عثمان ميرغني ليس غالي على فداء الوطن. ولا أعرف من ظل يفدي حرية الصحافة بيده ولسانه وجيبه مثل الأستاذ عثمان ميرغني. بل وبجسده الذي حفر عليه خصوم الحرية جراحاً دامية. وأقض مضجعي اعتقاله وهو الذي كان يجلس على يساري في لقاء الدوحة الذي ناقش تحديات الوضع الراهن في البلاد قبل أسبوع. واتيح لي لأول مرة النجوى معه بتعليقات بنت وقتها على مجريات الجلسات تطرد الملل. اختلفت مع عثمان خلال العقود الماضية كثيراً وعلناً وبالذات حول مسائل في تاريخنا المعاصر. ولم أتأخر مع ذلك منذ بداية الألفية في شد ظهره متى تربصت الحكومة به. وكان عثمان طيراً للحرية تربصت به الحكومة لقلمه الإسلامي الصريح. وكانت وزارة العدل خصمه من دون سائر مصالح الدولة. فقد نظرت محكمة جنايات الخرطوم شمال عام 2000 في قضية ضده مرفوعة من إدارة محاكمة الثراء الحرام بوزارة العدل حول تصرفات لها حول فساد التاكسي التعاوني الشهيرة والأزلية. ثم نظرت محكمة أخرى في قضية رفعتها وزارة العدل في 2001 تعلقت بمطلبه رفع الحصانة عن المرحوم مجذوب الخليفة، والي الخرطوم، المتهم بالأساليب الفاسدة في انتخابات ما. وكانت حصيلة دفاعي عنه مقالين أعدت نشرهما في 2008 حين نظرت محكمة أخرى في فضية اثارها عن شركة الأقطان، الموبوءة بالفساد في أكتوبر 2017، ويوم رفض دفع غرامة أوقعت به وارتضى السجن بديلا. ومن فرط تكاثر عثمان أمام المحاكم واضطراري استعادة نشر المقالين جعلت عنوان كلمتي في 2017: "عثمان ميرغني: ما عذبتنا يا خي". أما عنواني المفضل من تينك المقالين فهو الذي قال: "أماني وزارة العدل ما حقرت بعثمان ميرغني حُقرة". واستوحيته من حكاية في الأسرة عن جدي لأمي أحمد حمد إزيرق. وكان رجلاً "متزقلتا" أي أنه كان ذا دعابة فصيحاً جريء العبارة. وهي صفة في أهلي الإزيرقاب. وعرّفتها في مقدمة لكتاب "الدغمسة" لتاج السر الملك بأنها جنس كلامي يقع في مجلس ينصرف أهله للمعابثة باللغة طلباً للتفكه والأنس. وهي خصلة فينا لاحظتها في زيارتي لحفيدي على يوسف زين العابدين (10 سنوات) منذ أيام في قطر. فهو "مصاب" بالزقلتة" أيضاً. فكان أول تعريفه لنفسه لي بأنه معروف ب"الشَرِه". وراوحنا عند الاسم العجيب طوال الزيارة بزقلتات متبادلة أحسنها بأفضل مني. نعود للقصة التي استقيت منها عنوان مقالي "أماني وزارة العدل ما حقرت بعثمان ميرغني حقرة". فقيل إن جدي كان يجلس يوماً في خلوته بقرية البرصة من أعمال مركز مروي قديماً. فسمع الصائح على "درب الترك" ينعى لأهل القرى ميتاً: "الحي الله والدائم الله فلان ود جينابي راح في حق الله. ألحقو الدافنة." والجيناب أسرة ذات وجاهة وعدد في قرية القلعة. وجلس جدي في خلوته على "درب الترك" لأسبوع خلا من دفن فلان ود جينابي. وإذا به يسمع الصائح يذيع ويعمم خبر ميت آخر: "الحي الله والدائم الله علان ود جينابي راح في حق الله. ألحقوا الصلاة ": ونظر جدي ملياً وكرر "آي آي " التي هي المفتاح لزقلاتاته ودعاباته وقال: "على الطلاق الموت حقر بالجيناب حُقرة ". رحمه الله. وزقلتاته كثيرة استفدت منها في مقالات أخرى. ولما سمعت باعتقال عثمان ميرغني قبل أيام في أيامنا الغراء هذه، ولم ابرحه إلا من أيام، قلت في نفسي "عذبتنا يا عثمان ميرغني يا خي" أو "أماني الإنقاذ ما حقرت بعثمان ميرغني حُقرة". وحدو قريب. سلمت من كل أذى يا عثمان الإسلامي يقيناً من حمله خلق المهنة، وهي دين مدني، إلى محاكم الإنقاذ منتصراً للصحافة ولدين هو لله حقاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة