عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ الحلقة الرابعة عشر الجزء الثاني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 10:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-25-2019, 09:32 PM

خالد الحاج عبدالمحمود
<aخالد الحاج عبدالمحمود
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 158

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ الحلقة الرابعة عشر الجزء الثاني

    08:32 PM November, 25 2019

    سودانيز اون لاين
    خالد الحاج عبدالمحمود-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    للأستاﺫ / خالد الحاج عبدالمحمود
    بسم الله الرحمن الرحيم
    "أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"

    الجزء الثاني
    الحياة في الإسلام
    الباب السابع
    التقوى ورياضة العقول

    في حياة الفكر، الفكر يلقى ضبطه وتوجيهه من التوحيد.. وفي هذه الحياة، الفكر مرتبط دائماً بالقيم، وبالحرية، فهو وحده الوسيلة، الواسلة، إليهما معاً.. والقيمة والحرية، هما الفيصل في التمييز بين الحياة الإنسانية، وغيرها من الحيوات.. فالإنسانية هي القيمة الأخلاقية التي تميز بها الإنسان عن الحيوان، وعن الملك.. فهي نقطة التقاء الحيوان والملك.. وهي أكمل من كليهما.. وإنما يجيء هذا الكمال من مكان الحرية فيها.. فالملائكة ضربت عليهم الطاعة، والأبالسة ضربت عليهم المعصية، فأما الإنسان فلم تضرب عليه، لا الطاعة، ولا المعصية، وإنما أعطي حق الخطأ – وقد سبق الحديث عن ذلك.. (حق الخطأ) هذا هو أس الحرية عند الإنسان، وبه تميز الإنسان عن غيره، والحرية هي التي بها كمال الحياة الإنسانية، يقول الأستاذ محمود: "الحياة الكاملة هي التي تعلم العلم الكامل، وتتخلق بمقتضاه.. وأكمل العلم ما يسوق إلى التخلق بالحرية، وإنما، من أجل الحرية، جعل الله، بحكمته، طريق تعلمنا يمر بمنطقة الاختيار فنحن نتعلم بين الخطأ والصواب.. وهو يعلمنا دائما.. حين نصيب، وحين نخطئ.. وقد جعل تعلمنا عن طريق الخطأ بالعقوبة التي نجدها مترتبة على الخطأ.. فنحن نتمتع بإرادة نشعر بحريتها، ولا نشعر بتوجيه الله إياها.. وقد أمرنا، في الشريعة بأن نسير بحريتنا هذه في اختيار ما يختار هو لنا.. ولما كنا أحرارا، فيما نشعر، فقد قام التكليف على أننا نتحمل مسئولية خطأ تصرفنا، حين نخطئ، أثناء ما نحن ندبر أمر أنفسنا.. فإذا عجزنا عن هذا التدبير، وعظمت علينا مسئولية حرية التصرف، لجأنا إليه، في عجز وضعف، به نستيقن، بعد الممارسة، أن إرادته حقيقية، وأن إرادتنا متوهمة.. فإذا وقع لنا ذلك أسلمنا له، وانقدنا، ورضينا.. وحين نفعل ذلك نسير خلفه، بتسليم إرادتنا لإرادته.. وفي تلك اللحظة يكون التسيير قد وصل بنا إلى التخيير.. ونكون قد خرجنا من منطقة الخير والشر، ودخلنا منطقة الخير المطلق، حيث لا مكان للشر..".. كل هذا سبيلنا إليه الفكر!! تسليم الإرادة لله، هو السبيل الوحيد لأن نكون أصحاب إرادة حرة، تفعل ما تريد!! وهذا التسليم هو الإسلام.. وكل الطاعات في العبادة والمعاملة، إنما هي وسيلة لتحقيق هذه الغاية، والتي هي العبودية لله والإسلام له.. وهذا التسليم لا يكون إلا بالتزام القيم، التي جاءت بها موجهات التوحيد، وجاء بها التشريع.. وهكذا الحرية دائماً مرتبطة بالقيم – بالأخلاق.. وبداية الأخلاق هي سيطرة العقل على الشهوة، وبهذه السيطرة يقوى العقل ويدق التفكير، ويستطيع أن يحسن التصرف في الحرية، وحسن التصرف في الحرية هو الأخلاق.. وهذه الأخلاق هي التي جعلت الإنسان، إنساناً، فوق مرتبة الحيوان وفوق مرتبة الملك.. فالأخلاق في الإسلام، ليست هي الصدق والأمانة، وكل الفضائل السلوكية المحمودة، وإنما هذه نتائج الأخلاق، وثمرتها، والأخلاق هي حسن التصرف في الحرية.. والأخلاق هي تحمل المسؤولية أمام الله، وأمام الناس، وأمام النفس، في آن واحد وبغير تسلسل زمني..
    كما سبق أن ذكرنا، أن أعلى الأخلاق هي أخلاق الله الواردة في القرآن، وقد قال المعصوم: "تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على سراط مستقيم".. وأعلى أخلاق الله هي الحرية المطلقة.. ونحن لا سبيل لنا إليها، إلا من خلال العمل بين الخطأ والصواب.. ونحن إنما يحد الحرية عندنا، عدم حسن التصرف فيها، وهذا يكون نتيجة الجهل، والجهل ليس ضربة لازب علينا، فلابد أن نتخطى جهلنا، ونتأهل لمزيد من الحرية، بزيادة حسن تصرفنا فيها، نتيجة لتعلمنا، وهكذا إلى ما لا نهاية.. ومن هنا يأتي اعتبار أن (الحرية الفردية المطلقة)، هي الأصل، وحظنا منها هو التسامي الدائم في مراقيها.. فالإطلاق بالنسبة لنا هو إطلاق صيرورة.
    المهم أن التطبيق العملي، إنما يتم عن طريق (التقوى)، وهي: علم، وعمل بمقتضى العلم.. وهذا العمل، يثمر التغيير المنشود، بإكساب الفرد العامل، نوراً في عقله – فرقاناً – يميز به بين قيم الأشياء.. وهذه المقدرة على التمييز تدق بقدر مستويات التقوى.. يقول تعالى: "يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ".. وهذه الآية تتحدث عن رياضة العقول، حتى تقوى على دقة الفكر، وحريته..".. قوله للمؤمنين (إن تتقوا الله) يعني إن تعملوا بالشريعة، فتأتمروا بالأمر، وتنتهوا عن النهي.. (يجعل لكم فرقاناً) يعني يجعل لكم مقدرة في عقولكم، بفضل التقوى، بها تقوون على التفكير الدقيق، والتمييز السليم، بين ما يليق وما لا يليق.. بين الحلال والحرام.. الحرام ما حاك في نفسك، وخشيت أن يطلع عليه الناس.. و(التقوى) شجرة و (الفرقان) ثمرة، وبقدر ما تدق التقوى يدق الفرقان، ويقوى.. فالتقوى تبدأ من صورتها الغليظة، ثم تسير نحو الدقة.. وكذلك الفرقان، يبدأ من بداية بسيطة، وضعيفة، ثم يسير نحو الدقة، والقوة، تبعاً لسيرالتقوى.. وصورة التقوى، والفرقان، ومسيرتهما نحو الدقة، من الغلظة، يحكيها، أحسن حكاية، الحديث الشريف: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمورمشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه، ولعرضه).. فكأن التقوى، في بدايتها، لا تحتاج إلى شدة دقة.. ثم يبدأ السير، من الطرفين الغليظين، نحو الوسط ـ نحو منطقة الأمور المشتبهات ـ وهي منطقة فيها تبدأ الحاجة إلى قوة فكرية، زائدة، بها يقع التمييز بين الحلال والحرام.. وفيها أيضاً تبدأ الحاجة إلى قوة في الإرادة، زائدة، بها تقوم القدرة على فعل ما هو به مأمور، وترك ما هو عنه منهي.. وتصبح التقوى، ها هنا، علماً وعملاً بمقتضى العلم.. أو قل، تصبح قوة على التمييز، ومقدرة على التنفيذ، حسب ما يمليه التمييز".. هذا ما ورد عن الأستاذ محمود، من مقدمة كتابه (أسئلة وأجوبة الأول).. وفي هذه المقدمة، تحدث الأستاذ محمود حديثاً دقيقاً، ووافياً، عن رياضة العقول، ومستويات التقوى والفرقان، ولأهمية هذا الحديث، أعاده في كتاب (تعلموا كيف تصلون)، كتاب الحياة.. ونحن هنا نلخص ما ورد في الكتابين، عن مستويات التقوى والفرقان في نقاط:
    1/ بداية التقوى هي ما يكون للمؤمن العادي، وهو مستوى الحلال بين والحرام بين، وبينهما يتأرجح بندول الفكر.
    2/ المستوى الثاني هو منزلة (الورع).. والورع هو الحذر شديد الحذر، المتيقظ الوجدان شديد التيقظ.. والورع لا يعمل إلا إذا علم، وهو قليلاً ما يعلم، بسبب زيادة شكه على علمه.. وهذه من أهم المراحل، وفيها بفضل الله، وبفضل المجاهدة الشديدة، ينفتح الباب للمنازل الأخرى.
    3/ المنزل الثالثة هي منزلة (صاحب اليمين).. وهي منزلة تبدأ فيها ثمار المجاهدة، في المرحلتين السابقتين واضحة.. ففيها يكون السالك قوي الفكر، قوي العزيمة، لا تتلبس عليه وجوه الرأي، فهو يدرك بسرعة، ويميز بدقة، ويحمل نفسه على العمل بعزائم الأمور.. وصاحب اليمين، سمى بهذا الاسم، لأن عمله في غالب الأحوال، ضد رغائب نفسه، كأنه ضد صاحب الشمال.
    هذه المراحل الثلاث، هي مراحل مجاهدة في العبادة، وهي وأن كان نصيب الفكر فيها أقل من المراحل التي تليها، إلا انها هي، بعد فضل الله، ما مهد الطريق إلى هذا الفكر الزائد.
    4/ المرحلة الرابعة هي منزلة (البر).. وهي ثمرة ونتيجة المجاهدة في المراحل السابقة.. فالبر أكثر إدراكاً من صاحب اليمين، وأكثر تسامحاً، فهو رفيق بنفسه، على خلاف الأمر عند الورع وصاحب اليمين.. والبر رفيق بالناس، وذلك بفضل سعة علمه.. صاحب اليمين قبضته بقية الورع، الذي ورثه من منزلة الورع، ولما يتخلص من عقابيل هذه المنزلة.. ولكن صاحب منزلة الأبرار بسطه العلم، فأحدث فيه تحولاً جذرياً، عما كان عليه في المنازل السابقة.
    5/ المنزلة الخامسة هي منزلة (المقرب).. وهذه المنزلة تمثل البداية الحقيقية لأنسانية الإنسان، وفيها تبدأ حياة الإنسان، حياة الفكر والشعور.. والمقرب هو (الواصل) حسب التعبير الديني.. والواصل هو من يكون حضوره مع ربه، أكثر من غفلته.. جاء عن وصف المقرب من أقوال الأستاذ محمود: "والمقربون هم الذين يكونون عند ربهم غالب أحوالهم".. وهذا هو نفس وصف (الواصل).. من الأفضل أن ننقل نص الأستاذ محمود عن المقربين كاملاً، لأهميته، فهو قد قال: "والمقربون هم الذين يكونون عند ربهم، غالب أحوالهم، وهم علماء، قد وسّع العلم عليهم ما ضّيق الجهل على سواهم.. فأصبحوا، بفضل الله، ثم بفضل سعة علمهم، رحماء، طيبين، متسامحين، محبين للأشياء، والأحياء، في سلام مع ربهم، ومع أنفسهم، ومع الناس.. يدعون إلى الرضا بالله، والمصالحة مع الناس، وينشرون الحب، كما تنشر الشمس النور، والحرارة، والدفء.. هؤلاء هم ملح الأرض، عرفوا، أو لم يعرفوا.. وتقوى هؤلاء هي عمل، أو ترك للعمل، ابتغاء وجه الله.. وزمنهم فكر متصل.. فجميع أوقاتهم معمورة بالفكر، والعمل.. وفكرهم ليس تعملاً، وإنما أصبح طبيعة، تنبع فيهم المعاني، والمعارف، كما ينبع الماء النمير من العين الثرة، وقد تطهرت من أوساخها، وأوضارها.. وعبادة المقربين الاستقامة.. والاستقامة أن تكون على السراط المستقيم، في الفكر، والقول، والعمل، فلا تميل يسرة، ولا يمنة.. ولا تتم الاستقامة إلا لمن تخلص من ذنبه، ما تقدم منه، وما تأخر.. وهيهات!! ولكن هذا موعود الله لأهل قرباه، وموعود الله لابد آتٍ، فوعده، تعالى، غير مكذوب.. ولقد قال في الآية التي صدرنا بها هذه المقدمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا!! إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).. قوله تعالى: (ويكفر عنكم سيئاتكم) يعني يغفر لكم خطيئاتكم الموروثة من لدن آدم.. وتلك تتمثل في الكبت على العقل الباطن المتوارث عبر التاريخ البشري.. قوله تعالى: (ويغفر لكم) يشير إلى الخطيئة المكتسبة، في مقابلة الخطيئة الموروثة.. والخطيئة المكتسبة تتمثل في الكبت الواقع على العقل الباطن، المكتسب أثناء عمر أحدنا.. وإنما يكون التكفير والمغفرة برفع هذا الكبت، الموروث، والمكتسب، وإنما يكون رفع الكبت (بالفرقان).. بنور العقل القوي الذي يتخلل السراديب المظلمة، حيث ترقد الرغائب المكبوتة على حواشي العقل الباطن خلال ملايين السنين.. وقد سمى، تبارك وتعالى، هذه السراديب المظلمة حول العقل الباطن (بالرين)، وإليها نسب غفلتنا، وجهلنا، وحجبنا عن الحقيقة، فقال، تبارك وتعالى:( كَلَّا!! بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا!! إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ، لَمَحْجُوبُونَ).. فبقدر ما يرفع هذا (الرين) - هذا الكبت - بقدر ما تكون قوة العقل، ودقة الفكر، ووحدة البنية البشرية.. وأصحاب هذه البنية الموحدة هم أصحاب العقول التي، بقوة فكرها، تفلق الشعرة، وتملك التمييز بين فلقتيها: أيهما أبيض، وأيهما أسود.. وبقدر قوة التمييز تكون سلامة السلوك، وسلامة القلب، وصفاء الذهن".
    أن أهم ما جاء في النص عن حياة المقربين، هو ما يتعلق بالعلم، وجانب الشعور:
    1/ "قد وسّع العلم عليهم ما ضّيق الجهل على سواهم.." ثم ثمرة هذا العلم حالة الشعور التي جاء عنها:
    2/ "فأصبحوا بفضل الله، ثم بفضل سعة علمهم، رحماء، طيبين، متسامحين، محبين للأحياء والأشياء.. في سلام مع ربهم، ومع أنفسهم ومع الناس..".. هذه هي حياة الشعور، فهي تقوم بصورة طبيعية، لا تكلف فيها، على الرحمة والمحبة، للأحياء والأشياء، فخلاصة حياة الشعور هي المحبة الشاملة، وهي حب الله!! وهذا ما سنتناوله في موضعه، عندما نتحدث عن حياة الشعور.
    3/ منزلة صاحب (الاستقامة).. وقد ورد الحديث عنها في النص أعلاه.. وصاحب الاستقامة هو الكامل.. وليس للكمال نهاية، كما أنه ليست للاستقامة نهاية.
    هذه الدرجات الست، هي درجات القرب من كمال الحياة – حياة الإنسان.. وهي منازل، ينزلها النازل وهو يسير في طريق العودة، إلى الله.. وهذه هي نفس درجات النفوس السبع، إلا أننا لم نذكر النفس (الأمارة)، لأنها دون درجة المؤمن العادي.. منزلة المؤمن العادي تقابل النفس (اللوامة).. وحركة التطور في السلم السباعي، ترجع إلى النفس (الأمارة) مرة أخرى.. ولكنها هنا لا تأمر إلا بالخير!!
    وكل هذه المنازل يتم بلوغها عن طريق العلم، والعمل بمقتضى العلم – التقوى.. وأعلى العلم التوحيد، وأعلى العمل الصلاة.. يقول تعالى: "مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ".. الكلم الطيب (لا إله إلا الله).. وصعود الكلم الطيب هو ارتفاعها في المكانة، تحقيقاً في قلوب الموحدين.. عن (لا إله إلا الله) يقول تعالى: "شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".. فقد شهد الله تعالى في إطلاقه لذاته، بـ (الوحدانية) وهي (الأحدية) المطلقة.. ثم تنزلت الشهادة، من الإطلاق، إلى مرتبة الملائكة، فشهدوا بـ (الوحدانية) لله.. وهذه الشهادة هي دون شهادة الله، بما لا يقاس.. وقد شهد الملائكة في السماوات، وفي الأرض.. ثم تنزلت الشهادة إلى أولي العلم، في الأرض.. وشهادة (لا إله إلا الله) جاء بها جميع الرسل، يتفقون في (اللفظ) ويختلفون في (التحقيق).. وشهادة أولي العلم في الأرض، هي شهادة دون شهادة الملائكة، ولكنها متطورة في (التحقيق)، صاعدة نحو الله، تبتغي أن تشهد لله بـ (الوحدانية)، كما شهد لذاته بذاته، في الإطلاق، وهيهات!! ونحن في صعودنا في سُلم التوحيد، لا نخدم غير ذواتنا، وذلك بإحراز وحدة بنيتنا.
    قوله: (والعمل الصالح يرفعه) العمل الصالح هو كل عمل، في العبادة، وفي المعاملة، يُراد به الله، ومصالح عباده في أمر معاشهم ومعادهم.. والعمل لا يصلح إلا بدخول الفكر فيه!!


    إدخال الفكر في العمل:
    قيمة العمل في الإسلام، إنما تكون بإدخال الفكر فيه "لكم أجر ما عقلتم".. والفكر المعني هو الفكر الذي يقوم على مباديء التوحيد، وعلى مصلحة خلق الله "فالخلق عيال الله، أحبهم إلى الله، أنفعهم لعياله".. والإسلام في مستوى السنة – عمل النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه – الفكر فيه، يتلبس جميع أعمال المسلم، في العبادة والمعاملة، ويوجه هذه الأعمال.. وإدخال الفكر في العمل، نصيب الأخوان فيه أكبر من نصيب الأصحاب!! وصور دخول الفكر في العمل عديدة، نكتفي هنا بذكر بعضها.
    قبل أي عمل تكون هنالك واجبات عديدة، على السالك أن يقوم بها.. فعليه أن يختار أنسب الواجبات، ليؤديه في الوقت المعين، وهذا بالطبع يحتاج إلى تفكير ومفاضلة بين الأعمال، وتحديد الأسباب، التي تستوجب تقديم البعض، وتأخير البعض الآخر.. وهذا ما يُعرف بالواجب المباشر.. فهنالك في كل وقت، واجب مباشر، ينبغي أن يؤدى في الوقت.. ومعرفة الواجب المباشر تقتضي، دقة كبيرة في التفكير، ووزن الأمور.. وموضوع الواجب المباشر هو نهج يصحب السالك طوال حياته، وفي كل لحظاتها.
    ويتكامل مع الواجب المباشر، موضوع إدخال (النية) في العمل.. وكلاهما يجري قبل العمل.. والنية هي استحضار القصد من العمل.. والأعمال إنما تصلح باعتبار مقاصدها، وحسب صحة هذه المقاصد.. فالعمل قد يصلح بسبب النية، أو يفسد بسبب فسادها، أو حتى بسبب غيابها.. وبذلك تصبح النية أهم من العمل نفسه!! يقول المعصوم: "نية المرء خير من عمله".. ويقول: "إنما الأعمال بالنيات، ولكل امريء ما نوى".. ويقول: "من كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله.. ومن كانت هجرته إلى امرأة ينكحها، أو دنيا يصيبها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".. وما يُفسد النية أمران: أولاً دخول حظوظ النفس في العمل، وإشراك غير الله في نية العمل، خصوصاً الدنيا، وطلب المكانة عند الناس.. يقول المعصوم: "من تعلم علماً مما يُراد به وجه الله، ما تعلمه إلا لدنيا، لم يشم عرف الجنة".. وفي حديث آخر يقول المعصوم: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتى به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتى به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار".. رواه مسلم.. واضح جداً من هذا الحديث الأخير، أن أي دَخَل في النية، قد يبطل العمل تماماً، مهما كان صلاح هذا العمل، من الناحية الموضوعية.. فالله تعالى لا يقبل من الدين، إلا ما هو خالص له " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ".. ويجل عزه أن يكون له شريك، فهو تعالى يقول في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشراكة، فمن أشرك بي شيئا، تركت نصيبي لشريكي".
    فبما أن النية تتلبس جميع الأعمال، صغيرها وجليلها، وبها يصلح العمل أو يفسد، وبما أن نية المرء خير من عمله، يصبح من الواضح جداً، أن الفكر مقدم على كل شيء، وأنه هو الذي يعطي الأعمال قيمتها.. فالحياة التي تقوم على الفكر الصالح، الذي يقود إلى العمل الصالح، هي وحدها الحياة!!
    الفكر الصالح، والعمل الصالح، هما اللذان يكونان موصولان بمصدرهما – الله.. ومن هنا تأتي أهمية النية، والحضور في الأعمال التعبدية، وفي المعاملات.. فالعبادة التي لا تكون فيها نية صالحة، ولا حضور، ليست بعبادة.. يقول المعصوم: "رُبَّ مُصَلِ لم يُقِم الصلاة".. فقيمة الصلاة إنما تكون بالحضور فيها، فمن لا يحضر في صلاته، ولو لجزء من الثانية، ليس بمصلٍ.. وفي حديث آخر يقول المعصوم: "رُبَّ مُصَلٍ لم تزده صلاته من الله، إلا بعداً"!! وعن القرآن جاء قوله: "رُبَّ قاريء للقرآن، والقرآن يلعنه".. وعن الصوم قال: "رُبَّ صائم ليس له من صيامه، إلا الجوع والعطش".. فلا بد من تجويد هيئة العبادة، وتجويد أدبها، وهو خلوصها لله، وحسن النية فيها.
    ومن إدخال الفكر في العمل، تقديم الميامن على المياسر، وهذا باب واسع يشمل كل الأعمال.. فمثلاً كان صلى الله عليه وسلم، إذا انتعل بدأ باليمين، وإذا خلع نعليه يبدأ بالشمال، وكذلك إذا لبس ثوبه.. وإذا دخل المسجد قدم اليمين، وإذا خرج قدم الشمال.. وإذا دخل بيت الأدب، دخل بالشمال، وإذا خرج، خرج باليمين.. وإذا نام توسد يده اليمنى، واستقبل القبلة.. وهكذا في كل شيء، من حركاته وسكناته، كان يقدم الميامن ويخصها بالبر.. وبتقديم الميامن على المياسر، يتحرك الفكر، وينشط، وتدخل في الأعمال الروح.. وبهذا الصنيع البسيط، يسلك السالك طريق الحكمة، ويرتاض عليه، فالحكمة هي وضع الأشياء في مواضعها، وتقديم الفاضل على المفضول.. الفاضل هو الله، والمفضول هو العبد.. فالعبودية هي تقديم للرب، وتأخير للعبد، ونحن بتقديم الميامن على المياسر، نسير في إتجاه هذا العمل العظيم.
    في كل موقف نقفه، أو مقام نقومه، في كل ليلنا ونهارنا، هنالك فكر يدخل، أو يجب أن يدخل.. وكل حدث يحدث لنا، أو لمن يهمنا أمره، هو إما نعمة أو نِقمة، فعلينا أن نشكر الله على نعمه، ونرجع إليه عند امتحانه لنا.. وهذا باب واسع جداً، يشمل جميع تفاصيل الحياة اليومية.. وكذلك التفكر في الآفاق، ومروراً بالأمكنة المختلفة، والأحوال المختلفة، جميعها ينبغي أن نكون فيها على ذكر وفكر.. هنالك أدعية كثيرة تناسب كل حالة من أحوال حياتنا، أو كل موقف نقفه، أو كل مصيبة نرجع فيها إلى الله، أو كل خير نرجوه، فنستخيره.
    خلاصة الأمر أن أي سالك في نهج السنة، المطلوب منه، أن يكون في جميع لحظات حياته، في فكر وذكر، وأن يجدد حاله دائماً، ويصحح ما فلت منه، ويستدرك ما فاته، ونحن هنا لسنا بصدد الاستقصاء، وإنما نحن فقط بصدد إعطاء تصور لحياة الفكر، ولذلك نكتفي بما ورد، وننصح بالرجوع إلى كتاب (تعلموا كيف تصلون).
    ولبيان أهمية الفكر في الحياة، وللحياة، نورد قول المعصوم، الذي جاء فيه: "تفكر ساعة، أفضل من عبادة سبعين سنة".. والفكر في بداية السلوك، يكون مجاهدة، وتصحيح للأخطاء والغفلات، ولكن بالتصحيح المستمر، يصبح الفكر، طبيعة أصيلة، كما ورد عن (المقربين).. فهم قد ورد في حقهم "فجميع أوقاتهم معمورة بالفكر، والعمل.. وفكرهم ليس تعملاً، وإنما أصبح طبيعة، تنبع فيهم المعاني، والمعارف، كما ينبع الماء النمير من العين الثرة، وقد تطهرت من أوساخها وأوضارها".

    25/۱۱/20۱9م
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de