عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ / خالد الحاج عبدالمحمود بقلم د. محمد محمد الأم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 03:03 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-30-2019, 01:15 AM

د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
<aد. محمد محمد الأمين عبد الرازق
تاريخ التسجيل: 01-07-2019
مجموع المشاركات: 35

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ / خالد الحاج عبدالمحمود بقلم د. محمد محمد الأم

    01:15 AM August, 29 2019

    سودانيز اون لاين
    د. محمد محمد الأمين عبد الرازق-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر




    بسم الله الرحمن الرحيم
    "أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"
    الحلقة الثانية
    توطئة
    المراد من هذه التوطئة، أن تبين الأساس الذي ينبني عليه تصور الحياة، وكل ما يتعلق بها، في كل من الإسلام، والحضارة الغربية، وفقاً للإطار المرجعي الذي يقوم عليه كل منهما.
    الحضارة الغربية تقوم، بصورة مبدئية وعامة، على العلمانية، كإطار مرجعي.. والعلمانية تقوم، بصورةٍ كلية، على العقل البشري المجرد، دون الرجوع إلى شيء خارجه.. والمعرفة العقلية في هذه الحضارة، تقوم على الفلسفة، وعلى العلم المادي التجريبي.. وقد أصبح للعلم المادي التجريبي، وما ينبني عليه من منهج في المعرفة (المنهج العلمي)، الأولوية.. فالمنهج العلمي هو المنهج المعتمد أكثر من غيره، وهو الذي يقوم عليه التفكير الأساسي في الحضارة الغربية.. وقد ضعف دور الفلسفة بصورة كبيرة، وأصبحت إلى حد كبير تابعة للعلم، وتأخذ قضاياها الأساسية من معارفه، كما أنها تعتمد على منهجه.. علماً بأن العقل المجرد، والعلم المادي التجريبي، لا يمكن لهما، بحكم طبيعتهما، الا أن يتعاملا مع الوجود الظاهر، الذي تدركه الحواس، ويدركه العقل.. وهذا الوجود الظاهر هو المادة.. ولذلك السمة الأساسية للحضارة الغربية هي أنها حضارة في جوهرها مادية، بل أنها في الغالب ترفض وجود ما وراء المادة!!.. وهي، على الأقل، لا تعطي ما وراء المادة، أي دور في التصورات التي تبني عليها.. فما وراء المادة حتى لو كان موجوداً، ليس له دور يُذكر، في الوجود، وفي توجيه حياة البشر، حسب المفهوم العام في الحضارة الغربية.. فالعلمانية التي تقوم عليها الحضارة الغربية، تتعلق بالحياة الدنيا، فقط.. وهذا هو المعنى اللغوي لكلمة (علمانية).. فهي تعني (دنيوي).. فالكلمة مأخوذة من العالم ـ الدنيا ـ وليس من العلم.. وتاريخ نشأة العلمانية، يعطي هذا المعنى وحده.. فقد نشأت العلمانية، كرد فعل ضد هيمنة الكنيسة، ورجال الدين، على الحياة، في أوربا، في القرون الوسطى.. وقد كانت تلك الهيمنة، تكاد تكون تامة، على جميع نواحي الحياة الدينية والدنيوية.. فالإنجيل كان المصدر الوحيد للمعرفة، ولتوجيه الحياة، وقد كان تفسيره حكراً على رجال الدين، فهم وحدهم من يملكون حق تفسيره، وفض أسراره.. وتصور الإنجيل للكون والحياة حسب تفسيرات رجال الدين، هو وحده التصور المعتبر، ومن يخالفه يعتبر مهرطقاً، وخارجاً على الكنيسة، ويلقى أشد أنواع الردع، بما في ذلك الإحراق بالنار، الذي اشتهرت به محاكم التفتيش الكنسية.. وكانت الكنيسة تعادي مباهج الحياة الدنيا، وتنفر منها، وتعتبرها فتنة، وتحتقر الجسد ومطالبه.. وقد جاءت العلمانية، كرد فعل ضد كل هذا.. فبدل الحجر على العقل، اتجهت إلى حرية الفكر، في تناول جميع القضايا، وجعلت العقل وحده هو الحكم الفيصل، في جميع قضايا الفكر والمعرفة.. وأصبحت بذلك (العقلانية)، بهذا المعنى، هي الركيزة الأساسية للعلمانية، والمجال الوحيد للمعرفة.. كما اتجهت العلمانية إلى رد الاعتبار للحياة الدنيا، ولحاجات الجسد، ومطالب الحياة الدنيوية المادية.. ومن هنا جاءت كلمة (علمانية).. ولقد كان رجال الكهنوت، عندما يحرمون على الناس مباهج الدنيا، يستغلون نفوذهم الديني للأغراض الدنيوية، فأصبحوا ينغمسون في ملاذ الحياة الدنيا، التي يحرمونها على غيرهم، الأمر الذي أدى إلى شك كبير، في الدين ورجال الدين.. وظاهرة استغلال الدين لأغراض الدنيا، من قبل رجال الدين، لا زالت قائمة إلى اليوم، وهي أكبر وأهم عناصر نفور الناس عن الدين.. وظاهرة استغلال الدين لأغراض الدنيا هي على النقيض من الغرض الأساسي للدين.. فالدين جاء أساساً، ليجعل الدنيا وسيلة للحياة الأخرى ـ العليا.. ولكن رجال الدين عكسوا الأمر، بجعلهم الدين نفسه وسيلة للحياة الدنيا!! وهذا في وقتنا الحاضر أظهر ما يكون عند دعاة الدين من المسلمين.
    هذا الثالوث: الاعتماد الكلي على العقل وحده، والمادية، والتركيز على الحياة الدنيا وحدها، يمثل المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها الحضارة الغربية.. وهو الذي يشكل الإطار المرجعي للحضارة الغربية، وتصورها لكل قضية، من قضايا الوجود الأساسية.. فالحياة في الحضارة الغربية، كمفهوم نظري، وكممارسة عملية، لا تخرج عن هذا الإطار، ولا تملك أي فرصة للخروج عنه.. الأمر الذي يجعل مجال التغيير، في هذه الحضارة محصوراً في هذا الإطار، دون أي فرصة أخرى، إلا أن تكون خروجاً على الإطار نفسه.. فالعلمانية ليست مذهبية، ليست فلسفة واضحة ومنظمة تعطي معتنقيها تصوراً مشتركاً، للكون وللإنسان وللحياة.. فخارج ثوابتها المذكورة، أصحابها يختلفون اختلافات هائلة، ولا شيء يجمع بينهم.. لقد حاولت العلمانية، مؤخراً أن تجعل لها فلسفة.. ولكن هذه الفلسفة، أياً كان شكلها، لا تخرج من المرتكزات الثلاثة: العقلانية والمادية والدنيوية، وإنما هي في إطارها.
    لقد سبق لنا في كتاب (الإسلام والسلام عند الأستاذ محمود محمد طه)، أن أوردنا، التعريف الذي جاء في موسوعة المورد، للعلمانية Secularism، نعيده هنا بنصه.. فهو يقول: "النزوع إلى الاهتمام بشؤون الحياة الدنيا. وقد يُقصد بالمصطلح، أحياناً، (العلمنة) أي نزع الصفة الدينية أو سلطان رجال الدين عن أي نشاط من النشاطات أو مؤسسة من المؤسسات. وفي الإمكان القول إن «الحركة العلمانية» بدأت في أوروبا مع عصر النهضة The Renaissance. ذلك بأن أوروبا كانت خاضعة خلال العصر الوسيط لسلطان الكنيسة الكاثوليكية التي علّمت أن جسد الإنسان والأرض التي هو جزء منها مأخوذان بخطيئة آدم، ومن هنا فهما لا يستحقان من المسيحي الصحيح أكثر من الازدراء. فلما بزغ عصر النهضة وانهمك أهل المدن في ألوان من النشاط، تبعث في ذات نفسها على الابتهاج والفتنة، وتُفضي إلى مكاسب مادية ضخمة، وجد هؤلاء أنفسهم في وضع يتعارض مع تعاليم الكنيسة تعارضاً كاملاً.. الكنيسة تدعوهم إلى احتقار الجسد، وهم يلهثون وراء كل ما يلبّي حاجات الجسد ومطالبه، والكنيسة تطالبهم بازدراء الأرض، والحياة، وهم يجدون في الأرض مصدراً للثروة ويعملون لدنياهم في المقام الأول.. وهكذا بدأ الانفصام بين الكنيسة وقطاعات كبيرة من أتباعها. حتى إذا حاولت الكنيسة أن تفرض وجهات نظرها على هذه القطاعات، تمرد القوم عليها، ودعوا إلى الأخذ بالعلمانية، أي إلى تحرير النشاطات والمؤسسات على اختلافها من سلطان الكنيسة ورجالها. وأياً ما كان، فإن العلمانية لم تتخذ شكلاً فلسفياً نظامياً إلا في منتصف القرن التاسع عشر، وفي رأس مُسلّماتها حرية الفكر، وحرية كل امريء في مناقشة جميع المسائل الجوهرية مثل وجود الله، وخلود الروح، وأسس الالتزام الأخلاقي".. هذا ما جاء في موسوعة المورد، أما في معجم أكسفورد، فقد جاء عن العلمانية "نظرية ترى أن الأخلاق ينبغي أن تقوم على أساس من رفاهية الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وليس على اعتبارات أخرى تستمد من الإيمان بالله أو حياة أخرى".
    منذ عصر النهضة وإلى اليوم، تعمقت العلمانية، ووجدت لها سنداً قوياً من العلم المادي التجريبي وإنجازاته العظيمة، التي أدت إلى إخصاب الحياة بصورة تفوق خيال الأقدمين.. فالعلمانية هي ديانة الحضارة الغربية، والحضارة الغربية هي الحضارة الوحيدة السائدة في الأرض كلها، دون منازع.. وعلى ذلك أصبحت العلمانية ديانة جميع شعوب العالم، على تفاوت بينهم.. وقد أنحسر الدين بصورةٍ كبيرة جداً، عند جميع أصحاب الديانات السماوية: اليهودية والمسيحية والإسلام.. فأصبح أتباع هذه الديانات، جميعهم ـ إلا من رحم ربي ـ يدينون بدين العلمانية، وليس لهم من الدين إلا القشور.. أما اللب، فقد تركوه للعلمانية.. ولذلك نحن عندما نتحدث هنا، عن الحياة في الحضارة الغربية، لا نقصد الغرب كمنطقة جغرافية، وإنما نقصده كحضارة.. فمن حيث الجوهر، حياة الحضارة الغربية هي حياة جميع الناس، على الكوكب الأرضي.. ولا يقلل من قيمة هذه الحقيقة، أن بعض أصحاب الأديان، يمارسون شعائرهم الدينية، فالدين ليس مجرد شعائر.. فأصحاب الأديان هؤلاء جميعاً، تسيطر عليهم وتوجههم المادية، والحياة الدنيا.. بل من يظهرون الدين منهم، ويكثرون الحديث عنه، جعلوا الدين وسيلة للدنيا كما سبق أن أشرنا.. فنحن الآن في عهد (فترة) فيها الدين غائب عن حياة الناس.. وفي جميع عهود (الفترة)، لم يغب مظهر الدين، وإنما غاب جوهره.
    أما المسيحية بالذات، فقد أصبحت هي نفسها علمانية، وتم التنكر لتصوراتها وقيمها، حتى من قبل كبار رجال الدين، بمن فيهم البابا نفسه!! وثالوث: الاعتماد الكلي على العقل المجرد، والمادية والدنيوية، توكد أكثر من أي وقت سابق.. وقد توكد في الحياة أكثر من توكده في الفكر، وهذا يظهر بصورةٍ أوكد، من خلال هيمنة الرأسمالية، وما تقوم عليه من نزعة استهلاكية، على جميع حياة البشر في الأرض.. وسنفصل في هذا الأمر لاحقاً.
    السؤال هو: هل عند العقل المجرد كفاية ذاتية، لسد حاجات الإنسان للمعرفة، وحل مشكلاته الوجودية والحياتية!؟ إجابة العلمانية القاطعة، نعم!! ونحن لا يغيب عن بالنا التحول الذي حدث في النظرة للعقل، بعد فشل الحداثة، ومجيء ما بعد الحداثة، والمواقف الجديدة من العقل، واعتباره مجرد أداة للعيش.. ولكن كل هذا لم يغير شيئا من الاعتماد الكلي على العقل.. كما أن المادية، ازدادت هيمنة، خصوصاً في الحياة، هذا مع أن العلم المادي التجريبي نفسه، دحضها وبصورة نهائية وقاطعة.. أما في الحياة العامة، فسيطرة المادية، زادت بصورة كبيرة وشاملة.
    إن سند العلمانية الأساسي، هو العلم.. وقد توصل العلم مؤخراً إلى أن الكون نشأ نتيجة لانفجار عظيم، حدث في مفردة لا متناهية في الصغر.. ووفق هذه النظرية، هذه المفردة هي أصل الكون.. فبعد الانفجار تمدد الكون، وانخفضت حرارته، الأمر الذي أدى إلى تكون الجسيمات الأولى، وجسيماتها المضادة.. ثم تكونت المادة في صورها المختلفة التي نعرفها اليوم.. ثم تفاعلت المادة وتطورت، إلى أن ظهرت منها الحياة، التي توجت بعد سلسة طويلة من التطور بظهور الإنسان العاقل، كأعلى صورة للتطور.. فالكون _وفق نظرية الانفجار العظيم_ في أصله مادي، وكذلك الحياة، فهي ظاهرة بيولوجية، ظهرت نتيجة لظهور المادة العضوية من المادة غير العضوية ـ راجع كتاب (الإنسان).
    الإطار المرجعي للإسلام:
    العقل أمر مشترك بين الإسلام والحضارة الغربية، بل بين جميع الأديان والفلسفات.. لكن هنالك اختلافات جذرية، في تصور كل من الإسلام والحضارة الغربية، للعقل وموقفهما منه، واستخدامهما له.. نحن نتحدث عن الحياة، وحديثنا ينبني بصورة أساسية على تصورنا للوجود.. وقد سبق أن ذكرنا "أن وجود أي موجود، ينبني، فوق كل شيء، وقبل كل شيء، على تصورنا للوجود.. فالوجود هو الذي يحدد للموجودات، أصلها، ومصدرها، وكل ما يتعلق بها.. ولذلك المعرفة الأساسية للوجود، هي المفتاح الوحيد، لكل معرفة حقيقية.. وصحةُ أيِّ معرفة، أو خطؤها، أمر ينبني بصورة أساسية، على صحة معرفتنا للوجود، أو خطأ هذه المعرفة".. فالاختلاف حول تصور الحياة، في الإسلام، وفي الحضارة الغربية، ينبني بصورة كلية، على الاختلاف في تصور الوجود عند كل منهما.. ونحن تحدثنا عن هذا الاختلاف، بصورةٍ مفصلة في كتاب (الوجود)، ثم كتاب (الإنسان).. ونحن نرجع إليهما هنا بصورة موجزة، ومركزة.. "القضايا الأساسية المتعلقة بقضية الوجود هي: الاطلاق والمحدودية.. الوحدة والتعدد.. الثبات والتغير، أوالبقاء والفناء، والموت والحياة".. والإطار المرجعي للإسلام، يقوم على (التوحيد) وعلى القرآن، وما يعطيانه من تصور، يستمد بالأساس من المعرفة التي تقوم على العمل في التقوى "وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".. مرجعية الإسلام تقرر أن الوجود واحد ومطلق.. فالإطلاق هو أصل الوجود.. ويتبع ذلك أن الكمال هو الأصل.. مقابل هذا ترى الحضارة الغربية، في مجملها، أن الوجود متعدد، وهذا لأنها تقوم على العقل المجرد، وعلى التصور المادي للوجود.. والمادية والعقل لا يعطيان إلا التعدد.. وإلى هذا الاختلاف يرجع الاختلاف الجذري، بين التصورين، وفي كل شيء!! وبالطبع يعنينا هنا الاختلاف في تصور الحياة.
    على الرغم من أن العقل أمر مشترك، في كل من الإسلام والحضارة الغربية، إلا أن هنالك اختلافات أساسية، في تصور العقل وطبيعته، ومصدره وإمكاناته، وطرق استخدامه.. وأهم هذه الاختلافات يتمثل في أن الإسلام يرى أن العقل وحده، لا يملك الكفاية التي تؤهله لأدراك طبيعة الوجود، الإدراك الصحيح، فهو يحتاج إلى توجيه يأتيه من خارجه، يقوِّمه ويصحح تصوره وقيمه.. هذا مقابل اعتماد الحضارة الغربية، الاعتماد الكلي على العقل، الأمر الذي يجعل العقل في الإسلام، ليس هو عقل الحضارة الغربية!! وبينهما اختلافات جذرية.
    ينبني على وحدة الوجود في الإسلام، وحدة الحقيقة.. فإذا لم يكن الوجود واحداً، فأن الحقيقة لا تكون واحدة، وإنما تكون متعددة، بتعدد الموجودات.. وهذا ما عليه الأمر في الحضارة الغربية.. وقد عبر البراغماتيون عن هذا بصورة صارخة الوضوح، فقالوا: "البراغماتية يجب ان تدير ظهرها للأحدية المطلقة وتولي وجهها شطر طريقة التعددية الأكبر تجريبية.. وهذا يخلي بيننا وبين عالم الواقع العادي، عالم المعقول البديهي، الذي نجد فيه الاشياء، متصلة جزئياً، ومنفصلة جزئياً".. 1 ص196.. ومع تعدد الوجود تنتفي إمكانية وجود قانون واحد، يحكم الوجود كله، كما تنتفي إمكانية وجود معنى واحد، وغاية واحدة نهائية، بالنسبة للوجود وبالنسبة للإنسان وحياته.. وهذا هو السبب الأساسي في انعدام المعنى، في حياة البشر، في التصور الغربي وغياب الغاية.. ولما كان الأمر مرتبطاً بأصل التصور للوجود، فلا يمكن تصحيحه في إطار هذا التصور نفسه.. حيث من المستحيل إيجاد تصور لمعنى الحياة وغايتها، ما لم يتم تجاوز إطار التوجيه الذي تقوم عليه الحضارة الغربية، والأخذ بإطار توجيه آخر، يؤدي بطبيعته إلى تصور لأصل الوجود، وإلى إعطاء المعنى والغاية النهائية للفرد.. وإعطاء المعنى والغاية النهائية للفرد هو ما يتوفر عليه الدين بصورة عامة، والإسلام بصورة خاصة.. فالإنسان، بحكم وجود العقل عنده، لا تستقيم حياته إلا إذا عرف معنى الحياة، والغاية الكلية لها، ومعنى الوجود الإنساني.. وقد عجزت الحضارة الغربية، عن توفير هذا المعنى، عجزاً تاماً.. وهذا العجز يشكل جوهر أزمات الحضارة الغربية.. وهو التحدي الأكبر الذي يواجه الحضارة الغربية اليوم.. إذن، معالجة معنى الوجود الإنساني والغاية الكلية له هي الأساس الوحيد لحل جميع مشكلات الإنسانية المعاصرة، وعلى رأسها مشكلة الأمن والسلام، عند الأفراد وفي المجتمع.. فالمعنى والهدف النهائي الكلي، أمران ضروريان جداً، ولا معدي عنهما لتحقيق الأمن والسلام الداخلي عند كل فرد.. ومن المستحيل اختيار المعنى والهدف بصورة عشوائية، فهما لا بد أن يقوما على قناعة عقلية، فالعقل بطبيعته لا يقبل إلا ما هو مقنع له.. والأمر لا يقوم على قناعة عقلية راسخة، إلا إذا قام على تصور للوجود، وطبيعته التي يقوم عليها، ويجعل المعنى والهدف جزء منه.. وبالطبع ليس كل تصور للوجود يعطي هدفاً وجودياً (غاية وجودية) للحياة.. فالتصور الذي يقوم على العلمانية، لا يعطي هذا الهدف.. بل أن العلم المادي التجريبي ـ أعظم إنجازات العلمانية ـ يرفض باصرار الغائية!! ويرى أنها تفسد العلم، ويستبدلها بالتصور المادي الميكانيكي، الذي يقوم على السببية وحدها.. والسببية عنده، هي السببية التي تحكمها قوانين المادة، كما يعطيها العلم المادي التجريبي.. وهي سببية كما يعرفها العلماء أنفسهم، ليست نهائية، ولا توجد فيها كلمة أخيرة!! فخلاصة الأمر أن الحياة في التصور الإسلامي تقوم على غائية كونية، في حين أن الحياة في التصور الغربي، ترفض الغائية وتقوم على الآلية الكونية.. وبالتالي، من العبث البحث عن معنى الحياة وغايتها، في إطار الحضارة الغربية، وما تقوم عليه من إطار توجيه.
    لما كان الإنسان، بحكم طبيعته، من المستحيل أن يعيش من غير هدف، فقد جعلت الحضارة الغربية من الحياة الدنيا الهدف الوحيد والنهائي للحياة البشرية.. والحياة الدنيا محدودة بإشباع حاجات الجسد، وليس لها أي دور في إشباع حاجات العقل والروح.. ومن المستحيل في حق الإنسان، طالما أنه صاحب عقل، أن يجد في إشباع حاجات الجسد وحدها حلاً لمشاكله، أو تحقيقاً للسعادة التي يصبو إليها.
    لقد أشرنا، مجرد إشارة، لوحدة الوجود، في التصور الإسلامي، وهي الحقيقة الأساسية التي ينبني عليها كل شيء في الوجود، فلابد من إيضاحها بإيجاز.. وحدة الوجود تعني: أن الوجود في حقيقته واحد.. فلا يوجد شيء في الوجود سوى ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله.. والأسماء والصفات والأفعال، ليست أغياراً للذات، وإنما هي مظهر لها.. هي ليست زائدة على الذات، ولا لاحقة لها، وملحقة بها، وإنما هي عند التناهي، عين الذات.. فالذات الإلهية لا تتعدد ولا تقوم بالحوادث، عن ذلك تعالى الله علواً كبيراً.. فمثلاً صفة الحياة، التي هي موضوعنا، عندما نقول أن الله (حي) فإن صفة الحياة ليست لاحقة أو مضافة للذات، بمعنى أنها لم تكن موجودة، ثم وجدت أو أضيفت إليها، كما هي بالنسبة للخلق.. ولا هي تقوم على أسباب غيرها، كما هو الحال بالنسبة للأحياء من الخلق.. وإنما هي عين الذات في مظهر من مظاهرها، وهكذا الحال بالنسبة لجميع الأسماء والصفات والأفعال الإلهية.. فالوجود في حقيقته ليس فيه تعدد.. إنما هو وجود واحد، وهو وجود الذات الإلهية المطلقة.. وهي ليست مسبوقة بعدم، ولا مصحوبة بعدم، ولا ملحوقة بعدم.. كما أنها ليست مسبوقة بوجود غيرها، ولا مصحوبة بوجود غيرها، ولا ملحوقة بوجود غيرها.
    ما نريد أن نصل إليه مما تقدم، هو أن الوجود الإنساني من وجود الله، وليس وجوداً مغايراً له، والحياة الإنسانية هي من حياة الله، وليست مغايرة لها، وهكذا الحال بالنسبة لكل حياة!! فالإنسان وجميع الأحياء غيره، هم أحياء بالله، لا بذواتهم.. هذه هي القضية الأولى والأساسية، وينبني عليها كل شيء عداها.
    الوجود الحادث هو نفسه واحد في جوهره، مهما اختلفت مظاهره وتباينت.. وذلك لأنه صورة من خالقه.. فالتعدد من أوهام حواسنا، وكلما تخلصنا من الوهم، أدركنا الوحدة التي وراءه، والتي ما التعدد إلا مظهر لها.. وعلى ذلك فإن البيئة التي يعيش فيها الإنسان، هي واحدة في جوهرها، وإن تعددت مظاهرها.. وعلى الإنسان أن يتواءم مع جوهر البيئة ومظهرها.
    ومن الحقائق الأساسية جداً التي تتبع لوحدة الوجود، وتحدد بصورةٍ أساسية تصورنا للحياة: وحدة الفاعل.. وهنا يأتي الاختلاف العملي، الجذري، بين تصور الإسلام للحياة، وتصور الغرب لها.. فالغرب، بصورة مبدئية، وعامة، ينكر فاعلية الله في الوجود، حتى وإن آمن بوجوده تعالى.. يقول ولتر ستيس عن تصور الغرب: "كان الله هو العلة الأولى للعالم، لكنه بعد أن خلقه تولى القانون الطبيعي، الذي كان قد خلقه أيضاً، مهمة تسيير العالم، فلم يعد الله يفعل شيئاً بعد خلق الكون، بل تركه لقوانين الحركة وقوانين الجاذبية تعمل كل شيء.. إن الله يشبه صانع الساعة الذي صنع الساعة ذات مرة وملأها، ثم تركها تعمل وفق آلية داخلية" 2 ص 106.
    وحدة الفاعل، حسب تصور الإسلام، تعني أن الله تعالى، هو الفاعل لكل ما يحدث في الوجود.. وهذا هو معنى كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، التي هي أصل التوحيد، في الأديان الكتابية عامة وفي الإسلام خاصة.. ففي الإسلام، في الحقيقة، لا يوجد سبب يؤدي إلى سبب.. وأنما السبب الذي تحدث به الأشياء في الوجود، واحد، هو الإرادة الإلهية.. والأسباب الأخرى، سواء أكانت قوانين الطبيعة، أو الإرادة البشرية، لا تفعل شيئاً، سوى إعداد المحل لتلقي الأذن الإلهي، وهي محاط بها من قبل الإرادة الإلهية.. وعلى ذلك، هنالك أسباب تتعلق بالحقيقة، وهي الأصل، وأسباب تتعلق بالظاهر والشريعة، وهي الفرع والمظهر.. وطالما أننا، عند أنفسنا، أصحاب إرادة، فعلينا أن نأخذ بالحقيقة والشريعة معاً.. هذه هي العلاقة الصحيحة بين إرادتنا، وإرادة الله.. إرادة الله هي الحقيقية، وإرادتنا مظهر لها.. فعلينا أن نجعل إرادتنا من إرادته، وهذا هو كل العمل في الدين.. فموضوع الإسلام الأساسي هو الإرادة البشرية، في علاقتها بالإرادة الإلهية.
    ومن أهم ما ينبني على وحدة الفاعل، وحدة القانون.. فالقانون الذي يسير الوجود كله في الإسلام، قانون واحد، هو الإرادة الإلهية.. فهذه الإرادة هي التي يدخل بها كل شيء في الوجود، ولا شيء على الإطلاق يمكن أن يدخل من دونها.. وكل ما يحدث في الوجود، فبإرادة الله حدث، والله تعالى له من وراء إرادته حكمة.. فالإرادة الإلهية هي التي خَطَّت للأشياء في الوجود بدايتها، ونهايتها، كما خَطَّت لها سيرها بين ذلك.. وهذا هو مفهوم (القانون الطبيعي) في الإسلام.. فهو قانون واحد، يحكم كل شيء.
    الأصول والفروع:
    إن من أهم ما يعطيه التوحيد، كإطار توجيه، ومما له دور هام جداً في أمر الحياة، موضوع الأصول والفروع.. الأصول والفروع في القرآن بين دفتي المصحف، والأصول والفروع في الوجود _القرآن الخلقي_ هما شيء واحد.. والنقطة الأساسية، التي ينبني عليها كل شيء، هي أن أصل الوجود هو المطلق – ذات الله.. والفرع هو المحدود _الخلق.. فالمطلق هو الثابت الوجودي الوحيد، وكل ما عداه، ومن عداه، لا يقوم بذاته، وإنما يقوم بالمطلق، ولذلك هو في حاجة تامة، ودائمة للمطلق، وهي حاجة لا مجال فيها للاستغناء.. وهذا هو جوهر العلاقة بين الخالق والمخلوق.. الخالق في حالة استغناء تامة، والمخلوق في حالة حاجة للخالق تامة، مطلقة وسرمدية.. ففي حين أن المطلق وجوده وجود ثابت، المحدود وجوده وجود متغير، دائم التغير، وهو في تغيره يطلب كمال المطلق، وهيهات!! إذن الأصل، والجوهر، في الوجود هو الوحدة.. أما التعدد، وفي قمته الثنائية، فمظهرٌ للوحدة في تنزل.. والمظهر في حركة دائمة يطلب الجوهر.
    الأصل في الوجود هو الخير، والخير المطلق.. وما الشر إلا فرع من الأصل، ومظهر له، متنزل عنه، لحكمة سوق المحدود إلى المطلق.. فالشر وجنود الشر جميعاً، موظفون لخدمة الخير، الذين هم طرف منه، وأيلولتهم إليه حتمية.
    الحركة في الكون في جميع مستوياتها، وفي مختلف أشكالها يحكمها قانون واحد، هو القانون الطبيعي – الإرادة الإلهية – وهو الأصل، وكل قانون سواه هو فرع، ومظهر له.. ووظيفة القانون الأساسية، هي سوق المحدود إلى المطلق.
    الأصل بالنسبة للبيئة، في جميع مستوياتها ومظاهرها، هو الروح، والمادة مظهر وفرع.. فالبيئة بيئة روحية، ذات مظهر مادي.. والمادة والروح شيء واحد، الاختلاف بينهما اختلاف درجة.. فالروح هي الطرف اللطيف من كل شيء، في حين أن المادة هي الطرف الكثيف.. والحركة في الوجود كلها هي حركة من الكثافة إلى اللطافة.
    نحن هنا موضوعنا هو الحياة.. فالحياة هي الأصل والموت فرع ومظهر لها، وهو لا يختلف عنها اختلاف نوع، وإنما اختلاف درجة.. والأصل بالنسبة للحياة هو الإطلاق، حياة الله في ذاته المطلقة.. فهذه الحياة هي الحياة الوحيدة في الوجود، وكل حياة أخرى، هي مظهر لها، ومستمدة منها، وتقوم بصورةٍ كلية عليها، لا فرق في ذلك بين المادة العضوية والمادة غير العضوية.
    الإرادة الإلهية هي الأصل، والإرادة البشرية هي مظهر وفرع لها.. والعقل الإلهي هو الأصل، في حين أن العقل البشري هو فرع ومظهر.. والله تعالى هو الفاعل الوحيد في الوجود، وكل فاعل عداه هو فاعل مباشر، وفعله محاط به من قبل الفاعل الحقيقي.
    وعلى هذا يمكن قياس الأصول والفروع المختلفة، فالنعيم هو الأصل، والعذاب فرع ومظهر، ووسيلة مرحلية للنعيم، الذي هو الأصل.. واللذة هي الأصل، والألم فرع ومظهر لها.. والحق هو الأصل، والباطل فرع ومظهر ..إلخ.
    الأمر الهام جداً، بالنسبة لقضية الأصول والفروع، هو أن الأصول هي صاحبة الوجود الحقيقي والدائم، أما الفروع فوجودها مرحلي، فهي غير ثابتة.. الاختلاف بين الأصول والفروع ليس اختلاف نوع، وإنما هو اختلاف درجة _فالتوحيد يمنع اختلاف النوع منعاً باتاً_ الأصول مهيمنة على الفروع هيمنة تامة، ووظيفة الفروع الأساسية، هي خدمة أصولها، حسب حكم الوقت في المرحلة.
    الحركة في الكون الحادث كلها، لها غاية واحدة، هي الارتقاء بالفروع نحو الأصول، فالشر هو دائماً في خدمة الخير، الذي هو أصله، وهذه هي حكمة دخوله في الوجود، ولذلك يمكن أن يُقال عن الشر: أنه مستوى من الخير، غرضه استعداد المحل لتلقي الخير، الذي هو أصل _الخير الخالي من الشر!!
    هذه النظرة التوحيدية للأصول والفروع، تجعل كل شيء أساسي، بالنسبة للتصور الإسلامي، يختلف عن نظيره، في التصور العلماني، اختلافاً جذرياً.. وعليه يمكن أن يُقال أن الاختلاف الأساسي بين الحياة في الإسلام، وفي الحضارة الغربية، قد تحدد في جوهره منذ الآن، وقبل أن نذهب إلى تفاصيله.
    وما يعطيه مبدأ الأصول والفروع، هو أن الحياة واحدة في طبيعتها وجوهرها، ومتعددة في مظهرها، بتعدد الأحياء!! ونحن لنا إلى ذلك عودة.
    الحياة في الأرض:
    كل ما تعرفه الحضارة الغربية، عن الحياة، وتبني عليه، هو الحياة في الأرض.. فهذه عندها كل الحياة!! أما التصورالإسلامي، فعنده الحياة في الأرض، هي فرع لحياة سابقة عليها، هي الأصل.. وهذه الحياة السابقة على حياة الأرض، هي التي تحكم الحياة في الأرض، وتوجهها وتسيرها إليها، بنفس المعنى الذي تحدثنا به عن الأصول والفروع.
    خلق الإنسان كاملاً.. والكمال إنما هو كمال حياة في المكان الأول.. وكان ذلك في الملكوت _عالم الأرواح_ ثم تم إنزاله إلى الأرض، حيث حياة الأجساد، ليسترد حياته تلك، التي كانت في عالم الأرواح.. يستردها هنا في الأرض، في الجسد.
    الحياة في الأرض لم تكن غائبة، وإنما كانت كامنة، فبرزت بعد كمون.. وعلى ذلك أصبح للحياة بداية ثانية على الأرض، هي بروز المادة العضوية، من المادة غير العضوية.. هذه هي بداية الحياة، على الأرض، تلك البداية التي طلب إلينا القرآن أن ننظر فيها.. يقول تعالى: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ، ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
    عند الحضارة الغربية، حياة الأرض هذه هي الحياة الوحيدة.. في حين أن الإسلام، يهدف إلى تجسيد حياة الملكوت _تلك الغائبة عن الغرب_ في الأرض، وفق الظروف الموضوعية، التي تحكم هذا التجسيد.. ففي الإسلام حياة الأرض، لا تكون حياة إلا عبر وصلها بأصلها الملكوتي.
    عن ظهور الحياة في الأرض، وتطورها، يقول الأستاذ محمود: "وببروز المادة العضوية من المادة غير العضوية ظهرت الحياة، كما نعرفها نحن.. وإلا، فإن جميع المادة، عضوية، أو غير عضوية، حية.. وكل ما هناك، أن الحياة بدأت تبرز في المادة العضوية، بعد أن كانت كامنة في المادة غير العضوية.. فهي لم تجيء من خارج المادة.. وأدنى درجات الحياة، التي نسميها اصطلاحاً حياة أن يكون الحي شاعراً بحياته.. وآية ذلك أن يتحرك الحي، حركة تلقائية، وأن يتغذى، وأن يتناسل.. وقد بدأت هذه الحياة بحيوان الخلية الواحدة".. ويقول: "وفي بدء الحياة كان الشعور.. وأدنى درجات الحياة أن يشعر الحي بوجوده.. وليس فيما دون هذا الشعور حياة.. ويوجب هذا الشعور بالوجود إحساس الحي بالحر، وبالبرد، وبالألم.. وجاء من هذا الإحساس الحركة من الحر المضر، ومن البرد المضر، ومن كل ألم، وإلى كل لذة ممكنة.. وبوحي من الفرار من الألم، والسعي في تحصيل اللذة، جاءت القدرة على تحصيل الغذاء، والالتذاذ به، وجاءت القدرة على التناسل، والالتذاذ به .
وكان حيوان الخلية الواحدة يحس بكل جسده الرخو، ثم تعقدت الحياة، وارتقت، ورهف إحساسها بالخطر الذي يتهددها، فظهرت الحاجة إلى الوظائف المختلفة، فكان على الجلد أن يتكثف، ويغلظ، ليكون درقة، ودرعا، وكان على بعض أجزاء الجسد، غير الجلد، أن تقوم بوظيفة الحس.. وهكذا بدأ نشوء الحواس.. ونحن لطول ما ألفنا الحواس الخمس نتورط في خطأ تلقائي، إذ نظن أن الأحياء قد خلقت وحواسها الخمس مكتملة.. والحق غير ذلك.. فإن الحواس نشأت، الواحدة، تلو الأخرى، كلما ارتقت الحياة، وتعقدت وظائف أعضاء الحي.. ففي البدء كان اللمس بالجسم كله _بالجلد_ ثم لما توظف الجلد في الوقاية، خصصت بعض الأجزاء للمس..ثم ارتقت وظيفة الحس لما أحتاج الحي للمس، والخطر على البعد، فامتدت هذه الوظيفة، امتداداً لطيفاً، فكان السمع، ثم كان النظر، ثم كان الذوق، ثم كان الشم.. وليس هذا ترتيب ظهور للحواس، ولا هو ترتيب اكتمال.. فإن بعض الأحياء يحتاج لحاسة معينة أكثر من احتياجه للأخريات، فتقوى هذه على حساب أولئك، مع وجود الأخريات، بصورة من الصور.. والآن، فإن الحيوانات العليا، بما فيها الإنسان، ذات خمس حواس.. وليس هذا نهاية المطاف.. فإن، في الإنسان، الحاسة السادسة، والحاسة السابعة في أطوار الاكتمال، ولا يكون، بعد الحاسةالسابعة، تطور في زيادة عدد الحواس، وإنما يكون تطور في كمالها.. وهذا لا ينتهي، وإنما هو سرمدي..".. واضح من النص، أن الحياة هي الشعور!!

    30/8/2019م

























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de