عرض كتاب الوجود بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاذ خالد الحاج عبدالمحمود الحلقة الثالثة عشر

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 10:01 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-17-2018, 03:43 PM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عرض كتاب الوجود بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاذ خالد الحاج عبدالمحمود الحلقة الثالثة عشر

    03:43 PM October, 17 2018

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
    الوجود في الإسلام
    الفصل الثالث
    وحدة الفاعل
    لقد رأينا أن الله، عند من يؤمنون به في الغرب، أصبح إلها بلا فاعلية، وحلت مكانه القوانين الطبيعية في تسيير شئون العالم!! يقول والتر استيس: (كان الله هو العلة الأولى، للعالم، لكنه بعد أن خلقه، تولى القانون الطبيعي، الذي كان قد خلقه أيضاً، مهمة تسيير العالم، فلم يعد الله يفعل شيئاً بعد خلق الكون، بل ترك لقوانين الحركة وقانون الجاذبية عمل كل شيء.. إن الله يشبه صانع الساعة الذي صنع الساعة ذات مرة وملأها، ثم تركها تعمل وفق آلية داخلية..)..(5 ص 106).. ويقول عن سبب اعتقاد الغربيين الذين يؤمنون بالله، في أن الله لا يتدخل في أفعالهم وفي الأحداث الفعلية التي تقع في حياتهم اليومية، يقول: (فلماذا نجدهم من ناحية يؤيدون الإيمان التقليدي في وجود الله، نراهم من ناحية أخرى يرون أنه لا علاقة له بالأحداث الفعلية التي تقع في حياتهم اليومية، وأنها كلها يمكن تفسيرها تفسيراً تاماً عن طريق "الأسباب الطبيعية" _بما في ذلك بالطبع أفعالهم الخاصة؟ إن الإيمان بأن جميع الأحداث ترجع إلى الأسباب الطبيعية، وأن الله لا علاقة له بها _سواء اعترفنا بذلك أم لم نعترف وأنكرناه بلساننا_ هو ببساطة جزء مما يسلم به العقل الحديث، فهو جزء من الصورة المتخيلة عن العالم، وجزء من التراث الذي ندين به للعلم في القرن السابع عشر..).. (5 ص 108)..
    على العكس من هذا التصور يجيء تصور الإسلام: ففي الإسلام، الله هو صاحب الفاعلية المطلقة في الوجود، فهو فاعل كل شيء، وفاعليته تعالى، هي فاعلية دائمة، ولا شيء سواه يمكن أن يفعل من دونه.. وهذا التصور، هو التصور الأولي والأساسي الذي يكون به إيمان كل مؤمن في الإسلام، فهو يقوم على شهادة التوحيد الأساسية (لا إله إلا الله)، التي لا يكون من دونها دخول في ملة الإسلام.
    وحدة الوجود التي تحدثنا عنها، تقوم عليها وحدة الفاعل.. فلا يمكن أن يكون الوجود، في حقيقته، واحداً، ثم يكون فيه أكثر من فاعل!! فكما أنه لا موجود في (الحقيقة) إلا الله، كذلك لا فاعل في (الحقيقة) إلا الله.. ونسبة أي فعل، لأي فاعل غير الله، هي مجرد وهم عقول.. وفي السلوك الديني، وحدة الفاعل هذه، هي الحقيقة الأساسية، وهي أصل التوحيد وقاعدته التي منها ينطلق إلى المستويات الأخرى.. وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) جاء بها جميع الأنبياء، وفي ذلك يقول المعصوم: (خير ما جئت به أنا، والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله).. وهي تعني أن لا فاعل لكبير الأشياء، ولا صغيرها إلا الله.. هي تعني أن الإله واحد، وهو الله.. والإله هو تنزل الله إلى مرتبة الفعل.. فالتنزلات ثلاثة كما أشرنا: تنزل إلى مرتبة الاسم _الله_ والى مرتبة الصفة _الأحد_ والى مرتبة الفعل _الواحد_، فالواحد دائماً هي صفة الإله، وهي حيثما وردت صفة لله، فهي تعني الله في تنزله إلى مرتبة الفعل، وذلك مثل قوله تعالى: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) أو (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)..
    (..ووصف الله بالواحدية هو ما عليه الأمر في سائر القرآن، ومنه قوله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا)، أو قوله: (إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ).. وقوله: (وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).. والناس، في عموم أحوالهم لم ينكروا الله، وإنما أنكروا الإله.. يعني أنكروا أن يكون الله هو الفاعل لكل الأشياء، صغيرها وكبيرها.. فعامة الناس يعترفون بأن الأفعال الكبيرة، فعلها الله، مثل اعتراف الغربيين بأن الله خلق العالم _بالطبع هذا بالنسبة للمؤمنين منهم.. أما الأفعال الصغيرة، والتي لهم فيها (وهم) مشاركة، فهم ينسبونها للمخلوقات _قوانين الطبيعة والإرادة البشرية_ ويذهلون عن الله.. يقول تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ* اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ).. فالأعمال الكبيرة، لعظمها وجلالها، لا يقع لهم فيها وهم مشاركة، إذ عجزهم وعجز المخلوقات الأخرى عن الإتيان بمثلها، عجز واضح.. فالمشكلة في الأفعال الصغيرة، التي لهم فيها مشاركة، والتي يشعرون أنهم أصحاب إرادة حرة في القيام بها، دون حاجة لله.
    وأمر وحدة الفاعل هذا، هو أمر الإسلام.. فالإسلام يعني الاستسلام لله.. وفي الحقيقة الوجود كله مسلم لله، يقول تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)!!
    فالوجود كله مسلم لله، خاضع لإرادته، كان، ولا يزال، ولن ينفك.. ولكن الوجود دون الانسان، غير واع بإسلامه هذا، فهو مسلم كرهاً.. وبدخول الإنسان، ودخول العقل في المسرح، جدّت مسألة أساسية، هي ظهور الإرادة الإنسانية، فأصبح الإنسان يتوهم أنه صاحب إرادة، وفاعلية، مستقلة عن الله.. وبذلك أصبحت هنالك إرادتان: الإرادة الإلهية، والإرادة الإنسانية.. فظهور العقل البشري، هو نقطة التحول الأساسية في الوجود.. بظهور العقل أصبح هنالك الوجود، والحقيقة، كما هما في الواقع.. وهنالك الوجود، والحقيقة كما يظهران للعقل.. وهذا الأخير، نطلق عليه في المصطلح الإسلامي (الشريعة)، أما الأول فنطلق عليه مصطلح (الحقيقة).. فالحقيقة في الإسلام، هي مقتضى التوحيد، وهي ما عليه الأمر في الواقع الفعلي.. أما الشريعة، فهي مقتضى اعتبارات العقل، ولذلك هي تقوم على الظاهر، كما يبدو للعقل والحواس، كما تقوم على اعتبار الإرادة الإنسانية.. وهدف الشريعة، بهذا المعنى الاصطلاحي، هو اعتماد وهم العقول، ووهم الحواس، بكل ما فيه من زيف، ريثما يتم التخلص من الزيف والأوهام.. فاعتماد الظاهر، أمر ضروري جداً، فبرغم ما يقوم عليه الظاهر من أوهام ـ أوهام العقول والحواس، إلا أنه لا يمكن تجاوزه قبل تصحيحه.. فمنهج القرآن، في مخاطبته للبشر، يعتمد الظاهر، ويبني عليه، ريثما يتم تجاوزه.. فمثلاً، حسب الظاهر، الأرض تبدو مسطحة، فيجيء القرآن، ليقول لنا (ألَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) و (وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ)، هذا صحيح، حسب الظاهر، الذي تعطيه الحواس المجردة، ولكن إذا ذهبت المعرفة إلى أبعد من الظاهر، يتضح أن الأرض كروية، فيجيء من القرآن ما يناسب هذا المستوى، كقوله تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا).. وكذلك الحال بالنسبة لأوهام العقول، فإن القرآن يجاريها، ريثما يتم الانتقال منها.. فحسب الظاهر، كل إنسان يعتقد أنه صاحب إرادة مستقلة، فيجيء القرآن ليقول: (لمن شاء منكم أن يستقيم).. وكذلك حسب العادة، نحن نعتبر أن المال الذي نمتلكه هو مالنا، فيجيء القرآن ليقول لنا: (خذ من أموالهم صدقة، تطهرهم وتزكيهم بها، وصلي عليهم إن صلاتك سكن لهم).. فإذا ارتقينا في التوحيد، بحيث أصبحنا على استعداد لإدراك الحقيقة، تواجهنا آيات الحقيقة، فبدل (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) يجيء قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين).. وبدل اعتبار أن المال مالنا يجيء الخطاب بأن المال مال الله: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم).. فلا يمكن تجاوز الظاهر، ابتداء، ولابد من البناء عليه مرحلياً، حتى ندرك ما وراءه.. نحن مثلاً، لا يمكن أن نقول أن هندسة اقليدس خاطئة وعلينا أن نستبعد كل ما تعتبره حقائق من حسابنا.. فهندسة اقليدس، في مجالها، صحيحة صحة نسبية، ومفيدة عملياً، ولكن إذا نقلناها إلى مجال أوسع من مجالها، أصبحت خاطئة، وغير مفيدة.. فالظاهر هام وضروري، في المجالات الأولية، ولكن من الخطأ أن نقيم عليه ونعتبره الكلمة الأخيرة، فلابد أن نعبره، إلى ما هو أدق وأكمل منه، وأكثر منه قرباً للحقيقة.. وهكذا علينا مجاراة وهم الحواس، ووهم العقول، إلى أن ننتقل منهما كلما أصبح ذلك ممكناً..
    وهذه القضية لها أبعادها العميقة، وسنتعرض لها، عندما نتحدث عن الحق والباطل.. المهم هنا أن نبين، أن غرض الشريعة بهذا المعنى الاصطلاحي، هو سوق الإرادة الإنسانية الحادثة، من خلال اعتماد الظاهر الذي يقوم على أوهام الحواس وأوهام العقول، وعبر التخلص من هذه الأوهام، عن طريق التجربة الدينية، وعلى لطف وفي تدرج، لتدرك الإرادة الإنسانية، إدراك يقين، أن المريد واحد، هو الله، فتسلم، وتتخلى عن إرادتها المدعاة لإرادة المريد الواحد، فلا يعمل العبد إلا ما يرضاه سيده، وبذلك يتم الانسجام مع القانون الطبيعي _إرادة الله_ فتكون بذلك إرادة الإنسان نافذة، لأنها من إرادة الله.. فالسبب الحقيقي الذي يجعل إرادتنا لا تنفذ هو أنها تتعارض مع الإرادة الإلهية، ومتى ما زال هذا التعارض، وأصبحت الإرادة الإنسانية، منسجمة مع الإرادة الإلهية، أصبحت نافذة، وهذا هو غرض الدين الأساسي.. وعن أمر الإرادتين، يقول تعالى في حديث قدسي: (يا داؤود إنك تريد وأريد، وإنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد، أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد).. فالله يريد، وداؤود (الانسان) يريد، ولكن إرادة الله وحدها هي النافذة، وإرادة الإنسان لا تكون نافذة إلا في حالة تطابقها مع إرادة الله، وهذا التطابق بين الإرادتين، هو ما من أجله جاء الدين، ومنهجه.. وبقدر هذا التطابق ، يتم التخلص من أوهام العقول، ويتم إدراك حقيقة الوجود.
    ظاهر الشريعة، يقول أن الله موجود، والخلق موجودون.. أنا موجود، والله موجود، وهذان وجودان مختلفان، حسب الظاهر.. والله يريد، وأنا أريد وهاتان إرادتان، حسب الظاهر.. والتوحيد كله، إنما هو عمل في الشريعة لإدراك الحقيقة، والحياة وفقها، مع مراعاة اعتبارات الشريعة في نفس الوقت.. فالمعرفة، في الإسلام هي عبور لما يعطيه ظاهر الأشياء، من تعدد يقوم على الوهم، إلى الوحدة، التي تقوم عليها حقائق الأشياء، مع إدراك الحكمة وراء الظاهر.. ويمكن القول ، أن المعرفة هي محاولة رؤية الأشياء من وجهة نظر الله، وهذا أمر له بداية، ولكن ليست له نهاية.. فنحن لن نرى الوجود كما هو عند الله تماماً، ولكننا نستطيع أن نقرب من هذه الرؤية كل حين.. وهذا الاقتراب، هو انتقال من باطل غليظ إلى باطل أدق، ومن وهم غليظ إلى وهم أدق.. ومعرفة الوجود، هي حركة سرمدية، ومسيرة غير متناهية، من الجهل إلى العلم.. وكل جهل هو بالنسبة إلى ما دونه، علم.. وكل علم هو بالنسبة إلى ما فوقه، جهل (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)، إلى أن ينتهي العلم، إلى علام الغيوب.

    الحق والباطل:
    في الإسلام، الحقيقة وحدها هي صاحبة الوجود الحقيقي.. وهي واحدة.. أما الحق والباطل، فوجودهما، وجود عقلي.. الباطل، باعتبار الحقيقة _اعتبار وجهة نظر الله للوجود_ لا وجود له!! وإنما وجود الباطل وجود عقلي، يقوم على ظاهر الأشياء، وما يقوم عليه هذا الظاهر من أوهام.. فكل ما دخل الوجود، دخل بإرادة الله، وإرادة الله حق، لا يأتيها الباطل من بين يديها، ولا من خلفها.. يقول تعالى، مثلاً: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).. فالسموات والأرض وما بينهما حق في ذاتها، وخلقت بالحق.. فالباطل هو وجه الحق البعيد عن الحقيقة، في حين أن الحق هو الوجه القريب من الحقيقة.. فالكفر بالله، مثلاً، دخل الوجود بإرادة الله، فهو من حيث الإرادة حق، وإنما يجيء باطله من حكم الشريعة.. يقول تعالى، على لسان سيدنا هود: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ۚ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).. وهذا يعني، أنه ما من دابة، من حيث الحقيقة، إلا وهي على الصراط المستقيم، وهي مهتدية.. فالكفر لا وجود له في الحقيقة، وإنما هو حكم شرعي فقط.. فالوجود كله، في الحقيقة، مسلم لله، ومطيع له، وعابد له.. يقول تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، وهذا قضاء نافذ الآن وفي كل آن.. فالكافر إنما كفر بقضاء وقدر وهو لذلك، مطيع للأمر التكويني، وإن كان عاصياً للأمر التشريعي.. ففي الأمر التكويني لا توجد معصية.. فالكافر عابد لله، في مستوى من مستويات تنزلاته، وهو محجوب بهذا التنزل، عن الله، وهذا هو معنى الكفر، فهو يعني الحجاب.. فالكافر محجوب بتنزل من تنزلات الله، محجوب بفعل الله عن الله.. والكافر، من حيث الحقيقة، يسبح لله، اقرأ: (وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ).. (إن من شيء) يعني، ما من شيء.. كل شيء مسبح، في الحقيقة، المؤمن والكافر في ذلك سواء.. والكافر، من حيث الحقيقة، يدعو الله.. (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).. الله تعالى يعلم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. هم لا يدعون من دونه من شيء، لأنه ليس في الحقيقة، من دونه شيء، إلا في وهم الواهمين.. فهم، إذن، عندما يدعون من هم دون الله، إنما يدعون الله، في مستوى من مستويات تنزلاته، ولكنهم لا يعلمون.. وتنزلات الله، كما ذكرنا، هي عند التناهي ليست غير ذاته، فلا غيرية.
    الحق هو القانون الذي يسير الله به الوجود، وهو الإرادة الإلهية، يقول تعالى: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى، وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ).. ويقول: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ).. ويقول: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).. فالحق هو القانون الذي يسير الله تعالى به الوجود، في طريق رجعاه إليه.. فالوجود من الله صدر، واليه يعود.. يقول تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ، لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ).. (لا إله إلا هو) تعني _كما سبق أن ذكرنا_ لا فاعل لكبير الأشياء وصغيرها، إلا هو.. هي تعني أن ما في السموات والأرض، وما بينهما، هو فعله، وفعله لا يكون إلا لحكمة، والى ذلك تشير كلمة (عبثاً) من قوله تعالى: (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً) لغير حكمة، ولغير غاية.. فالعوالم لابد راجعة إلى الله، بفعل قانون الحق (قانون المعاوضة).. وهي راجعة عن طريق الحق والباطل، والكفر والإيمان، وهما وجهان لشيء واحد.
    ستُكتمل أبعاد قضية، وحدة الفاعل، بعد حديثنا عن السببية.. وسنرى أن السببية، في الإسلام، تقوم على رؤية الفاعلين معاً، وفي آن واحد.. الفاعل الحقيقي وهو الله، والفاعل المباشر _فاعل الشريعة_ وهو الأسباب الطبيعية، وأفعال الإرادة البشرية.. والفاعل الحقيقي، وحده هو السبب، في حدوث أي شيء، وما فعل الفاعل المباشر، إلا استعداد المحل، لتلقي الإذن الإلهي، وسنوضح ذلك، في موضعه من الكتاب.
    17/10/18م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de