجوة التي تصاعدت بالتضخم وغلاء الأسعار وضعف القوة الشرائية للجنيه في مقابل العملات الاجنبية التي صارت ندرتها في السوق المحلي مدعاة لقفزاتها المتتالية على نحو غير مسبوق، الشاهد أنّ الوزير لم يذكر إجماليات عائدات رفع الدعم المتوقعة عن المحروقات ومساهمتها في الاقتصاد ونسبتها في تعبئة المدخرات وبالتالي إسهامها في خفض معدلات الأسعار والتضخم المزمن، وقال الوزير إن الوضع الاقتصادي الحالي يجعل من الصعوية خفض التضخم وهو إقرار صريح منه بفشله في معالجة المسألة.
كذلك تناول الوزير خطته للحماية المجتمعية ودعم الأسر وقال الأُسر الفقيرة فقراً مدقعاً هي من ستمتاز ببرامج الدعم المباشر ولكن ماهي آليات معرفة هذه الأسر الفقيرة فقراً مدقعاً وهل هنالك إحصائيات رسمية معتمدة أو تصنيف للفقراء وعددهم وكذلك للقراء فقراً مدقعاً وعددهم وماهو الفقر المدقع من وجهة نظر الوزير البدوي، وأبان أنّ تسعة آلاف أسرة ستنال الدعم المباشر فبالله عليكم ماذا تُساوي تسعمائة ألفف أسرة في طول السودان وعرضه قياساً إلى ثمانية عشرة ولاية وما يقارب أربعين مليون مواطن؟؟ ستنال كل أسرة فقيرة فقراً مدقعاً حسب خطة الوزير مبلغ ألف وخمسمئة جنيه ما يعادل سبعة عشر دولاراً فقط وهو دعم ضعيف جداً ومُخجل جداً. فتأمَّل!!
أما زيادة الرواتب للعاملين في الحكومة السودانية في حدها الأساسي إلى مائة بالمائة فهي معالجة غير مُنتِجة إذا علمنا أنّ الحد الأدنى يبلغ أربعمائة خمسة وعشرين جنيها وللموظفين السودانيين تجاربهم مع ديوان شئون الخدمة ووزارة المالية نفسها وتخريجاتها في ابتلاع واستقطاع زيادات الرواتب، هذا إلى جانب أن النسبة الأكبر من الشعب السوداني ليست لها وظائف في الحكومة.
ومن نافلة القول إنّ الموازنة الحالية في معرض حديث وزير المالية السوداني عنها لم تتناول جهد حكومته في استقطاب البدائل المتاحة من المنح والقروض من المؤسسات المصرفية والمانحين الأصدقاء بدلاً عن تحميل المواطنين واكثريتهم من ذوي الدخل المحدود بالمزيد من الأعباء المالية.
على كل حال موازنة البدوي على النحو الذي استعرضه ستكون القشة التي ستقصم ظهر البعير، فهي ستنتج واقعاً اكثر ضغطاً للمواطن في معاشه في المقام الاول ناهيك عن قضايا التنمية وذلك أمر دونه خرط القتاد والحال هكذا. هذا إذا لم تتدارك قحت وشركاؤها وقبلهم حمدوك نفسه بخلفيته الاقتصادية مأزق موازنة البدوي التي جاءت عاجزة عن التغيير ودون طموح الشارع الهادر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد قسم الله محمد إبراهيم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست