تداعيات التأخير في تعيين وُلاة الولايات يُشكِّل سبباً رئيسياً في (تأخر) مسيرة القوى النظامية للأقاليم السودانية المُحرَّرة بالثورة عن اللِّحاق بركب المفاهيم والقيَّم الديموقراطية التي على ما يبدو قد بدأ (المركز) فقط في جني (بعض ثمارها) بعد أن تمكنت المواكب الأخيرة من دخول القصر الجمهوري رغم ما حدث في ذلك من تجاوزات ، إن ما وقع من أحداث في تظاهرات نيالا الأخيرة عبر إستعمال الأجهزة الأمنية القوة المفرطة والغاز المسيل للدموع و(التهويش) بالذخيرة الحية في مواجهة الموكب الجماهيري الذي طالب فيه المتظاهرون بإيجاد حلول لندرة الخبز والمواصلات هو أصدق المؤشرات التي تعكس (ضعف إيمان) القيادات وفي مقدمتها الوالي بما حدث من تغيير في السودان بعد ثورة ديسمبر المجيدة ، فإن لم تتغيَّر الثقافة العامة لولاة الأمر تجاه حركة الشارع المطلبية بشتى أنماطها من مظاهرات ووقفات إحتجاجية وندوات وغيرها من أنشطة ، سيظل واقع البلاد في نفس خانة (الركود السلبي) الذي كانت تفرضهُ الأنظمة الشمولية والإستبدادية من أجل تكميم الأفواه حرصاً على عدم ظهور الحقائق وفي مقدمتها أوجُه التقصير والفساد وعدم الكفاءة في أداء الواجبات الوظيفية ، عندما (يعجز) الوالي وقياداته العُليا عن إيصال المفاهيم المُستجدة لكيفية تعامل الشرطة والأجهزة العسكرية والأمنية مع المظاهرات السلمية والنشاطات الإحتجاجية في (عهد دولة الحرية والعدالة والمساواة) ، يكون الأمر بالنسبة إلينا إشارةً واضحة تفيد ضعف إيمانهم بالديموقراطية وقصورٌ في قناعاتهم (بتحوُّل) دور الشرطة والأجهزة الأمنية في مثل هكذا حالات من (منافس) إلى (حامي) يستهدف إستقرار الحالة الأمنية العامة أثناء التظاهر ، فضلاً عن الحرص الجاد على سلامة المتظاهرين وتمكينهم من ممارسة حقهم الدستوري في أمان وإحترام.
بالطبع ستظل كل الحقوق الدستورية التي تكفل للمواطن التعبير عن رأيه وإحتجاجه هي رأس الرمح في (تمييز) الإختلاف بين دولة السُلطان الجائر ودولة القانون والمؤسسات ، هكذا بكل وضوح ، فإن لم تنتفي مظاهر القمع والإستبداد الأمني وإستعماله للقوة والإهانة والإضرار بالجموع في غير ما تتطلَّبه المصلحة العامة ، ستصبح شعارات الثورة وفي مقدمتها (الحرية) مجرد شعارات فضفاضة تناوشها الرياح ، أضف إلى ذلك أن مفهوم العلاقة بين الدولة والمواطن يجب أن يرتفع في ذهنية من يتولون مراكز النفوذ في عهدنا الديموقراطي هذا إلى مستوى اليقين الذي لا يقبل الشك بأن كل مرافق الدولة وموظفيها وإمكانياتها بما في ذلك أجهزتها الأمنية والشرطية والعسكرية هي في خدمة المواطن ونشاطاته الدستورية ويجب أن تكون تحت إشارته إذا ما إحتاج للحماية والدعم و(التقدير والإحترام) لحقوقه الإنسانية.
كما يجب أن نعترف بأن المكوِّنات القاعدية الدُنيا للقوى الشرطية والأمنية والعسكرية المنوط بها عمليات التعامل المباشر مع المواطن ونشاطاته الجماعية سواء كانت سياسية أو مطلبية ، تحتاج بشدة إلى إعادة تأهيل قانوني وثقافي على المستوى المهني يُبيِّن الحقوق والواجبات والشروط التي تُبيَّن دور المواطنين والقوى النظامية في إنجاح النشاطات الجماهيرية الدستورية ، كما تحتاج أيضاً إلى (قيادات) قادرة على إيصال ثقافة إحترام الحقوق الديمواقراطية (الجديدة) بعد إنهيار نظام الإنقاذ البغيض ، فضلاً عن تدريب وإعداد تلك القوات فنياً وقانونياً وثقافياً في إكتساب مهارات التعامل مع المواكب والمظاهرات والوقفات الإحتجاجية وشتى أشكال التعبير السلمي والديموقراطي عن الآراء والمواقف والمطالب ، لأنها ستكون في المستقبل من النشاطات المجتمعية المُستمرة والمتواترة بإعتبارها سِمة من سِمات النظام الديموقراطي وأداةً فاعلة من أدوات التقويم وكشف المفاسد ، والداعم الإستراتيجي لحركة الإصلاح و التنمية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة