عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ الحلقة الثامنة بقلم خالد الحاج عبدالمحمود

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 11:21 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-03-2019, 11:59 PM

خالد الحاج عبدالمحمود
<aخالد الحاج عبدالمحمود
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 158

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ الحلقة الثامنة بقلم خالد الحاج عبدالمحمود

    11:59 PM October, 03 2019

    سودانيز اون لاين
    خالد الحاج عبدالمحمود-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ / خالد الحاج عبدالمحمود
    بسم الله الرحمن الرحيم
    "أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"

    الجزء الثاني
    الحياة في الإسلام
    الفصل الأول
    التوحيد وأصل الحياة وطبيعتها
    رأينا أن الحياة، حسب الحضارة الغربية، ظاهرة بيولوجية، جاءت نتيجة لظهور المادة العضوية، من المادة غير العضوية، ثم تطورت هذه الحياة، وتعقدت، إلى أن ظهرت في قمتها، حياة الإنسان في المستوى البشري، وهذا تصور لا تملك الحضارة الغربية إمكانية لغيره، وذلك بحكم إطارها المرجعي، الذي يعتمد بصورةٍ كلية على العقل وحده، وما يتوصل إليه من علم، في إطار العلم المادي التجريبي.. فالتصور كله يقوم على المادية.
    أما تصور الإسلام، فيقوم على (التوحيد).. وفيه المنطلق الأساسي ـ كما بينا في التوطئة ـ هو أن الذات الإلهية المطلقة، هي أصل الوجود، وأصل كل ما يحدث فيه.. وأهم ما يعطيه التوحيد هو (الوحدة).. فالوجود واحد لا اختلاف نوع فيه، وإنما كل اختلاف في الوجود هو اختلاف درجة.. والحقيقة هي الذات الإلهية المطلقة.. والقانون الذي يحكم الوجود كله، في جميع أحواله قانون واحد، هو القانون الطبيعي – الإرادة الإلهية.. التي سيرت جميع العوالم وفي جميع الأزمنة.. فما من شيء يكون أو يحدث، في الوجود الحادث، إلا وهو مظهر لهذه الإرادة، وتعبيرٌ عنها.. فالكون كله أصله واحد، ويحكمه قانون واحد، ومصيره واحد.. هو من الله صدر وإليه يعود!!
    على ما تقدم الوجود يقع في مستويين: وجود حقيقة، ووجود حق.. وجود الحقيقة يتعلق بالذات الإلهية، وما يلحق بها، وهو أصل الوجود.. ووجود الحق هو فرع من هذا الأصل، ومظهر له.. ووجود الحقيقة يقوم على الوحدة، والثبات الوجودي.. أما وجود الحق، فيقوم على التعدد، وفي قمته الثنائية، وعلى الحركة الحسية والمعنوية.. ولقد قمنا بعرض هذه النظرة التوحيدية، بإيجاز، في التوطئة، فلتراجع في موضعها.
    على ما تقدم، أصل الحياة في الإسلام، هو حياة الله تعالى، في ذاته، فهو تعالى وحده الحي بذاته، وكل من عداه وما عداه، حي به تعالى.. فالحياة في حقيقتها واحدة، ومطلقة!! وحياة كل حي دون الذات، هي مظهر وتجلي لحياة الحي الواحد.. والتجلي إنما يكون حسب استعداد المحل عند المُتجلى عليه.. وعلى ذلك، التصور الأساسي للوجود، في الإسلام يقوم على فكرة الأصول والفروع.. ولقد فصلنا في أمر الأصول والفروع، في كتاب (الإسلام ديمقراطي اشتراكي)، وكتاب (الإنسان).. ونحن سنرجع إليه في هذا الكتاب.
    فأكمل تعريف للحياة هو أنها تجلي الله باسمه الحي.. وإنما يكون هذا التجلي حسب استعداد المُتجلى عليه.. هذا تصور يختلف بصورة جذرية عن تصور الحضارة الغربية للحياة.. فحسب التصور الغربي، هنالك حيوات بعدد الأحياء!! وحسب التصور الإسلامي – تصور التوحيد - لا توجد سوى حياة واحدة، وكل حي، حياته إنما هي تجلي لهذه الحياة الواحدة.. فالتعدد ليس أصلاً في الحياة، وإنما الأصل الوحدة، والتعدد مظهر!! وهذا الأمر ينبني عليه الكثير جداً، والهام جداً.. وأهم ما ينبني عليه هو أن جميع الأحياء، دون الذات الإلهية، ليسوا أحياءً بذواتهم، وإنما هم أحياء بالله!! يقول تعالى: "اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ".. القيوم يعني الذي تقوم به جميع الخلائق، فما من شيء منها، يقوم بذاته، وإنما كل شيء منها قيوميته بالله!! ولذلك حاجتها إلى الله تعالى، حاجة مطلقة وسرمدية، فهي لا تستطيع أن تستغني عن الله، ولو للحظة واحدة.. قوله: "اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ" يعني لا فاعل لكبير الأشياء ولا صغيرها إلا الله.. فهو تعالى وحده صاحب الفاعلية في الوجود.. هو الفاعل بالأصالة، وكل من عداه، وما عداه، فاعل بالحوالة، أي: فعله بالله وليس بذاته.. قوله من الآية "الحي"، يعني الحي بالأصالة، فهو تعالى وحده الحي بذاته، وكل من عداه، حي به تعالى، وحياته من حياة الله، التي لا حياة غيرها.. وكون الله تعالى وحده، هو الحي بذاته، يعني فيما يعني، أن الحياة في الوجود حقيقتها واحدة، وهي مطلقة ليست لها بداية، وليست لها نهاية.. كل الذي يبدأ وكل الذي ينتهي، هو الصور الغليظة للحياة.. فالحياة من حيث هي خالدة، وغير قابلة للفناء!!
    فالذي يفنى من الحياة، صورها الغليظة.. الصور الأقل استجابة للحياة.. وفناء هذه الصور يعني انتقالها إلى صور أكمل منها، وأقرب إلى أصل الحياة.. وهذا هو معنى قوله تعالى: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ".. يعني يبقى البقاء المطلق، وجه المطلق، ويبقى البقاء النسبي، الوجه الذي يلي الله من الأشياء.. فالذي يفني هو الوجه البعيد عن الله، ويبقى الوجه القريب.. فالفناء والبقاء عبارة عن عملية تطور، تنتقل فيها الأشياء من الكثافة إلى اللطافة، في عملية تطور، تطلب فيها الأشياء ـ جميع الأشياء ـ مركز دائرة الوجود ـ الله.. وهذا ينطبق على الحياة بصورةٍ خاصة، لأن الحياة هي الصفة الأولى والأساسية، التي تتعلق بها بقية الصفات.. ففي الصفات النفسية السبع، الله تعالى: حي، وعالم، ومريد، وقادر، وسميع، وبصير، ومتكلم.. وقد خلق الله تعالى الإنسان وأسبغ عليه هذه الصفات.. وهي صفات الله بالأصالة، وللمخلوقات (الإنسان) بالحوالة.. وهذه الصفات بالنسبة لله، هي في مطلق الكمال، وللإنسان في طرف النقص، إلا أنه نقص يطلب في كل حين، أصله من الكمال، الذي هو عنه صدر.. فالحركة من النقص إلى الكمال، حركة سرمدية، لا انتهاء لها، لأن مطلبها هو المطلق، وليس للمطلق نهاية فتبلغ.
    المطلق لكي يُعرف، نزل فتقيد.. وإلى ذلك الإشارة بالحديث القدسي: "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق، فتعرفت إليهم فبي عرفوني".. وقد كانت النزلة الأولى إلى مقام الاسم (الله)، وكانت هذه بداية الخلق في الملكوت.. ومقام الاسم هو مقام الإنسان.. فالإنسان هو بداية الخلق، كما أنه أكمل الخلق.. ومقام الاسم هذا هو ما اصطلح على تسميته (الحقيقة المحمدية).. فالحقيقة المحمدية هي أصل الوجود الحادث، وإليها الإشارة بقول المعصوم: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر".. وهذا خلق في عالم الأمر، في الملكوت، يقول تعالى: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ* وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ".. (عالم الأمر)، هو عالم الإرادة عندما تنتهي فيها الثنائية إلى الوحدة، والوحدة هي الأصل، والثنائية مظهر، وكذلك التعدد في صوره المختلفة هو مظهر.. ولله الخلق والأمر "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ".. والأمر هو الروح، كما هو العلم.. والروح هي الطرف اللطيف من كل شيء.. كما أن الأمر هو العلم، لأنه الطرف اللطيف من الإرادة.. فثالوث الخلق هو: العلم والإرادة والقدرة.. فالإرادة صفة بين صفتين من أعلاها العلم، ومن أسفلها القدرة، وفيها خصائص العلم والقدرة معاً، فكلما ذكرت الإرادة منفردة، فهي تعني العلم والقدرة.. والإرادة صفة أزلية، قائمة بذات الله.. والمخلوقات جميعها، صور لتجليات الإرادة، في الوجود المادي.
    لقد خُلق الإنسان في عالم الأمر، عالم الملكوت، كاملاً، عالماً وحراً.. لكنه رُد من مقامه ذاك، إلى عالم الخلق، ليُمتحن في حريته، حتى ينالها بحقها.. وحقها هو حسن التصرف فيها، كما سنرى.
    مما تقدم يتضح أن الحياة تقع في مستويين أساسيين: مستوى الأصل، وهذه حياة الله تعالى في ذاته، وهي مطلقة، لايصح في حقها الحديث عن الكيف.. وهي في الحقيقة الحياة الوحيدة، وكل حياة سواها، لا وجود لها كغير أو سوى، وإنما هي نفس هذه الحياة، التي لا حياة غيرها، في تنزل، أو تجلي، يتحدد وضعه حسب استعداد المحل عند المُتجلى عليه، في تلقي الحياة.
    أما الحياة الثانية فهي حياة الفرع _حياة الإنسان_ وهذه ظهرت في قمتها بالتنزل من الذات إلى مقام الاسم (الله).. وهذه هي حياة الخلق.. والخلق جميعهم، هم الإنسان في طور من أطواره.. ولكننا هنا لم نصل بعد إلى هذه الأطوار، إنما نحن نتحدث عن الأصل الثاني للحياة، في الملكوت، وهو الحقيقة المحمدية.. فحياة الأصل هي حياة الربوبية، التي يمتنع فيها الحديث عن الكيف.. وحياة الفرع هي حياة العبودية، وهي لا تقوم بذاتها، وليس لها وجود من ذاتها، وإنما قيوميتها بالربوبية.. وحياة العبودية هذه، هي حياة جميع الخلائق، الذين كان اجتماعهم في الملكوت، في الحقيقة المحمدية.. وفي هذا المقام شهدوا جميعاً لله بالربوبية، ولأنفسهم بالعبودية.. يقول تعالى عن ذلك: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ".


    حياة الملك:
    قلنا أن الحياة الثانية هي حياة الإنسان، لأن جميع ما نراه، وما لا نراه، في الكون الحادث، هو الإنسان في طور من أطواره!! وفي هذا المعنى، يقول الأستاذ محمود: "في الحقيقة ليس في الوجود الحادث غير الإنسان.. وجود الإنسان وجود أزلي أبدي _سرمدي_ فهو ينزل المنازل في البعد من الله وفي القرب.. وهو مغترب وراجع من الاغتراب إلى وطنه الأصلي، إلى الله في إطلاقه.. وليس لهذا السير نهاية، وإنما هو سير في السرمد، لأنه سير إلى المطلق.. "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ* إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ".. خُلق الإنسان في أحسن تقويم في الملكوت عند الله، ثم جاءه التكليف فعصى أمر الله بإغواء إبليس إياه فأبعد هو وزوجه وأبليس.. أبعدوا إلى أسفل سافلين، وهو مستوى ذرة غاز الهيدروجين".. فقد كان الإنسان في الملكوت في أقصى حالات الكمال (في أحسن تقويم)، وذلك لمكان قربه من الله.. والقرب من الله كما نحب أن نُذكر دائماً، ليس قرب مسافة، وإنما هو قرب صفات.. وأعلى الصفات صفة الحياة.. وهي الصفة التي تستمد منها بقية الصفات وجودها.. فمن أكمل صور الحياة، رُد الإنسان إلى أسفل سافلين، إلى أحط صور الحياة.. حياة المادة غير العضوية، في أدنى مستوياتها ـ مستوى ذرة غاز الهيدروجين.. ومن هذا البعد البعيد انتدب الإنسان ليسترد مكان قربه من الله ـ يسترد كماله.. فالكمال الذي كان في (أحسن تقويم)، يمثل طبيعة الإنسان الأساسية، كما أنه يُمثل أصل حياة الإنسان.. فأصل الحياة هو الكمال ـ الكمال المطلق- وهذا حظ الذات وحدها، والكمال النسبي هو حظ الإنسان.. والكمال النسبي منفتح على الكمال المطلق، سائر إليه وصائر إليه، فلا حد لكمال الإنسان، ولا نهاية لمسيرته فيه!!
    وقد رُد الإنسان إلى أسفل سافلين، ليُحقق الكمال الذي كان عليه في عالم الملكوت، يُحققه في عالم الملك، في الجسد، وقد قطع الإنسان شوطاً طويلاً، في مراقي التطور في الحياة، إلى أن بلغ مرحلة البشرية، التي نعيشها منذ حين.. ومن أجل الفهم، لا بد من التمييز بين هذه الأطوار.. فقد كان الطور الأول هو عبارة عن المادة غير العضوية، في مراحلها المختلفة، ثم جاء طور المادة العضوية في مراحلها المختلفة، من الكائنات وحيدة الخلية، إلى متعددة الخلايا، إلى النباتات فالحيوانات، إلى أن توجت بالبشر المكلف.. وحسب الاصطلاح، وللتمييز بين الأشياء، المادة العضوية وحدها هي التي نسميها حية.. لقد فصلنا في قضية التطور هذه في كتاب (الإنسان بين الحضارة الغربية والإسلام) ونحن لا نحتاج إلى إعادة ما ذكرناه هناك.. المهم أن جميع صور التطور هي عبارة عن تطور في مراقي الحياة.. وجميعها تطلب غاية واحدة، هي الوصول إلى حياة الإنسان، والترقي في مراقيها.. فقبل الوصول إلى حياة الإنسان هذه، كل مراحل الحياة هي في مستوى حياة الحيوان، وهي تشمل حياة البشر.. فنحن هنا نتحدث عن مستويين من مستويات الحياة: حياة الحيوان وحياة الإنسان.. وحياة الحيوان هي طور من الأطوار نحو حياة الإنسان، وإنما نفصل بينهما بغرض التوضيح.. وحياة الحيوان بما فيها حياة البشر، وسيلة، وحياة الإنسان هي الغاية.. وحياة الإنسان لها بداية، كما سنرى، ولكن ليست لها نهاية، وقد سبقت إلى ذلك الإشارة.
    لقد أشرنا إلى موضوع الأصول والفروع، ولعظيم أهميته، من الأفضل أن نورد هنا الحديث عنه، فهو مما يعين، إعانة واضحة على فهم ما نرمي إليه، عندما نتحدث عن الحياة في مستوييها.
    الأصول والفروع:
    بعد التنزل إلى الإسم، بدأ عالم الخلق، وبدأت الثنائية في الوجود.. فقد أصبح هنالك، في أعلى الثنائية: الخالق والمخلوق أو الرب والعبد.. ثم تتالت الثنائيات ـ أو الأزواج ـ وجميع الثنائيات تقوم على خلفية من الوحدة.. فالوحدة، هي أصل الوجود، والتعدد مظهره.. وبظهور الثنائية تدلت الفروع من الأصول.. ووجود الأصل هو وجود حقيقة، فهو ثابت، ومهيمن على الفرع.. أما وجود الفرع فهو وجود حق، وجود حكمة، فهو فانى، ومعنى فاني أنه متحرك، ومتقلب في الصور، يطلب أصله.. ويمكن تلخيص القضية في نقاط، كما يلي:
    الأصل في الوجود هو المطلق.. وما المحدود إلا مظهر للمطلق.
    المطلق هو الثابت الوجودي الوحيد.. وكل من عداه، وما عداه، لا يقوم بذاته، وإنما يقوم بالمطلق، ولذلك حاجته للمطلق حاجة تامة، لا مجال فيها للاستغناء، وهي حاجة دائمة.. وهذا هو جوهر العلاقة بين الخالق والمخلوق.. الخالق في حالة استغناء تامة.. والمخلوق في حالة حاجة للخالق تامة، مطلقة وسرمدية.
    الأصل في الوجود الوحدة، وما التعدد، وفي قمته الثنائية إلا مظهر لهذه الوحدة.
    الوجود الحادث متحرك، حركة حسية ومعنوية، ولن ينفك.. وفي حركته، يطلب غاية واحدة، أساسية، هي المطلق.. ولذلك الحركة، هي حركة من النقص إلى الكمال.. ومن الجهل إلى العلم، ومن القيد إلى الحرية، ومن الشر إلى الخير، ومن الألم إلى اللذة، ومن القبح إلى الجمال، ومن الباطل إلى الحق.. ومن الحق إلى الحقيقة.
    الأصل في الوجود هو الخير، والخير مطلق.. وما الشر إلا فرع من الأصل، ومظهر له.. متنزل عنه لحكمة سوق المحدود إلى المطلق.. فالشر، وجنود الشر جميعاً، موظفون لخدمة الخير، الذين هم طرف منه.
    القانون الذي يحكم الحركة، في جميع مستوياتها، وفي مختلف أشكالها، هو القانون الطبيعي ـ الإرادة الألهية ـ وهو الأصل وماعداه من قوانين هي الفرع.
    البيئة الطبيعية، في جميع مستوياتها، هي بيئة روحية ذات مظهر مادي.. فالروح هي الأصل، والمادة هي الفرع، والمظهر.. والاختلاف بين المادة والروح هو اختلاف درجة.. اختلاف في درجة اللطافة.. فالمادة هي: روح في حالة من الذبذبة تتأثر بها حواسنا.. والروح هي: مادة في حالة من الذبذبة لا تتأثر بها حواسنا .. فالروح هي الطرف اللطيف من كل شيء، والمادة هي الطرف الكثيف.. والحركة، كلها، هي حركة من الكثافة إلى اللطافة.
    الحياة هي الأصل، والموت فرع ومظهر لها، وهو لا يختلف عنها اختلاف نوع، وإنما اختلاف درجة.. والأصل في الحياة هو حياة الله في ذاته المطلقة.. وكل حياة أخرى، هي مظهر لهذه الحياة، ومستمدة منها، وتقوم عليها.. وأدنى مستويات الحياة، هي حياة المادة غير العضوية ـ تلك التي نسميها إصطلاحاً ميتة ـ لأن حياتها كامنة فيها.. أما البداية للحياة التي نصطلح على تسميتها حياة، فهي حياة حيوان الخلية الواحدة.. وكل حياة في أي مستوى من المستويات، هي متطورة ونامية تطلب أصلها.
    عن طريق قانون المعاوضة في مستوى الحقيقة، برزت المادة العضوية من المادة غير العضوية.. وأصبح عندنا ما أسميناه (إرادة الحياة).. وقانونها طلب اللذة بكل سبيل، والفرار من الألم بكل سبيل.. ثم بفضل الله، وبفضل صراع الحياة، الذي يقوم على قانون المعاوضة في مستوى الحقيقة، برز الإنسان، ببروز العقل المكلف.. وظهرت إلى جانب (إرادة الحياة)، (إرادة الحرية) وهي مستوى جديد من الحياة.. ولتوجيه هذه الحياة جاء قانون المعاوضة في مستوى الشريعة ـ قانون الروح ـ وهو يقوم على شريعة الحلال والحرام.. ويتوجه بخطابه إلى العقل (إرادة الحرية) ليقيده بقانون يحاول أن يصاقب قانون المعاوضة في الحقيقة.. ولقد ظل هذا القانون يتطور، بتطور الفرد البشري، والمجتمع البشري.. مستنداً في تطوره على التعلم من خلال التجربة في الخطأ والصواب.
    الإرادة الإلهية هي الأصل، والإرداة البشرية هي فرع ومظهر.. والعقل الإلهي هو الأصل، في حين أن العقل البشري هو فرع ومظهر.. والله تعالى هو الفاعل الحقيقي في الوجود، وكل فاعل عداه هو فاعل مباشر، وفعله محاط به من قبل فعل الفاعل الحقيقي.
    النعيم هو الأصل، والعذاب فرع ومظهر.
    الحق هو الأصل، والباطل فرع ومظهر... إلى آخر ما هو مفصل في دعوة الأستاذ محمود محمد طه في هذا الصدد.
    نخلص إلى أن حقائق الوجود المذكورة هي ما ينبني عليها التصور الأساسي لأصل الإنسان وطبيعته في الإسلام، ولا يمكن معرفة هذا الأصل، وهذه الطبيعة دون هذه الحقائق.. وهذا يشكل جوهر الاختلاف بين تصور الإنسان في الحضارة الغربية، والإسلام..
    فالحضارة الغربية تنطلق في تصورها للإنسان، من النظر إليه كواقع تأريخي.. والإسلام ينظر للإنسان من منطلق طبيعة الوجود، فهي التي تحدد طبيعة الإنسان وأصله.. وعلى هذا، نظرة الحضارة الغربية للإنسان نظرة منبتة، لا علاقة لها بالإنسان في الأعالي، حيث طبيعته وأصله.. ثم هي لا تملك أي تصور للغاية من وجود الإنسان، ومعنى وجوده.. فهي لا تعرف عن الإنسان، ولا يمكن لها أن تعرف، إلا الظاهر فقط.. وحتى الظاهر، هي تعرفه في إطار تأريخي معين، ودون أي صلة تربطه بأصل الوجود وطبيعته.. وما يقال عن الإنسان، يقال عن الحياة.


    4/اكتوبر/20۱9























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de