شكراً للسيد رئيس الجمهورية، على هذه الكلمة الرئاسية البليغة إنشاءً والمؤثّرة كثيراً في مضامينها. بما ألقَت من رسائل برزت عناوينها واضحة جلية، بأن هناك برنامج اقتصادي إسعافي عاجل. يهدف لتلافي الخراب الاقتصادي الذي قد حصل، وقد لاتخلو سنواته من مَحلٍ أجَل؛ وشيءٍ من مَطَل.
هذا وقد بدا، أن أوضح ما في مضامين هذه الكلمة الرئاسية الرصينة، أن أولى وأهمّ آليات البرنامج الإسعافي الاقتصادي المزمع إجرائه، ستكون في تخفيض الإنفاق الحكومي. وإنّها لآلية مجرّبة في إحراز تقدم سريع في البرامج الحكومية الهادفة لحلّ معضلة كبيرة كالانهيار الاقتصادي الذي تشهده بلادنا وتنوء باثقاله. لكنّها مع ذلك، ما تزال بحمد الله تعالى، بلادٌ راكزة لم تتضعضع بعد إلى القاع، وذاك لَعمري عاملٌ أساسي. يتيح النهوض بعد العثرة والعلوة بعد الكبوة. بالتالي ربما سيكون للكلمة الرئاسية جميل أثرها وعُقبى حَمدِ قائلها.
ولكنّ الغرور الجائل في أفئدة المحلّلين الاقتصاديين والسياسيين أدسم، بل أكثر نهوضا، لا سيما وأن الحال في نظر الكثيرين قد مال وقاربَ إلى الزوال؛ بل إن أكثرهم تحدياً ليقولون: إن النظام لفي اضمحلال. وسيظل في أحرج ساعات البلبال، حتى لو ملأ أوعية شيخ البنوك السودانية وبقيه صحبه بالأموال. يتساءلون: أين بصيرة النظام في حُسن الإدارة والأشغال؟ وكيف قُدرته في مكافحة الذين في الفساد لهم استبسال.
كذلك تجد بعض المغرورين بالتغيير حتى إن كان بمعيار.. " كيفما اتّفق" .. وإنه لبئس المعايير، يُجادلون بأين عهود النظام في مصداقية الحوار الوطني؟ وماذا فعلت الهيئات السلطوية بعد دخول ممثّلي الأحزاب المشاركة؟ هل تغيّر النمط التحكّمي؟ هل حدث التحَوّل الشّوَري، أم ظلّت الأفكار تتباعد والأزمات تتصاعد والإرهاصات تتراعد. وبطبيعة الحال، فكلام المتحدّيين لابُد وأن يكون كثير، وأما كلام المغرورين من المتحدِّيين فهو أكثر وأشهر، وبالذات حينما يعجز أهل الحكومة عن الرّد، أو حينما يردّون بالغرائب والبدائع، ويغرَمون بالمُدهشات النّكرات، بل وأحياناً يخلعون رِداء الولاء ويستبدلونه بقميص الفتنة، ثم يجولون بالقول: السجنُ أحَبّ إليّ، لكنّهم ليسوا جادّين.
رأيتُ المتحدَّيين من سياسيين واقتصاديين، مقتنعين بصحة اتّباع خطة تخفيض الإنفاق الحكومي، لكنّهم يستدركون مستدرجين الناس! بأنّ خطة تخفيض الإنفاق الحكومي ليست كافية؛ وذلك لعددٍ من الأسباب. أولاها أنّ تقليل عدد الوزراء والوزارات المطروح، لن يكن له كبير مردود إيجابي، مالم يُضاف له تقليل كتير من الدستوريين في البرلمان، والأجهزة الأمنية، تخفيضاً يشمل أعدادهم الكبيرة، وعتادهم ومعداتهم المكلّفة خزينة السودان حَدّ الشظف. ثم إنه من الواجب على الرئاسة العمل على وقف ومنع بعض الدستوريين وكِبار النّافذين الولوج للعمل التجاري من منصّة الحكومة وباسمها ولكن لصالحهم الشخصي البحت.
ثاني أسبابهم التي تؤكّد بنظرهم عدم فعالية خطة تخفيض الإنفاق الحكومي، تتمثّل في ضرورة إرجاع ما اغتصبه كتير من الدستوريين الحاليين والسابقين و الحزبيين الحركيين من عقارات ومنقولات وقروض و مشتريات ومبيعات ومعاملات الدولة السودانية؛ ثم الالتفات إلى هذا البزنس الجاري "التجارة المتنوّعة" في الاستثمارات الطفيلية التي تمكّن للبعض من أن يُــفــَـــعـــِّـــل 'محويته' - رِباط فخذَي البقرة للحلب - ويتيح لبعض بني الذوات حلب 'ضروع' الاقتصاد السوداني، وعلى عينك يا حكومة، لا يترُك للجنى إلّا الضّنى.
أما ثالث الأسباب الواجب ملافاتها، في نظر كثيرٍ من المتحدّيّين، هو أن تلتفت الدولة الرصينة لما حاكه أو خاطه ثم "جاطَه" بعض النافذين من الدستوريين السابقين، الذين كانوا يديرون اقتصاد الدولة بمناهج فاشلة وقاتلة لموارد البلد. أترفتهم هم شخصيا، ليس غيرهم! وأثرتهم حـَدّ الدّشاء، ثم تركت الفقر والمسغبة في بنكنا المركزي وكل البنوك التجارية ومشاريعنا الاقتصادية التنموية. والأهم، التحقيق معهم فرداً فردا، وسؤالهم منكرياً: لماذا فشلوا هذا الفشل الكبير؟ وأين دَكّنوا المحافير ..؟! أعني الحفّارات القومية تشقّ الأرض نستنفع بتعميرها حتى تسعنا جميعا.
رابع أسباب المتحدّيين، أن كلمة الرئيس تقول: إن هذا البرنامج متّفق عليه مع أحزاب الحوار، وهذا قول رئاسي لا نملك أن نُشَكّك فيه، ولكن بدون أن نسمعه من الأحزاب المشاركة (ولعلها تنتظر كعكة التوزير فقط واللاغير..!) فهذا لا يجعلنا نصدّقه جُملةً وتفصيلا. وكيف نصدّق وهم حزبيّون حتى النّخاع؟
نعم، فالكلمة الرئاسية قد مسّت غرورنا وكثيرا، فاستبشرنا بها وهي تُهلل بالقيام على إصلاح الخدمة المدنية السودانية مما حاق بها، لكنه استبشار يكمن في أحشائه الكثير من المُعتَرضات. التي ربما أحالته إلى استبشار منقوص، ومن نافلة القول، إنّ استبشاراً منقوص لهو أخيَر من استئاس كامل الدسم! وبالتالي، فمن الممكن أن تصبح الكلمة رِباطاً للتجميع والتحشيد فدىً للوطن المرؤوم؛ كما لا يُستَبعَد أن تضحى كلمة الأخ الرئيس، معولاً لهدم ما تراءى من أملٍ للسودان أخضرا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة