|
|
 حــــديث المدينــــــة
|
حــــديث المدينــــــة
( صلاح شكوكو )
في إحدى ليالي الخرطوم بحري الخريفية … والظلام يغلب على النور بفعل الجمرة الخبيثة ) وهو اسم يطلق على عدادات الكهرباء ذات الدفع المقدم ) .. ومن أطراف الحي تتناهى إلى أسماعنا أصوات الضفادع كمؤثر صوتي متناغم يعبر عن جغرافية اللحظة … كان الحديث يدور في شكل تقاطعات من هنا وهناك .. تتخلله بعض القفشات الأنيقة والتورية الفطنة .. فقد تعلم الناس فن النكتة وتقليب وجوه الكلمات .. وبرعوا في أسلوب الطرفة الذكية .. أما الهلال والمريخ والمنتخب ( الخاسر دوما ) فقد مل الناس الحديث عنهم … وما عادت تجد في سيرتهم متعة الاجترار … بينما لوالي الخرطوم قدر مقدر من الحديث المتعافي .. ولا تكاد تخلو المجالس من بعض ( الشمار ) الحار .
بينما نحن في هذا الجو المفعم بالمشاعر الدافئة والمداعبة البريئة أطلق أحد الظرفاء موضوعا أعتقد أنه لم ينال قدره من الاهتمام وذلك لطبيعة الظرف الذي كان يغلف الجلسة … فقد كنا في حضرة أستاذ جامعي تعرض لحادث مروري من العيار الثقيل انتهى به إلى بتر إحدى ساقيه .. وقتها كان يغلب على الحديث طابع المواســــاة والمداعبة وجبر الخواطــر والصبر عند الإبتلاء .
لكننا إن تأملنا الحادث المروري من زاوية أخرى سنجد أنه نتاج مباشر للظروف والمتغيرات التي أخذت طريقها في حياة الناس بسبب تغييرات البنية التحتية للعاصمة القومية … ذلك أن كثير من الطرق قد أعيد رصفها وتوسعتها حتى أصبحت أكثر إغراء للسالكين وأصبحت السرعة الزائدة مفردة حاضرة في سجلات رجالات المرور .. على عكس ما كان في سالف الأيام حيث كان السائق يخشى الحفر والمطبات أكثر من خشيته السيارات الأخرى وكان لزاما عليه أن يبطيء .. و بذا أصبحت السرعة قرينة بعدم السيطرة بحيث تفضي الى حوادث مرورية من العيار الثقيل بعد أن كانت الحوادث في جملتها من النوع البسيط والمتوسط عدا ما كان يحدث في الطرق السريعة ( مدني الخرطوم ) … فأضحت الطرق السريعة اليوم داخل العاصمة … أما سيارات ( أمجاد ) فقد حملّت أغلب أوزار الحوادث ومسبباتها .
نعود أدراجنا مرة أخرى صوب القضية التي فجرها ذلك الشاب فقد سأل عن الأسباب التي أدت إلى نجاح المطربة السودانية ( جواهر ) المقيمة في مصر ... وهل يعتبر هذا النجاح ظاهرة صحية ؟؟؟ رغم أنها تؤدي أغنيات تصنّف على أنها ضرب من الفن الهابط أو ( سوق الهز واللز ) الذي ينتشر في أحياء مصر الشعبية وينطلق من شرفات المساكن العتيقة والأزقة والحارات وأسطح البنايات وبعض المقاهي فيها .. أو من بعض السيارات التي يقودها شبابٌ متخثر مبستر ..
لعل الإجابة على هذه الأسئلة تبدو على درجة من الوضوح .. ذلك أن النجاح الذي صادفته جواهر ما كان له أن يكون في أي بيئة أخرى سوى مصر .. مما يعني أن لمصر مفردات معايير خاصة .. تحكم الحس والذوق فيها والمتأمل للفنانين الناجحين في مصر هذه الأيام يجد بينهم أو في مقدمتهم شعبان عبد الرحيم وأحمد عدويه والسلام عليكم ….
ومن جانب آخر هل ما تتغنى به جواهر يرقى لأن يكون شعراً ؟؟ وهل يمكن لعاقل أن يصدق أن مثل تلك الأغاني قد كتبها شاعر أديب ؟؟؟ وهل يمكن لشاعر حصيف أن يكتب أغنيات كهذه أو غيرها من الكلام الذي نسمعه بلا قافية و لا وزن و لا حركة …
العجيب أن 60 % من أبناء الشعب المصري موقنون بأن جواهر فنانة مصرية الجنسية .. فقد حُكى لي أخي أمجــــد أن بائعا مصريا ظل يزعم ذلك وحينما سُئل عن سر هذا الاعتقاد قال :- ( ما أهي بتتكلم عربي زي الحلاوة ) !! وسئل آخر عن أم كلثوم فأجاب بأن إسمهـا الحقيقي هو صابرين !!! وبهذا المنطق يصبح الإسم الحقيقي للشيخ الشعراوي هو حسن يوسف .
لكن سؤالا آخر ظل في الخاطر وهو هل تعتبر جواهر ذكية بالقدر الكافي لكونها اختارت مصر دون غيرها لعرض بضاعتها ؟؟؟ علما بأن هناك مغنيات كثيرات من السودان ومن بلاد أخرى اتجهن أيضا صوب مصر ( المؤمْنَّة ) ولم يصــادفن في طرقاتها ذات النجاح أمثال ( ستونه - وفطونه - وكرتونه - وبسطونه - وماردونا - ومجروس ) ..
ورغم كل ما يقال فقد بدأت بعض أشرطة جواهر تجد طريقها لبعض الناس في السودان ليس في قاع المدينة فحسب بل لدي عليَّة القوم أيضاً !!! ولقد رأيت بأم عيني وأنا أمام كلية للطبٍ تقبع في حيينا ببحري .. عصبةً من الشباب ( المختلط ) محشورون في سيارة صغيرة ( أتوز ) ينبعث منها صوت أم كلثوم .. لا عفوا صوت جواهر وهي تقول ( حمـاده … دا … أكلمو ….. ) .
وإن كان بعض طلاب الجامعات هذا هو شأنهم … فلن أستغرب أن يتصور إخواننا العرب الخليجيون أن تكون أغنية (( كده كده يالترله قاطرها قندراني )) لمحة من تراثنا الغنائي أو شكل من أشكال الواقع الغنائي في السودان … .
وحتى لا نعمم التقييم يجب أن ننوه إلى أن أغلب طلاب الجامعات اليوم ما عادوا يمثلون واجهات يعتد بها أو يشكلون حضورا معبرا عن وجه الثقافة في المجتمع فقد أصبحوا لماما فارغا من المحتوى … همهم الأول ينحصر في الموبايل وشلة الأنس وفتة الفول و ( التمباك ) .. وفي وسط كهذا يصبح الحديث عن الثقافة نوع من الترف وتحميل للأمور أكثر مما تطيق . وليس كل ما يبرق ذهبا ..
طرفــة :-
شاب جامعي ( مُنتشي ) وجد يبكي على ضفــة النيل بحرقة .. وحينما سُئل عن سبب بكاءه قال : - إذا إنتهى كوبري توتي ماذا سيكون مصير البنطــــون ؟؟
• أعتقد أن هم هذا الشاب كان من المفترض أن يكون هماً لمدير مصلحة النقل النهري .. الذي شرّد أخينا ) بكري كربوج ( تحت مظلة الصالح العام بينما الخدمة المدنية تترهل يوما بعد يوم …
• وبالمناسبة سمعت أن كوبري توتي ( تحت الإنشاء ) سيكون به أربعة أعمدة ( علب ) فقط .. إثنين بالخرطوم وإثنين في توتي بحيث يكون الجسر معلقاً وتتوزع الأحمال فيه على أسلاك مشدودة من أعلى على نسق الكباري الطائرة وأن الكوبري يجري تجهيزه بالخارج .. بينما أسندت أول أعمدة كوبري النيل الأزرق القديم من جهة الخرطوم بكتل خشبية ضخمة !!!
• ترى لماذا تبجح عنتر بن شداد وقال لأهل توتي في معلقته متهكما على شكواهم قائلاً :-
لن تكســــبوا شكواكـــمُ وأنا هنــــــا ........ وعليكمُ باللعب فوق الجسر عند الماء
قــــد كنتــــمُ بالأمس تحــــت مظلتي ........ واليــــوم جئتــــم جيئـة الغرمـــــــاء
ولّو فـــــإن الكـــرة أحكمــــــــها أنــــا........ وأنا أقــــرر مثــــل كـــــــل الحكمــــاء
أعلى ظهــــور الخيــــل عنـــدكم أركبوا ........ فرئاستي ســـــأزود عنهـــا بالدمـــــاء
• تم رصف الطريق الداخلي الذي من المفترض أن يصل بين هذا الكوبري وكوبري توتي بحري ( المقترح له أن يكون قبالة فندق قصر الصداقة ) .
• أسعار الأراضي بتوتي قفزت قفزات كبيرة بسبب التحول العمراني الذي سيحول الجزيرة من ريف داخل الحضر الى منتجع داخل المدينة .
• ترى هــــل يعــــــــــود ( حمام الوادي ) ليتغنى من داخــــــــــــــل الجـــــــــــــزيرة ؟؟؟؟
• حتى هذه اللحظة أحاول أن أفسر معنى كلمة توتي … بينما من السهل أن نفسر سبب وجود الجزيرة ذاتها في هذا الملتقى الجميل .
• ترى ماذا لو بنينا إستادا رائعا فيها ؟؟؟ وبمواصفات راقية نتجاوز به الزمان والمكان ؟؟ .
• ترى ماذا لو سميت الخرطوم بمدينة النيلين ؟؟؟ حتى يكون للإسم دلالة ومعنى .. إذ لا معني للفيل ولا خرطومه في هذا العصر .
• بالمناسبة ( أديس أبابا ) تعني الوردة الجميلة … وكازابلانكا والدار البيضاء إسمان لمدينة واحدة . والخرطوم عاصمة للثقافــــة عـــــــام 2005 !!!!!
• لم أجد مبررا واحدا لسوداتل وموباتل في تغيير أرقام مفاتيح المناطق الثلاثة بالعاصمة المثلثة وإضافة الرقم تسعة للمحمول .. هذا يعكس بجلاء عدم التخطيط وغياب النظرة المستقبلية .
• ما أحلى أن ينصف القانون شخصاً أو أشخاصاً أو جماعات .. خاصة حينما يكون فيهم رجال قانون وولات ومسئولين .. وفي ذات الوقت تتعجب أن يقع رجالات علم وقانون تحت طائلة المخالفة بسبب الكسب الرخيص ... تري في ماذا تتكلم المدينة الآن ؟؟؟؟
صلاح محمد عبد الدائم
( شكوكو )
أبوظبي
[email protected]
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست