مقتل الشيخ الشيخ خليفة ودالحاج العبادي وشقيقه الشيخ بركة ودالحاج العبادي بقلم عبدالرحيم محمد صالح

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 05:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-07-2017, 01:03 AM

عبدالرحيم محمد صالح
<aعبدالرحيم محمد صالح
تاريخ التسجيل: 02-28-2014
مجموع المشاركات: 15

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقتل الشيخ الشيخ خليفة ودالحاج العبادي وشقيقه الشيخ بركة ودالحاج العبادي بقلم عبدالرحيم محمد صالح

    00:03 AM October, 07 2017

    سودانيز اون لاين
    عبدالرحيم محمد صالح-
    مكتبتى
    رابط مختصر

    قوافلٌ و قِفارٌ:

    في النصف الأول من القرن التاسع عشر
    عبدالرحيم محمد صالح
    [email protected]
    مقتل الشيخ الشيخ خليفة ودالحاج العبادي وشقيقه الشيخ بركة ودالحاج العبادي بقلم عبدالرحيم محمد صالح

    كنا قد كتبنا في مقالات سابقة عن جبروت وجسارة الملك حمد السوكري (حمد ود عِسيلي) مك الجعل الشاويشاب آخر ملوك مملكة دولقا قبيل الحكم التركي ونهبه القوافل على طُرق الصحراء الشرقية و أوردنا سيرة موجزة عن مقتل الشيخ نعيم شيخ عرب الرباطاب النُهْبـي، في قول بروكهارت، الذي ترَصّده وأوقع به شيوخ العبابدة لشنّه الغارات وسلبه القوافل على نفس الطُرق في بداية العقد الثاني من القرن التاسع عشر. وكذلك أوردنا مقالاً منفصلاً عن شراسة وإِقدام ومقتل الشيخ عيسى، شيخ عرب القراريش الذي تمرد وسطا على قوافل الحكومة التركية في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وسنعتمد في سرد أحداث ووقائع مقتل شيخي العبابدة على مصدريين أساسيين: الأول مخطوطة مكتوبة بالإيطالية وقد قام وايتهيد (G.O. Whitehead) من كلية دوفر بترجمة حوالي ثلث هذه المخطوطة ولكن وافته المنية قبل إكمالها، حيث قام ريتشارد هِل (Richard Hill) بترجمتها إلى الأنجليزية في نحو ١٣١ صفحة ونشرها في كتابه "على تخوم الإسلام" (On The Frontiers of Islam) في عام ١٩٧٠م. يعتقد ريتشارد هِل أنّ كاتب المخطوطة ربما كان صيدلاني إيطالي من توسكانا يدعي بارتوني (Bartoli) كان يعمل مع الجيش التركي في معسكر ود مدني وقد إلتقى بارتوني بخبير المناجم النمساوي جوزيف رتر فون روسقر (Josef Ritter von Russegger) في ود مدني في أكتوبر عام ١٨٣٧م. وقد حكى بارتوني لروسنقر عن خبراته في حملات "صيد" الرقيق في المنطقة الواقعة جنوب الروصيرص، وقد ورد اسم بارتوني ضمن قائمة الأوربيين المقيمين بالخرطوم عام ١٨٣٨ م، ومن المحتمل أن يكون كاتب المخطوطة صيدلاني إيطالي آخر يدعي نيبولتان (Neapolitan) وهو يهودي من أصل صقلي كان يعمل صناعة النبيذ في الخرطوم في ثلاثينات و أربعينات القرن التاسع عشر. المصدر الآخر الرئيس عن مقتل الشيخين هو كُتيب بعنوان من زوايا التاريخ السوداني في القرن التاسع عشر لمؤلفه حسن أحمد حسين خليفة العبادي المأمور بحكومة السودان سابقاً، مطبعة حليم باشا،القاهرة سنة ١٩٤١م والذي اعتمد فيه على التاريخ الشفاهي للعبابدة بمنطقتي بربر وأبي حمد.
    تقول المخطوطة الإيطالية إنَّ الشيخ خليفة ودالحاج محمد العبادي (١) شيخ "قبيلة" العبابدة والتي ينتشر أفرادها بين النيل والبحر الأحمر شمالاً حتى قِنا، تمرّد بسبب خلاف بينه وبين عباس أغا الجندي (٢) حاكم مديرية بربر. قبيل الغزو التركي كان للشيخ خليفة جيش في دراو، بالقرب من أسوان، والتي يتجمّع فيها التجار المسافرون لسنار، حيث يقوم بتوفير الجمال لقوافل الترحيل ويقوم بحمايتها عبر الصحراء ويملك السلاح ومدفع وفرته له الحكومة المصرية حيث تستغرق الرحلة من دَراو إلى بربر اثني عشر يوما وتمر عبر وديان تقطنها بعض بطون قبائل البشاريين. وكان العرف في أواخر العهد السناري يقضي أن يقوم الشيخ خليفة بجمع المال من تجار كل قافلةٍ لشراء هدية (إجبارية) لملك سنار ومقابل تلك الهدية يقوم الملك بإرسال رهائن تكون بعهدة الشيخ خليفة في شندي إلى حين عودة تجار القافلة إليها من سنار سالمين. وشندي كانت آخر نقطة يسمح للقوافل من الشمال بوصولها وبعدها يذهب التجار فرادى أو في شكل مجموعات صغيرة. وبعد عودتهم من سنار يكونون في حماية الشيخ خليفة مرة أخرى إلي أن يعودوا إلى دراو. وفي أحيانٍ كثيرة كان التجار لا يسافرون من دون عوائق. ففي بعض مناطق نفوذ البشاريين أو في بربر أو شندي كانوا يُجبرون على دفع أتاوات للزعماء المحليين ومثال ذلك أن اعتدى شيخ أبي حمد (أبو حمد) ولقبه الأسد على قافلة في حماية الشيخ خليفة وسلب جمال ومتاع القافلة؛ فما كان من الشيخ خليفة إلا أن قاد حوالي ثلاثمائة من رجاله وحاصر قرية الأسد ليلاً فقتله ورجاله واضطرم النار في البيوت واحرقها قبل أن يعود بالقافلة إلى دراو.
    وعندما أحتلّ جيش إسماعيل باشا السودان أقترح الشيخ خليفة على محمد علي باشا تأمين طريق كرسكو أبوحمد عن طريق الصحراء وقد أُعِطي ذلك وتم تعينه شيخاً على الصحراء وصار هو الشيخ المُعْتَمَدُ عليه في تنظيم أمور الترحيل على خط كرسكوــ أبوحمد وقام الشيخ بنظافة الآبار المالحة في بين الأودية الجبلية [ وجاء في مصادر أخرى أنهم أبأروها أي جعلوها ملكاً للعبابدة المليكاب و قاموا ببناء جُولها وزبرها بالحجارة الصلبة وحفرها حتى لاتنزح أو ينضب ماؤها] لتزويد القوافل بالماء رغم ملوحة الماء لإحتوائه على مركبات الكبريت والماغنيسيوم. وتم اعتماد خليفة شيخاً على الصحراء لحماية القوافل وترحيل موظفي الحكومة بأجرة ٩٠ قرشاً لكل بعير لحمل الموظفين و٣٠ قرشاً لكل بعير يحمل متاع الموظفين من كرسكو إلى أبي حمد (أبو حمد) والعشر علي كل البضائع التي يتم ترحليها وكان المسافرون غير الحكوميين يدفعون أجرة إضافية. ويتحمل الشيخ كل خسارة ناتجة من الرحلة مثل موت الجمال أو تلف البضاعة. وكانت أرباح الشيخ ضخمة لأنه يحصل على الجمال بسعر زهيد، وكان يتم الدفع عن طريق "الرقيق" أو الجمال التى لا تقوى على السفر أكثر من مرة أو مرتين. كان أحياناً يعتمد في مهام الترحيل على البشاريين، الذين على عكس العبابدة ، يصرون على الدفع النقدي الفوري وأي تماطل أو تأخر في الدفع يقابله البشاريون بالإعتداء على المسافرين. كانت المنطقة بين أبي حمد وقنينيطة شبه خالية من السكان ولكن الآن بعد الفتح [الإحتلال] يمكن أن يسافر الشخص دون الخوف من المخاطر. والشيخ خليفة يمتلك بيتاً في شكل قلعة على بعد ساعة ونصف من بربر على طريق أبي حمد في منطقة يقال لها الخور وتمت مصادرته وتدميره بعد حوادث عام ١٨٢٨م. أحداث سنة ١٨٢٨م تعود إلى خلاف نشب بين عباس أغا الجندي والذي كان مديراً لبربر في زمن حكم حكمدار السودان خورشيد باشا. الجندي استكثر العُشر على ترحيل البضائع فأرسل إلى خليفة ود الحاج شيخ العبابدة في مدينة أبى حمد أمرا بأن يأخذ ثلاثة ريالات عن كل جمل يمر بالعتمور فرفض الشيخ خليفة لأن العُشر كان عرفاً سائداً منذعهد السلطنة الزرقاء أما بعد الحكم التركي فله مع محمد علي باشا موثق وعهد.
    وأوقف الشيخ خليفة الترحيل بين أبى حمد وكرسكو فأرسل إليه عباس أغا طالباً منه الحُضور إلى بربر للتفاوض فحضر خليفة واتباعه وأقاموا في شونة المديرية في المخيرف ببربر. لم يتوصل المدير والشيخ خليفة إلى حل فأصر كل منهما على موقفه. فأعتبر عباس أغا المدير عدم تنفيذ الشيخ خليفة لأمره وقفله للطريق تمرداً وعصياناً لهذا قرر أن يقتله وجنوده غدراً وغدران ، فجهز سراً عدداً كبيراً من الجنود مع كل واحد حزمة كبيرة من القصب المبلل بالزيت وأمرهم بحرق الشيخ وأتباعه في الشونة المذكورة في الليل وهم نائمون! ففعلوا ما أمروا به فقُتِل الشيخ خليفة حرقاً وقُتِل معه ١٣٢ رجلاً من قبائل مختلفة. قبل حدوث ذلك كان عباس أغا قد أخطر خورشيد باشا حاكمدار السودان بالخرطوم بأن الشيخ خليفة عصى الحكومة وطلب منه أن يرسل له مدداً فقام خورشيد بنفسه ومعه قوة عسكرية إلى بربر وقبل أن يصلها سمع في الطريق بمقتل الشيخ خليفة فعاد إلى الخرطوم.
    تقول المخطوطة أو بالأحرى ترجمة المخطوطة إنّه منذ أن تمّ تَعيين خورشيد باشا حاكمداراً عاماً كان لمديرية بربر حاكم من أصلٍ كردي يُدعى عبّاس أغا الجندي. مثل غيره من حكام المديريات مارس عبّاس الظلم، وكان أحياناً ميّال للانتقام ومثال ذلك ماحدث مع شيخ خليفة. ومثل غيره من الحكام الأتراك في السودان صار عباس ثرياً جداً على حساب البسطاء الذين عانوا معناةً فوق الاحتمال. ففي شهر رمضان ١٢٥٤ه (الموافق نوفمبرـ ديسمبر ١٨٣٨م) وصلت العديد من الشكاوى ضد عباس إلى الحكمدار خورشيد والذي أمر بالتحقيق الفوري فيها. ولكن في نفس الوقت الذي صدر أمر التحقيق وصل الأذن لخورشيد باشا بالسفر إلى مصر للعلاج من داء عضال فتم تأجيل الأمر. ذهب خورشيد باشا وتولى مكانه أحمد باشا أبوودان حكمداراً عاماً. أمر أحمد باشا أبوودان، فور توليه الحكمدراية، بمراجعة حسابات كل موظفي الحكومة القدامى والجدد، وما أن بدأت المراجعة حتى أنهالت الشكاوي ضد عباس مرة أخرى كالمطر! تأكد الباشا من جرائم عباس وابتزازه للناس وقرر الحكمدار أبوودان عزل عباس حاكم بربر وسجنه وبيع منزله وأثاثاته ورقيقه من الذكور والأناث. بل منعه من العودة إلى مصر وأجبره إن يعيش في شندي. ولكن عباس كان ثرياً جداً واستطاع أن يعيش حياة رَغَدة مرفهة ولين في العيش بعد خروجه من السجن. تدهورت صحته فجاءة ربما للمعاناة التي ذاقها في سجنه أو ربما الاحباط من منعه العودة إلى مصر لم يعش طويلاً بعد خروجه من السجن والتحاق اسرته به في شندي فمات بعد مرض قصير. ومن جهة أخرى يذكر فيرن (Ferdinand Werne) معلومة يصعب التأكد من صحتها، ذلك أنّ رجل قبطي يدعى خليل أفندي كان يعمل سكرتيرا لعباس قام بقتله بالسم، وقد اسلم خليل وعُيِّن شيخا على المتمة وشندي مكافاءة له بذلك.
    ولما سمع سليمان أغا الجندي بموت شقيقه عباس في شندى وتعيينه وكيلاً لتركة شقيقه شرع فوراً في الذهاب إلى شندي لحصر وأحضار ثروة شقيقه وأسرته إلى مصر وتزامن وصول سليمان إلى شندي مع زيارة محمد علي باشا إلى فازوغلي. ولما عاد الباشا في طريق عودته ببربر تقدم سليمان بطلب إلى محمدعلي باشا يطلب منه إعطاء الأوامر للحكمدار أبوودان ليقوم بتوفير قوة من ثلاثين جنديا لحراسة سليمان وأسرة شقيقه وممتكاتهم وحمايتهم على الطريق بين أبي حمد وكرسكو. وعندما ذهب سليمان بخطاب الباشا إلى الحكمدار علق على خطاب الباشا قائلاً "الجنود هنا للحرب وليسوا لحراسة التجار" وأضاف أنه "لا توجد قوات في الوقت الراهن ويمكنك أن تغادر في أي وقت فالصحراء ليس فيها لصوص الآن". لم تتشفع توسلات سليمان أغا وتذكير الحكمدار أن بركة شقيق الشيخ خليفة، شيخ الصحراء قد يأخذ بثأر شقيقه وينتقم من أسرة عباس أغا، ولما يئس من مساعدة الحكمدار، عاد إلى بربر وأخذ أسرة شقيقه وغادر برفقة ثمانية رجال مسلحين بعضهم أتراك راجعين إلى القاهرة وبعضهم تجار مماليك. قضوا اليوم الأول في سفرهم دون عقبات تُذكر إلى أن وصلوا إلى آبار في الصحراء وهناك إلتقوا الشيخ بركة وحوالي ٩٠ من أتباعه المسلحين، تصرف سليمان وكأنه لا يشك في أي شئ بل ذهب لتحية الشيخ بركة بكل تهذيب وشرح له رغبته في السفر إلى كرسكو. كان رد الشيخ لطيفاً والذي أخبر سليمان أنه ذاهب إلى كرسكو وذلك لتأديب بعض البشاريين المتمردين وإعادة تأمين الطريق. سافرا معاً إلى آبار في الصحراء حيث أراد الشيخ بركة إطعام سليمان أغا لحماً طازجاً قام بإعداده البشاريون حول تلك الآبار حيث بقوا لمدة يومين وبعدها تحركت القافلة بعد المغيب إلى "المدينة" وهي آبار محاطة بالجبال من كل جانب وبها أشجار الدوم والسلم وعند سفح أحد الجبال هناك حوض تملأوه مياه الأمطار. أخذ سليمان أغا والشيخ بركة مايكفيهما من الماء وركبا جنباً إلى جنب وسارا حوالي نصف ساعة من آبار المدينة. وفي طريق سأل الشيخ بركة سؤلا وجهه إلى سليمان: "إذا كان هناك رجلٌ مدين لرجل آخر ومات قبل سداد الدين من يسدد عنه دينه؟" وجاء جواب سليمان " وُرثاءُ أملاكه يدفعون عنه دينه" وحين ساوره الشك في سؤال بركة أضاف قائلاً أذا كان شقيقي عباس مدين لك بشئ فأنا علي استعداد برده دون تأخير. فكان رد الشيخ بركة "أحقا تريد أن تدفع دين شقيقك؟ فرد سليمان إن ثبت أني شقيقي مدين لك بشئ سأدفع عنه دينه" قال أنه مدين لي بدمٍ، وبما أنّي لا استطيع أخذه منه لأنّه قد مات، فسأخذه منك" وصوّب مسدسه نحو سليمان أغا وأطلق عليه رصاصةً فسقط ميتاً من علي ظهر الجمل في الحال. وما أن سمع رجال بركة دوي الرصاص هجموا علي رفاق سليمان، الذين كانوا قد أفرغوا أسلحتهم من الذخيرة في الليلة السابقة بسبب أمطار خفيفة، بغتة قبل أن يستعدوا للدفاع عن أنفسهم. وكانوا قد افرغوا اسلحتهم من الذخيرة بناء على توصية الخبير (البشاري) المتآمر مع الشيخ خليفة في الليلة السابقة بحجة إن عواصف الصحراء الماطرة تفسد الذخيرة وتتلف فوهات البنادق. أخذوهم وذبحوا الرجال ذبحاً بشعاً، أما النساء فتم سلبهن من حليهن وملابسهن بعد أعادتهن إلى أبي حمد شبه عاريات (الأمر الذي أنكره مشايخ العبابدة كما سنرى لاحقاً). تمكن من بقي من أسرة عباس أغا الجندي من العودة إلى بربر حيث مازالوا يعيشون هناك. والمعلومات الواردة هنا استقيناها من تقرير تم رفعه إلى أحمد باشا (أبوودان). وهناك رواية أخرى تقول إنّ سليمان أغا إلتقى الشيخ بركة والذي كان برفقة أربعة من رجاله عند آبار على الطريق في الصحراء وقد أكلا الطعام مع بعضهما البعض وتعاملا كصديقين. وسافرا معاً إلى آبار المدينة حيث بقي الشيخ بركة بينما أخذ سليمان ورفاقه مايكفيهم من الماء واستمروا في السفر. وكان شيخ بركة قد اتفق مع الخبير المرافق لهم على المكان الذي سيبيت فيه سليمان ورفاقه الليلة القادمة وإخطار الشيخ بركة عندما ينام الجميع في الليل. وبعد أن استمروا قليلاً في السفر بدأت تُمطر وقرر سليمان التوقف ونصب الخيام. خرج الخبير، بحجة أنه يريد أن يتأكد أن المكان آمن للمبيت، ليخطر الشيخ بمكان مبيت سليمان ورفاقه. تحرك الشيخ بركة فورا لينزل في مكانٍ قريب منهم. تآمر الخبير و ظلمة الليل ونوم سليمان ورفاقه في منتصف الليل سهل على بركة قتلهم جميعا وسلب النساء حليهن وزينتهن وإعادتهن إلى أبي حمد. واصل الشيخ بركة السفر ليقيم في جبل في الصحراء قريبا من كورسكو حيث أرسل إلى أحد أقاربه، يعمل رئيسا للجمّالة، يطلب أرسال كل الرجال مسلحين وكانوا جميعاً حوالي ثمانين رجلاً مسلحاً. وعندما حضر الرجال أخطرهم بما حدث وغادر مع رجاله المسلحين إلى الصحراء خلف أسوان. وصلت أخبار المذبحة إلى بربر فقام الحاكم بأرسال مائة من الجنود المغاربة لمطاردة والقبض على الشيخ بركة وأتباعه. حضرت قوة الجنود المغاربة إلى أبي حمد وأمضوا يومين بحثاً في الصحراء فلم يعثروا على أحد ونسبة لشح المياه لم يستطيعوا التوغل في صحراء قاحلة تمتد آلاف الأميال. لذلك قرر أحمد باشا أبوودان تأجيل الأخذ بثأر الضحايا إلى الوقت المناسب نسبة لصعوبة تحريك قوة كبيرة من الجنود في صحراء شاسعة شحيحة المياه. شاءت الأقدار أن يأتي شيخ من شيوخ العبابدة يدعى سليمان ود نمر وهو من أقارب الشيخ بركة ولكن بين أسرتيهما عداوات و أَثار (جمع ثأر) قديمة عارضاً خدماته للحكمدار وطالبا السماح له بالقبض على الشيخ بركة ناقماً عليه مبالغاً في كرهه وبذلك يتثني له الانتقام من بركة ليحل محله شيخاً على الصحراء. وصادف ذلك هوىً في نفس الحكمدار والذي كان حانقاً علي شيخ حدّ السخط، وكان يخشى من أن يستطيع بركة ورجاله قطع الطريق. وعد بدعمه بحوالي أربعين من الجنود المغاربة. وقيل أن قوات سليمان ودنمر كانت من أقاربه العبابدة وعددهم حوالي ١٥٠ رجلا معظهم مسلحين بالحراب. وبعد أعادة نساء عباس أغا إلى أبي أحمد سافر الشيخ بركة إلى كرسكو وبقي على جبل على بعد يوم من كرسكو ومن هناك أرسل خطاباً إلى شيخ الجمّالة طالباً منه كل مبالغ الترحيل بعهدته وهو مبلغ كبير يأخذه على كل جمل يغادر من كرسكو إلي بربر أو من بربر إلى كرسكو. وذهب بركة ليعيش وسط البشاريين قريبا من أسوان متخفيا وظل يتابع الأخبار من هناك. ولما سمع بقوات سليمان ودنمر العبادي عرفت مكانه وأرسلت في طلب تعزيزات من الحكومة المصرية للقبض عليه قام بعمل حصن من الصخور على جبل قريب واحتمى به. لكنه سرعان ما غيّر رأيه، بعد أن لاحظ عدم حماس اصدقائه البشاريين في للدفاع عنه. لذلك ترك موضوع الحصن وقرر التوجه إلى مرسى القصير والذي يقع على بعد مائتي كيلومتراً إلى الشمال شرق من إدفو على ساحل البحر الأحمر حيث كان ينوي التوجه منها إلى الحجاز. ولكنه سرعان ما عرف أنه من الصعب الوصول إلى القصير وخلفه شيخ سليمان بقوة أكثر رجالاً وعتاداً فقرر المواجهة. التقى الفريقان في معركة استمرت عدة ساعات قُتل فيها كثيرون وأصيب خلالها الشيخ بركة وأصبح غير قادر على الحركة فإنفض رجاله تاركين ساحة المعركة. قام الشيخ سليمان ود نمر بقطع رأس الشيخ بركة والذي كان مايزال حياً حتي نهاية المعركة. وبقي هناك أياما دفن فيها قتلاه وترك جثث قتلى شيخ بركة تأكلها السباع. لم يجد سليمان ود نمر إلا القليل من أموال عباس أغا وحلي نسائه ربما دفنها الشيخ بركة في الصحراء في مكان ما أو إئمنها لأحد أصدقائه. تم أخذ رأس الشيخ بركة بشاربه المميز ولحيته إلى قصر الحكمدار في الخرطوم. سَعُدَ الحكمدار برأس الشيخ بركة واستدعى في الحال الشيخ حسن خليفة العبادي ابن أخ شيخ بركة. ولما دخل الشيخ حسن خليفة على الحكمدار ألقى إليه برأس عمه المقطوعة أمام قدميه قائلاً "أهذا رأس عمك". وقد أحس الشيخ حسن خليفة بمدى سعادة الحاكمدار وتلذذه بذلك. فرد قائلاً: "الشيخ بركة يستحق ذلك على جريمته ولكنّني، لاعلاقة لي بتلك الجريمة خاصة أنّي كنت في القاهرة حين وقوع الجريمة ولا معنى بأن تُلقي برأس عمي أمام قدميّ فأنا لست مسئولا عن جرائمه" وأنصرف. تم وضع رأس بركة على عصا في ميدان أمام قصر الحكمدارية لمدة يومين وتم الطواف برأس بركة على كل مدن بلاد السودان الكبيرة حتى يكون عِظة لغيره ، رغم أنه لا يجوز التمثيل بالمقتص منه في دين الإسلام الذي نهى عن المُثْلة أي التمثيلِ بالجثث وأعراف السودانيين التي لاتستسيغ التنكيل بالموتى.
    وكان عندما زار محمد علي باشا عمل حسن خليفة العبادي خبيراً لركب الباشا عبر الصحراء من بربر إلى كرسكو وقد صحب الباشا إلى الإسكندرية. فقد كان حسن خليفة في مصر ولم يسمع بأحداث عمه الشيخ بركة إلى إن عاد إلى كرسكو. وكان يظنّ أن ليس بوسع أحمد باشا أبو ودان القبض على بركة لمعرفة الثاني بدروب الصحراء ومخائبها. خشي حسن خليفة من أن يعاقبه أحمد باشا أبو ودان بجريرة أعمامه فعاد إلى مصر وصارح محمد علي باشا بمخاوفه من انتقام أحمد باشا أبو ودان منه وأهله المليكاب. ولما كان الباشا واثقاً من براءة حسن خليفة فأرسل خطاباً إلى أحمد باشا يمنعه من التعرض أو التحرش بحسن خليفة ويأمر بتعيين الأخير شيخاً على العتمور. مسلحا بحماية الباشا وخطاب تعيينه شيخاً على العتمور سافر حسن خليفة إلى الخرطوم عن طريق دنقلا، رغم طوله وصعوبته، حتى لايثير الشكوك. لم يعجب قرار الباشا تعيين حسن خليفة شيخا على العتمور أحمد باشا أبو ودان حكمدار السودان لأن الأخير كان قد وعد سليمان ود نمر العبادي قاتل الشيخ بركة بذلك المنصب لكنه لم يجد بداً من الانصياع لقرارات محمد علي باشا. طالب الحكمدار الشيخ الجديد بالبحث عن أموال عباس أغا الجندي ولم يكن الشيخ مهتماً بذلك ولكنه أرضاءً للحكمدار أرسل خطابات إلى بعض معارفه للبحث عن أصدقاء الشيخ بركة البشاريين والتحري عن ثروة عباس أغا الجندي وقيل إنّه أوصى حملة الخطابات بعدم أخذ الأمر بجدية وأن الغرض من الخطابات أرضاء الحكمدار.

    الوثيقة الثانية:
    في أول يناير ١٩٤١ كتب حسن أحمد حسين خليفة، نائب المأمور في حكومة السودان كتيبا وهو ملخص للتاريخ الشفاهي لقبائل العبابدة في بربر يوضح فيه ملابسات مقتل أجداده خليفة وبركة العبادي قائلاً: حادثة قَتل بركة ود الحاج محمد العبادي وشقيقه الشيخ خليفة و كذلك قتل سليمان أغا الجندي الكردي أخ عباس أغا الجندي الذي كان مديراً لبربر في زمن حكم حكمدار السودان أحمد باشا أبو ودان، مرتبطة بحوادث حدثت قبلها وبسببها وقعت فيما بعد حوادث قُتل فيها سليمان نمر وأبيدت قبيلة العامراب (بشاريين) .يمر الطريق طريق بين مصر والسودان (طريق عتمور أبى حمد وكرسكو) في الصحراء التابعة لقبيلة الفقراء والمليكاب (العبابدة) وكان شيخها مسئولاً بتأمينه وحماية القوافل التي تمر به من قُطاع الطُرق وكان يأخذ في نظير ذلك قيمة عُشر ما يمر فيه من بضائع وسلع وغيرها وقد أقر ذلك اسماعيل باشا عند فتحه [احتلاله] السودان الأول وبعد مدة استكثر عليه ذلك عباس أغا الجندي الذي كان مديراً لمديرية بربر في زمن حكم حكمدار السودان خورشيد باشا ؛ فأرسل خطاباً إلى خليفة ود الحاج محمد شيخ تلك القبيلة الذي كان مقيماً في مدينة أبى حمد يأمره فيه بأن يتنازل عن أخذ العُشر ويأخذ عوضا عن ذلك ثلاثة ريالات عن كل جمل يمر بالعتمور ريال من الحكومة وريال من التاجر وريال من صاحب الجمل ، فرفض الشيخ خليفة أمره لأن العُشر كان حقاً مكتسباً لقبيلته من منذ العهد السناري، إي قبل أن تحل الحكومة المصرية بالسودان .
    ولما أصر مدير بربر على تنفيذ أمره أغلق الشيخ خليفة الطريق بين أبى حمد وكرسكو فطَلب منه المدير الحُضور إلى بربر ليتفاوض معه في الموضوع فحَضر يرافقه أنُاس كثيرون من قبيلته ومن القبائل الأخرى ممن كانوا ينتفعون منه وإن مرافقة عدد كبير من الناس لكبار مشايخ القبائل ذوي المكانة العالية في أسفارهم كانت عادة متبعة فأنزلهم المدير في منزل داخل حوش كبير يعرف بالشونة في مخيرف بربر وأكرمهم وذبح لهم الذبائح وبعد مُضي عدة أيام تباحث المدير مع الشيخ خليفة في الموضوع فأصَر هذا على عدم تنازله عن العُشر واستمراره على قفل الطريق إذا لم يلغ المدير أمره. وكان قبل ذلك استجار من الحكومة بالشيخ خليفة رجل مرتكب لجريمة القتل يدعى بطران ود حميرا من قبيلة البطرن (بشاريين) فأجاره الشيخ خليفة من القصاص إذ كان من عادة العرب ذوي النفوس العالية إذا استجار بهم أحد يجيرونه مهما كلفهم ذلك ؛ فإعتبر عباس أغا عدم تنفيذ الشيخ خليفة لأمره وقفله للطريق وامتناعه عن تقديم القاتل للعدالة خروجاً منه على الحكومة وعصياناً لها وكان المدير يعرف أن الشيخ خليفة رجلا قويا وممتازاً وأنّه إذا أتخذ ضده إجراءات علنية فأنّ في إمكان الشيخ خليفة أن يقاومه ويتغلب عليه بما عنده من رجال. لذلك رأى أن يقتله غدراً فجهز سراً عدداً كبيراً من الجنود مع كل واحد حزمة كبيرة من القش الناشف المبلل بالزيت وأمرهم بأنه عندما يرخي الليل سدوله وينوم الشيخ خليفة ومن معه يذهبوا إليه في الشونة المار ذكرها ويشعلوا النار في القش ويلقوه فيها من جميع الجهات ففعلوا ما أمروا به فمات الشيخ خليفة حرقاً ومات معه ١٣٢ رجلاً من قبائل مختلفة وقبل حدوث ذلك كان عباس أغا قد خابر خورشيد باشا حاكمدار السودان بالخرطوم بأن الشيخ خليفة عصى الحكومة وطلب منه أن يرسل له مدداً فقام خورشيد بنفسه ومعه قوة عسكرية إلى بربر وقبل أن يصلها سمع في الطريق بمقتل الشيخ خليفة فعاد إلى الخرطوم وكان ذلك في سنة ١٨٢٨ م – ١٢٤٣هـ . كان الشيخ خليفة ود الحاج محمد العبادي مقداماً شجاعاً وكريماً ومسموع الكلمة في قبيلته وفي القبائل الأخرى المجاورة لها ومعروفاً بالقُطرين المصري والسوداني وقد خلّد سيرته الدوبيت عبدالله أبو كبيق يمدحه على كرمه وشهامته (٣) .
    وكان الشيخ خليفة قد رافق حملة فتح [احتلال] السودان الأول ومعه سبعمائة رجل من قبيلته وثلاث آلاف جمل. تلك الحملة التي كان يقودها اسماعيل باشا محمد علي باشا الكبير والي مصر وذلك من أسوان إلى فازوغلي في سنتي ١٨٢٠م و ١٨٢١م . وقبل فتح [احتلال] السودان الأول أرسل محمد علي باشا الشيخ خليفة إلى السودان في سنة ١٨١٣م (١٢٢٨هـ ) وبرفقته أحد موظفي الحكومة المصرية ليستطلعا له قوة مملكة الفونج وحالة البلاد وكان ذلك الموظف متستراً بأنه شريف سائح فوصلا إلى مدينة سنار الواقعة على ضفة النيل الأزرق الغربية مقر ملك الفونج بادي السادس ثم توجها جنوباً إلى حلة الطرفاية الواقعة على ضِفة النيل الأزرق الشرقية مقر الوزير محمود عدلان القابض على زمام الحكم في مملكة الفونج وبعد أن جمعا سراً ما يهمهما من المعلومات قَفَلا راجعين؛ وبعد مبارحتهما حلة الطرفاية بسُويعات عَرِف الوزير محمود عدلان حقيقة ما قَدما من أجله فأمر الشيخ أحمد أبو سن شيخ قبيلة الشكرية بأن يرسل خلفهما عشرين هجاناً للقبض عليهم وكانت هناك صداقة وثيقة بين الشيخ خليفة والشيخ أحمد أبو سن فأرسل الأخير سراً فارساً في الحال لحق الشيخ خليفة وأخبره بأنه عندما يصل إلى مركب المعدية بمشرع كساب الواقع بين طرفاية وسنار ويعدي للشاطئ الغربي يغرق المركب في النيل حتى لا يتمكن الهجانة من اللحاق به ففعل وبذلك نجا هو والموظف المرافق له وجدا السير ووصلا إلى مصر وأخبرا محمد علي باشا بأن دولة الفونج مفككة الأوصال وجيشها مضعضع والبلاد في حالة فوضى وممكن فتح [احتلال] السودان بسهولة (٤).
    ومما يحكي عن الشيخ خليفة: أن حسن ود عمران ملك السويكتاب (ميرفاب) وبشير ود العقيد المسلمابي الجعلي (٥) الذي كان عينه الدفتردار رئيساً على الجعليين في مكان الملك نمر كانا في ذات يوم بعد فتح [إحتلال] السودان راكبين جواديهما فقابلهما الشيخ خليفة في الطريق وكان يمشي وراءه ركب مماليكه المعروفين بالبيناب فحياهما الشيخ خليفة بتحية الإسلام فرد عليه بشير ود العقيد متعاظماً بقوله: عليكم السلام يا خليفة الهجيجيني (تصغير هجّاني) فما كان من الشيخ خليفة الا أن أمر مماليكه بإخراج بنادقهم من أقرابها وقتل بشير ود العقيد رمياً بالرصاص فخف في الحال الملك حسن ونزل من ظهر جواده وترجى الشيخ خليفة بعدم قتله فعفى عنه كما وصف ذلك كزام شاعر الميرفاب الذي أنَّب بشير ود العقيد على ما فرط منه (٦)
    تقدمت عدة شكاوي من الأهالي ضد عباس أغا الجندي مدير بربر إلى خورشيد باشا حاكمدار السودان في أواخر أيامه فلما تعين أحمد باشا أبو ودان حاكمداراً للسودان عرضت عليه تلك الشكاوي فخفض عباس أغا من وظيفته ولم يلبث هذا كثيرا حتى مات وقد أحضر أخوه سليمان أغا الجندي من مصر إلى بربر لإستلام تركته الكبيرة وقد طلب سليمان أغا من والي مصر، محمد علي باشا، أن يصرح له بحرس يخفره في رجوعه فسمح له بذلك وكان الشيخ بركة مقيما في مدينة أبي حمد لما قتل أخوه الشيخ خليفة فذهب إلى صحراء عتباي وأقام في جهة (هداق أيروب) القريبة من آبار المرات متحينا الفرص لأخذ ثأر أخيه، وقد قام سليمان أغا من بربر ومعه زوجاته وسراري عباس أغا ومائة جمل وخزنة فيها أموال كثيرة ويرافقه ٥٠ عسكرياً وثلاث خبراء من قبيلتي الجهيماب والهامق قاصداً مصر بطريق العتمور وعلم بركة بقيامهم فأرسل رسلاً إلى الخبراء أفهموهم سراً بأن بركة يريد قتل سليمان أغا ومن معه من العساكر أخذ لثأر أخيه الشيخ خليفة واتفقوا معهم على أن ينزلوا بهم في جهة القلوباوية المعروفة الآن بقلعة الجندي ففعلوا وعلى حين غفلة منهم هجم عليهم بركة برجالهم وقتل سليمان أغا وعساكره وقد تمكن ١٤ عسكرياً من الهروب فلحقهم بركة بالقرب من جبل رفت وقبض عليهم وأحضرهم إلى محل الحادثة وقتلهم وجمع جثة سليمان أغا وجثث العساكر في مكان واحد وأحضر حطباً كثيراً ووضعه فوق الجثث وأحرقها بالنار حتى صارت رماداً وغنم أمتعتهم والخزينة بما فيها من أموال طائلة وقسم تلك الأموال على أتباعه فنال كل شخص ملوة من النقود وأجزل العطاء للخبراء المار ذكرهم ولم يمس زوجات وسراري عباس أغا بسوء وخيرهن في أن يرسلهن إلى كرسكو أو أب حمد فإخترن أب حمد فبعث بهن إلى هناك .
    بعد ما قَتل بركة سليمان أغا الجندي توجه برجاله إلى جهة قرن التيس قرب بئر القليب ومكث هناك مدة سمع خلالها أن الحكومة تبحث عليه فعزم على أن يتوجه إلى جبل حلوس ليعتصم به ويحارب كل من يناوئه وهذا الجبل كبير حصنته الطبيعة وله مدخل واحد وفيه مياه كثيرة ومراع ويقع على بعد نحو سبعة أيام في الشمال الشرقي من آبار المرات ولم يكن غرضه التوجه إلى الحجاز كما ذكر أحد المؤرخين الطليان إذ قال : إن بركة لما سمع بأن الحكومة تبحث عليه ذهب قاصداً القصير ذاهباً إلى الحجاز ، ولو كان هذا القول صحيحاً فإن هناك عدة مراسي بسواحل البحر الأحمر أقرب إليه كثيراً من القصر مثل مراسي محمد قول ودنقناب وحلايب فكان أحرى به أن يتوجه إلى أحد هذه المراسي ويعبر البحر الأحمر إلى الحجاز وكان هناك رجلاً يدعى سليمان نمر من قبيلة بركة كانت أسرته تنافس أسرة الشيخ خليفة إلى الرئاسة فتقدم إلى أحمد باشا أبو ودان حكمدار السودان الذي حكم من سنة (١٨٣٩م – ١٨٤٤م) وقال له أنه في مقدوره القبض على بركة وإحضاره للحكومة فأرسله الحكمدار إلى صحراء عتباي (تقع في شمال ولاية البحر الأحمر) وأعطاه نحو ٢٠٠ عسكري من المغاربة ورافقه جماعة من قبيلة العامراب (بشاريين) منهم أربعة خبراء ليدلوهم على الطريق، وقام بركة قاصداَ جبل حلوس فلحقوه قبل أن يصل إلى جهة تسمى حجر الزرقاء على بعد مرحلة من جبل حلوس واشتبكوا معه في معركة حامية قتل فيها بركة برصاصة أصابته وقتل معه ٤٠ رجلا من قومه فقطع سليمان نمر رأسه وأرسله إلى الحمكدار في الخرطوم .
    وضيقت الحكومة على العبابدة المليكاب فنزح بعضهم إلى قلب الصحراء وأمرت بالقبض على حسن خليفة العبادي لاعتقادها بأنه لا بد من قيامه بثورة انتقاماً لقتل عمه بركة وكان حسن خليفة شخصية بارزة ومعروفاً لوالي مصر محمد علي باشا وكبار رجال حاشيته وكان قد رافق محمد علي باشا في عودته من زيارته للسودان من بربر للإسكندرية في سنة ١٨٤٠م وكان خبيره في عتمور أبى حمد وكرسكو، ولما علم حسن خليفة بصدور الأمر بالقبض عليه توجه متخفياً إلى مصر وقابل الوالي فأمر بإلغاء أمر القبض عليه وعينه شيخاً واشترط عليه بعدم أخذ العشر من المسافرين وصرح له بأخذ ثلاثة ريالات عن كل جمل يمر بالعتمور وكان الحكمدار أحمد باشا أبو ودان غير راضٍ عن تعيين حسن خليفة شيخاً للعتمور لأنه كان وعد سليمان نمر بتعيينه في هذه الوظيفة. لم يمر طويل وقت بعد مقتل بركة ود الحاج محمد العبادي حتى وقع سليمان نمر في يد قبيلة الأرياب (بشاريين) بجهة وادي أم غدى بقرب أبى حمد (٧) فقتلوه ومثلوا بجثته تمثيلا فظيعاً أخذاً بثأر بركة الذي كان متزوجاً من تلك القبيلة .
    بعد عودة الشيخ حسن خليفة من مصر كما قدمنا تصادف أن قبيلة العامراب امتنعت عن دفع الجزية للحكومة فانتهز الشيخ حسن خليفة هذه الفرصة للإنتقام من العامراب إذ كان جماعة وخبراء منهم رافقوا تلك الحملة التي قتلت عمه بركة كما أسلفنا فأبلغ الحكومة بأنهم عصوا فكلفته الحكومة بإرغامهم على دفع الجزية وأمدته بثلة من الجنود زيادة على رجاله فذهب بمن معه إلى بئر أونيب بصحراء عتباى حيث كان يقيم العامراب ولما لم يجدهم مجتمعين دبر لهم مكيدة يجمعهم بها فخطب بنت شيخهم حمد نصراي فاجتمع العامراب للعرس وذبح لهم الذبائح وعلى حين غفلة منهم هجم عليهم وقتلهم جميعاً ولم يبق من هذه القبيلة إلا الاطفال والنساء وعدد قليل من الرجال كان متغيبا بالجهات البعيدة وقد قال الشاعر عبدالله أبو كبيق يمدح حسناً على أخذه بثأر عمه :
    ود العتمن الما سوقوك النبرو
    وقرقر بالهياج أصبح مشرم وبرو
    في أونيب كل المشنب هكرو
    يا ود أبحمد ثبت قلوب الطفرو
    الخاتمة
    في تراث العبابدة إن للصحراء أبواب، مثل باب كرسكو وباب السداد وغيرها، يقال إنّها كانت تفتح بين الألسن والسحنات وليس في مقدور أولاد آدم الاستحواذ على تلك الأبواب عدا أولاد عبّاد، فالصحراء كانت ملاذاً لهم يلجأون إليه من كل خوف وابتلاء. يعرفون جبالها ووديانها وسهولها ويعرفون مواسمها وسمومها التي تغرف الرمل من تحت أقدام الإبل. وقيل لا أحد عرف الصحراء مثل الشيخ خليفة محمد ود الحاج العبادي وكانت له أبل يقال لها النُوف (بالفاء) أمات قلائد (عالية السنام) دهماء مدربة تندفع في الحرب كالمسعورة وكأنها تقاتل إنابة عن راكبيها. وقيل إنّ والدة الشيخ خليفة رأت في المنام أنه مات في حرب ضد أناس ظالمين. فكان لايخشى الحرب أبداً وكأنه يعمل لتحقيق تلك النبوءة، الموت عنده سراب للخائف أو الجبان فيموت ألف مرة وهو حي يزرق؛ أما الشجاع فيموت مرة واحدة. ترك الشيخ وشقيقه تاريخا يقف كالطود المُنيف في كل من مصر والسودان ، حسب زعم أحفاده. لكن رغم ثراء التاريخ الشفاهي للعبابدة إلا أن حرق الشيخ خليفة ورجاله غدراً لم يجد الاهتمام الذي وجده حرق اسماعيل باشا ولم تجد رأس الشيخ بركة التي طِيفَ بها مدن السودان الإهتمام الذي وجده رأس غردون لأنّ المنتصرين هم من دونوا الأحداث في تقارير من وجهة نظرهم فاستبعدوا بشكل روتيني وجهات نظر المهزومين. على الرغم من أن القرن الحالي يطلق عليه اسم "عصر المعلومات" إلا إن المعلومات المتاحة لعامة الناس تأتي نفس المصادر القديمة التي أعدها المنتصر في تقارير ونشرات "أرشيف" بل زادت من ومكنت وجهات نظر المنتصرين للأحداث التاريخية. لذلك آن أوان اتباع منهجية المؤرخ (التأكد من المصادر، وتدقيقها، واعتماد الموضوعية، ووضع الأحداث في سياقها الزمني ومقارنتها بغيرها) حتى يستقيم التاريخ كتاريخ.
    لعب العبابدة دوراً رئيسيا في النقل والترحيل والتجارة بين مصر والسودان، فالنيل والمراكب النيلية لم تلعب دوراً أساسيا في نقل البضائع والمسافرين بين مصر والسودان في تاريخ السودان في العهد السناري والحكم التركي وكذلك في فترة حكم المهدية فوجود ستة شلالات في وسطه جعله أسوء وأغلى طرق الترحيل بين البلدين، بل كانت الطرق البرية الثلاثة: كرسكو ـ أبوحمد (العبابدة)، ثم طريق المحيلة دلقو ـ كريمة (القراريش) على ضفة النيل اليمنى وطريق الأربعين (الكبابيش وحلفاؤهم) على الضفة اليسرى هي شرايين التواصل بين البلدين. لذلك كان رد فعل الحكومة في عهد الحكم التركي المصري هو القتل لكل من يقطع الطريق فدبروا قتل الشيخ نعيم وبعده تم قتل شيخ خليفة لقطعه طريق العتمور وكذلك تم قتل الشيخ عيسى شيخ عرب القراريش لقطعه طريق المحيلة. فكانت الحكومة لا تتهاون في تأمين هذه الطرق إلى أنّ تم أنشاء خطوط السكة الحديد في بداية الحقبة الاستعمارية ليبدأ عصر الآلة والسرعة وينهي عصر الدواب.
    الهوامش
    (١) حسب رواية أحفاده المنشورة هو شيخ العرب خليفة العبادي الزبيري الأسدي القرشي ود الحاج محمد بن عبدالحميد بن عثمان بن منصور بن عبدالعال بن عوض الله بن عبدالعال بن علي بن محمد بن سليم بن محمد المليك بن فتيان بن عبدالله الفقير (المدفون بسواكن وقبره مشهور بها ويُزار) بن عمران (الجد الجامع لقبائل العبابدة) بن عباد الصغير (الذي سُميت به قبائل العبابدة) بن يحيى بن سليمان بن علي بن محمد بن يحيى بن عباد بن هلال بن ابرق بن محمد الملقب بالكاهل بن عبدالله المكنى بأبى بكر بن حمزة بن أمير المؤمنين الخليفة عبدالله بن الزبير بن العوام، والزبير هو حواري النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمته السيدة صفية واحد من العشرة المبشرين بالجنة و واحد من الستة أصحاب الشورى وهو من أول من سل سيفاً في اللإسلام .

    (٢) عباس أغا البارزلي معروف أيضا بِعباس أغا الجندي، من إصلٍ كردي، عمل حاكما لمديرية بربر ١٨٣٢ إلى ١٨٣٥ ثم ١٨٣٦ إلى ١٨٣٨. وكان في في حوالي الثلاثين من عمره حين إلتقى بالرحالة هوسكينز الذي زار بربر عام ١٨٣٣م. وقد وصفه الرحالة هوسكينز بأنه شاب صارم القسمات وتواجهه صعوبات إدارية ، لديه عدد قليل من الأصدقاء والكثير من الأعداء ووضعه حرج في تنفيذ سياسة محمد في السودان، فمن الصعب،حسب رأي عباس أغا، الجمع بين تلبية مطالب الباشا وعدم قمع الشعب في آن واحد. وكان كلما غادر عباس مقر المديرية في زياراته اليومية، يسير في موكب يسبقه حراسٌ مسلحون بالبنادق، ثم أربعة من حرسه الخاص يضربون بعصيهم الفضية الكبيرة على الأرض في شكل طابور وخلفه ستة رجال مسلحون بالبنادق ويتبعهم نحو عشرين من الخدم. والغرض من تلك المواكب كان إظهار القوة وكسب ولاء التجار والشيوخ (Prelude to Mahddiyya pp 39)

    (٣) يصِفَه بأنه كريم يفيض على الناس بخيراته مثلما بفيض خور القاش بمياهه الغزيرة على أراضي قبيلتي الميتكناب والحلنقا . مفيد لضُيوفه مثل العشاء الطيب الكثير الذي يُخرجه صاحبه للضيوف بسرعة وسخاء وانه أطلق صراح القاتل الذي احتمى به اجار المحكوم عليه بالقتل من الشنق بالحبل. قائلاً
    انت القاش بروي الميتكناب وحلنقا
    انت العشا البدري الخريف ماك زنقا
    انت بتحجا القبيض التلناوه للشقنا
    تحجاه من القتل زرد الحبال والخنقا

    (٤) ذلك ما ذكرة هولت في كتابه عن تاريخ الفونج بأنه في عام ١٢٨٨ه [١٨١٣] م قطع محمد ود عدلان إلى الضفة الشرقية للنهر وأقام في [قرية] الطرفاية وجاء إليه الشيخ خليفة برفقة الأفندي الذي معه وكان ذلك أول جاسوس عثماني يظهر في بلادنا. وقد ظهر [النجم] المُذنّب وانتشر جوع وجفاف عرفُ بأبي جِبص وكان أثره كبيراً على الناس (PM Holt PP 63 71). وقد ذكر ذلك أيضا بروكهارت حين وصف القافلة المتجهة من شندي إلى سنار وقوامها نحو ثلثمائة رجل وعدة مئات من الجمال حيث رافقها كبار التجار و وزير الملك. وذكر بروكهارت أن غرض القافلة الواضح هو تحريض ملوك سنار ضد المماليك ولكن في الحقيقة تجسس لاحتلال سنار. وقد حمل مبعوث محمد علي باشا للملك هدايا بقيمة ثلاثة أو أربعة آلاف دولار. وفي المقابل ردَّ مك سنار على هذه الهدية بإهداء الباشا ثلاث جوار قبيحات أو أربع ، وعددا من جلود الفهد ، وقط زباد ، وقردين ، وشبل أسد مات فى أثناء عبوره الصحراء ؛ والهدية كلها لا يتجاوز ثمنها فى سنار ثمانين دولاراً. Burckhardt pp 308))

    (٥) بشير أحمد ود عقيد من الجعليين المسلماب كان خصيماً وعدواً لدودا للمك نمر وقد عينه الأتراك شيخ مشيخ منطقة المتمة وقد عزله خورشيد باشا بعد استيلائه على اراضي الناس.

    (٦) وصفه قائلاً
    دا ود الحاج خليفة يا بشير لاتغبا
    مو هجينيني مو زولاً صغير مو لعبا
    حرسه بيركب الشائق بيجم بالصهبا
    قبيل قتل نعيم احماه الكسب والنهبا
    يعني بذلك أن هذا هو الشيخ خليفة العظيم القدر فيجب أن لا يخفى عليك ذلك يا بشير، وهو ليس هجاني ولا صغير القدر لكي تتلاعب وتتعاظم عليه وتحتقره ، عنده حرس يركب الخيل ويقود وراءه الجمال الصهب يتناوب ركوبها. وقبل ذلك قتل نعيم ملك الرباطاب ولا يهمه قتلك – وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإن نعيم وكان شيخاً بمنطقة الرباطاب اعتاد قبيل الفتح المصري الأول أن يقطع طريق أبى حمد وكرسكو وينهب القوافل فحاربه الشيخ خليفة وتغلب عليه وقتله في نحو عام ١٨١٢ وحمل رأسه معه إلى دراو وأرسلت أذناه إلى والي مصر. وقد ذكر بروكهارت أنّ نعيم قد جمع ثروة طائلة مما غنمه من نهب القوافل المصرية ، وقد أنفق جلها فى شراء الجوارى الصغيرات، وكان يطيب له المفاخرة بذلك. ودرج على أن يتربص بالقوافل بين بربر وآبار النجيم ، ولكنه كان أحيانا يتعقبها إلى آبار شقرة. وكثيرا ما أطلقت عليه النار ، ولكنها لم تصب منه مقتلا لأن درعه القوية كانت تقيه من رصاص البنادق البعيدة ، وهذا هو السر فى اشتهاره بالسحر. فقد زعم القوم أنه يحمل من التمائم والتعاويذ ما يعصمه من الإصابة. وقد خلفه بعد مقتله قريبه أبو حجل شيخا على مقرات.
    (٧) وقد ذكرهم بروكهارت في رحلاته قائلا" فى طريقنا إليها بعد العشاء مررنا بعدة قبور تدعى قبور أجواد الأرياب ، وذكر لنا أحد شيوخ القافلة إن هذه البقعة مدفن أبطال الأرياب ، يحمل رفاقهم جثثهم إليها رحلة أيام ليدفنوهم فى ظل الآبار الظليل ، وليذكر فعالهم كل عابر بالطريق ويستمطر عليهم شآبيب الرحمة والرضوان. والأرياب قبيلة بشارية."
    المراجع :
    Burckhardt, John Lewis: Travels in Nubia, London 1819

    Hill, Richard: On the Frontiers of Islam: Two Manuscripts Concerning the Sudan Under Turco-Egyptian Rule, 1822-45, Oxford University Press (August 27, 1970),

    Holt P. M: M. W. Daly, A History of the Sudan: From the Coming of Islam to the Present Day

    Rüppell, Eduard: Reisen in Nubien, Kordofan und dem Peträischen Arabien, vorzüglich in geographisch-statistischer Hinsicht. Frankfurt am Main: Friedrich Wilmans, 1829; Joseph von Russegger, Reisen in Europa, Asien und Afrika, Stuttgart: E. Schweitzerbart, 1841-1849.

    حسن أحمد حسين خليفة العبادي: من زوايا التاريخ السوداني في القرن التاسع عشر، مطبعة حليم القاهرة ١٩٤١م
    عبدالرحيم محمد صالح: ميتة الشيخ عيسى شيخ عرب القراريش، مدونة عبدالرحيم محمد صالح http://amsalih.blogspot.com/http://amsalih.blogspot.com/
























                  

10-07-2017, 02:08 PM

Suleiman Todi
<aSuleiman Todi
تاريخ التسجيل: 02-16-2013
مجموع المشاركات: 572

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقتل الشيخ الشيخ خليفة ودالحاج العبادي وش (Re: عبدالرحيم محمد صالح)

    السلام
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de