منْ يعتقد أن مَحْو الأميّة مُكَلِّفْ وشاق فليحسب تكلفة ومشقة وخسائر وخطورة الأُميّة على صاحبها وعلى شعبنا ووطننا إن أدركنا أن الأميّة هي المهدد الأول والأخطر للأمن القومي، ولذا أقترح أن تكون أبجديات القراءة والكتابة شرط للإنتخاب، وبإختبار مبديء، لأن الأُميّ قد يختار المرشح الذي لا يستحق أن يحكمه، والذي لا يستحق أن يحكمه يستغله ليحكمه وهو يدرك عدم تأهيله للإختيار الأفضل. فالأميَ الذي يعجز عن قراءة إسمه في أوراقه الثبوتية، ناهيك عن منشورات الحملات الإنتخابية ولوحات التوجيهات والشروط، أيضاً قد يتعثر حتى في تميّيز الرموز في بطاقة الإنتخاب ولذا تجد المرشح النفعي يُعوّل عليه بنفس قدر سعيه لإبقائه في أميته ومتفادياً تعلُمه وإستنارته حتى لا يكون مؤهلأ للإنتخاب، بالإختيار الحُر، بدون مساعدة تشوبها المحازير أو إملاءآت أو توصيات أو تضليل. وبموجب ذلك لا أعتقد أن هناك غضاضة في أن يكون شرط أبجديات القراءة والكتابة مقابلاً لشرط حصول الوزير على شهادة البكالوريوس. فالذي لا يعرف ما هي البكالوريوس بالطبع لن يعرف من هو المشرح الأفضل الذي يحرص على حقه في التعليم قبل الإنتخاب. والمنطق يؤكد أن ضرورة تأهيل الوزير تتطلب تأهيل الناخب نسبياً حتى يتناسب طرفي المعادلة. وهنا يتوجب على المعترض، على هذا الإقتراح، تقديم إحصائية تؤكد بذل زعماء الأحزاب والعشائر لأي جهد أهلي طوعي لمحو الأمية أو حتى مجرد الشروع في ذلك الشأن.
كلنا نعلم، وبما لا يدعو مجالاً للشك، أن الكثير من الأميّين غالباً ما يبقون رهينة للعواطف والمشاعر الجياشة والعشق والهيام والإنتماء الأزلي في شيوخ طرقهم وزعماء عشائرهم ومجتمعاتهم، ويظلون حبساء عندهم وقد لا يعرفون شيء عن الآخر الذي قد يكون المرشح الأفضل لهم وللوطن. فلينهض هؤلاء الشيوخ والزعماء لمحو أمّية مريدهم، قبل السعي للإستئثار، بأصواتهم وهم جلوس على عروش تقيمها وتمجدها وتحرسها العواطف والمشاعر، فليس من الأخلاق أن يبقى الأميين جماهير مرشح بعينه دون إدراك أو فكاك من القيد العاطفي بل يجب أن يكونوا جماهير كل متعلم سوداني ليتحمل الأمانة نيابة عنهم، مكلفاً، لينتخب من يصلح حالهم لأن المشاركة في الإنتخاب ليس ضرورة قصوى كما ضرورة تعليمهم الأقصى، وليس هناك ظلم لهم في التنازل عن حقهم في الإنتخابات لمن ينوب عنهم من المتعلمين، تماماً كما القوات المسلحة التي تحارب نيابة عن كل الشعب كقلة مميزة في ذلك المضمار. كل ذلك لا ولن ينفي حقيقة أن البعض من الأميين أذكياء ومثقفين، ولكن فليكن شرط اللّاأميّة، للإنتخاب، حافزاً يستنهض همهم لمحو أميّتهم وبذاك تكون مكاسب الوطن قيمة لا تثمن وأكبر بأضعاف وأضعاف من حق الإنتخاب، ولا يجب أن تفهم تلك الظرفية الحرجة كمؤآمرة يقصد منها مصادرة حقوقهم لأن ذلك ليس بحرمان أبدي طالما كان التخلص من أميتهم ليس بالمعضلة العصية.
قانون إختبار اللّاأمية، بغرض الإنتخاب، كان سارياً في الولايات المتحدة الأمريكية منذ العام ١٨٥٠ وحتى ١٩٧٠م حيث أُلغيّ في عموم أمريكا بعد التطور والتقدم النوعيّ الكبير في محو الأُميّة، وبالرغم من أنه قانون موضوعي ساعد في نهضة أمريكا، قد يقول البعض أن القصد كان إبعاد الأفروأميريكان من التصويت، وبسب ذلك فقد نحج هؤلاء الآفروأمريكان في إثمار الجهود الطوعية المقدرة لمحو الأمية في مجتمعاتهم، ولكن هذا لا يعني، وبأي حال من الأحوال، أن إنزال هذا الشرط، في واقع سوداننا، يقصد به عرقية أو جهوية بعينها حيث الأمية تتفشى في كل سوداننا وفي كل أعراقه بحضره وريفه، ولو إختلفت النسب، بعكس أمريكا حيث غادر الجنس الأبيض مستنقعات الأميّة منذ نصف قرن من الزمان عدا القلة المعذورة التي لا تحسب. حقيقة، مواثيق حقوق الإنسان الأممية تكفل حق حرية التعبير، دون تمييز، ولكن التعليم حق إنساني جدير بالعتق من جهل يغيب أدني حقوق الإنسان. لم يجود شهداء ثورتنا بالأرواح، والعائشيين منهم بالجراح وقد سكبوا الدماء سخية، ومنهم من ضحى بعضو من جسده، إلا من أجل هذا الوطن ورفعته التي لن تتأتي إلا بتعليم هؤلاء الأميين، حيث، يسعدني أن أكرر، أن الأُميّة هي المهدد الأول والأخطر للأمن القومي. فالأوطان لا تبنيها العواطف والشجون بل العقول.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة