قبل سنوات طويلة كتب الأستاذ محمد طه محمد أحمد مقالاً ناقداً بحق البروفسور إبراهيم غندور رئيس اتحاد عمال السودان في ذلك الوقت.. أحسب أن بعض الانتقاد كان حول تبوّؤ بروفسور مقعد الرئاسة باتحاد تعاقب على قيادته بعض رموز طبقة (الشغيلة).. رجال حول الغندور طلبوا منه الرد ودحض المزاعم.. بابتسامة ثقة وحكمة رد غندور" محمد طه كتب أن الحلقات ستمتد من واحد لخمسة أي تعقيب يجعل الحلقات تمتد إلى عشرة".. بالفعل (السردبة) وهي مفردة سودانية ذات خصوصية وتعني امتصاص الصدمة عبر الصبر.. هذه الحكمة تجعل الأمور تعود لحالة الهدوء بسرعة. أمس تمت إدانة الأستاذ عثمان ميرغنى بالغرامة أو السجن لمدة شهرين.. الزميل ميرغنى اختار السجن لإحراج الحكومة وجذب الانتباه لقضيته المرتبطة بالتغيير .. وقع الخبر يجعل الناس تسأل لماذا ؟.. قناة الجزيرة من قطر التي يزورها الرئيس هذه الأيام تقول إن عقوبة الحبس بسبب انتقاد الصحفي لأسرة الرئيس البشير.. وكالات أنباء أخرى أعادت للأذهان أوضاع الحريات في السودان .. بل إن بعضها سرد بشكل مفصل واقعة الاعتداء على ذات الصحفي قبل عدة سنوات دون الوصول للجناة.. المقال الذي قاد زميلنا للحبس بعد أن تقدمت الحكومة بشكوى يعود تاريخه للعام ٢٠١٢.. لكن الآن تمت إعادة نشر المقال وتداوله بشكل واسع. في البداية كان لابد أن أعلق على هذا الحدث باعتباري شاهد عيان حيث كنت أكتب في التيار وأنوب عن رئيس التحرير في كثير من المهام.. في تلك الليلة ذهب عثمان مبكراً للبيت وترك لنا مهمة الرقابة.. في زحمة العمل فلت المقال والذي حوى نقداً لاذعاً وبعض الاتهامات غير المؤسسة .. لكنه أيضاً طرح قضايا أساسية تتعلق بالإصلاح الشامل.. في الصباح أبدى عثمان ميرغني بعض القلق .. ويبدو أن القلق كان في محله، فقد تم إغلاق الصحيفة لعدة أشهر .. وهذه الوقائع تنفي سوء النية كما تؤكد أن الصحيفة قد نالت عقوبتها عبر الإيقاف الطويل. تصعيد القضية مع الأستاذ عثمان ميرغني في هذا الوقت أمر يفتقر الحكمة.. رغم أن طول مدة التقاضي ورمزية العقوبة المادية التي تقل عن خمسمائة دولار، تثبتان أن العدالة بخير.. في بلاد أخرى من ينتقد الأسرة الحاكمة يُغيّب عن الحياة في ظروف غامضة.. لكن التوقيت من الناحية السياسية مضر للغاية.. الآن بلادنا تشهد فتح صفحة جديدة مع العالم.. كل الدنيا تتوجه بأبصارها تجاه مقرن النيلين.. حتى زيارة الرئيس لدولة قطر ما كان لها أن تحدث إلا في مناخ الانفراج الذي أعقب زوال العقوبات الأمريكية عن كاهل السودان.. في هذا التوقيت تودع الحكومة صحفياً السجن.. مثل هذه العقوبة تعتبر مكافأة للأستاذ عثمان ميرغني الذي قابل الحكومة (المتحزمة) عارياً. في تقديري ليست هذه المرة الأولى التي لا تُحسن الحكومة التوقيت في صناعة أزمات.. ذات السيناريو حدث مع الزميلة أمل هباني في يوليو الماضي، حيث تم اقتيادها للسجن والبلاد تترقب قرار رفع العقوبات الأمريكية.. بالطبع هذا لا يعني استثناء الصحفيين من مواجهة القضاء خوف إثارة الرأي العام.. لكن من الضرورة أن تدرس الحكومة أي قضية قبل أن تختار المواجهة القانونية.. بل بإمكان الحكومة أن تتغيب من بعض الجلسات لتفادي المنحنيات والمطبات كما في حالة أستاذنا عثمان ميرغني. بصراحة.. عثمان ميرغني مضى إلى الزنزانة محتفظاً بالمفتاح معه.. سيختار التوقيت الذي يجعله حراً طليقاً ولكن بعد تسبيب الأذى الجسيم لحكومة لا تعرف صليحها من عدوها.. وما زال السؤال قائماً مَن يفكّر للحكومة؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست