الإسبوع الماضي وعبر وسائط النشر الإلكتروني وبالتحديد فيس بوك ، وقع سجال كبير حول ما ورد من إشارات قام بنشرها الدرامي عوض شكسبير في إسكتش مسرحي إنتقد فيه الفنان القامة أبو عركي البخيت ، ثم إنقسم الناس ما بين مستنكر ومُستهجن إلا القليل من الذين إرتقوا بعقولهم من منطق (شخصنة) المواقف إلى (قداسة المبادئ) ومن هؤلاء أذكر الفنان المبدع المحترم عبد الوهاب محمد وردي ، والذي على ما يبدو عجز أو ترَّفع عن إيصال فكرته حول قداسة مبدأ حرية التعبير ودورها الإستراتيجي في بناء الصواب والحقيقة المُطلقة ، أما أولئك الإنطباعيون الذين أرادوا بعنفهم الفكري والثقافي والعاطفي أن يرفعوا من مقام الأشخاص على مقام المباديء فقد أسرفوا في الدفاع عن أبوعركي وكأنه (مغلوب على أمره) ويحتاج إلى دفاعهم ، والغريب في الأمر أن أبوعركي نفسه إلتزم صمته المعهود تجاه مثل هذه القضايا مما أضاف بُعداً جديد لبناء شخصيته المتفق عليها على المستوى الفني والإبداعي والأخلاقي ، ولكني أؤيَّد عبد الوهاب وردي في أن الإيمان الحقيقي بالمبدأ الديموقراطي الذي يُغذي أخلاقيات عُدة من أهمها حرية التعبير يستوجب بلا إستثناء ترجيح الحد المُطلق لإمكانية نقد الأشخاص مهما بلغ مستوى قداستهم في أفئدة وأذهان محبيهم ، وماذا يضير أبوعركي أن يكون هناك من يرى عبر إيجابيات وإضاءات مشواره الفني المحترم بعض الهنات والأخطاء وهل يخلو أحد من النواقص ما دام مصنفاً تحت طائلة البشر ، لا قداسة على ممارسة النقد والحق في التعبير عن وجهة نظر إلا في ما يمكن أن يدخل في باب الإعتقادات الدينية والقداسات الوطنية المتعلِّقة بما يمكن أن تتضرَّر الأمة من الولوج في أمره ضرراً لا يمكن جبره ، أما ما عدا ذلك فهو مطروح للحوار والمناقشة والجدل ، أبوعركي البخيت هو في نهاية الأمر شخصية عامة ومن يطرح نفسه من هذا الباب يعلم أن إسمه وشخصه أصبح كلافته برَّاقة يراها كل الناس بمفاهيمهم المختلفة ورؤاهم المتباينة بما في ذلك إيجابياتهم وسلبياتهم في تعاطيهم مع الموضوع ، ومنهم من يُنصف ومنهم من يظلم ، لكن لا سبيل لنا ولا لأولئك لمحاكتهم فيما يرون من آراء حول أشخاص أو مواضيع نؤيدها أو نرفضها ، و إن كانت إشارات شكسبير حول أبوعركي لا تعجبني ولا تعبِّر عن رأيي ، إلا أن ذلك لا يعطيني الحق في المطالبة بالثأر منه أو معاقبته على ما قال أو أفصح ، ومن باب آخر فإن المادة الدرامية تنبني معظم فنياتها الحِرفية على المبالغة في تسليط الضوء على البؤرة السلبية أو الإيجابية التي يعالجها موضوع النص الدرامي ، مثلها مثل الكاريكاتير وغيرها من الكتابات الساخرة التي تنبني فكرتها على نظرية (أجعل من الحبة قُبة) ، نحن ضد قداسة الرموز الإنسانية مهما بلغ مقامها الإجتماعي وسجلها التاريخي وإنحيازاتها المبدئية ، وبالتحديد فيما يتعلَّق بإمكانية نقدها أو الإدلاء بآراء سلبية تجاهها طالما كانت هذه الشخصيات غير مدعومة بسند سماوي أو ديني لا يقبل التفاسير المنطقية أو الدنيوية البحته ، لذا من الطبيعي أن نجد في حياتنا المعاصرة والسابقة من ينتقدون أسمى رموز الفكر اليميني وكذلك أسمى رموز الفكر اليساري ، وذلك على مستوى أفكارهم أو حتى حياتهم الشخصية ، حرية التعبير عن الرأي حقٌ مُقدَّس لا يتم مصادرته لمجرد حبنا وإنتماءنا للأفكار والأشخاص لأنه واحد من معاوَّل البناء السياسي والثقافي والإقتصادي ، فمن لم يعجبه ما أشار إليه شكسبير عليه بالرد أو الصمت حزناً وألماً كما فعل أبوعركي نفسه ، لكن لا مجال أبداً لتجريم ما فعله طالما إلتزم بالقانون والعرف والواجب الأخلاقي .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة