مئوية الثورة التي لم.. ولن تنسى..(1) بقلم رشيد قويدر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 01:55 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2017, 04:20 PM

مقالات سودانيزاونلاين
<aمقالات سودانيزاونلاين
تاريخ التسجيل: 09-12-2013
مجموع المشاركات: 2044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مئوية الثورة التي لم.. ولن تنسى..(1) بقلم رشيد قويدر

    04:20 PM May, 07 2017

    سودانيز اون لاين
    مقالات سودانيزاونلاين-phoenix Arizona USA
    مكتبتى
    رابط مختصر




    أعني هنا «ثورة أكتوبر الاشتراكية» في عام 1917، وسبقتها في ذات العام «ثورة فبراير البورجوازية»..
    لم أدرِ لماذا كلما شاهدت لقطة الجندي السوفييتي في أتون معركة برلين، وهو يزرع العلم الأحمر فوق الرايخستاع.. تنزل دموعي بمشاعر مختلطة متداخلة بالاعتزاز بهذه الروح الإنسانية، فأقبل هذا العَلَمْ، واليوم عندما أشاهد العَلَمَ الروسي أردد: أبيض، أزرق، أحمر، بكثير من مشاعر الاعتزاز والفخر الإنساني حين تصر روسيا، أي: «الروح الروسية الوقادة» على اكتشاف وبعث حِس الدهشة المخبوء في أعماقنا، من أعماق روحها في التاريخ، كذلك فإن النازية والفاشية ليس بالقمع وحده تعيش، بل بتوازن دقيق بين القمع الشامل والمنظم مع الأجهزة الايديولوجية، مع الميديا والدعاية تحت قيادة الإس.إس، فالإعلام النازي والفاشي هو المركز الفعال، والجمهور بحالة طينية سهلة التشكيل، بحرق العقل الجماعي والفردي كما يجري في شواء الطين، وتحويله إلى نماذج، ولهذا مبحث آخر..
    • الروح الروسية الوقادة هي على امتداد التاريخ الروسي، لما قبل غزوة نابليون، لكننا هنا في مئوية ثورتين لروسيا بعامٍ واحد في عام 2017، نحن نشاهد هذه الروح بقوة في هذه المئوية، الروح الروسية التي تعني مقومات النهوض، وتعني مقومات الصمود والانتصار .. لهذا الشعب، كما تعني مقومات الذهنية والعقلية الجماعية الروسية وأثرها في الفرد الروسي، وصعودها في تاريخ قصير وزمن خاطف، لتعيد اكتشاف الدهشة المخبوءة في الأعماق البشرية.
    • إن ثورة أكتوبر الاشتراكية، هي عملية تحول جذري في التاريخ البشري والتاريخ الروسي، كما هي كانت ملكاً للروس.. هي أيضاً ملكاً للبشرية، وثورة فبراير البرجوازية تكاد تكون نسياً منسياً، رغم أن نقاشاً تاريخياً قد جرى في أصقاع الأرض كافة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في تسعينيات القرن الماضي، حول ثورة فبراير، وجرت فبركة لما سُميّ «وصيّة بليخانوف»، دحضها الموثقون الروس بأنها مفبركة, في معاهد الغرب الامريكي المختصة بدراسة روسيا..
    وقد كُتب الكثير لِما بعد الانهيار السوفييتي، ولكن على أيدي ليست روسيّة، اليوم تَنبش روسيا كماً هائلاً من وثائق الأرشيف الضخم للدولة، على يد مهنيين وموثِقين ثُقاة، يأخذون وقتهم في متابعة أرشيف هذا التاريخ ورقةً ورقة، في مهنية رفيعة بعيداً عن الايديولوجيا لفرز واستخلاص العبرة والدروس، علماً أن النهوض الروسي المتسارع بقوة .. هو بحدِ ذاته استخلاص لهذه الدروس..
    • روسيا بلاد مترامية الأطراف اورو ـــــــ آسيوية، ونسرها برأسين في اتجاهيين شرق وغرب، بمساحة سُدس مساحة اليابسة تقريباً، يقطنها حوالي 145 مليون نسمة من مختلف الأديان والثقافات والقوميات، على مدى قرون حاربت منذ ما قبل غزو المغول وبعده، السويد وبولندا ولاتفيا وليتوانيا وبروسيا وفرنسا بحملة نابليون، والألمان قبل هتلر ومعه في حربين عالميتين.
    • بعد انتصار ثورة أكتوبر عانت البلاد من الحرب الأهلية، الفقر والقنانة (الموجيك)، ومعسكرات الاعتقال (الغولاك)، وحروب التدخل الأمريكية واليابانية والفرنسية والبريطانية طمعاً في ثرواتها الغنية، الأمر ذاته الذي عبرت عنه مادلين اوليرابت وزيرة الخارجية الأمريكية بعد انهيار الدولة السوفييتية: «لا.. ليس من العدالة أن تمتلك روسيا مثل هذه الأراضي الشاسعة»، كذلك ما قالته خليفتها بعدها- بذات الموقع الرسمي- كونداليزا رايس: «لدى روسيا الكثير جداً من الأراضي الشاسعة، ويجب أن تُضم سيبيريا إلى الولايات المتحدة»، وسبقهما إلى ذلك زبغينو بريجنسكي، ونشطت المخططات الأمريكية بعد احتلال أفغانستان، بأن تصل كمية الهرويين المهرب من هناك إلى روسيا إلى 21% من المنتج للعالم، تكراراً للتجربة البريطانية في حرب الأفيون مع الصين.
    • لقد جاءت ثورة فبراير البرجوازية عام 1917، بعد موجات من الاحتجاج الشعبي العارم على مشاركة روسيا في الحرب العالمية الأولى، وحالة الإفقار العام، التي استغلتها البرجوازية المحلية، وطمعها في جنيّ أكبر المكاسب، وإحتكار تجارة المواد الأولية، في ظروف مدقعة للشعب وخاصةً للعمال والفلاحين، أدت إلى إفلاس المصانع، وإغراق الدولة بالديون، مقرونة بخسائر بشرية فادحة للجيش القيصري على خطوط القتال، بعد أن تولى القيصر نفسه قيادة الجيش، فبدأت موجات الاحتجاج الجماعي للشعب، وانضمت لها وحدات من الجيش، هذا ما دفع البرجوازية وقواها السياسية على إرغام القيصر نيكولاي الثاني على الاستقالة والتخلي عن العرش، وقامت بتشكيل الحكومة المؤقتة بقيادة الأمير جورجي لفوف، واستلم الحكومة بعده كيرنسكي التي تولت مهام السلطتين التنفيذية والتشريعية بدلاً من القيصر، فأعلنت العفو العام عن السجناء السياسيين، وإلغاء أحكام الإعدام، وإطلاق الحريات المدنية، واستبدال الشرطة بـ «الميليشيات الشعبية»، لكن الحكومة المؤقتة واصلت الحرب على الجبهة الألمانية، ولم تستطع من إنجاز شيء يذكر للتخفيف من معاناة الشعب..
    • هذا، في الوقت ذاته الذي شكلت به القوى الديمقراطية: «مجلس بتروغراد» الذي أصبح يشكل ازدواجا للسلطة وعدم الخضوع للحكومة المؤقتة، وبدأ على يده انهيار مؤسسة السلطة الإمبراطورية الروسية، لصالح «لجان السوفييت» من العمال والفلاحين والجنود، لمواجهة تجاوز ظروف الحرب ونتائجها، وتفشي الفساد والاحتكار، وانهيار الاقتصاد، فقام حزب البلاشفة في الاستيلاء على السلطة دون أية مقاومة، بالهجوم على القصر الشتوي في بتروغراد، معلناً إقامة النظام السوفييتي الجديد في روسيا في أكتوبر عام 1917، وأول ما عمله النظام الجديد، هو أن قام بنشر وثائق (سايكس ـــ بيكو) التي عملت على تقسيم المنطقة العربية ..
    إن كلفة الحرب الأهلية أودت بحياة أكثر من عشرة ملايين نسمة بين اقتتال الأُخوة، وطرف منهم مؤيد للتدخل الغربي بالشأن الروسي..
    • في حقبة الانهيار السوفييتي في التسعينيات من القرن الماضي، اتسعت مخططات الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، على الرغم من أن الرئيس يلتسين تنازل عن كل شيء ممكن، فإن المخططات المعادية لروسيا تواصلت بعد زوال الاتحاد السوفييتي ومعه المنظومة الاشتراكية وحلف وارسو، فقد واصل العداء لروسيا، للانفراد بقيادة العالم، وإدراكاً منه بأن الروح الروسية قادرة على إعادة التوازن لهذا العالم، على قواعد الأمم المتحدة، والقانون الإنساني العام، وأدى اختلال توازن القوى إلى احتلال أفغانستان والعراق وأحداث البلقان والحرب على يوغسلافيا، وتدمير ليبيا، والحرب على اليمن، وإفتعال الحروب بالوكلاء من مرتزقة الإرهاب الدولي، كما يجري التدخل في سوريا، واستخدام الميديا والفبركات الإعلامية، محاولة تهميش دور روسيا والصين ودول بريكس على هذا الصعيد الدولي..
    والعمل على ممارسة الحصار والضغوط الاقتصادية والتجارية والعسكرية، لجعل حلف الناتو مهيمناً ليس في أوروبا وحدها، بل في كل بلدان العالم.
    • إن عموم الحروب التي شنّها (الناتو) والتحالفات التي تقودها واشنطن، على إمتداد العقدين من القرن الحادي والعشرين، لا تخضع لأحكام القانون الدولي ومؤسساته، حيث جرى تهميش الأمم المتحدة، والعديد من الحروب التي خاضها (الحلف) هي بالوكالة في العقد الأخير، وهي حروب متخفية جرت في عهد الرئيس الأمريكي أوباما، ضد كل من يخرج عن طاعة واشنطن، فإنه سيواجه دسائس الحروب والإنعزال ومخططات أجهزة الغرب، ما أدى إلى انبعاث الفاشية الجديدة، كما يجري في أوكرانيا، وصعود القوى اليمينية المتطرفة والفاشية الجديدة في أوروبا ذاتها..
    • «الروح الروسية» عبر عنها جوزيف ستالين في مايو 1945 بعد هزيمة ألمانيا النازية الهتلرية، رافعاً نخب الشعب الروسي (لم يقل السوفييتي) بالقول: «إن حكومتنا ارتكبت الكثير من الأخطاء، وداهمتنا لحظات يأس، لكن الشعب الروسي أبدى ثقة لا متناهية بحكومتنا وبقدراته، لقد وثق الشعب الروسي وصبر وانتظر وأمل ..»، وبهذه الروح استعاد ستالين خلال الحرب العالمية الثانية، تسمية الأبطال في التاريخ الروسي، كما استعاد إطلاق ذلك التاريخ مجدداً .. وباتت هناك أوسمة للبطولة باسمهم..
    • في ترميز معبر جداً عن الروح الروسية، في حصار بتروغراد القاسي واللاإنساني، فقد كانت أوامر هتلر بتسوية هذه المدينة بالأرض، لأنها مدينة حداثية بناها القيصر بطرس الأكبر، وتمتاز بمعمار حداثي على الطراز الأوروبي، نوجزه بعودة أحد المقاتلين من جبهات القتال ضد الجيوش النازية، وبعد دخوله المدينة شاهد شاحنة تحمل جثث شهداء من المدينة، وشاهد بداخلها زوجته، فطلب إنزال جثمانها، وتبين له لاحقاً أنها ما زالت على قيد الحياة ...، وجرى إنقاذها...
    إن كل بيت وعائلة في هذه المدينة، يتوارث أطفالها معاناة وتضحيات هذه المدينة البطلة ..
    كما أن هذه المدينة الجميلة المثقفة هي مسقط رأس الرئيس الروسي بوتين الذي نهضت في عهده روسيا وعادت قطباً دولياً مرموقاً، نحو عالم جديد متعدد الأقطاب متوازن وديمقراطي..، وهو من جيل الشباب الأخير الذي نشأ وترعرع وتربى على مرويات تاريخ صمود مدينته من أجيال سبقته ..
    ويا لها من روح مُحبة للسلام والحياة.. ويا لتاريخ بتروغراد ومعاني الصمود والملاحم البطولية والإنسانية..
    • وفي تعبير آخر عن بطولة وإرادة هذه الروح الوقادة للحياة، في معنى البطولة الفعلي ومحبة الحياة والنور في وجه الظلام، أمامنا مثالاً لهذا، ضابط الملاحظة الروسي في معركة تحرير تدمر من الإرهاب الدولي التكفيري ـــ داعش ـــ، كانت مهمته التواصل مع مركزه العسكري عبر الإشارة اللاسلكية لأماكن وخطوط العدو، وبعد وقت تمّ كشف مكانه من قبل الإرهاب الدولي، وحين طوقوا مكانه أشار بكلمة وداعية لرفاقه.. لقصف النقطة التي حوصر فيها،..
    • و يا له من شهيد بطل.. ويا لها من روح مُحبة للحياة..
    يا لها من روح فياضة ترفض الاستسلام .. في عُمق معنى البطولة الإنساني ..
















    الثورة التي لم ... ولن تُنسى ... (2)
    فلاديمير ايليتش لينين ...
    رشيد قويدر
    حين يدور الحديث عن الثورة، فإن من الواجب تناول مهندسها ومفكرها وملهمها ومعلمها الأكبر، الرؤيوي فلاديمير ايليتش لينين، الذي يستحق حقاً ما ناله من كتابات عالمية، ليكون أحد الكبار على المستوى العالمي والإنساني على مرّ التاريخ والعصور.
    أتناول هنا، في هذه الحلقة أحد الاتجاهات الأدبية الكبرى في الفكر الإنساني، هؤلاء الذين يستجيبون لدورهم في التاريخ، وفي خضّم الحراك الضخم والمأساوي للأفكار، دون خلط، فثمة مواضع إرتقاء وتراجع، وتيارات فكرية معاكسة للتيار الرئيسي، يؤكد ذلك هذا اليوم.. المعاصر، أن العالم يعيش أزمة حضارية، نشاهد فيها نوعاً من المجابهة الدامية والمأساوية التي لا تلين، بين النزعات الشغوفة الخالدة على المستوى الإنساني، والنظام المروع والمتوحش الذي يفرض فرضاً بقوة الحديد والنار والمقابر الجماعية، وبين الروح التواقة للحرية والعدالة الاجتماعية.
    إن ميزة فلاديمير ايليتش لينين، إدراكه أن الوسيلة الوحيدة لتفادي أزمات ومافيات الرأسمالية، وماكينة مخالب آلتها العملاقة الجهنمية وتوابعها الرجعية، (حروب الميديا، والحروب بالوكالة)، التي بدأت مع الألفية الجديدة في مطالعها، حين انتهى القرن العشرين في التسعينيات منه، ليسجل قرناً جديداً في الصراع، في خضم التقدم الباهر للعلم وخلاصاته الثورية، التي تبشر بسيادة الإنسان دون الإفراط بالتفاؤل، فثمة من أبصر نذير الشؤم المخبوء في كوراث قادمة لا محالة، وإن لم يتسنى له سوى رسم معالمها، دون أن يعايشها ويدرسها عياناً..
    عاش لينين ــــ وهو الاسم المستعار الذي استخدمه ليخدع الشرطة السريةـــــ في مرحلة تاريخية، شهدت دوراً كبيراً للأدب الروسي في نشر الثقافة السياسية بين أوساط الشعب الروسي، ذلك لأنه كان من الصعب جداً نشر السياسة المباشرة والصريحة في ظل استبداد النظام القيصري، وأية مقالة وإن اتخذت شكل «نزوة أو فشة خُلق»، فإن الرقابة القيصرية سترسل كاتبها إلى أحد المصحات النفسية ــــــ كما سُميت حينها ــــــ، أي إلى الحجز في مصحات نفسية، حتى «يتعافى»، أي يتبرأ من موقفه.. وهذا كان يجري على الأدب وصنوفه وعموم مكونات الإبداع الثقافي..
    على سبيل المثال، طال هذا الأمر الشاعر المبدع الذي لقب بِـ «أبي الأدب الروسي الحديث»، ألا هو بجدارة الشاعر بوشكين، أعظم شعراء روسيا، فضلاً عن كونه كاتب وروائي ومسرحي، وقد أوصى القيصر أن تخضع كتاباته لرقابة مباشرة منه، نظراً لأهميته.
    ولد بوشكين في موسكو في عام 1799، وترعرع في أسرة من النبلاء تعيش حياة الترف، والده شاعر بارز ساهم في تنمية موهبته الشعرية، وتوفيّ مبكراً في عام 1837، وكان القيصر نيقولا الأول، يصر على إجازة النشر، أو القص والحذف بنفسه، قبل أن ترسل إلى المطبعة، ولم يتمكن بوشكين من الإحتفاظ بأيٍ من النسخ الأساسية قبل الحذف، كما لم يُعرف مصير هذا الشعر، بسبب خوفه على نفسه من مداهمة منزله وتفتيشه، فقد كان يحرقها، ولذلك لم يعرف أحد شيئاً أبداً عن مصير الأبيات التي حُرقت من مسرحية «يوجين أونيجين» الشهيرة، وهي مسرحية شعرية نشرت ما بين عاميّ (1825و1832)، تتناول العلاقة بين الخيال والحب والموت، والحياة الحقيقية، يجمع بوشكين بها قصة حب كبيرة تعبر عن الحياة الروسية في القرن التاسع عشر، تتخذ من الهجاء والنقد الاجتماعي البارع جداً ميداناً لها، وإخراج ذلك كله شعراً، ورغم رقابته «الذاتية» فإن السياسة قد دخلت في المسرحية وبصوت مسموع، وجمعت غالبية الموضات عبر الأساليب الأدبية، بسحرها وعاطفتها، واعتبرت نقطة الانطلاق لدراسة الأدب الروسي المعاصر في الجامعات الروسية.
    كذلك ما جرى مع الكاتب والروائي نيكولاي غوغول، من آباء الأدب الروسي، ولد في عام 1809 وتوفي عام 1852، من أعماله الشهيرة «النفوس الميتة» وصدرت في عام 1842، تناول بها أوضاع المجتمع الروسي، وعلى وجه الخصوص النظام الإقطاعي الملّاك، في القرن التاسع عشر، في فترة من تاريخ روسيا القيصرية، حيث كان النظام الساري على الأرض هو نظام القنانة، كشكلٍ من أشكال الرق المعدل، والأقنان (الأنفس) هي لخدمة هذه المزارع الإقطاعيات في الأراضي الزراعية، التي تزداد بها «وجاهة» بالقنانة الإقطاعية بحسب كثرة اعدادهم، القن هنا هو مملوك بعمله اليومي، وأعدادهم تعتبر رمزاً لأهمية «النبيل» المالك، ودرجة امتلاكه للهكتارات من المساحات، وأهمية اللقب ودرجته هي لدى القصر القيصري..
    بطل الرواية موظف بسيط لدى الدولة، كان يعرف هذه "المعادلة الإقطاعية" لعدد (الأنفس) المملوكة، وكان يسعى في جولاته التفقدية الدورية إلى شراء هذه الأنفس (الميتة) ـــــ الذين غادروا الحياة.. من (المالكين)، بثمن بخس، مقابل أن يسجلهم أحياء، والأحياء منهم يعملون فقط مقابل طعامهم وشرابهم.
    ألهبت هذه الرواية روسيا الممتدة في عموم جنباتها، وباتت تُقرأ على الأميين بصوتٍ عالٍ، مما أغضب القيصر..
    وقد أدرك ذلك الناقد الأدبي الرئيسي حينها، الثوري وعالم الجمال الروسي فيساريون بيلنسكي (1811ــ 1848)، فأرسل «رسالة إلى غوغول» عبر الصحافة الأدبية، هي عبارة عن مقالة تدعوه إلى الثبات ومواصلة «الواقعية»، تحدث بها عن حكم الأقلية ودور الكنيسة الأرثوذكسية حينها، وعلاقتها بالإقطاع والنظام القيصري.
    لكن غوغول وبعد رواية «المعطف» القصيرة، تراجع عن أعماله، الرواية التي رصد بها إدقاع وفقر طبقة الموظفين في الدولة إبان القيصرية.
    في «المعطف» درجت مقولة النقاد لمن أتى بعد غوغول، بأنهم تخرجوا «من معطف غوغول» وقد تراجع غوغل عن أعماله ، وتأرجح كبندول الساعة، فكتب عن روايته «النفوس الميتة»، «لقد كان الكثير مما كتب في هذه الرواية خطأ، فلا تجري الأمور هكذا فعلاً على الأرض الروسية، أطلب منك عزيزي القارئ تصحيح ذلك، لا تتجاهل المسألة، اطلب منك أن تفعل ذلك»، الأمر الذي أغضب بيلنسكي بعد الجدال العلني بينهما.
    في هذا التكثيف للمناخات والأجواء الفكرية والسياسية والثقافية، وقد سبقته حركة إبداع أدبي فكري ثقافي سياسي لكبار وعمالقة الأدباء الروس الذين أصبحوا على مستوى العالم من حيث الشهرة..
    كان والد لينين رجلاً مثقفاً جداً، يعمل في منصب كبير مفتشي المدارس في منطقته، ويحظى باحترام كبير وواسع بين الناس، كان يجمع أبناءه ظهيرة كل يوم أحد، ليقرأ أعمال شكسبير وغوته* وبوشكين، فعائلة أوليانوف قد قرأت كل الأعمال العظيمة التي مرت على البشرية في روسيا وفي العالم.
    أثناء دراسته الثانوية، رغب لينين دراسة اللغة اللاتينية والناجم عن اهتمامه بها، الأمر الذي دفع مدير مدرسته أن يعقد عليه آمالاً كبيرة بأن يصبح عالماً في اللغة اللاتينية، نجم هذا عن استمتاعه بالأدب اللاتيني القديم، ولم يفارقه الأمر، فقرأ فرجيل وأوفيد وهوراس، والملاحم الاغريقية بلغتها الأصلية، وفرجيل (70 ق.م ــــ 19ق.م) قدم (الإنياذة) وهوميروس الإلياذة والأوديسا، وعدت الإنياذه لفرجيل، أحد مصادر اللغة اللاتينية منذ القرن الأول للميلاد، كما التهم مؤلفات غوتة ( 1749-1832)، وهو حتى الآن شاعر ألمانيا المتميز، وترك أرثاً أدبياً ضخماً للمكتبة الألمانية والعالمية، كما ترك أثراً بالغاً في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية العالمية، ومازال مؤلفه (فاوست) الذي قرأه لينين مراراً وتكرارا ..ًيفعل فعله.
    روح فاوست التي بيعت للشيطان، وهو الشخصية الرئيسية في الحكاية الشعبية الألمانية، عن الكيميائي الألماني الدكتور يوهان جورج فاوست، الذي يحقق نجاحاً كبيراً، لكنه غير راضٍ عن حياته، فيبرم عقداً مع الشيطان، يُسلم له به روحه، في مقابل الحصول على المعرفة المطلقة مع كافة الملذات الدنيوية، القصة التي باتت الأم لمسرحيات وحكايات تابعة لها، ومؤلفة منها، أو مقتبسة عن الفكرة، في كل لغات وأرجاء العالم..
    في الجزء الثاني لِ «فاوست»، ركز غوتة على الظواهر الاجتماعية، مثل علم النفس والتاريخ والفلسفة، وهو قائم على قصيدة نظمها قبل الجزء الأول، وأسماها: «خيال الظل الكلاسيكي الرومانتيكي»، ولم يتطرق إلى الروح التي بيعت.. وقد بيعت، ونُشر الجزء الثاني بعد وفاته في عام 1832.
    إبان تخطيط لينين لثورة أكتوبر، وقبلها بسنوات، يمكن تلمس تأثير الثقافة الانسانية، وعمق الاطلاع لدى لينين، تبرز كشذرات فيما كان يردده لرفاقه، أو في مراسلاته، مع معرفته العميقة بالأدب الكلاسيكي الانساني، ومتابعة الجديد منه، «النظرية، رمادية اللون، يا صديقي، لكن شجرة الحياة خضراء إلى الأبد»، والمقولة هي مقولة ميفيستوفيليس بطل رواية (فاوست)، التي اعتبرت العمل الرئيسي لغوتة، كما كان يردد هذه المقولة أثناء تخطيطه لثورة أكتوبر عام 1917، أثناء كتابته المخطوطات التي سُميت بـِ«موضوعات نيسان»، والتي كتبها في كوخ، بإحدى غابات سان بطرسبورغ، كذلك في رده على رفاقه المقربين، الذين كانوا مكلفين للاتصال به، حيث اختفى كي لا يطاله الاعتقال وقد كان مطلوباً حينها.. في عام 1917 وهو العام الذي قطع به صلته مع قادة «الاشتراكية الديمقراطية»، في روسيا، داعياً في اطروحاته إلى قيام ثورة اشتراكية على أرض الواقع.
    ومن موقع عمق اطلاعه على الأدب الروسي، أدرك لينين جيداً أن عموم أعمال الأدب الروسي الكلاسيكي ترتبط بالسياسة، فلا يوجد كاتب مهما اتخذ قراراً ذاتياً بالابتعاد عنها، فإنه سيجد صعوبة في الهروب منها، انطلاقاً من موقف شعبي عام، قائم على ازدراء حالة البلاد وما آلت إليه.
    حتى أن مصطلحات بعض الروايات، تم نقلها تلخيصاً للحالة، مثال رواية «ايفان غونشاروف» والمسماة «أوبلوموف» مثالاً على ذلك، وقد فضل لينين هذا العمل، في تصويره لحياة النبلاء والملاك، وتفاهتها وطفيليتها وفراغها وكسلها واستبدادها، درجة الاحتفاء بها وتقدير نجاحها، فدخلت إلى المعجم السياسي الروسي كلمة (أوبلوموفيه)، التي تشير إلى طفيلية وتفاهة الطبقة الحاكمة ربطاً بالإقطاع والنظام القيصري، تفاهة الطبقة التي ساعدت الاستبداد على البقاء في الحياة لفترة ممتدة طويلة.
    وقد شخص لينين ذلك في محاضراته وتعليقاته، بأن هذا المرض لم يقتصر على الطبقات ومؤسسات تعليمها ومناهجها.
    وقد انتقل إلى فئات كبيرة وإلى الكنيسة والمؤسسة الدينية الأرثوذكسية: « جميعنا تحت قدر الرب.. وهذا ما شاءه.. إننا كلنا بين يدي الله ورحمته..»، وهكذا؛ فقد أصاب انصار البلاشفة ذاتهم من عموم شرائح الشعب بسببها، بما يتطلب شحذ سلاح التوعية الجماهيري، وتجد في سجالات لينين الكثير في رده على خصومه، بمقارنتهم بشخصيات طفيلية مقيتة وهامشية، في الحياة العامة، ينتزعها من أعمال أدبية شهيرة في الأدب الروسي.
    كما أن الخلافات بين قوى التغيير امتدت من الكتّاب إلى الأحزاب والمجتمع، وطالت الوسائل المفترضة للإطاحة بالقيصرية، فقد دعم بوشكين انتفاضة ديسمبر عام 1825، الانتفاضة التي أُطلقت تسميتها على «الديسمبريين»، والتي اتخذت من «الارهاب الثوري» منهجاً لها، وتحدت القيصر نيقولا الأول، وسخر غوغول من قمع الأقنان، قبل أن يتراجع مسرعاً عن موقفه، حتى الرومانتيكيين من الكتاب الروس الذين كتبوا عن الحب والطبيعة الروسية مثال تورغنييف انتقدوا القيصرية، فضلاً عن كره لينين للتيارات العدمية، تلك التي مارست الإرهاب وتبنته منهجاً ثابتاً لا بديل له، أي المنهج الفوضوي باعتباره منهجاً يائساً..
    لكن أعمال القتل التي نفذتها الأجهزة القيصرية في سان بطرسبورغ، دفعت الكاتب العالمي الكبير دوستويفسكي إلى مغازلة الإرهاب الفوضوي، ذلك تحت تأثير الأحداث الرهيبة بفعل الانتقام القيصري..
    وهاجم عملاق الروائيين الروس تولستوي (1828-1910) الواقع القائم، وهو الذي أصبح أحد أعمدة الابداع العالمي، ويعتبر داعية سلام ومصلحاً اجتماعياً ومفكراً أخلاقياً، على الرغم من كونه سليل الإقطاع لعائلة تولستوي، من أشهر أعماله «الحرب والسلام» و«آنا كارنينا»، اللتان عكستا واقع الحياة الروسية في تلك الفترة، واعتبرتا قمة الأدب الواقعي.
    إن أي أعمال إبداعية تتناول الاستبداد، كانت مبعث سعادة للينين، لقد أعجب لينين بتولستوي، لكنه لاحظ أن أفكاره تجمع بين الصوفية وزهدها في الحياة والمسيحية، مما افتر حماسته له، وكان لينين يتساءل: كيف يمكن لهذا الكاتب الموهوب أن يكون ثورياً ورجعياً في ذات الوقت؟
    ثم قام بدراسة أعماله، وحلل التناقضات العميقة ، وعلق عليها استطاع تولستوي أن يعرض تشخيصاً واضحاً لعلل روسيا، وكانت رواياته تصف الاستغلال الاقتصادي والغضب الجماعي للفلاحين، ولكن دون أن يقدم العلاج..
    فبدلاً من استخلاصه وتخيله لمستقبل ثوري سليم، سعى تولستوي إلى الحصول على العزاء في صورة طوباوية لمسيحية بدائية للغاية..
    تناول لينين في مؤلفه «ليو تولستوي كمرآة للثورة الروسية» وكتب: «التناقضات في آراء تولستوي ومذاهبها ليست من قبيل الصدفة، فهي تعبر عن الظروف المتناقضة للحياة الروسية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر»، وقد استفاد لينين في تحليله السياسي من هذه التناقضات.
    هنا، نتوقف قليلاً عند استشراف ورؤية لينين وحساسيته الدقيقة، فقد كُتب كثيراً عن تولستوي، من قبل المهتمين والدارسين لهذا المبدع، وكشف البعض أنه على الرغم من واقعيته وإلهامه، فقد كانت أفكاره مزيج من المسيحية الإنسانية، والتاوية الشرقية التي تأثر بها، وشكل هذا المزيج صوفية تولستوي، دون إغفال أنه سليل عائلته كبيرة وإقطاعية، كان يجتمع مع الفلاحين في الصالة الارستقراطية الرئيسية الكبيرة في نزله، والأمر مدعاة لغضب زوجته بسبب جزماتهم الملوثة بالطين ورائحتها، وكتب البعض أن زوجته تغضب كثيراً بسبب أفكاره، وأن مبادئه أملت عليه إنصاف الفلاحين، خارج منظومة الإقطاع والاستبداد، وبالتأكيد فقد نغصت عليه..
    أما على صعيد الروائي المبدع دوستويفسكي (1821 ــــــ 1881)، الذي يُعد من أفضل الروائيين العالميين، وأحد أشهر المبدعين الروس، فأعماله تركت بصماتها على آدب القرن العشرين، وقد أعجب به لينين، لكنه انتقده بسبب من عدميته وفوضويته، وأطلق عليه لقب «عبادة المعاناة» لا العمل على إزالتها، دون أن نغفل تأييده للفوضية «الديسمبرية»، التي حفزت بإرهابها « الإرهاب للإرهاب»، ودفعت الأجهزة التنفيذية للقيصرية في أعمال القمع والقتل والاغتيال، بدلاً من استخلاص واقع الشعب والعمل على الخروج من المعاناة، بل تعميقها، باعتبار «عبادة المعاناة» وتخليدها، هي تخليداً لـِ «اليأس»..
    وقدم لينين مفهوماً جديداً وفهماً عميقاً للنفس البشرية من خلال هذا الأدب، دفعته إلى رؤية ثاقبة للحالة السياسية والاجتماعية والروحية النفسية للحالة الروسية في هذه الحقبة..
    إمتدح لينين هذا الإبداع، مطالباً بتوظيفه في التحليل والتشخيص لهذه الحال، وهي تعتبر مصدر إلهام للفكر والأدب الروسي والعالمي، فبعد عام من انتصار ثورة أكتوبر، وفي 2 أغسطس1988 نشرت صحيفة ازفستيا قائمة من الأشخاص الذين اختارهم القراء لتقام لهم نُصب تذكارية، جاء في المركز الأول تولستوي، كما تحول منزله إلى متحف، وجاء في المركز الثاني دوستويفسكي، وأزيح الستار عن النصب التذكاري في موسكو في نوفمبر من ذلك العام، من قبل مجلس سوفييت موسكو، وألقى الشاعر فياتشيسلاف إيفانوف قصيدة تكريم لذكرى دوستويفسكي، وهو من شعراء المدرسة الرمزية.
    إن الرواية التي شغف بها لينين، فقد كانت من إنسان ثوري روسي عادي، هو نيكولاي تشيرنيفيشسكي، وهو ابن لكاهن، وكان فيلسوفاً مادياً واشتراكياً، وقد ألف نيكولاي «حكايته» ابان اعتقاله في سجن قلعة بيتر وبول في سان بطرسبورغ، حيث سجن بسبب معتقداته السياسية، وحملت الرواية عنوان: «ما العمل؟»، التي تحولت إلى «انجيل» لجيل جديد من الثوريين الروس، ثم جاءت عملية تهريبه من هذا السجن المنيع، لتضفي هالة كبيرة من البطولة على شخصه، وتحول إلى شخصية جماهيرية وشعبية، وكان تشيرنيفيشسكي يطلع على أفكار ماركس، ويتبادل معه الرسائل، واحتفى لينين بشخصه، وتكريماً له أطلق لينين على مؤلفه السياسي الأول عنوان: « ما العمل؟»، الذي كتبه في عام1903، وهو معبر عن نظرته للأدب والإبداع والفكر، ومنظوره الخاص لمهمة الأدب في تلك الحقبة بعدم الاستسلام الاجتماعي للأوضاع الحياتية المتردية، وبابتكار أوجه المواجهة في الزمن العصيب، فلا جديد يمكن اكتشافه بانسحاق الفقراء، القطاع الاجتماعي المتسع، وبدلاً منه هو اكتشاف مكامن الوعي الطبقي وتعميقها، كما بدلاً من سلخ الشواهد عن سياقاتها الذاتية، فإن المطلوب الكشف، والعمل على تمركز وتنامي الإحساس الطبقي المتواشج والمتكافل في أجواء متنامية، وتحويلها إلى دينامية شعبية جماهيرية.
    كما ينطلق لينين من فهمه لتاريخ الأدب ووظيفته في المراحل التاريخية، وكيفية نشوء الأفكار الواعية للواقع، وإنتاج الطبقية فكراً وأدباً.
    أثار تكريم لينين لتشيرنيفيشسكي غضب وسخرية الروائيين الكبار، وشنت حملة شعواء من قبل نقاد معروفين أَنذاك، وحين التقاه تورغنييف في أحد الأمكنة العامة، صاح في وجهه بصلف وعجرفة، لأنه شخص عادي لا دراية له بأساليب الإبداع، بالقول: «أنت ثعبان ودوبروليوبوف (ناقد) أفعى»، ولاحقاً قام تولستوي وتورغنييف بوصفه: «مثل عثه نتنه، ملتصقة برجل نظيف»، والتشبية بين العثة والرجل النظيف معروفة من حيث الترميز، أما الدوافع فهي الغيرة الشديدة، من الرجل الذي يريد أن تحدث ثورة تنتزع الآراضي من النبلاء الملاكين، يجري توزيعها على الفلاحين..
    بين عاميّ 2005و1917 الأعوام الثورية، كان لينين في المنفى، وحين كان يزوره الشباب من البلاشفة، يغضب حين يخبره أحدهم بأن «حكاية تشيرنيفيشسكي لا تستحق القراءة»، وكان يرد عليهم، بأنهم أصغر من يقدّروا عمق رؤيته، لأن فلسفة تشيرنيفيشسكي مبنية على حقيقة بسيطة هي: أن الحياة قصيرة، ويتحتم تحقيق السعادة لكل فرد، وهذا غير ممكن في عالم يهيمن عليه الجشع والكراهية والحرب والأنانية والصراع الطبقي..
    في هذه الفترة بلغ عمر لينين الأربعين عاماً.
    بعد أن وقعت الثورة بالفعل على أرض الواقع، جرت دراسات عميقة لمراحل تطور الفكر لدى لينين، يتبين من خلاصاتها تأثره بالأدب الكلاسيكي المتجذر بعمق في ذاته، بمثابة حصن يحميه من الموديلات الجديدة في الفن والأدب وموديلاتها (موضاتها) وصرعاتها..
    لكن المتابع يستطيع أن يدرك أن الطابع المعياري للإبداع لدى لينين، هو في مجتمع يواجه صعوبة في هضم مفاهيم الحداثة، قبل الثورة، ينبغي أن تبدأ من عالم المحسوس نحو العالم الذهني، ويرتبط بالتفسير العقلاني في إعلاء قيمة الإنسان في مجمل التاريخ الإنساني، وهذا ليس له قانون، ومعيار (فيزيائي) أو في سياق الوسائل القادرة عن التعبير عنه، كي لا يكونوا مغردين خارج السرب..
    وانطلاقا من نظرته إلى نسبية التاريخ، فإن كل حقبة زمنية تحوز على قيمة مهيمنة من نوع ما، تلقي بظلالها على كل القيّم الأخرى، على سبيل المثال، فإن الجماعات البشرية المسكونة بفكرة «الخلود الأبدي»، ترى أن عظمة رمسيس الثاني الواردة في المخطوطات الهيروغليفية، تنطوي على (الحقيقة) المتمثلة في الخلود، هي أكبر من أي نصب أقيم له، هكذا يرينا التاريخ الجمال و(الحقيقة) الممثلة في الخلود، انهما قيمتان يعتريهما التغيير باستمرار، بين حقبة وأخرى، وذلك بسبب اختلاف المعايير المرجعية التي تقوم عليها كل ثقافة، وحساسيات الإبداع والفن الذي يدفع باتجاه الرؤية الصريحة في حقبة ما.. أو ثقافية ما..
    اليوم هل يمكن لفنان ما بعد الحداثة أن يقدم وبجهد يدوي، ما قدمه النحات المصري الفرعوني القديم.. وعلى ذات المنوال أن تطلب من بيتهوفن التوقف لتفسير كل حركة موسيقية.. لتفسيرها في سمفونياته على أساس عقلاني؟!
    بعد ثورة أكتوبر فإن المقاربة الاشتقاقية من جانب العلم ووظيفة التربية والتعليم، ينبغي أن ترتقي إلى مدّيات عالية، إن منهج لينين في التعليم والمعرفة يبدأ من التدريب والتشجيع على التفكير والبحث الذاتي، وليس عملية تلقين ببغائي، اطلاقاً من الراهن ثم الى التاريخ والماضي، والدفع إلى الكشف الخاص عن النشاط الذهني والتفكير الذاتي، وإن وقعوا بأخطاء فهم يصوبونها بأنفسهم على نحوٍ جماعي، بدلاً من حشو أدمغتهم بالتلقين الذي يتحول إلى معضلة أمام التفكير والتفكر..
    جرى هذا في سياق المعايير لإدخال الحداثة إلى روسيا وقد كانت مهمة شاقة، رأى لينين أن المطلوب هو خلق روح الإبتكار، ديناميكية العلم والثقافة، والتبادل المعرفي التلقائي والمباشر، بدلاً من «اليقينيات» الراسخة، والإجابات الجاهزة والمريحة، الذي يُنتج أدمغة محنطة، وببغاوات تثاقفية، وعدم الكف عن طرح الأسئلة..
    هنا انتقل لينين إلى «الواقعية الاشتراكية» في الأدب والإبداع بعد انتصار الثورة، وأدرك العديد من رفاق لينين البلاشفة، بأن الثورة فتحت لهم آفاقاً جديدة، منهم أناتولي لوناتشارسكي، رئيس المفوضية الشعبية للتعليم، حيث كانت تعمل ناديجدا كروبسكايا زوجة لينين أيضاً، وبفترة الحرب الأهلية افتقدت المطابع للأوراق، وكانت المفوضية الشعبية للتعليم تنشر قصائد ماياكوفسكي على حساب أنه أولوية، بدلاً من بيانات الحزب، والسبب أنها تحشد أكثر على المستوى الشعبي من البيان الخاص للحزب...
    وبدأت عملية التربية والتعليم، بدءاً من الحق في التفكير والاكتشاف والاختراع المبدعين، والحق في تشكيل الرأي والآراء الخاصة من خلال الابتكار والاختصاص وكشف الإمكانيات والرغبات، والكشف العلمي، وإن وقعت أخطاء تصحح تلقائياً من خلال التجربة التعليمية العملية وتراكمها، والعودة إلى مسارات جديدة، وتجريب طرائق غير مطروقة، هو ما ينتج نظاماً تعليمياً، وأجيالاً من صنوف العلماء تُفكر وتعلل وتبتكر، وتحصد ثمار الإيجابيات المجتمعة كلها.
    في هذه الإطلالة الموجزة، على قطب عظيم الإضاءة في الفكر والسياسة، وفي تاريخ الحركة العمالية كما في تاريخ الفلاحين في روسيا (العمال والفلاحين)، والتي أضيفت إلى الدراسات الماركسية، يتوضح تفاصيل مفاهيم الدولة في المدينة والريف، العمال وفقراء المدينة وعذابات العيش، والفلاحين الأقنان، والعوز، والاستغلال المدمر، والأوبئة والبؤس المهلك، التي أمامها الغنى المفرط، والقيصر السلطان وحواشيه من النبلاء، وكيف يتكامل الفكر والسياسة والأدب والإبداع، في حقل متكامل، هو الفكر والأدب والواقع الاجتماعي، إحدى المميزات الجوهرية للينين، وكيف يتصاعد الأدب في كشوفات الوعي الطبقي في حقب الاحترامات الكبرى والمنعطفات الحادة..
    عزاؤنا أن هذا المجتمع الموصوف بكل ما ورد، وبكل ما مرّ من حروب (أهلية بين الأخوة)، وتدخل خارجي للضواري المتوحشة وامبريالياتها، والحرب العالمية الثانية، فقد صعد بزمن قياسي قصير إلى الثنائية القطبية، الإضاءة الكاشفة المدهشة، والأجيال التي مرت بهذا التراث الاجتماعي بكل ما لها وما عليها، صنعت تنامي الدينامية اللازمة للنهوض، ميزة الأجيال الروسية، والذهنية الوقادة في العقل الاجتماعي الروسي، في دراساتها المتكاملة والتفصيلية للاتجاه المطلوب، لفهم المراحل التاريخية، كما لفهم تاريخ الأدب ودوره، ولفهم تطور الأفكار والفلسفة في التاريخ الروسي، وبناء الذهنية الجماعية مع أجيالها المتعاقبة.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    *هامش:ــــ «غوته الإصلاحي.. وبيتهوفن الثوري»:
    حول بيتهوفن (لودفيج فان بيتهوفن 1770 ــــــ 1827) الموسيقي الألماني الكبير والعبقري الذي أثرى الموسيقا الكلاسيكية بأعماله، انطلاقا من عالم الصمت والصمم، تشير بعض ما نشر عنه، أنه ارتبط بصداقة مع الشاعر الألماني الكبير غوته.
    ويروى بأنه في أحد الأيام، كانا يسيران معاً بطريق فرعي بالأرياف، ثم على ذات الطريق حاولت أن تقطع مجموعة من العربات الملكية التي تجرها الخيول الطريق الفرعي الضيق، نظر بيتهوفن خلفه فعرف أنها عربات ملكية، فطالب غوته بأن يسير معه حتى نهاية الطريق، أي لم يشأ التنحي جانباً لتمرَّ العربات، وقام بشد قبعته حتى أطراف عينيه، لكن غوته تنحى جانباً، وبقي بيتهوفن لوحده يسير في منتصف الطريق الضيق.
    فتحت امرأة النافذة، وهي الدوقة، ونظرت إلى انحناءة غوته ورفعه القبعة عن رأسه بالتحية، وسألته:ـــــ أليس هذا بيتهوفن؟ فأجابها.. وابتسمت..
    وبقيت عرباتها تسير خلفه وقد عقد يديه خلف ظهره، والقبعة مغموسة فوق رأسه حتى عينيه، إلى أن انتهى الطريق إلى منعطف واسع..، وعندما لحق به غوته، كان بيتهوفن غاضباً جداً من سلوكه..
    أما التعليقات في ذلك الزمن، فكانت «غوته الإصلاحي.. وبيتهوفن الثوري»..






    أبرز عناوين سودانيز اون لاين صباح اليوم الموافق 07 مايو 2017

    اخبار و بيانات

  • انطلاق فعاليات معرض الصناعات السودانية (صنع فى السودان) بارض المعارض ببري فى 21 مايو الجارى
  • والي الخرطوم يوجه بحل مشكلة الصرف الصحي بسوق أم درمان
  • ترتيبات لإدراج مطار الشهيد صبيرة ضمن المطارات العالمية
  • رئيس حزب الأمة الوطني، عبد الله علي مسار يحذر من تكوين حكومة موظفين همها المخصصات
  • السودان يحتل المرتبة الثانية بعد كينيا في تداول الأموال عبر الهواتف
  • برلماني: رئيس المجلس غير عادل في توزيع الفرص على النواب
  • وفد من (دينكا نقوك) يبحث الحصول على الرقم الوطني
  • أكدت أن الميرغني ضد التوريث قيادات بالاتحادي الأصل: المؤتمر العام مسؤولية رئيس الحزب فقط
  • بيان من رئيس حركة جيش تحرير السودان حول ضرورة مشاركة الاتحاد الأوروبي في عملية السلام في دار فور
  • ألجمعيَّة ألخيريَّة ألفرنسيَّة لِمساعدة أهالي جبال ألنوبه / دعوة لِمُلتَقى هام


اراء و مقالات

  • «براطِيل» بلّاص بقلم عبد الله الشيخ
  • من ظلم كمال عمر ؟..!! بقلم عبدالباقي الظافر
  • علم (تقيل)!! بقلم صلاح الدين عووضة
  • ماذا تفعل الجرَّافات المصرية في البحر الأحمر؟! بقلم الطيب مصطفى
  • وهذا يحدث باسمك ياشهر الصيام!! بقلم حيدر احمد خيرالله
  • تجربتي مع التمويل (3-3) بقلم د.أنور شمبال
  • مترجمة المباحث الامريكية التي وقعت في غرام الداعشيين بقلم محمد فضل علي .. كندا
  • ماشة تكشكش من تحت خلخال فوق زمام مدهش (للنساء فقط) بقلم عبير المجمر سويكت
  • لماذا نستورد الخضروات والفواكه من مصر وغيرها ونحن نغرق من فيضان النيل؟ بقلم كنان محمد الحسين
  • الخديعة السافرة ... ؟ !! - - بقلم هيثم الفضل
  • الزوندة لقتل الأسرى والمعتقلين وإفشال إضرابهم الحرية والكرامة "15" بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
  • ثورة فرنسية جديدة يقودها شاب يدعى إيمناويل ماكرو ! بقلم الكاتب الصحفى عثمان الطاهر المجمر طه

    المنبر العام

  • الله أكبر اليوم والى البحر الاحمر فى زيارة إلى حلايب
  • بنك السودان يتجه لإيقاف خدمة تحويل الرصيد عبر الموبايل الشهر المقبل
  • نجحوا في تجويع الشعب السوداني بامتياز ثم بدءوا في تتجويع مصر او كما قال
  • الجيش الكيزاني المرتزق سيئ السمعة عالميا
  • السودان يبدأ فعلياً في حرب "التجويع" على مصر
  • نفاق السودانيين .. الكل يعارض نظام الإنقاذ .. لكن لما يجي موسم التشكيل الوزاري يتكبوا زي الـ.....
  • السودان وإثيوبيا تتأهبان لصد هجوم مصري
  • مصر تعلن عدم الاعتراف بأي إجراء سوداني يمس سيادتها في حلايب
  • الصادق الهادي يقاضي مبارك الفاضل بسبب اسم الحزب
  • القبض على قيادية بالمؤتمر الوطني بتهمة التحايل في الفاشر
  • يا رئيس الجمهورية : هل يطاع لقصير هذا المرة رأي ؟!!!
  • الي سيف اليزل / تلفون الكوتش
  • الحبشية يا حبيبة ليييييييييييه (فديو)
  • لسان الوطني : انام ملء جفوني عن حقائبها ويسهر الشعبي جراها ويختصم
  • الاهل ب(كتم) ودارفور خاصة يزفون (طه عثمان) وعروسته (مها التيجاني) الى القفص الذهبي
  • اسماعيل الازهرى راعي جامعة الخرطوم ( اعظم فيلم وثائقي في السودان )
  • هل يقوى ود الباقة على الدواس ؟؟
  • حكومة عددها 2015 مسئول ويزيد (عجبي)
  • Renegade general Cirillo says ready to enter South Sudan's civil war
  • كيفية إختراق أي حساب في الواتس آب
  • ياالباكى على تائهة الحرم تعال اندهش معاى واجعر عديل كدى على تائهة جسر الجمرات وعجوز باب مكة بجدة
  • تانى ي الاستنارى التجارى ؟؟
  • بلقى مرادي مع المريود -
  • الجلابة
  • أبو حجار طريق اللواري القديم
  • من أينَ تأتُونَ؟
  • اللواء طبيب قائد السلاح الطبى بكوستى فى ذمة الله
  • النُّقطةُ المُتلاشيةُ في مُحِيطِكِ
  • لعناية الدكتورة حرم شداد.. لسنا مدينين للمصريين بشئ
  • استطلاع ... ما رأيكم في اداء ناهد شريف في ذئاب لا تأكل اللحم 1973
  • *تأجيل إعلان الحكومة بعد العيد !!*
  • خبير إقتصادي: توقع حظر كل المنتجات المصرية...؟ّ
  • في حادث مفجع بسنجة وفاة صديقي المهندس محمد احمد عبد الرحمن الشهير بH























  •                   


    [رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

    تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
    at FaceBook




    احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
    اراء حرة و مقالات
    Latest Posts in English Forum
    Articles and Views
    اخر المواضيع فى المنبر العام
    News and Press Releases
    اخبار و بيانات



    فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
    الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
    لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
    About Us
    Contact Us
    About Sudanese Online
    اخبار و بيانات
    اراء حرة و مقالات
    صور سودانيزاونلاين
    فيديوهات سودانيزاونلاين
    ويكيبيديا سودانيز اون لاين
    منتديات سودانيزاونلاين
    News and Press Releases
    Articles and Views
    SudaneseOnline Images
    Sudanese Online Videos
    Sudanese Online Wikipedia
    Sudanese Online Forums
    If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

    © 2014 SudaneseOnline.com

    Software Version 1.3.0 © 2N-com.de