أطرف طريقة إهتدى لها مجموعة من الأصدقاء لتحديد سقف المستوى المعيشي لذوي الدخل المحدود ، تتلخص في قياس مرتبه الشهري بعدد الكيلوهات التي يمكن أن يوزنها لحماً من النوع الفاخر ، في أوان البؤس والإستنزاف المادي والإنحدارالأخلاقي الذي نعيشه اليوم ، على سبيل المثال وبعد أن أصبح كيلو الضأن (الذي لا يجروء محدود الدخل على مجرد النظر إليه وهو مصلوب على سقف الجزارات) الـ 250 جنيهاً عداً ونقداً فإن من كان دخله الشهري 3000 جنيه يمكن أن نقول إصطلاحاً بأنه يتقاضى راتباً شهرياً في حدود (الـ 12كيلو من لحم الضأن) وذلك من دون الحوافز والبدلات التي قد تصل إلى (4 قطع كوارع مع الجِلد والرأس) ، ولما كان أمر بلوغ راتبك لأربع أو خمسة كيلو من اللحم هو في حد ذاته نوع من المستوى الإجتماعي أو المعيشي العالي ، كان لابد أن نلتفت إلى أصحاب الدخول الضعيفة والعاملين بنظام اليومية من الفئات الأقل مستوى على سُلم الأجور ، لنعرف أن بعضهم لا يرتقي راتبه الشهري لنصف لكيلو أو 2 كيلو من اللحم ، كما أن بعضهم راتبه قد لا يسوى ما يمكن أن تُطبخ به حلة كوارع أو كمونية ، في بلدٍ يُعتبر الأول على مستوى القارة الإفريقية من حيث توفر الثروة الحيوانية والإمكانيات الطبيعية المتعلِّقة بوفرة المراعي والأراضي الزراعية التي يمكن أن تُشكِّل إزدهاراً لقطاع الإنتاج الحيواني ، كل هذا إمتداد طبيعي لإستشراء آلة الفساد التي إستشرت في جسد دولة المؤتمر الوطني من رأسها إلى أخمص قدميها ، فحتى التخطيط الإستراتيجي الذي كان من الواجب أن يستهدف الأمن الغذائي لهذه البلاد المغلوبة على أمرها (راح شمار في مرقة) في خِضم تركيز الجهود والإمكانيات والفرص لتعزيز المصالح الشخصية والحزبية للأقلية الحاكمة وتأمين بقائها في سُدة الحكم لتكريس المزيد من الهدم في البِنية السياسية والإقتصادية والإجتماعية لهذه البلاد وشعبها ، هذا الشعب الذي أصبح يهيمُ في وادي الفقر والمرض والجهل والخوف من الغد بلا وجيع ، فبعد أن إنهزمت مؤسسية الدولة أمام مؤسسة الظل السياسي للحزب الحاكم ، والمحروسة بالفساد والمحسوبية والإستقواء باللوائح والقوانين (الفوقية) والنفوذ ، فضلاً عن إتكاءها على قاعدة (تفضيلية) إقتصادية نافست الكتلة الإقتصادية الحكومية بما فيها النظام المصرفي وبنك السودان والمشاريع والمؤسسات الإقتصادية الكبرى ، لم يعُد هناك من كابح لوباء الفقر والعوز وقِلة الحيلة التي يعانيها المواطن العادي (من غير الحائزين على سند سلطوي بطريقة مباشرة أوغير مباشرة) ، أما اللحوم التي يدعو بعض الحانقين اليوم إلى مقاطعة شرائها إبتداءاً من يوم 1 / 7 ، فقد قاطعها أغلب المطحونين منذ أمدٍ بعيد ، وأعتقد أن هذه المقاطعة لن تنجح لأن ما يُنتج من هذه السلعة منذ عام تقريباً يُوَّجه لإستهلاك فئة بعينها من المتمتعين بما هيمنوا عليه بالمناصب أو المنفعة (الطفيلية) المتبادلة بينهم وبين النافذين ، فعامة الناس لا أظنهم يساهمون بمقدار 5 % مما يُستهلك من السلع الإستفزازية ومن بينها اللحوم ومشتقاتها ، دعونا لا ننسى ما حل بأمر التداوي في المستشفيات وتحويل القطاع الصحي إلى (دِلالة ) تجارية تحكم على الفقراء بالمرض والموت البطيء أو السريع ، وإلى التعليم الحكومي الذي هزمته حكومته المؤتمر الوطني في (مّلَجة) التعليم الخاص لكي تتكسَّب وزارة التربية ووزارة المالية من فتات الموائد الذي تُلقي به المدارس الخاصة في الخزائن على شكل رسوم تراخيص ورسوم تسجيل للطلاب (الذين وفي بِدعةٍ جديدة يُسجَّلون كل عام وعند الإنتقال من فصل دراسي إلى آخر) ، طالما إستمرت حكومة المؤتمر الوطني في التغذي من دماء الكادحين بالمزيد من فرض الضرائب والرسوم والجمارك والجبايات والعجز عن مواجهة الفساد ومحاسبة المُقصَّرين من القائمين على مسئوليات الدولة ، لن يُسدل في هذا الوطن سِتار الفقر والجوع والمرض والجهل والفشل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة