مثَّلت الثورة السودانية وعياً وابتكاراً حديثاً في عملية المد الثوري وحيويَّة إطالة عمر الثورة لإحكام انتصاراتها على الخصوم، فكانَ لساحَةِ القيَادة دورُهَا التوعويِّ والتثقيفِيّ والتعليميِّ الذي استحسنه وتفاعل معه من ظلوا مشردين في شوارع العاصمة، ومظاهر إنسانية يعجز عنها الوصف، ثورة خرج من رحمها تجمع المهنيين وقوى إعلان الحرية، كانتا يدي الثورة التي ستجني قِطَافَهَا ولم تزل، والشوارع ما فتئت تمور بإحكام من خلال جداول أعمالها رغم كثافة الرصاص والغاز المسيل للدموع والتعذيب الذي طال الكبير والصغير من النساء والرجال في حقبة شهد السودان فيها بشاعة التنكيل ببني البشر. - اختفى البشير وحل محلَّه مجلسٌ عسكريٌّ أعضاؤه مِن شيعته العسكرية والايديولوجية الحزبية، اختفى البشير ومجموعة كبيرة من الحزب الحاكم، وظاهرة الاختفاء كانت تمارس من بعض الرموز التي هي أساس الحزب الحاكم.. فكانوا يختفون ويظهرون، ويأتون أكثر صلفاً وبطشاً، بعد أن يظن الناس أنهم يذهبون بغير رجعة، كعلي كبكري ونافع وعلي عثمان الذي كان يهدد بكتائب ظله لا أظله الله يوم لا ظل إلى ظله ذوالجلال. اختفوا عن المشهد، ولو أن تمثيلاً جرى للبشير بأنه حبيساً والبرهان رئيساً. - طفا إلى السطح ما اسموه المجلس العسكري الانتقالي، ليعلن أنه انقلب على نظام البشير ودماء الشهداء توشح الأرض بالثبات والحرية التي لا تراجع عنها، ولم تمض إلا ساعات حتى تكشف ابن عوف عن حقيقته التاريخية التي لا تؤهله وهو مطلوب للعدالة لقيادة شعب اشترك في قتل ابنائه وبناته في جنوب السودان سابقا ودارفور وجبال النوبة وأعالي النيل الأزرق، تمت الاطاحة به ليأتي البرهان المدان أيضاً في الإبادة الجماعية وتشريد العديد من قرى دارفور.. حتى صار فرعون الفور بما ادعاه من الربوبية عليهم.. (أنا رب الفور) لكنه حسب الآية الشريفة قتل الناس جميعاَ. فلماذا غاب عن مشهد التوقيع هذا الرب.. ليسطع ويلمع نجم حميدتي؟ - تراءت شخوص الضباط بمعية حميدتي المختلف عنهم قامة وزياً وتأهيلاً وأسلوباً.. ومطامحَ وأطماعاً. والثورة تراقب حركاتهم وسكناتهم، وهم يديرون فلولاً مسلحة بأزياء مشاعة لأيٍّ من هذه القوات التي غيَّبت ما يُعرف بالقوات النظامية المعهودة التي تعرف بقوات الشعب المسلحة، التي أداروا لها ظهورهم! لتصبح مسخاً مشوَّهاً واستحالت إلى كتائبَ للظل الكيزاني، ومليشيات الدفاع الشعبي، والشرطة الشعبية وغيرها من مسميات حماية نظام الترابي علي عثمان متبوعة ببعبع الموت، وعدو الحياة البشرية في دارفور، قائد عصابات الجنجويد حميدتي، الذي مكَّن له البشير أن تنهال عليه مختلف أشكال الدعم المعنوي والعسكري والمادي من دول المحور العربي، للقيام بدور العمالة والارتزاق ويمتد هذا العطاء السخي في دعم حميدتي، ليصبح الفريق حميدتي كرتبة عسكرية رفيعة، دون أن يتأهل تأهيلاً عسكرياً. - والثورة يزداد أوارها كل يوم، والمجلس يضيق صدره حرجاً كأنما يصَّعد في السماء، والثوار في القيادة أكثر سعادة بإنجازاتهم الثورية المستمرة، وهم أكثر تفاؤلاً، وأكثر سعادة بإبداعاتهم الفنية شعراً وغناءً وموسيقى ورسماً وفناً في التعامل الإنساني الراقي، يؤدون أفضل شعيرة في الإسلام على مشاهد ومظاهر اجتماعية سودانية لا نجد لها مثيلاً في العالم وتاريخ الإنسانية. حتى تنقضَّ عليهم فلولاً من أرتال قوات الجنجويد وكتائب الظل ومليشيات الأمن، لتنسف هذه الدولة الفاضلة، التي قل مثيلها وتزهق أرواح أبرياء نذروا أنفسهم حماة للثورة المجيدة حيث تم التنكيل والتمثيل بهم. - استطاعت الثورة بكل هذا الوعي وشبابها المستنير النابه يتقدمهم وفد التفاوض من قوى الحرية والتغيير، استطاعت أن تلجم لسان متحدثهم الكباشي، بعد أن أخذ يتضاءل أمام مطبات الصراع واحتدام المواقف، وكثرة زلات لسانه في إلقاء الكلام على عواهنه، حتى في مقام دفع الشُّبهة عنه وعن مجلسه أمام جرائم القتل، الآن وقد نَضِب معينُ حديثهم المهلهل لغوياً ونحوياً، بل قادهم طيشُهم إلى الاعترافات الضمنية بأنهم قاموا بفضِّ الاعتصام التي وردت مُنَجَّمَةً هُنا وهناك. - ما يتمّ الآنَ من مِطالٍ وتسويف في عمليَّة التفاوُض، معرفتهم بحتمية وقوعهم تحت طائلة المساءلة وإدانتهم بجرائم القتل والفساد في المال العام، ومن معهم من المختبئين من رموز النظام الذي خلَّفَهُم ليكونوا واجهة لهم. وحَدَا بهمُ الأمرُ إلى أن يمهروا وثيقةً دستوريَّةً مغايِرَةً للوثيقة التي كانت موضع التفاوض، وتمَّ عكسُ أهمِّ بنودِها، - أن تكون لهم حصانة مطلقة لهم ولمن يمثلون النظام المنسلخين منه، للقابعين خلفهم وهم يترقبون في حذر. - كيف يستقيم القول والفعل لديهم وهذا حالهم، ليخرجوا علينا في تمثيلية هزيلة، ونحن نعلم أن حميدتي هو الرابح، لأنه سعى إلى تلميع شخصيته في صفقة مريبة مع شركة كندية، ولعلهم أرادوا بإطالة جلسة التفاوض هذه لفت أنظار الإعلام العالمي إليهم وبالذات إلى كلمة حميدتي، الذي أعلن على الملأ في حديثة عن أن ما تم هو شراكة بين قوى الحرية والتغيير وبين المجلس العسكري وقوات الدعم السريع، كانت هذه العبارة؛ هي المغزى الكبير والمزية العالية الهدف من كلِّ هذا السهر المُمِضِّ لجمهور الإعلام المترقب للحظة الخروج من غرفة التفاوض، إلى التوقيع لتطير به الأسافير، بعد أن أتى التفاوض في مظهر خيَّب لظن وآمال الشعب السوداني، حيث كان توقيعاً على الوثيقة التي تم الاتفاق عليها مسبقاً، وأما الوثيقة موضوع الخلاف ستظل موضوع الخلاف الأبدي، وسيسير الطرفان كقضيبي السكة الحديدة لا يحضن بعضهم بعضاً ولن يتماسا ولن يلتقيا أبدا مهما امتدا.. - فليس من المعقول أن يُسلِّم البرهان وحميدتي ابن حمدان وجموع العسكر معهم رقابهم ورقاب من معهم في الدولة العميقة، ممن ولغوا في دماء الشعب وموارده فساداً وإفساداً.. لذا سيظل السجال محتدماً أمام موضوع الحصانة ونزعها وكيفية تعيين مجلس القضاء ورئيسه والنائب العام، ولجنة التحقيق.. - دعونا نقول: إن من فاز برهان هذا التفاوض الخاسر اليوم هو حميدتي في تلميع شخصه وإكساب الجنجويد شرعية دولية عبر أجهزة الإعلام العالمي بإعلانه الشراكة في الحكم ومقاسمة السلطة.. وهذا من صميم التلميع الذي يبحث عنه حميدتي، حيث لا فائدة لباقي المتفاوضين يقدمها لهذا الشعب الذي ظلَّ يُغَرَّر به عبر تمرير سياسات دول المحور. - التحية لعم صديق يوسف بانسحابه، عن هذه الجولة الخاسرة، التحية للحزب الشيوعي، عاش الشعب السوداني عزيزاً كريماً.. - رسالة مهمة إلى ثغر السودان الباسم: - لينتبه القائمون على ميناء بورتسودان لكشف محتويات السفينة المرسلة من السعودية والإمارات في هذه الأيام الحرجة. - اتركونا أيها الأعراب ما تركناكم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
علي تولي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست