بعد أن تم إحتلال مؤسسات البث الإعلامي الوطني على إثر فوضى التمكين الفكري والثقافي الذي كان أقسى ضربة وجَّهتها حكومة الإنقاذ لحركة تطور الفكر والثقافة والإبداع في السودان ، بكل الحزن والأسف أجدني مضطراً لأنعي للشعب السوداني معظم صحافته التي أصابها فقه (التدجين) وآفة الإنصياع إلى ما لا يمُت إلى الحقيقة بصلة ولا يخدم إلا فئة المنتمين إلى السلطة من القابعين على صدر البلاد والعباد ، لا لشيء سوى الإستمتاتة من أجل الإستمرار في الغيّْ واللهث وراء عرض الدنيا الزائل ، كيف لصحافة لا تُعبِّر عن وجدان الشعب وضميره الخافق بالحياة من أجل التحرُّر والإنعتاق من الذل والهوان والفقر والمرض أن تنأى بنفسها رغبةً في السلامة عن عكس نضالاته وتضحياته وتطلعاته من أجل البقاء ، والحكاية في هذا المضمار تبدأ من القاعدة التي أصبحت سِمةً لا يمكن نكرانها للخط العام في إختيار الشخوص لقيادة الكثير من المؤسسات الوطنية ذات الخصوصية والأهمية وخصوصاً الإعلامية و الصحفية على وجه التحديد ، تلك السِمة بإختصار تتمثَّل في مثابرة وإجتهاد أصحاب القرار والقابضين على زُمام الأمور في تقصي أقل الناس قامةً وإبداعاً في مجالاتهم وأضعفهم كفاءةً وأكثرهم إنبطاحاً وقُدرة على التقبُّل النفسي والمهني لأوجاع الإنصياع والذل ، لقد إستطاع نظام المؤتمر الوطني أن يطعن في خاصرة الإعلام السوداني وصحافته التي كنا نسميها في الماضي (حُرة) ونسميها الآن (عُرة) لأنها ببساطة خرجت عن دائرة رسالتها المقدسة المُتمثلة في تقديم الحقيقة المحضة دون تحيُّز ولا مُداهنة ولا تهافت نحو مصالح شخصية ، والمصالح الشخصية للصحفي والإعلامي المُداهِن تشمل ضمانات حصوله على حالة الأمان والرضا الحكومي عن ما يكتب ويقول ، فحتى أولئك الذين يؤثرون سلامتهم من بطش السلطان الجائر يلِجون بصورة أو أخرى في مستنقع خيانة القراء والمجتمع الذي يظن أنهم أمينون على حقوقهم في الحصول على مؤسسات إعلامية نزيهة ومحايدة وقادرة على قيادة دفة توجهات الرأي العام الجماعي في الإتجاهات الصحيحة التي تخدم قضايا حصول هذا الشعب المغلوب على أمره على حقوقه ، فضلاً عن إضطلاعها بلا تهاون ولا مزايدة على كشف مواطن الفساد والخلل والصواب في كل الإتجاهات بما في ذلك السياسية والإدارية والإقتصادية والمجتمعية المحضة دون رهبة من حكومة أو أجهزة قمعية تعتقد أن مهمتها الأساسية هي لويّْ عنق الحقائق لتتناسب قسراً مع مصالح أصحاب النفوذ والحالمين بلا إنقطاع بدوام وخلود بقائهم على سُدة السلطة والنفوذ ، شعارنا (صحافة حُرة أو لا صحافة) هو التعبير الأمثل لما يريده شعبنا من صحفه اليومية ومؤسساته الإعلامية مهما كلَّفنا ذلك من عنت وتضحيات ومصادرات ، وذلك لن يتحقَّق عبر الموجهات الإدارية ولا اللوائح الداخلية لتلك المؤسسات ولا حتى بالتوجيهات الفوقية والقسرية للنظام السياسي الحاكم ، ولكنه فقط يتحقَّق بإيمان الصحفي والإعلامي العميق بدوره في بناء المجتمع وإرشاده وتنويره بنزاهة ومهنية وحِياد ، لا يستهدف في ذلك سوى الحقيقة في قالبها الذي يودي بالأمور في إتجاه المصلحة الوطنية ، كيف لأمة السودان أن تنهض من وهدتها وأغلب صحف الخميس الماضي لم تُشر ولو بإيماءات خجولة لما حدث يوم الأربعاء في بحري من إحتجاجات سلمية ضد الغلاء والإفقار القسري؟! كيف نبحث عن شمس التحرُّر والإنعتاق وإحياء التنمية ونحن نسجن الناس جوراُ وبهتاناً في أضابير الظلام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست