عرض كتاب الوجود بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاذ خالد الحاج عبدالمحمود الحلقة الثامنة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 11:48 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-05-2018, 00:34 AM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عرض كتاب الوجود بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاذ خالد الحاج عبدالمحمود الحلقة الثامنة

    00:34 AM October, 04 2018

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
    الوجود في الحضارة الغربية
    الفصل الخامس
    وحدة الوجود الفلسفية ومطلق هيجل
    يقول مراد وهبة: (العقل ينزع بطبيعته نحو توحيد المعرفة الإنسانية. وهو من أجل ذلك يتجول في كل مجال من مجالات المعرفة، ثم هو يضمها جميعاً ويربط فيما بينها في وحدة عضوية..).. (7 ص165).. ويقول: (إن العقل ليس في إمكانه أن يفهم دون أن يوحد.. فهو لا يكتفي بالوقوف عند المجموعات التجريبية، وإنما هو يحاول أن يجعلها تتقابل في نقطة واحدة. وكل ما هنالك من فارق بين فيلسوف وآخر يكمن في رؤيته لهذه الوحدة. بيد أن هذه الوحدة لا يمكن فهمها إلا مقابل الكثرة، وإذا كانت الوحدة ترمز إلى المطلق، والكثرة إلى النسبي فمعنى ذلك أن المطلق لا يمكن فهمه إلا في مقابل النسبي).. (7 ص 165).. ويقول: (قصة الفلسفة هي قصة العلاقة الجدلية بين المطلق والنسبي، ومفادها أن الانسان يبحث عن المطلق دون أن يقتنصه).. (7ص 165)..
    من المؤكد أن الإنسان يبحث عن المطلق، وسيظل يبحث عنه.. كما أنه من المؤكد أن وسيلة الانسان لمعرفة المطلق، وخلق العلاقة معه، هي العقل.. كما أنه من المؤكد أيضاً، أن العقل _بحكم طبيعته_ يعجز تماماً، عن معرفة المطلق، في إطلاقه، وذلك لسبب أساسي هو أن العقل بحكم طبيعته يستحيل عليه أن يدرك إلا في إطار التعدد، وفي قمته الثنائية.. إذن كيف يمكن للعقل أن يدرك المطلق؟! هذا سؤال علينا أن نصطحبه معنا، ونحن نتابع تفاصيل الكتاب.
    ما تقدم، يجعلنا نهتم اهتماما خاصاً بهيغل لأنه أكبر من تحدث عن المطلق، من الفلاسفة الغربيين.. ولكنه ليس الوحيد، في هذا الصدد، ولذلك سنتعرض لبعض الذين تحدثوا عن المطلق، أو عن وحدة الوجود مع تركيز على هيجل.
    يقول كانط، من كتابه (نقد العقل الخالص): (إن العقل محكوم عليه، في جزء من معرفته، بمواجهة مسائل ليس في إمكانه تجنبها.. وهذه المسائل معروضة عليه بحكم طبيعته، ولكنه عاجز عن الإجابة عنها.. وهذه المسائل المطروحة بلا جواب تدور حول مفهوم المطلق سواء أطلقنا عليه لفظ الله أو الدولة..).. (7ص 167).. وقصة الفلسفة في رأي كانط هي قصة هذا العجز.
    يرى بعض الفلاسفة الغربيين، أن في البداية كان هنالك المطلق الأسطوري، ثم تلاه المطلق الطبيعي عند الفلاسفة اليونان في بحثهم عن أصل الأشياء .. فقد رأى طاليس مثلاً، أن الماء أصل الأشياء، وذهب أنكمندريس أن الأصل هو مادة لا متناهية، عنها تنشأ جميع السموات والعوالم.
    وعند الغربيين، كان كانط أول من أثار مقولة المطلق في الفلسفة الحديثة.. أما هيجل فهو أول من وضع مقولة المطلق، كمقولة محورية لفلسفته.
    المادية والإطلاق:
    زعم بعض الفلاسفة الماديين، أنه إذا كان هنالك مطلق، فالمادة هي المطلق!! وهذا القول على قدر من المغالطة، والمفارقة، بحيث لا يستحق الوقوف عنده.. فالمادة بداهةً محدودة، وعاجزة.. المهم، أن هؤلاء الفلاسفة، يعتبرون أن المادة، هي أصل الوجود، وأنه لا وجود لغير المادة.. فالطبيعة الأساسية للوجود، عندهم ، هي أنه وجود مادي.. وقد سبق لنا أن ناقشنا هذه القضية في كتابنا (المعرفة وطبيعة الوجود) .. ونحن هنا نرجع إلى بعض ما أوردناه، في ذلك الكتاب.
    لقد وجد موضوع المادية اعتباراً كبيراً، من الفكر الفلسفي.. وذلك لأن الإدراك الحسي هو بداية الإدراك وأساسه.. ولما كان الإدراك الحسي لا يعطي سوى المادة، فقد قام في أخلاد الماديين ألا وجود لغير المادة وبحكم أن الإطار المرجعي عندهم هو العلمانية، التي تعتمد بصورة كلية على العقل المجرد، فقد أصبحت المادية هي الأساس في الفكر الغربي وفي الحياة الغربية.. وأدت انتصارات العلم المادي التجريبي ومنهجه إلى توكيد المادية .. والغربيون ، ليسوا على مستوى واحد من حيث هيمنة المادية، ولكن المادية، بصورة عامة، هي العنصر المشترك بينهم، والسمة الأساسية لحضارتهم.
    من المؤكد أن المادية، هي العنصر الغالب في تصور الحضارة الغربية للوجود.. ولا يقدح في تقرير هذه الحقيقة أن الاكتشافات العلمية الحديثة تدحض المادية، بصورة حاسمة.. فهذه الحقائق العلمية الجديدة، حتى الآن، ليس لها دور هام في تشكيل تصورات عامة الناس.
    على الرغم من أن نيوتن ليس مادياً في عقيدته، إلا أن الفلسفة المادية وجدت سنداً عظيماً في أفكاره ونظرياته العلمية.. وحسب هذه الأفكار، مقومات الكون تقوم على ثلاث حقائق هي: المادة والزمان والمكان، والمادة عند نيوتن مكونة من (جسيمات كبيرة، وصلبة، ومتحركة، وغير قابلة للاختراق، وذات أحجام مختلفة).. فخواص المادة، عند نيوتن، هي: (التمدد والصلابة واللا اختراقية، والقصور الذاتي).. والذرة هي أصغر جسيم يمكن تصوره.. وخواص الذرات ثابتة لا تتغير.. أما الزمان والمكان فهما، في تصوره حقيقتان مطلقتان.. فهو يقول، مثلاً: (إن المكان المطلق بطبيعته ذاتها ودون علاقة بشيء خارج عنه، يظل متماثلاً وغير متحرك).. ويقول: (إن الزمان المطلق والصحيح والرياضي، بذاته، وبحكم طبيعته، يتدفق باطراد من غير أن تكون له علاقة بأي شيء خارجه).. وبالطبع هذه عقائد، ثبت علمياً خطأها.. ويقول جاليلو، عن كلية المادة: (كلما تصورت أي جسم مادي أو عيني اشعر تواً بالحاجة إلى تخيله شيئاً له حدود، وله هذا الشكل أو ذاك، وأنه كبير أو صغير، متحرك أو ساكن، وأنه ملامس أو غير ملامس لجسم آخر، وأنه وحيد عددياً أو هو قليل الوجود أو كثير، فأنا لا أستطيع أن افصل مثل هذا الجسم عن هذه الظروف، مهما أطلقت لخيالي العنان، وهذا يعني في عبارة واحدة، أن المادة تتمثل في مقادير وقيم رياضية قابلة للقياس)..
    ولم يكن للباحث العلمي، في نظام نيوتن، من دور يتجاوز دور المشاهد الحيادي.. فقد كان يفترض أن الكون المادي وجميع خواص المادة يمكن فهمها دون إقحام العقل في النظام.
    لقد كتب روجيه غارودي، قبل إسلامه، وعندما كان مفكراًً مادياً كتابه (النظرية المادية في المعرفة)، ومن أقواله في هذا الكتاب: (إن المشكلة الأساسية لكل فلسفة هي مشكلة بدئها.. لقد ارتبطنا بواقع ذي أوجه متعددة: فهنالك الطبيعة، وحوادثها، وصيرورتها، ثم هنالك أفكارنا، وعلاقاتنا الاجتماعية، والتاريخية، ونحن نطمح إلى الوحدة.. إن الكلمة الأخيرة لفلسفتنا مرتبطة بالأولى.. من أين نبدأ؟! بالأشياء أم أن الطبيعة هي العنصر ذو المقام الأول الذي سيكون الفكر ازدهاره، الأسمى، في نهاية تطوره الطويل).. يقرر غارودي هنا حقيقة أساسية، وهي أنه علينا أن ننطلق مما هو جوهري بالنسبة لنا.. كما ينبغي أن يشكل ما هو جوهري، حضوراً دائماً في البدايات وفي النهايات وفيما بين ذلك، ومن هنا تأتي جوهريته.. وبما أن غارودي عندما كتب كتابه المذكور، كان مادياً، فإن المادية تشكل ما هو جوهري بالنسبة له.. فالمادية عنده هي حقيقة الوجود، وجوهره.. وهذا ينطبق على كل فكر مادي، وينسحب على الحياة التي تقوم على أساس هذا الفكر.. فالمادة هي جوهر الوجود، وحقيقته، في الفكر المادي.. وفي المقابل جوهر الوجود وحقيقته في الفكر الديني الذي نتحدث عنه، هي الله.. ونحن، على الرغم من تعريفنا للدين، يشمل العلمانية، والأديان المختلفة، توحيدية، وغير توحيدية، إلا أننا نحب هنا، أن نجعل حديثنا عن الدين، قاصراً على أديان التوحيد، دون سواها، وذلك فقط من أجل التمييز.
    بسبب النجاح الكبير الذي لقيه نظام نيوتن ومن تبعه من العلماء في العديد من المجالات، فقد تولدت في النفوس رغبة في توسيع نطاق المنهج العلمي، بحيث يشمل جميع حقول المعرفة.. كما أدى النجاح الكبير في الكشف عن أسرار جزء كبير من العالم الطبيعي، التي تم كشفها على أساس من افتراض وجود المادة وحدها، أدى هذا النجاح، تدريجياً، إلى دفع بعض العلماء، ودارسي العلم، إلى اعتبار أن المادية هي جزء من الأسلوب العلمي، بمعنى عام!! الأمر الذي أدى إلى جعل الباحث العلمي يمضي في حججه العلمية، على أساس افتراض كون المادة وحدها، هي الحقيقة، أو أنها _على الأقل_ كل ما يمكن معرفته بطريقة علمية .. يقول فيرنر عن هذا الواقع العلمي، الذي كان سائداً إلى وقت قريب: (كان جل العلماء الطبيعيين، إلى عهد غير بعيد، ينكرون بشدة وجود العقل أو الروح، على أن النجاح الباهر الذي حققه علم الفيزياء الميكانيكية، والفيزياء بصورة أعم، وكذلك علم الكيمياء، قد حجب الواقع الحالي، ذلك الذي يقول: إن الأفكار والرغبات والعواطف ليست من صنع المادة.. وكان مقبولاً عند العلماء الطبيعيين على نحو يشابه الإجماع، أن لا شيء هناك سوى المادة).. ويقول عن مادية القرن التاسع عشر: (لقد استحدث القرن التاسع عشر إطارا بالغ الجمود للعلم الطبيعي..لم يكن يشكل إطارا للعلم وحده، بل لوجهة نظر جماهير غفيرة من الناس، وفيه كانت المادة هي الحقيقة الأولية)..
    فالمادية إذن، لم تقتصر على العلوم الطبيعية، إنما تغلغلت في فكر، وحياة، عامة الناس، كما شملت الفلسفة.. وقد وجدت الفلسفة المادية من العلوم الطبيعية، ومنهجها، أكبر سند لها، فزعمت أنها هي وحدها التي تعرف طبيعة الوجود، وتملك الحقيقة، وأن لا حقيقة ولا وجود، خارج المادة.. والفكر نفسه، ما هو إلا تابع للمادة.
    الماديون بحكم طبيعة فلسفتهم، تعدديون، ولذلك هم النقيض للفكر الديني التوحيدي.. ونحن قد تناولنا التعددية في الفصل الثالث.. ونحب أن نحصر أنفسنا في هذا الفصل في الاتجاهات الفلسفية التي تزعم لنفسها أنها وحدوية.
    يعتبر بندكت اسبينوزا (1632م ـ 1677م)، أشهر من عرف بوحدة الوجود الفلسفية.. فهو بصورة عامة يعتبر الإله هو مجموع الطبيعة؟!.. يقول اسبينوزا: (إنني أعتنق رأياً عن الإله والطبيعة يختلف كل الاختلاف عن الرأي الذي يدافع عنه المسيحيون المحدثون، فأنا أعتقد أن الإله هو العلة الباطنة للأشياء جميعاً، ولكني لا أعتقد أنه العلة المتعدية.. وأنا أقول أن كثيرا من الصفات التي يرون، ويرى جميع الآخرين الذين أعرفهم على الأقل، أنها من صفات الإله، أي أنها أشياء مخلوقة، ومن ناحية أخرى، فإن الأشياء التي يرون أنها مخلوقة _بسبب تحيزاتهم_ أرى أنها صفات الإله، ولكنهم يسيئون فهمها، وكذلك لا أستطيع أن أفصل الإله عن الطبيعة على الإطلاق، وهذا ما فعله كل من أعرفهم).. (4 ص 111).. ويرى اسبينوزا أن أكبر استنباط فلسفي ينبغي أن يبدأ بفكرة أكثر الكائنات كمالاً.. فلابد أن يكون التعريف الحقيقي لماهية الله هو نقطة البداية الوحيدة في الفلسفة.. ويرى اسبينوزا، أن العقل والإرادة ليستا من صفات الله!! فهو يرد الأفعال إلى (مجموعات الحالات التي تنبثق عن القدرة المطلقة للطبيعة الإلهية وضرورتها، لا عن فعل حر من أفعال الإرادة)..(4 ص 118)..
    المطلق الهيجلي:
    بالطبع ليس من الضروري أن نتابع الفلسفات التي توحد بين الله والطبيعة، فما يعنينا منها نظرتها الأساسية للوجود، وهذه، يكفي في بيانها، القول الموجز، الذي تناولنا فيه وحدة الوجود عند اسبينوزا.
    وهيجل هو أهم، وأشهر، من تناول قضية المطلق من منظور فلسفي.. وعملياً، هو أكبر من تأثر به الفلاسفة الغربيون، من المؤيدين له، والمعارضين له، والآخذين بجوانب من فلسفته، مع ترك جوانب أخرى.. وهيجل، عندما ننظر للألفاظ والتعابير التي يستخدمها، يبدو وكأنه، أقرب الفلاسفة للتصور الديني للمطلق.. ولكن بقليل من التدقيق في أفكاره يتضح أنه بعيد كل البعد، عن هذا التصور.. ومشكلة فلسفة هيجل أنها مشحونة بالتعقيدات والغموض، وهذا أمر يعترف به معظم دارسيه، إن لم يكن كلهم.. ونحن هنا، إنما يعنينا من فلسفته، ما يرتبط بالوجود، خصوصاً قضية المطلق.
    تعتبر نظرية (المطلق بوصفه روحاً)، أساس مذهب هيجل الفلسفي.. وقد كان هيجل (لا يتوانى _في كل موضع من مؤلفاته_ عن إقامة التفرقة الواضحة بين روحه المطلقة وإله مذاهب الألوهية الديني)..(4 ص 285).. وأهم اختلاف، بين مطلق هيجل، والله، في الأديان، الكتابية بالذات، هو أن هيجل يرى (أن أي موقف يسلم بأن الله والإنسان كائنان متمايزان بصورة لا رجعة فيها، ومهما يكن اتحادهما وشيكاً، وما يحتمه الألوهي على أنه التميز الصحيح المطلوب للاتحاد الشخصي بين الله والإنسان، يحكم عليه بمعيار هذه الواحدية للحياة اللامتناهية، بأنه علاقة السيد بالعبد، وأنه انفصال إنساني)..(4 ص 292).. فعند هيجل، وجود تمايز بين الله والإنسان، فيه حط من قيمة الانسان!! وموقف هيجل من كون الله (ذات)، إنما هو موقف مضطرب، فهو في بعض الحالات يتحدث وكأنه يعتبره ذات.. ولكن الغالب، أنه لا يعتبره ذاتاً، وهذا ما ينسجم مع مجمل مذهبه.. فهو مثلاً يقول: (إن للروح المطلقة سمتان رئيسيتان: فهي جوهرية، وهي ذات أو أنا)..(4 ص 299).. ويرى بعض المفكرين، أن هيجل لجأ إلى اعتبار أن المطلق ذاتاً أو شخصاً، خوفاً من النظر إلى هذا المطلق بوصفه شيئاً ميتاً أو ساكناً.. وتصور هيجل لهذه الذات لا يختلف كثيراً، عن وحدة الوجود عند اسبينوزا.. وهيجل يرى أن المطلق: (ليس ذاتاً جزئية أو شخصاً، بل هو الكل الشامل العين "الشخصية الخالصة"، الذي يضم داخل ذاته كل أحوال الوجود الفردي، وأوجه الحقيقة الكلية جميعاً)..(4 ص 299).. فالروح المطلقة عند هيجل توصف بأنها ذات أو أنا، لإبراز أولوية العقل والوعي المتأمل على عالم الموضوعات بأسره، وما هذه الموضوعات إلا مراحل من المطلق في صورته الآخرية أو الخارجية عن امتلاكه الواعي لذاته..(4 ص299).. مجرد وجود صورة داخلية، وأخرى خارجية، أمر كافي للتدليل على الاختلاف الأساسي، بين مطلق هيجل، والله في الأديان الكتابية، رغم عبارات هيجل، التي توهم بأن هنالك شبه كبير بين الاثنين.. ومن أوضح أقوال هيجل، التي توهم بأن تصوره للمطلق يشبه الله في الأديان الكتابية، قوله الذي أورده ويليام جيمس وجاء فيه: (سيطرت على هيجل فكرة مفادها أن (الحقيقة) لا يمكن نقدها، وتكون ملزمة لكل فرد، ويقينية في ذاتها، وغير قابلة للقسمة، وتتصف بالأبدية والموضوعية والضرورة، ويجب أن ينتهي إليها كل فكر جزئي باعتبارها متممة له ومحققة لكماله.. ويمثل هذا المثل الأعلى الثابت واليقيني مسلمة لا يمكن نقدها وغير قابلة للشك وضرورية لكل عملية عقلية في الفلسفة أو كل عملية تعقيل فلسفية، يقول أحد الكتاب المعاصرين في أكسفورد "لم أشك إطلاقا في أن الحقيقة كلية، وواحدة، ولا زمانية، ومضمون مفرد، واضح، واحد، كلي، كامل"..)..(8 ص63).. أورد جيمس هذه العبارات في كتابه (عالم متعدد)، في إطار عرضه للفلسفات (الواحدية)، التي يراها هو _كداعية تعددي_ خاطئة.. فعبارات هيجل المذكورة _مع بعض التحفظ_ قريبة للتوحيد الديني، ولكن عندما تقرأها في إطارها _المتمثل في نظرية هيجل، عن المطلق_ تجد أنها بعيدة كل البعد، عن مفهوم التوحيد الديني.. ومطلق هيجل، فعل توليفي act of Synthesis لتوحيد الكمال المطلق مع العملية الزمانية، في بناء واحد.. وقانون المنطق الجدلي (الديالكتيك) هو نفسه يحكم المطلق، بالصورة التي تجعل الروح المطلقة، قابلة للتطور.. وتطور المطلق يتم من خلال حياته، فهو (يحيا كما تحيا عمليات الوجود المتناهي، وتبدأ حركته الحيوية من المقولات المنطقية، إلى الأشياء في الطبيعة، ثم يجتاز التاريخ الإنساني والتأمل العالمي حتى يصل إلى التحقق الكامل والفكر الخالص)..(4 ص 302).. فمجرد مفهوم التطور هذا، في حق المطلق، يجعله، ناقصاً، ومحدوداً بالضرورة.. فالذي يتطور، إنما يتطور من نقص طلباً لما هو أكمل منه، والمطلق الحقيقي، لا توجد حالة هي أكمل منه يطلبها!! يعرف هيجل العلم الفلسفي بأنه: الروح في معرفتها بنفسها تأملياً بوصفها روحاً من خلال تطورها!!
    يقول جيمس كولينز، عن علاقة مطلق هيجل بالله: (يتعرض هيجل لسوء فهم _بوجه خاص_ حين يشرع في الإشارة إلى الله في مؤلفاته المذهبية الكبرى، إشارة تنطوي على التحبيذ، وهو حين يفعل ذلك، لا يسحب نقده الأصلي لإله مذاهب الألوهية، أو هدفه في استيعاب الله داخل المطلق.. كما أنه لا يصطنع لغة المذهب الألوهي بغية التشويش أو تمييع العقول المحافظة في عصره.. وإنما تلك الإشارات المحبذة على ثقة في من يخلع الإله عن عرشه دون نفيه تماماً من الفلسفة.. وهذا المنهج وضع تصور الله في مرحلة ثانوية داخل ديالكتيك الزوج المطلق في جملته..).. (4 ص 305).
    (الله عند هيجل ما هو إلا ظل للكل الروحي.. وجوهرية الروح المطلقة معناها أنها تحتفظ بطبيعتها، وهويتها خلال كل مراحلها المتغيرة وتغيراتها).. (4 ص 299).. فهي متغيرة، ولكنها خلال تغيراتها، تحتفظ بطبيعتها وهويتها، وهذا في الفكر الديني، ينطبق على الانسان، وليس على ذات الله.
    خلاصة الأمر أن مطلق هيجل، لا يتحدث عن ثابت وجودي وإنما يتحدث عن إطلاق صيرورة.
    المطلق والعقل:
    رأينا أن الفلسفة، ترى أن هنالك إشكالية، لا يمكن تجاوزها، في علاقة العقل بالمطلق.. فالعقل بطبيعته محدود، ولا يمكن له إلا أن يتعامل مع محدود، بحكم طبيعته.. أما هيجل، فيؤمن بكفاية العقل، حتى في التعامل مع المطلق، وهو يرى أنه: (من التناقض أن نعتقد في آن واحد باستقلال العقل، وبحاجتنا إلى إيمان أخلاقي مستقل، لكائن يقوم فيما وراء العقل والحرية)..(4 ص 298).. وليتفادى هو، هذا الإشكال الأساسي (حصر العقل المتناهي داخل العقل اللامتناهي، وأدمج النظر الإنساني في النظر الإلهي.. ووكد كفاية العقل الإنساني بعد أن مزجه بالعقل اللامتناهي).. (4 ص 198).. (ودليل هيجل على أن العقل لا متناه هو أنه يستطيع تأمل الحدود أو حواجز الذهن، وأن يدركها بما هي كذلك، وعلى هذا النحو يتجاوزها).. (4 ص 295).. وقد ذهب هيجل إلى التفريق بين العقل والذهن، فعنده الذهن وجهاً وظيفياً من أوجه العقل (الذهن ذلك الجانب من العقل الذي ينظر إلى كل شيء في حدود التقابلات الحادة والحدود المتناهية، إنه تلك المرحلة من العقل التي تضفي التناهي على كل شيء.. وذلك التمييز الظاهري الحاد بين المتناهي واللامتناهي هو الذي يضفيه الذهن، ومن ثم فهو ليس حاجزاً انطلوجياً، بل حاجزاً ذهنياً مؤقتاً..).. (أما العقل فهو الذي يمنحنا معرفة المطلق، وكذلك معرفة الذاتية الإنسانية.. ويدرك العقل في عمليته التأملية حدود الذهن المتناهي، ويتجاوزها.. وهو يتغلب على ذلك الحاجز الموقوت بين العقل اللامتناهي والعقل المتناهي، مدركاً أن هذا الأخير مجرد مرحلة وشكل داخل حياة الأول.. وما أن نقبض على حياة العقل اللامتناهي داخل نفوسنا، حتى نملك حدساً عقلياً للوجود _في ذاته الأصيل الوحيد..)..(4 ص 295).. واضحٌ جداً، الاضطراب الشديد، في تصور هيجل للمطلق، واللامتناهي.. بل إن كلمات: مطلق ولا متناهي عند هيجل، مجرد كلمات، لا علاقة لها بالدلالة على الإطلاق.. والعقل الإنساني، هذا، اللامتناهي، ليس له وجود في الواقع الفعلي، وإنما هو افتراض يكذبه الواقع بصورة بديهية وحاسمة.. فالعقل الإنساني، في أي مستوى من مستوياته، يستحيل أن يتجاوز المحدودية، مهما دق.. كل الإشكالية، في فلسفة المطلق عند هيجل، تكمن في تصوره للإطلاق، كصيرورة، أي حركة من المحدود إلى المطلق.
    بصورة مبدئية، عامة ونهائية، الفلسفة لا يمكن أن تتعامل مع المطلق، في إطلاقه.. وذلك لأنها تعتمد على العقل المجرد وحده، اعتمادا كلياً، والعقل بطبيعته، لا يمكن أن يتعامل إلا مع المحدود والمتعدد، وهذا هو المنطلق الأساسي، لنقد وليم جيمس والبراغماتيين لهيغل.. وإشكالية العلاقة بين العقل والمطلق، وطريقة معاملة هيجل لها، هي التي جعلت بعض نقاده، يصفون فلسفته، بأنها أدت إلى تحطيم يقينات العالم المتناهي، بدلاً من تزويدها بأساس مطلق.

    4/10/18م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de