على أيَّام زيارة الرئيس التّركي أردوغان للسُّودان، نشطتْ الدكتورة مريم المنصورة، تطالبه بالاعتذار للشعب السوداني عن الاستعمار التركي والفظائع التي ارتكبها بحقِّ السودانيين. لم يعتذر أحدٌ – كما هو واضح - عن أي شيء. والزّعم بأنّ أردوغان هو سليل محمّد علي باشا، لا ينقصه الحمق. كما أنّ الزّعم بأنّ تركيا الحديثة هي امتداد للسلطان العثماني لا يقلُّ حمقاً عن سابقه، باعتباره يتغافل عن اتفاقيّة لوزان الشهيرة التي تمّ فيها إجبار تركيا عن التنازل عن الخلافة نفسها، في إذلال بالغ. وذلك في عام 1923م، وبالتّالي فأردوغان امتداد لدولة أسّسها أتاتورك وليس السلطان العثماني. فالمطالبة هاهنا – على فرض مشروعيّتها – تذهب إلى الجهة الخاطئة. لم تراعِ فيه الدّكتورة المنصورة، حينها، قواعد الضيافة ولا الدّبلوماسيِّة باعتبار أنّ أردوغان رئيس لدولة محترمةٍ يزور دولة محترمة زيارة رسميِّة (مع الوضع في الاعتبار أنّ الدكتورة قد لا ترى في السّودان دولة محترمة، وهو حقُّها). ولم تتقيَّدْ بأخلاق السودانيين (وهي فرية صارت مملٌّ تردادُها)، في توقير الضّيف وعدم المساس به أو الإساءة إليه. ثمّ لمّا قال رئيس الجمهوريّة في لقائه بالنيّل الأبيض إنّ السيِّدة الفضلى سفيرة بريطانيا العظمى وسفيرة الاتّحاد الأوربي حاولت في وداعها أنْ تشترط وتتأمّر، وكان ردّ فعله الطبيعي أنْ صرفَ لها "بركاوي"، انبرتْ السيّدة الدّكتورة المنصورة، المؤيّدة بالرّوح السماوي تستنكرُ وتولول مثل الثكلى، ومعها لفيفٌ من حزبها، والناشطين في الدّفاع عن حقوق كلِّ شيء، وكلّ أحد، تشجب، تدين تستنكر، وتجمع في التوقيعات وتستفتي أهل القانون عن المواد التي تجرِّم من سبّ الدّين أو احتقره لمقاضاة رئيس الجمهوريِّة. ثمّة ناشطة للحزب في أوربا، قريبة للدّكتورة هي إيمان شريف، تعتذر وتطالب بالاعتذار للسفيرة ممتدحةً ومثمِّنة الجهود التي قامت بها بريطانيا، والتنوير والتقدُّم الذي قدَّمته للسّودان، ما يستلزم اعتذاراً للسفيرة البريطانيِّة. وكانت "الرَّاكوبة" قد أجرت اتّصالاً هاتفياً مع السفيرة التي نفت – بشدِّة – أنْ يكون رئيس الجمهورية قد "صرف لها أي شيء"، غامزةً أنّ الرئيس يكذب. المنصورة وصويحباتها ونشطاؤها يجهلون أنّ بريطانيا العظمى التي قدَّمتْ للسّودان الكثير، بما يستوجب الاعتذار للسفيرة، هي من أنهى الحكمَ الوطني في السودان، الذي ابتدره جدّها الإمام المهدي، وقدَّم السّودانيون دماءهم رخيصةً من أجل توطيد أركانه، وقدَّموها مرَّاتٍ أخرى للحفاظ عليه والدِّفاع عنه، من لدنْ توشكي شمالاً، التي استشهِدَ فيها أمير الأمراء عبد الرحمن النجومي، مروراً بمعارك ومناوشاتٍ، منها النّخيلة وعطبرة، وصولاً إلى كرري، وأم دبيكرات والشّكّابة وغيرها، غرباً إلى نيالا وثورة الفكي السحيني القمراوي. ذاك ما لا يحبّ الكثيرون ذكره. فبيريطانيا العظمى هي من قرَّب الإمام عبد الرحمن المهدي، واقتطعه الإقطاعيّات، وملَّكه الأملاك في أم درمان والخرطوم وغيرها في المناطق المهمّة والإستراتيجيّة التي يتوارثها آلُ المهدي جيلاً عن جيل، بعد أنْ كان شريداً منفيّاً في خلاء أم درمان، يجمعُ له – ومن تبقّى من حرُماتِ المهدي – سليمان أكرت، ما يسترُ العورة ويقيم الأوّد، بعد كرري. وبريطانيا هي من أراد أنْ ينصِّب الإمام عبد الرَّحمن، ملكاً على السُّودان، وهي من جعل لآلِ المهدي، ذاك الصّيت والمجدَ، فهاهنا نحن أمام بريطانيتان. الرَّاهن يجعلنا نجلّ بريطانيا الثانيِّة ونعتذر لسفيرتها، ونجمع التوقيعات لمحاكمة عمر البشير، لأنّه "صرف لسفيرتها"، التي أنكرت، كذَّبتْ، نفتْ وووو. فعلامَ الاعتذار، إذاً، والرئيس كذَّب علينا، ولم يصرف؟ ليس من المنطق - والحال هذه - أنْ نناقش الدّكتورة في رمزيّة الرئيس. فهي لا تعترف به ولا بشرعيته، فما زال أبوها هو "رئيس الوزراء الشرعي". إذاً ليس هناك ما يستدعي الاعتذار، فرجلٌ غير شرعي قابلته امرأةٌ شرعيِّة، بلا وجه حقّ، صرف لها، ما المشكلة إذاً؟ كيف لسفيرة دولة عظمى أنْ تُقابل شخصاً غير شرعي ليصرف لها أو لا يصرف، لنتكبَّد – نحن ملح الأرض وعشبها – مشقّة الاعتذار عن سوء أخلاقه؟ من المؤكَّد أنّ للأمر بُعداً آخر..ومقاييس أخرى...ليست مقاييس المنطق والعقل. نشر فى صحيفة الاخبار
04-11-2018, 07:08 AM
عليش الريدة عليش الريدة
تاريخ التسجيل: 08-17-2015
مجموع المشاركات: 1709
أوافق الأخ عليش العنوان غير موفق و لربما القصد جذب القارئ الشاعر يقول عين الرضا عن كل عيب كليلة و عين السخط تبدى المساوئ و مثلنا العامى يقول الراخصك ما بغليك و المابيك فى الضلمة يحدر ليك و هذا زمان الكيل بمكيالين بإمتياز ( فإذا إكتالوا على الناس يستوفون و إذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبد الحفيظ مريود
عليش الريدة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست