كتبت عدة مقالات في السابق عن (نُوبة المؤتمر الوطني والمتجلبين)، وربطت وجودهم في هذا الحزب العنصري الفاشي بظاهرة العبودية الطوعية التي اعتنت بها الفلسفة السياسية وعلم النفس والسوسيولوجيا واللسانيات الاجتماعية. والعبودية الطوعية كما أشار إيتيان دو لا بويسي في مقاله، هي اختيار الإنسان من تلقاء ذاته أن يكون عبدا للطاغية/القائد، مستمتعا بطاعته، سواء كان في الحكم، أو في الحزب أو التنظيم، أو في أي مجال من مجالات الحياة التي تمارس فيها سلطة ما. قلت في مقالاتي السابقة لهم، يجب أن لا تكونوا عبيداً وخدماً لجماعة المؤتمر الوطني ورئيسه الطاغية عمر البشير الذي قتل وما زال يقتل أهلكم، وقلت لهم أنتم لا تقلون عنهم تعليماً وخبرةً في مجالاتكم، بل قد تتفوقون عليهم كثيرا. غير أن نصائحنا راحت هباءً منثوراً ولم تجد أُذناً صاغية. ما جعلني أعيد الكتابة في ذات الموضوع مرة أخرى، هو تلك الصورة المحزنة المبكية التي تناولتها مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام لوزير الإعلام الأسبق في نظام عمر البشير النوباوي بشارة جمعة أرو والدموع تنهمر من عينيه كالمياه عقب سماعه خبر اعفائه من منصبه حسب رواد تلك المواقع، حيث وضع أحدهم صورة على صفحته في الفيس بوك، قائلاً: "هذه الصورة لوزير الاعلام بشارة جمعة ارو التقطت عندما حل البشير الحكومة ليلة أمس"، معلقا عليها (وجوههم عبوسا قمطريرا بعد ركلهم، لذلك عندما تتقلد منصب ما لا تعتقد دوام النعيم.. جهز ليك تذكرة طيران من غير عودة). ونشر عضو آخر نفس الصورة للوزير المطرود على صفحته في الفيس بوك مرفق بأغنية (الدموع) للفنان السوداني الراحل/زيدان إبراهيم. عزيزي القارئ.. هذا الوزير المطرود، تم تعيينه في هذا المنصب قبل ثلاثة أشهر فقط من تأريخ طرده، لكنه كان سليطة اللسان مغرورا متكبرا، لم يترك فضائية أو قناة تلفزيونية في هذه الفترة القصيرة جدا وإلآ ظهر فيها مدافعا عن الطاغية عمر البشير ونظامه المجرم الذي لم يتردد في قتل (أهل بشارة جمعة) في منطقة كاشا بجبال النوبة. زار مصر في يناير 2019 وقال كلاما خطيرا عن مثلث حلايب المتنازع عليه بين السودان ومصر ما لم يقله مسؤول سوداني آخر من قبله. شتم الجيش الشعبي لتحرير السودان -شمال، وهدده بالهزيمة الساحقة إذا لم يقبل قادته بالحوار الذي طرحه عمر البشير. تحدث عن إسرائيل، وقال إن خلافات حكومته مع دولة الكيان أيديولوجية ودينية، ولكنه كغيره من أهل النظام حملها مشكلات المجتمع السوداني من انتشار للمخدرات والفقر والإضطرابات السياسية وولخ.. هاجم محكمة الجنائية الدولية التي تطالب البشير بتسليم نفسه لها، ووصفها كغيره من مسؤولي نظام الإبادة الجماعية بالعنصرية وباستهدافها للأفارقة وخاصة للرئيس عمر البشير لمواقفه الواضحة من التدخلات الأجنبية في شئون السودان.. شكا من مواقف الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس الأمن الدولي تجاه مذكر الاعتقال الصادرة بحق رئيسه عمر البشير.. قلل من موجة التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في سبيل دفاعه عن حزب المؤتمر الوطني والطاغية عمر البشير لنيل رضاهما.. قال ان الأجهزة الأمنية والشرطية لم تستخدم القوة المفرطة ضد الاحتجاجات وأن المحتجين يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية تجاه ما يحدث لهم لخروجهم الى الشوارع دون إذن السلطات.. وبالرغم من كسر الثلج ودفاعه المستميت عن سيده عمر البشير، بالنفاق وإعلان المبايعة والتأييد لأي قرار أو تصريح يصدر منه، إلآ أن هذا لم يشفع له، فقد تم اعفاءه من منصبه لتتوقف مسيرته الوصولية التي سعى من خلالها لتحقيق أهدافه وغاياته وحاجاته بمختلف الوسائل غير المشروعة والبعيدة عن القيم والمبادئ والأخلاقيات، مطبّقًا مبدأ النفعيّة ومستغلاًّ علاقته بالديكتاتور للوصول إلى ما يريد، أو لتحقيق الامتيازات من دون أي مجهود أو تضحية. إن ما حدث لبشارة جمعة أرو شيء جد يستحقه لأن من يهن يسهل الهوان عليه، لكن يجب أن يكون هذا الحدث عبرة ودرس لكل النوبة الذين استعبدهم عمر البشير فأطاعوه، وأصبح يريهم ما يرى، وهم من جانبهم يطغون على الناس ويقهرونهم بأفكار هذا الديكتاتور ورؤيته، ويكرهونهم عليها، مما تنكره الفطرة ويستنكره العقل. يجب على نوبة المؤتمر الوطني وغيرهم من أبناء الهامش الذين يخدمون الأقلية الجلابية الحاكمة، التخلي عن العبودية الطوعية لهذه الأقلية الوقحة، لأن مادام بيننا مريدون يعبدون قادتهم بطواعية، ويخدمون في بوس (بتعبير لا بويسي)، وبمحض اختيارهم. فإن الطريق نحو التحرير سيكون معقداً وطويلاً. إن الفرصة في ظل الانتفاضة السودانية الحالية ما زالت موجودة للمريدين الطوعيين من أبناء النوبة وغيرهم إعلان "التوبة" وإجراء مراجعات مواقفية والالتزام بها أمام أحرار السودان لأن المرحلة القادمة يجب ألا يسمح للناس بأن يمكنّوا الطاغية من أن يصبح طاغية.. يجب رفض حالة استلابية تُقيد المجتمع، وتغتال وعيه وتفكيره. يجب أن يكون لدى كل منا قضية يناضل من أجلها كالبحث عن العدالة والحرية وغيرها، فالبشر، كل البشر، على مر التاريخ، يطلبون بالحرية. كل البشر يريدون أن يتمكنوا من العيش بالطريقة التي يختارونها، وفي إطار القيم الأخلاقية الأساسية لمجتمعاتهم، لكنهم يريدون أن يكونوا أحراراً، أن يتمكنوا من انتخاب ممثليهم، وأن يتمكنوا من قول ما يريدون قوله، متى أرادوا. وفي الختام -الثورة خيار الشعب وتسقط بس..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة