القصّة الشهيرةُ لمحمّد الغزالى حين جاءه شابٌ ملتحٍ فى المسجد يسأله "ما حكمُ تارك الصّلاة؟"، قال الغزالىّ، حين رآه متربّصاً يبحثُ عن التّجريم، مسنوداُ بنصوص دينيّة، قلتُ له "حكمه أنْ تأخذه معك إلى المسجد". أُسقِطَ فى يد الشّاب الملتحى، قصّةٌ عادةً ما يستشهدُ بها دعاة التسامح والإعتدال فى التديُّن، متوَسمين أنْ يصلوا إلى تفاهمات تجعل الوهابية السلفية السّعودية تنزلُ عن منصة التشدّق الأعمى بأنّها الفرقة الناجية والمستحفظة على دين الله. يسوقها المتصوفة الرّصينون والدّعاة المتأملين فى كتاب الله. لكن الوهابيّة تستنكف أنْ يكون هناك فهمٌ للدّين خارج نطاق المنهج الذى وضعه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وصيّره ملوك المملكة العربية السّعودية مذهباً أوحدَا لا يدانيه مذهب. بل تمَّ تحريم العمل وفقاً للمذاهب الأخرى، وأحياناً تكفيرها. وضعَ كثيرون كتباً فى توضيح أنّ المنهج والمذهب ذاك، وقفتْ وراءه المخابرات الغربيّة تماماً، وأنّ التحالف بين آل الشيخ وآل سعود إنّما هو تحالفٌ سياسىّ دبّرته المخابرات لينجز أغراضه التى لا صلة لها بالإسلام من قريب أو بعيد. لكنّ "الفرقة النّاجية" ظلّت تملأ الآفاق ضجيجاً وزعيقاً تنكرُ على الكاتبين مقالاتهم وحججهم، مستبعدةً أنْ يكون للغربيين يدٌ أو دور فى منهجهم أو سلطانهم. فأدخلوا النّاس فى ضيق وعنتٍ لا يعلمه إلاّ الله. ثمّ لمّا يسّرَ الله أمرَ النّفط وأسلسَ قيادَه للحكّام والملوك، دعموا الوهابية فى نشر مذهبهم العليل فى الدّول الأخرى، ففشا فى بعض البلدان العربية والإسلاميّة مصدّراً رعوناته، تلقّفه ضعاف النّفوس وقليلو الفهم والنّظر فى بلادنا فملأوا الآفاق. ثمّ قام ولىُّ العهد، محمّد بن سلمان، حفظه الله ورعاه، وأطال فى عمره بقصقصة أجنحة الوهابيّة. لم يَقُلْ أحدٌ منهم شيئاً. إنّه ولىُّ الأمر وطاعته واجبة شرعاً. أباح ما حرّمه سدنتُهم وشيوخهم من لدن إبن تيميّة وإبن القيّم مروراً ببن باز وإبن العثيمين، دلق دلاءهم جميعها فى بحر هيئة الترفيه والتحديث المستمر – الذى لا يخلو من عجلة ورعونة هو الآخر – الذى بدا كأنّما يريد أنْ يمحوَ به سنواتٍ من العتمة الكبرى التى أحالت بلاد الحرمين إلى فظاظة يكاد النّاس ينفرون منها، يتحمّلون مشقّة المعاملة كرامة وحبّاً للحرمين، ولله ورسوله. لم يقولوا شيئاً، بل عزّزوا خطواته بالفتاوى المناسبة. ساعدوه فى نقض أركان المذهب المخابراتىّ اللقيط. ثمّ قام ولىُّ العهد – موخّراً – أثناء زيارته للندن وواشنطن بالكشف عن منشأ المذهب أو تأكيده، فى الواقع، معلناُ أنّه صنيعة مخابراتيّة أُجبِرَ آباؤه على القبول بها وتبنيّها ونشرها، ولا تمثّل سويّة الإسلام. ولم يقل أحدٌ منهم شيئاً أيضا، لأنّه كلام ولىّ الأمر، ولأنّه الحقيقة مجرّدة، صريحة وعارية. قبل فترة تنبّه المتصوفة والتربويون فى السّودان إلى أنّ كتاب التوحيد لمحمّد بن عبد الوهاب لا يصلحُ للتدريس فى المناهج، وكان قد تمّ الزّجُّ به فى مناهجنا على أيّام غفلة الطامعين فى الأموال السّعوديّة. وربّما أجبرت أمريكا ناسنا للتخلّص منه، فى إطار مراجعات تقوم بها الولايات المتّحدة الأمريكيّة للمناهج فى المملكة وهنا، للتأكّد من أنّ السّودان لا يرعى الإرهاب، وأنّه يقوم بالإصلاحات المنهجيّة التى تجتثّ الإرهاب من جذوره، حتّى لن يعودَ محتملاً بنسبة ما، وحين سُحِبَ كتاب التّوحيد أقام الوهابيون – الفرقة الناجية – مأتماً وعويلاً، بزعم أنّ السّودان يحارب التّوحيد، والسّودان يعرف التّوحيد من لدن بعانخى العظيم، وتهارقا المذكور فى التوراة، قبل أنْ يعرفه أسلاف محمّد بن عبد الوهاب بآلاف السنين. حين كتب البروف عبد الله الطيّب عن مناهج بخت الرّضا، وقال إنّها "تفتقر إلى البَرَكَة" كان يقصد ذلك. فالمناهج لا تستمدُّ روحها من البركة الضاربة فى القدَم، لا تستمدّها من التوحيد المبارك الذى صدح به الكوشيون القدماء، وهاجر إليه الصّحابة شمال جبل أم على، كما يؤكّد العلماء عبد الله الطيّب، حسن الفاتح قريب الله والبروفسير على عثمان محمّد صالح، قبل أنْ ينتشر الإسلام فى مكّة، بل حين كانت مكّة تُحارب نبيّها ودينه. ومع أنّ محمّد بن سلمان لن يكون متقصّداً منهجَا بعيداً عن أعين المخابرات هو الآخر، لكنّنى سأقف إلى صفّه فى دكّ أوهام الوهابيّة حتّى آخر وتد، فهى جديرةٌ بذلك، وحقيقةٌ به. ومن ثمَّ لكلِّ حادث حديث. نشر فى صحيفة الاخبار
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبد الحفيظ مريود
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست