الفكر الفلسفي الاسلامى مقدمه في علم الكلام والتصوف والفلسفة الاسلاميه/ د.صبري محمد خليل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-30-2024, 02:50 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-09-2011, 05:41 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفكر الفلسفي الاسلامى مقدمه في علم الكلام والتصوف والفلسفة الاسلاميه/ د.صبري محمد خليل

    الفكر الفلسفي الاسلامى
    مقدمه في علم الكلام والتصوف والفلسفة الاسلاميه
    د.صبري محمد خليل
    الناشر:دار جامعه الخرطوم للنشر






















    مقدمة:هذا الكتاب هو محاولة لوضع مقدمة لدراسة الفلسفة الإسلامية بمعناها الواسع والتي تضم بالإضافة إلى الإنتاج الفكري لمن سموا بالفلاسفة الإسلاميين، علم الكلام والتصوف وغيرها من المعارف الإسلامية لذا جاء اختيار الاسم الفكر الإسلامي الفلسفي وليس الفلسفة في محاولة للإشارة إلى هذا المعني الواسع. وسوف نكتفي بتعريف فروع الفكر الفلسفي الإسلامي ثم نتناول بعض القضايا التي تناولتها ومواقف العلماء والمذاهب من هذه القضايا.

    الباب الأول
    علم الكلام
    الفصل الأول
    تعريف علم الكلام:
    1) معنى الكلام لغة واصطلاحاً.
    أ‌) لغة: الكلام هو اللفظ الدال على معنى.
    ب‌) اصطلاحاً: النظر العقلي في أمر العقائد الدينية يقول ابن خلدون: (هو العلم الذي يتضمن الحجاح عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية)(1)
    يقول الأيحي (والكلام علم يقتدر معه إثبات العقائد الإيمانية بإيراد الحجج ودفع الشبة)(2).
    2) سبب تسميه بعلم الكلام.
    وذكر الأيحي أربعة أقسام هي:
    أ) إن الكلام (الجدل) هو أداة هذا العلم كما أن المنطق هو أداة علم الفلسفة أو بتعبيره "لأنه إزاء المنطق للفلسفة".
    ب) لأن أبوابه عنونت أولاً الكلام في كذا.
    ج) لأن مسألة كلام الله تعالى (القرآن) أشهر أجزائه حتى كثر فيه التشاجر والسفك فغلب عليه.
    د) لأنه يولد قدرة على الكلام في الشرعيات مع الخصم(3).

    3) تعدد أسماء العلم.
    وتعددت أسماء هذا العلم تبعاً لتعدد الجهات المنظور إليه منها فأطلق عليه بالإضافة إلى علم الكلام، علم أصول الدين وعلم النظر والاستدلال وسماه أبو حنيفة الفقه الأكبر، ويقول التهانوي "علم الكلام، ويسمى بأصول الدين أيضاً، وسماه أبو حنيفة رحمه الله تعالى بالفقه الأكبر.
    والاسم الذي اختاره هو علم التوحيد لأنه يشكل أحد المفاهيم القرآنية الكلية التي تفسر العلاقة بين محاور الوجود (الله تعالى، الإنسان، الكون) بالإضافة إلى مفهومي الاستخلاف والتسخير. يقول التهاوي "ويسمى بعلم النظر والاستدلال أيضاً ويسمى بعلم التوحيد والصفات".(1)
    ويقول التفتزاني "العلم المتعلق بالأحكام الفرعية أو العلمية يسمى بعلم الأحكام، وبالأحكام الأصلية أي الاعتقادية تسمى علم التوحيد والصفات".(2)
    4) علاقة علم الكلام بالفلسفة:
    يذهب بعض الباحثين إلى أن هناك خلافاً منهجياً بين الكلام والفلسفة، فالمتكلم يسلم أو لا يسلم بفروض ميتافيزيقية ثم يحاول إقامة الأدلة على صحتها. أما الفيلسوف فإنه لا يسلم فروض عند البداية ثم يحاول التوصل إلى النتائج فمثلاً (المتكلم يسلم أولاً بوجود الله ثم يحاول إقامة الأدلة على وجوده أما الفيلسوف فإنه لا يسلم بشئ عند البداية ثم يحاول البرهنة على وجود الله).(3)
    ويقرب أحمد أمين الفكرة السابقة بالمقارنة بين القاضي الذي يبدأ باتخاذ موقف محايد ثم يتبع الأدلة حتى يصل إلى براءة أو تجريم المتهم، والمحامي الذي ينطلق من البداية من مسلمة وهي براءة المتهم.
    غير أن هذا القول – فيما نرى- يضمر تصوراً غير صحيح للفلسفة وهو وجوب أن لا تنطلق في البداية من الميتافيزيقا بينما أي مذهب فلسفي إنما ينطلق من فروض مسلم بها دون أن تكون قابلة للإثبات أو النفي بالتجربة والاختبار العلميين أي فروض ميتافيزيقية، بهذا المعنى.
    فعلم الكلام هو فلسفة إسلامية بمعنى أنه يتخذ العقائد الدينية التي جاء بها الإسلام بمثابة مسلمات أولى ينطلق منها كما يدل تعريفه، وبالتالي فهو أحد قطاعات الفلسفة الإسلامية دون نفي الفلسفة الإسلامية التي وضعها الفلاسفة العرب والمسلمون (الكندي، الفارابي، ابن سينا)، والتي اختارت منهجاً مغايراً وهو الانطلاق من مقولات الفلسفة اليونانية ،ثم محاولة تطويرها لتتلاءم مع العقيدة الإسلامية، لأن هؤلاء الفلاسفة عنوا بالدفاع عن الدين الإسلامي في وجه عقائد ومذاهب وأديان اتخذت من الفلسفة والمنطق اليونانيين كأدوات للدفاع عنها، أي أنهم انطلقوا مما هو مسلم عند هذه العقائد والمذاهب ( الفلسفة والمنطق اليونانيين) ليصلوا به إلى ما هو مسلم لديهم (الدين الإسلامي) تقول د. زينب الخضيري (سمي أستاذنا د. يحي (هويدي) هذه الفلسفة التي ازدهرت بالعلوم الفقهية والكلامية وعلم أصول الدين بفلسفة الإسلام لأنها تقوم على القرآن وفلسفته).(1)
    5) أسباب نشأة علم الكلام:
    أ) الأسباب الداخلية:
    عندما ظهر الإسلام كانت المجتمعات التي توجد المنطقة التي تسمى بالعربية أما القبائل أو الشعوب، وكانت الهجرة بمثابة ترقي إلى ما فوق الطور القبلي فقد قطعت الروابط القبلية وأصبح المؤمنون من القبائل المختلفة يخضعون لنظام معاملات واحد كما في (الصحيفة) وبدأت الأمة العربية المسلمة جنيناً في رحم هذا المجتمع (الشعب).
    وكانت فترة الخلافة الراشدة امتداداً لمدرسة النبوة فقامت على المساواة بين الناس – وقطع العلاقات العشائرية والقبلية غير أنه بعد عهد الخلافة الراشدة بدأ تراخي في تطبيق مبدأ المساواة (رغم الإقرار النظري) مما أدى لنشوء صراع اجتماعي أخذاً شكل صراع داخلي قائم بين قوى تستهدف كل منها الخلاف (الدولة أداة السيطرة على الإمكانيات المشتركة) وتدعو كل منها أنها أحق من غيرها بها، وتحاول إيجاد تبرير ديني لذلك، وأن كانت كل منها تحمل معها تراثها القبلي فيما تدعيه من وحدة الأصل (الأمويين، الهاشميين، العباسيين ...) كما دخل هذا الصراع الشعوب غير العربية والتي ضمتها الدولة مثل فارس (إيران).
    كل ذلك بمثابة توافر لشروط الذاتية لنمو بذرة المذاهب الكلامية ومن ثم علم الكلام ففرقة الخوارج كان أغلب أنصارها من القبائل العربية غير القرشية لا جعلوا من مبادئهم أن الخلاف ليست في قريش وليست لعربي دون عجمي وقد اختاروا عبد الله بن وهب بالراسبي أميراً عليهم أول وهو ليست قرشي.
    ويري غير قليل من الباحثين أن فرقة الشيعة نجد جذورها في الأفكار الفارسية حول الملك وورثته وأن التشابه بين مذاهبهم ونظام الملك الفارسي وأضح. كما كان أغلب أنصار مذهب المعتزلة من الموالي وهم أبناء الشعوب غير العربية التي ضمت إلي الدولة. وكان من أنصار مذهبي الجبر والإرجاء الأمويين حتى قيل " الجبر والإرجاء دين الملوك ". وفي هذه الأرض الواحدة انصهرت الشعوب حتى من خلال هذا الصراع وتفاعلت فصنعت من أرضها وبلغتها أنماطاً من الفكر والمذاهب والفن – والعلم والتقاليد وعناصر الحضارة الأخرى كان منها علم الكلام.


    ب) الأسباب الخارجية:
    إن الفتح الإسلامي شمل مجتمعات مختلفة في درجة تكوينها الاجتماعي، وبالتالي ذات حضارات مختلقة أي ذات أنماط مختلفة من الفكر والمذاهب والعقائد والفلسفات... وهذا ما اقتضى استخدام المناهج العقلانية والمنطقية في نقص هذه العقائد والفلسفات والدعوة إلى العقيدة الإسلامية.
    مواقف من علم الكلام في الفكر الإسلامي:
    أ) موقف الرفض المطلق (التحريم):
    من ممثليه بعض متأخري الحنابلة والصوفية كالسيوطي" في كتابه (صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام) والهواري في كتابه (ذم المنطق وأهله) ، كما استند بعضهم إلى تأويل خاطئ لبعض أقوال المنطقية من السلف في النهي عن الخوض في الكلام تحت اسم (التفويض).
    تقويم:
    التفويض لا يعني السكوت عن العقائد الفاسدة، بل السكوت عن الخوض في مسائل العقيدة مادام الفهم الصحيح هو السائد، ودلالة صحة العقيدة العمل الصالح، وهو ما كان سائداً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
    أما إذا كان هماك انحراف عن الفهم الصحيح لها فالمسلمون مكلفون بالعمل على تصحيح هذا الفهم ، وهو ما حدث في مرحلة متأخرة من تاريخ المسلمين عندما تصدى بعض السلف للفهم الفاسد للعقيدة ، يقول الحسن البصري "لم يكن أحد من السلف يذكر ذلك ولا يجادل فيه لأنهم كانوا على أمر واحد، وإنما أحدثنا الكلام فيه لما أحدث الناس من أنكره له فلما أحدث المحدثون في دينهم أحدث الله للمتمسكين بكتابه ما يطلبون به المحدثات ويحرزون من المهلكات".(1)
    كما يؤكد ذلك ما أورده ابن عبد البر (وأما الجماعة فعلى ما قال مالك رحمه الله إلا أن يضطر أحد إلى الكلام فلا يسعه السكوت إذا طمع برد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه أو خشي ظلال عامة أو نحو هذا).(1)
    والقول بأن السلف سكتوا عن الخوض في هذه المسائل وعدوا ذلك بدعة على الإطلاق غير صحيح ونورد أمثلة على ذلك:
    * أورد ابن تيمية عن ابن حنبل (ويقول أحمد فيما كتبه في الرد على الزنادقة والجهمية أنها تأولت فيما شكت فيه من تشابه القرآن وتأويله غير تأويله ثم تكلم على معناها(2) وروى البيهقي فاستناده عنه.
    الموقف التقويمي (النقدي):
    وهو فيما نرى الموقف الصحيح، وهو محاولة وضع حلول صحيحة للمشاكل التي طرحها علم الكلام ، على أن تكون تلك الحلول محدودة بالقواعد اليقينية الورود القطعية الدلالة التي وضعها الله تعالى للمعرفة الإنسانية، ويؤكد هذا الموقف الحقيقي لابن تيمية وهو (جواز الإشغال بعلم الكلام لإحقاق الحق وإبطال الباطل وإذا لم بقصد به الاستدلال بالأدلة الفاسدة أو تبني المقررات الباطلة) يقول ابن تيمية "فالسلف والأئمة لم يكرهوا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة كلفظ (الجوهر) و(العرض) و(الجسم) وغير ذلك بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات قد يكون فيها من الباطل المذموم في الأدلة والحكام ما نهى عنه لاشتمال هذه الألفاظ على معني مجملة في النفي والإثبات... فإن عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات ووزنت بالكتاب والسنة بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة وينفي الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة الانطلاق كل منهما فالغزالي استند إلى نظرية الكشف الصوفي وبالتالي اعتبر كل ذلك هو الحق). وبناء على الموقف في كثير من المسائل الكلامية مثل العلاقة بين الوجود والموجود والقدر والجبر والاختيار والقدم بالنوع – كان في الجزء الثالث من مجموعة فتاواه.
    ب) الإمام الغزالي:
    كما يمثل هذا الموقف الإمام الغزالي مع الاختلاف بينهما في نقطة علم الكلام لا يفيد المعرفة اليقينية والتي تحصل عليها بالكشف أو الإلهام لأنه استند إلى العقل.
    (ثم إني ابتدأت بعلم الكلام فحصلته وعقلته وطالعت كتب المحققين منهم وصنفت فيه ما أوردت أن أصنف فصادفته علماً وافياً بمقصوده غير وافٍ بمقصودي وإنما مقصوده حفظ عقيدة أهل السنة وحراستها عن تشويق أهل البدعة. ولكنهم اعتقدوا في ذلك على مقدمات تسلموها من خصومهم واضطرهم إلى تسليمها أما التقليد أو إجماع الأمة أو مجرد القبول من القرآن والأخبار وكان أكثر خصومهم في استخراج متناقضات الخصوم ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم وهذا قليل النفع في جبن من لا يسلم سوى الضروريات شيئاً أصلاً، فلم يكن الكلام في حقي كافياً ولا لدائي كنت أشكوه شافياً).
    واعتبر أن علم الكلام حلال مندوب أو واجب باعتبار منفعته ، وحرام باعتبار مضرته (أن فيه منفعة وفيه مضرة، فهو باعتباره منفعته في وقت الانتفاع حلال أو مندوب إليه أو واجب كما تقتضيه الحال، وهو باعتباره مضرته في وقت الاستضرار حرام).

    الباب الثاني
    بعض قضايا علم الكلام وموقف الفرق الكلامية منها
    نتناول في هذا الفصل بعض القضايا التي تناولها علم الكلام من خلال عرض موقف الفرق الكلامية منها وهي: الإمامة عند الشيعة، الحسن والقبح عند المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، أفعال العباد عند الجبرية والقدرية، مرتكب الكبيرة عند الخوارج والمرجئة، الصفات الإلهية بين المشبهة والحنابلة.
    الإمامة عند الشيعة:
    الشيعة في اللغة الأنصار، والتشيع الانتصار، فشيعة فلان أنصاره وتشيعوا لفلان انتصروا له والشيعة من ناحية تاريخية هم أنصار على بن أبي طالب رضي الله عنه. أما الشيعة باعتبارها فرقة أي (مذهباً) فتقوم على الاعتقاد بأن الخلافة يجب أن تنحصر في علي رضي الله عنه وذريته بالنص. ثم اختلفوا في مَن مِن ذريته يحق له الخلافة (الإمامة)، فقالت الزيدية بإمامة الحفيد الثالث زيد بن علي بين الحسين، وقالت الإسماعيلية بإمامة حفيده السابع إسماعيل بن جعفر الصادق، وقالت الاثني عشرية بإمامة الحفيد الثاني عشر محمد بن الحسن (الملقب بالعسكري).
    الاثني عشرية:
    الإمامة من أصول الدين:
    ترى هذه الفرقة أن الإمامة (السلطةِ) هي أصل من أصول الدين التي لا تحتمل التأويل، وبالتالي لا تخضع للاجتهاد، وليست فرع من فروعه التي تحتمل التأويل القابلة للاجتهاد.
    النص والتعيين:
    أي أن اختيار الإمام لا يتم بانتخاب الجماعة له بالبيعة (كما يرى أهل السنة)، بل بالتعيين الإلهي ومن خلال تحديد النص (القرآن والسنة) للإمام، فالبيعة لاحقة على هذا التعيين الإلهي وأوردوا أدلة نقلية منها حديث غديرخم (من كنت مولاه فعلي مولاه) ،كما أوردوا أدلة عقلية منها أن الفرد غير معصوم عن الخطأ، والجماعة هي مجموع أفراد، فهي بالتالي غير معصومة عن الخطأ أيضاً، والخطأ في اختيار الإمام يترتب عليه الفوضى وتفكك الجماعة، لذا فإن اختياره أمر إلهي.
    عصمة الأئمة:
    ولما كان اختيار الأئمة هو اختيار إلهي فهم معصومون من الخطأ، وأوردوا أدلة نقليه منها قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام (لا ينال عهدي الظالمين) كما أوردوا أدلة عقلية منها دليل التسلسل.
    الغيبة:
    أي أن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن (الملقب بالعسكري) قد غاب (اختفى) غيبة صغرى سنة 260 هـ، واستمرت سبعين عاماً، ثم غيبة كبرى تستمر إلى آخر الزمان.
    الرجعة:
    أي عودة الإمام الثاني عشر آخر الزمان على صورة المهدي المنتظر.
    التقية:
    أي عدم كشف قواعد المذهب لغير المنتمين إليه، أو عدم كشف انتماء الفرد إلى المذهب للغير ، واستدلوا بقوله تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، وينقلون عن جعفر الصادق (التقية ودين آبائي).
    الزيدية:
    هم أتباع زيد بن علي زيد بن علي بن الحسين. وهي أقرب الفرق الشيعية إلى أهل السنة.
    الإمامة من فروع الدين:
    اتفقوا مع أهل السنة وخالفوا الشيعة الاثني عشرية في القول بأن الإمامة فرع من فروع الدين التي تحتمل التأويل فهي خاضعة للاجتهاد.


    النص والتعيين الخفي:
    إذا كان الشيعة الاثني عشرية قالوا بالنص والتعيين الجلي (الظاهر)، أي أن هناك نصوصاً يقينية الورود والدلالة تحدد من هو الإمام، فإن الشيعة الزيدية قد قالوا بالنص والتعيين الخفي ، أي أن هناك نصوصاً تحدد من هو الإمام، لكنها ظنية الورود والدلالة ،وبالتالي تحتمل التأويل والاجتهاد فضلاً عن أن هذه النصوص قد حددت الإمام بصفاته لا باسمه، والفرق بين الموقفين أن الموقف الاثني عشري يترتب عليه أن من أنكر إمامة علي وذريته منكر لنص قطعي يقيني أي كافر، أم الزيدي فيترتب عليه أن من أنكرها مجتهد مخطئ.
    جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل:
    ويقصدون الأفضل علي بن أبي طالب، والمفضول أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، أي أن علياً كان أحق بالخلافة منهم ،ولكن لصغر سنه وتعرض الدولة للأخطار جاز توليهم الخلافة قبله بخلاف الشيعة الاثني عشرية الذين يرونهم مغتصبين للخلافة.
    تقويم:
    الأثر الفارسي:
    جذور التصور الشيعي للإمامة (السلطة) (وتحديداً الشيعي الاثني عشري) ترجع إلى العقائد والفلسفات التي كانت سائدة في فارس قبل الإسلام، فقد كانت فارس في الطور الشعوبي عندما دخلها الإسلام، فكان بالنسبة إليها إضافة أغنت حضارتها الشعوبية ولكن لم تلغِ وجودها ،ومن آثار وجودها الذي لم يلغه الإسلام أن تم تعديل نظرية الطبيعة الإلهية للملوك إلى التصور الشيعي للإمامة يقول محمد أبو زهرة (وفي الحق إنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح).(1)

    فكرة المهدية:
    أخذ بالاعتقاد بالمهدي المنتظر من الشيعة الاثني عشرية والإسماعيلية وبعض الزيدية ونفاه بعض الزيدية ، أما أهل السنة فهناك طائفة كبيره اعتقدت بالمهدية ، وهناك طائفة لم تعتقد المهدية ،ولكنهم في الحالتين لم يجعلوا الاعتقاد بالمهدية من أصول الدين.

    مرتكب الكبيرة بين الخوارج والمرجئة
    الخوارج:
    الخروج في اللغة التمرد والعصيان، والخوارج هم الذين خرجوا أي تمردوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومنشأ الخوارج أنه بعد مقتل عثمان رضي الله عنه بويع علي بالخلافة ،ولكن معاوية والي الشام رفض مبايعته متهماً ِإياه بالتستر على قتلة عثمان، ثم التقى علي ومعاوية وكاد يهزم لو لا أن أشار عليه عمرو بن العاص بأن يرفع جنوده المصاحف ، ومال بعض أصحاب علي إلى التحكيم، ولكن فريقاً من أصحابه رفضوا قبول التحكيم، وقالوا لا حكم إلا لله وساروا إلى قرية حروراء فلقبوا بالحرورية وهم أسلاف الخوارج، ثم استاء نفر من أصحاب علي من نتيجة التحكيم فخرجوا (تمردوا) عليه وسُمّوا بالخوارج ، وانقسموا إلى عشرون فرقة وأهم قواعد مذهب الخوارج هي:
    تكفير من رضي بالتحكيم: تكفير علي ومعاوية وعثمان وكل من رضي بالتحكيم.
    الخلافة بالانتخاب: قالوا أن الخلافة لا تكون إلا بالانتخاب الحر الصحيح الذي يقوم به عامة المسلمين لا فريق منهم ، ويستمر مادام قائماً بالعدل مقيماً للشرع وإلا وجب عزله.
    وجوب الخروج على السلطان الجائر: وأوجبوا الخروج على السلطان الجائر.
    جواز خلافة غير القرشي: وقالوا ليست الخلافة في قريش وليس لعربي دون أعجمي، بل الجميع فيها سواء، بل الأفضل أن تكون لغير العربي ليسهل عزله إن خالف الشرع ،وقد اختاروا عبد الله بن وهب الراسبي أميراً لهم وهو غير قرشي.
    تكفير مرتكب الكبيرة: تطرف الخوارج في التوحيد بين الإيمان والعمل، فالإيمان يقتضي بالضرورة العمل الصالح، وترتب على هذا تكفير مرتكب الذنوب ،ولم يميزوا في الذنوب بين الكبائر والصغائر، فكفروا مرتكب الكبيرة والصغيرة ،كما ترتب عليه اعتبار مخالفيهم في الاجتهاد والمذهب كفاراً ،واستدلوا بآيات منها قول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) فقالوا أن الآية تجعل ترك الحج وهو ذنب كفراً فكل مرتكب للذنب كافر ،وقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فقالوا كل مرتكب للذنوب قد حكم لنفسه بغير ما أنزل الله فيكون كافراً.
    الإباضية: إتباع عبد الله بن أباض ولا يزال بعضهم يقيم في عمان وشمال وشرق إفريقيا ، وهم أقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة.
    التمييز بين كفر الاعتقاد وكفر النعمة: وقد ميزوا بين كفر الاعتقاد أي الكفر بالله تعالى وكفر النعمة أي التقصير في جنب الله تعالى، واعتبروا مخالفيهم في الاجتهاد والمذهب كفار نعمة لا كفار اعتقاد ، وبالتالي فإن دماءهم حرام، ودارهم دار سلام إلا مسكر السلطان ولا يحل من غنائمهم إلا الخيل و السلاح وتجوز شهادتهم والزواج منهم والتوارث معهم.
    تقويم:
    مذهب الخوارج يستند إلى تصور تشبيهي للحاكمية، أي الاعتقاد بأن الحاكمية تعني السلطة كما في الفكر السياسي الحديث ،في حين أن الحاكمية في القرآن تعني ما يقابل السيادة في الفكر السياسي الحديث ،أي السلطة المطلقة أي مصدر السلطة، أما السلطة فهي ممارسة السيادة في زمان ومكان معينين، وقد قال بمذهب مقارب لبعض الجماعات الإسلامية المعاصرة ،واستندوا في ذلك إلى ما فهموه من بعض مقولات أبي الأعلى المودودي والتي نقلها سيد قطب في كتبه المتأخرة ،وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه هو أول من تعرض لهذا المذهب بالنقد فقال في معرض رده على مقولة الخوارج (لا حكم إلا لله) (.... كلمة حق أريد بها باطل، نعم لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون لا أمرة إلا لله ولابد للناس من أمير بر أو فاجر....) فعلي يقر إسناد الحاكمية بمعنى السيادة لله بقوله (نعم لا حكم إلا لله) ولكن يستنكر فهم هذه الحاكمية بأنها السلطة التي أشار إليها بلفظ الإمرة بقوله (لكن هؤلاء لا أمرة إلا لله) ثم بين ضرورة السلطة بقوله (لابد للناس من أمير بر أو فاجر).
    المرجئة:
    الإرجاء في اللغة التأخير لأن هذه الفرقة ترجي (تؤخر) عقاب العصاة إلى يوم القيامة.
    إرجاء بعض السلف: يجب التمييز بين إرجاء بعض السلف من الصحابة والتابعين الذين امتنعوا عن الخوض في الصراع السياسي الذي ظهر في عهدهم ،فقالوا إن مرتكب الكبيرة يرجى أمره لله تعالى ليحاسبه يوم القيامة فإن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.
    الإرجاء البدعي: في فترة تالية ظهر من تطرف في القول بالإرجاء لينتهي إلى القول بأنه (لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة)، أي أن المؤمن يظل مؤمناً مهما ارتكب من المعاصي، كما يظل الكافر كافراً مهما قام بأعمال صالحة ،وقالوا (إن الإيمان اعتقاد، وان من أعلن الكفر بلسانه وعبد الأوثان أو لزم اليهودية والنصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ومن أهل الجنة).
    تقويم:
    في حين تطرف الخوارج في التوحيد بين الإيمان والعمل، تطرف المرجئة في الفصل بين الإيمان والعمل، والصواب أن العلاقة بين الإيمان والعمل هي علاقة وحدة لا خلط (كما عند الخوارج)، وتمييز لا فصل (كما عند المرجئة).


    أفعال العباد بين الجبرية والقدرية
    القدرية (الجهمية):
    مصطلح قدرية:
    القدرية نسبة إلى قدرة الإنسان على الفعل والاختيار، أي الذين أسندوا الفعل والإرادة إلى الإنسان ،وقال البعض نسبة إلى القدر لأنهم نفوا القدر عن الله تعالى وأثبتوه للإنسان، ويرى بعض الكتاب أن هذا الوصف ذكرهم به مخالفوهم لينطبق عليهم الحديث (القدرية مجوس هذه الأمة).
    والراجح أن القدرية بالمعنى الأول تشمل المعتزلة والجهمية، والقدرية بالمعنى الثاني تقتصر على الجهمية.
    إعلام الفرقة:
    أهم قادة الجهمية معبد الجهمي ،وقد تولى الدعوة إلى مذهبه في العراق وقتله الحجاج في ثورة عبد الرحمن بن الأشعث وغيلان الدمشقي الذي ناقشه عمر بن عبد العزيز وقتله هشام بن عبد الملك.
    نفي العلم السابق:
    وقد تطرفوا في إسناد الفعل والإرادة إلى الإنسان فقالوا (كل فعل للإنسان هو بإرادته المستقلة عن إرادة الله تعالى) ،ونفوا عن الله تعالى القدر بمعنى العلم والتقدير السابق على حدوث الفعل الإنساني، يروى أن معبد الجهمي قال (لا قدر الأمر أنف) يقول د. محمد يوسف (... ذهبت القدرية على أن الإنسان هو الذي يقدر أعمال نفسه بعلمه ويتوجه إليها بإرادته ثم يوجدها بقدرته وأن الله لا يقدر هذه الأعمال أزلاً ولا دخل لإرادته أو قدره في وجودها ولا يعلمها إلا بعد وقوعها).(1)

    تقويم:
    مذهب القدرية يترتب عليه إسناد صفة الخلق إلى غير الله تعالى ، وهي صفة ربوبية ، أي أن إسنادها لغير الله يترتب عليه جعل علمه وقدرته تعالى محدودين بدلاً من أن يكونا مطلقين كما يتضح في قولهم العلم أنف.
    الجبرية (الجهمية):
    أسميت بالجبرية نسبة إلى أن مقولتهم الأساسية أي نفي قدرة الإنسان على الفعل والاختيار، والجهمية نسبة جهم بن صفوان.
    الجبر:
    رتبوا على كون الله تعالى خالق أفعال الإنسان وأنه ذو قدرة مطلقة إلغاء قدرة الإنسان على الفعل وإحالته إلى آلة لا إرادة لها، يقول جهم بن صفوان (إ ن الإنسان ليس يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة، إنما هو مجبور في أفعاله ولا إرادة ولا اختيار ،وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات، وينسب إليه الأفعال مجازاً كما ينسب إلى الجمادات)(1) وفي فترة لاحقة تسرب القول الجبر إلى بعض المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة بفرقهم المختلفة.
    تقويم:
    القول بالجبر وافد على الإسلام لأن التصور التنزيهي لله تعالى يرى أن لا تعارض بين الفعل الإلهي المطلق والفعل الإنساني المحدود، فالأول يحد الثاني تكوينياً (بظهوره في عالم الشهادة من خلال السنن الإلهية التي التزامها شرط نجاح الفعل الإنساني) وتكليفياً (كما يظهر من خلال القواعد الآمرة الناهية (الحدود) والتي ينبغي على الإنسان أن يلتزمها في فعله) فهذا المذهب يفهم التوحيد على أنه أفراد الفعل لله وبالتالي ،فإن إسناد الفعل لسواه هو شرك في الربوبية ،بينما التوحيد يقوم على إسناد الفعل المطلق لله تعالى ،أي ان إسناد الفعل المحدود لسواه لا يترتب عليه شرك الربوبية ،وفهمهم للتوحيد يقارب المناهج المثالية في الفلسفة الغربية كالمثالية الموضوعية عند هيجل، وباستبعاد الجبر من الإسلام لا يمكن نسبة المثالية بالمعنى الفلسفي الغربي إلى الإسلام بخلاف رأي بعض المستشرقين.

    الحسن والقبح بين المعتزلة والأشاعرة والماتريدية
    المعتزلة:
    أسميت هذه الفرقة بالمعتزلة نسبة إلى أن واصل بن عطاء (مؤسس الفرقة) اعتزل (أي اختلف مع) أستاذه الحسن البصري في مسألة مرتكب الكبيرة ،فقال البصري إنه فاسق وقال واصل إنه في منزلة بين المنزلتين ،أي لا مؤمن لا كافر، وأدى هذا الاختلاف إلى استقلال واصل وتكوينه فرقة المعتزلة في مرحلة تالية.
    الأصول الخمسة: وقواعد المذهب الاعتزالي الأساسية خمسة هي:
    أولاً: العدل والتوحيد:
    التوحيد:
    التأويل: قدم المعتزلة تصوراً للذات الإلهية يقوم على التنزيه، فأولوا الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والإنسان، غير أنهم تطرفوا في هذا التنزيه، كما سنوضح لاحقاً.
    نفي الصفات الزائدة على الذات (التعطيل الجزئي): تناول المعتزلة طبيعة العلاقة بين الذات الإلهية والصفات الإلهية ، فانتهوا إلى التوحيد بينهما ،فقالوا أن (الصفات هي عين الذات) وبالتالي نفوا الصفات الزائدة على الذات (أي نفوا وجود صفة إلهية مستقلة عن الذات الإلهية) ،وأولوا الصفات الإلهية الواردة في القرآن بأنها أسماء للذات ،وليس وصفاً لها ،لذا أطلق عليه لقب المعطلة بمعنى تعطيل الصفات الإلهية (أي نفيها) ،والصواب هو أنهم لم ينفوا الصفات على الإطلاق ،بل نفوا الصفات الزائدة ، أي أن مذهبهم يقوم على التعطيل الجزئي لا التعطيل الكلي.
    العدل:
    ذهب المعتزلة إلى أن العدل الإلهي يقتضي أن يثاب المحسن ويعاقب المسيء، وهو ما يقتضي أيضاً أن يكون للإنسان القدرة على الفعل والاختيار بين الخير والشر، إذ لو كان الإنسان مجبوراً على فعله لكان محاسبته عليه ظلماً والله تعالى منزه عن نسبة الظلم إليه، لكنهم تطرفوا في فهم حرية الإنسان فرتبوا على ذلك إن الإنسان خالق لأفعاله.
    التحسين والتقبيح العقليين:
    قالوا أن الحسن والقبح ذاتيان في الأفعال (أي أن الخير والشر يرجعان إلى صفة هذه الأفعال وليس لأن الشرع أمر أو نهي عنهم)، وأن الشرع يأمر بالفعل لما فيه من حسن وينهى عن الفعل لما فيه من قبح. وأن العقل مكلف ورود الشرع (أي أن الإنسان سيحاسب على أفعاله حتى لو لم يصله شرع).
    ثالثاً: المنزلة بين المنزلتين:
    كما قالوا إن مرتكب الكبيرة في منزلة بين منزلة الكفر ومنزلة الإيمان ،أي لا هو كافر ولا هو مؤمن ،لكنهم ذهبوا إلى أنه لا مانع أن يطلق عليه اسم مسلم تمييزاً له عن الذمي ، ولأن التوبة مطلوبة له، يقول ابن أبي حديد (إنا وإن كنا نذهب إلى أن صاحب الكبيرة لا يسمى مؤمناً ولا مسلماً نحبذ أن يطلق عليه هذا اللفظ إذا قصد به تمييزه عن أهل الذمة وعابدي الأوثان).
    رابعاً: الوعد والوعيد:
    وقالوا أن الله لا يجوز عليه أن يخلف وعده للمحسنين بالثواب ولا وعيده للمسيئين بالعقاب ، وبالتالي نفوا الشفاعة وفسروها بأنها الزيادة في الفضل الإلهي.
    خامساً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
    وأوجبوا الخروج على السلطان الجائر، ولكنهم خلافاً للخوارج لم يجعلوا هذا الإيجاب مطلقاً بل مشروطاً بتوافر ظروفه.
    الكلام: وترتب على موقفهم المتطرف في التنزيه نفي صفة الكلام الزائدة عن الذات (أي نفي أن يكون الله تعالى متكلماً بكلام مستقل عن الذات الإلهية) لأن ذلك من صفات الحوادث (المخلوقات)، ولأن هذا يفيد الأثنية (أي يفيد أن هناك إلهين)، وهم هنا يردون على المسحيين الذين احتجوا بوصف القرآن للمسيح عليه السلام بأنه كلمة الله لتبرير قولهم بإلوهيته. أما ما ورد في القرآن من إسناد الكلام لله تعالى فقد أولوه بمعنى أن الله تعالى خلق الكلام كما يخلق أي شيء، وبالتالي فإن كلام الله (القرآن) مخلوق (نحدث) لا قديم.
    الرؤية: كما ترتب عليه نفي إمكانية رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة. وفسر البعض أن المقصود بالرؤية التي نفاها المعتزلة هي رؤية الله بالأبصار لا الرؤية مطلقاً يقول الشهرستاني (واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار).
    التعليل فعال الله: كما قالوا أن الله تعالى يعمل الأعمال معللة بمقاصد لأنه حكيم لا يصدر عنه الفعل جزافاً. ثم يصلون من هذا إلى القول بوجوب الصلاح والأصلح ، أي أن الله تعالى لا يفعل إلا ما يكون حكمة ،فمستحيل أن يأمر بغير الصالح أو ينهى عن الطالح، فيجب له الصلاح ويجب له الأصلح.
    تقويم:
    جاء المعتزلة أساساً للرد على أصحاب الديانات والاعتقادات المخالفة للإسلام باستخدام المناهج العقلية التجريدية اليونانية، ولكن هذه الآلة (المناهج العقلية) تحولت بطول الممارسة من أداة إلى غاية ، فتحول العقل لديهم من نشاط معرفي محدود بالوحي في معرفته بغيبيات، إلى مصدر مطلق لمعرفة الغيبيات ،كما جاء في تصورهم للذات الإلهية كرد فعل متطرف على تصور المشبهة (المجسمة) الذي ينتهي على القول بالتشابه بين الإنسان والله تعالى. ولكن هذا التصور قد يمهد لانقطاع الصلة بين الإنسان وربه ، فضلاً عن أنه يفضي على التعطيل (النفي) الجزئي للوجود الإلهي كما في مسألة الصفات، أما قولهم بالحسن والقبح العقليين فيترتب عليه إطلاق العقل عن حدوده كما يتضح في قولهم أن العقل قادر على إدراك حسن أو قبح الأفعال بصورة مطلقة وقولهم بتوقف الثواب والعقاب على العقل ، كما أكد تصورهم للعدل الإلهي قدرة الإنسان على الفعل والاختيار ،ولكنهم تطرفوا أيضاً في تأكيد حرية الإنسان فتحولت حركة الإنسان لديهم من فعل محدود (تكوينياً وتكليفياً) بفعل الله تعالى المطلق، إلى فعل مطلق عندما قالوا أن الإنسان خالق لأفعاله ، إذ الخلق صفة ربوبية (مضمونها دال على الفعل لله تعالى) وبالتالي فإن إسنادها سواه هو شرك في الربوبية (اعتقادي أو عملي)، وقول المعتزلة بوجوب الأصلح لله تعالى يوحي بأن فعله تعالى محدود بفعل لسواه أوجب عليه فعل الأصلح وألزمه به، والفعل المطلق (الذي ينفرد به الله تعالى) هو الفعل الذي لا يحده فعل لسواه وكل فعل لسواه محدود به، وبالتالي ينبغي القول بأن الله تعالى أوجب على نفسه (لا يجب عليه) فعل الأصلح ،وبالتعبير القرآني كتب الله على نفسه.
    الأشاعرة:
    تنسب هذه الفرقة إلى أبي الحسن الأشعري الذي كان في أول عهده من المعتزلة ثم انفصل عنهم ليكون فرقة هي الأشاعرة، لتصبح فيما بعد أكبر فرق أهل السنة والجماعة، ومن أعلامها الجويني والشهرستاني والغزالي.
    التنزيه:
    تصور الأشاعرة لذات الإلهية يقوم على التنزيه ورفض التشبيه، وقالوا بفهم الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والإنسان على معانيها المجازية المشهورة التي يعرفها العربي من غير تأويل، يقول البغدادي (وأول ظهور التشبيه صادر عن أصناف "من الروافض والغلاة"(1) ويقول الشهرستاني عن الكرامية المشبهة أنهم ليسوا علماء معتبرين بل سفهاء جاهلين)(2)، ويقول الغزالي (التقديس معناه إذا سمع اليد والأصبع .... فينبغي أن يفهم أن هذه الألفاظ تطلق على معنيين أحدهما الوضع الأصلي وهو العضو المركب من لحم وعظم ... وقد يستعار لمعنى آخر ليس هو بجسم أصلاً).
    إثبات الصفات غير الذات: اثبت الأشاعرة لله تعالى صفات غير ذاته ، ومن هذه الصفات التي أثبتوها صفات المعاني وهي القدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام.
    الكسب: قال الأشعري أن الفعل الإنساني هو محصلة لخلق الله تعالى وكسب الإنسان، لكنه عرف الكسب بأنه مقارنة قدرة الإنسان للفعل الإلهي ،ويمكن توضيح هذا بمثال حركة اليد والخاتم فحركة الخاتم مقارنة لحركة اليد.
    الحسن والقبح الشرعيين: كما قالوا أن افعل لا يكون حسن أو قبيح في ذاته، بل لأن الشرع أمر به ونهى عنه.
    مرتكب الكبيرة فاسق: وقال الأشعري أن مرتكب الكبيرة هو مؤمن فاسق ،وهو في مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء أدخله الجنة، وإن شاء عاقبة بفسقه وأدخله الجنة.
    الرؤية: كما قال الأشعري بجواز رؤية الله ،فعنده أن كل موجود والله موجود فيصح أن يرى.
    الكلام: وأثبتوا صفة الكلام لله كصفة قديمة بذاته ،ولكنهم قسموا الكلام الإلهي إلى نوعين: كلام نفسي وهو عبارة عن معنى واحد قائم بذاته تعالى أزلاً، وكلام لفظي هو عبارة عن حروف وأصوات حادثة مطابقة للمعنى النفسي الذي يتضمن كل أمر ونهي، فالقرآن إذاً هو كلام الله غير مخلوق ، أما الحروف المقطعة والألوان والأجسام والأصوات فمخلوقات مخترعات.
    أفعال الله لا تعلل: قالوا أن أفعال الله تعالى لا تعلل لأن ذلك يقيد إرادة الله، لذا أجازوا بفرض عقلي لا شرعي أن يعاقب الطائع ويثاب العاصي استناداً إلى تفسيرهم للآية (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون).
    تقويم:
    قول الأشاعرة بصفات غير الذات يؤدي إلى فصل الذات عن الصفات وقد نقده ابن حزم (... إذا كان مع الله شيء غيره لم يزل معه فقد بطل أن يكون الله تعالى وحده بل صار له شريك....)(1)
    كما أن الأشعري بدأ بداية صحيحة في مسألة أفعال العباد بتقريره أن الفعل الإنساني محصلة خلق الله وكسب الإنسان ،ولكنه بتعريفه للكسب بأنه مجرد اقتران بالفعل يؤدي إلغاء الكسب أي إلى الجبرية ،يقول الجويني (أما نفي القدرة والاستطاعة فما يأباه العقل والحي وما إثبات قدرة لا أثر لها به وجه فهو كنفي القدرة أصلاً)(1) كما أن قول الأشاعرة بالحسن والقبح الشرعيين يتضمن إلغاء العقل ، إذ حرموه من القدرة على إدراك حسن أو قبح الأفعال بصورة مطلقة فضلاً عن إنكارهم الوجود الموضوعي للخير والشر يقول ابن القيم (والحق الذي لا يحد التناقض إليه سبيل أن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة كما أنها ضارة ونافعة ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بأمر ونهي) .كما أن قول الأشاعرة بالحسن والقبح الشرعيين يتضمن إلغاء العقل ، إذ حرموه من القدرة على إدراك حسن أو قبح الأفعال بصورة مطلقة فضلاً عن إنكارهم الوجود الموضوعي للخير والشر يقول ابن القيم (والحق الذي لا يحد التناقض إليه سبيل أن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة كما أنها ضارة ونافعة ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بأمر ونهي)(2) كما أن قولهم أن أفعال الله لا تعلل بوحي بانتفاء الحكمة عن فعل الله تعالى وهو نقض وقصور لا يجوز أن ينسب إليه ففعله تعالى مطلق وبالتالي كامل.
    الماتريدية:
    أحد فرق أهل السنة والجماعة، مؤسسها أبو منصور الماتريدي الذي كان أول عهده أشعري المذهب ،ثم أنشأ بفرقة مستقلة هي الماتريدية، وهي تلتقي مع الأشاعرة في بعض الآراء كما تختلف معهم في أخرى.
    التنزيه:
    تلتقي هذه الفرقة مع الأشاعرة في القول بالتنزيه ورفض التشبيه ، وذلك بفهم الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والمخلوقات على معانيها المشهورة التي يعرفها العربي من غير تأويل.
    الحسن والقبح: كما قالت للأفعال حسناً أو قبحاً ذاتياً، وأن هناك بعض الأفعال التي يستقل العقل بإدراك حسنها أو قبحها، كما أن هناك أفعالاً لا سبيل لإدراك حسنها أو قبحها إلا بالشرع، ولكن في كل الأحوال لا تكليف قبل ورود الشرع.
    أفعال العباد: تتفق مع الأشعري في القول بأن الفعل الإنساني هو محصلة خلق الله تعالى وكسب الإنسان ، إلا أنها خلافاً للأشعري لم تجعل الكسب مجرد اقتران بالفعل بل حقيقية على الفعل.
    مرتكب: يرى الماتريدية أن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار ولو مات من غير توبة يقول الماتريدي (والحق في أصحاب الذنوب من المؤمنين تفويض أمرهم إلى الله تعالى إن شاء عفا عنهم فضلاً منه وإحساناً ورحمة وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم فلا يخلدون في النار و أهل الإيمان بين الرجاء والخوف).
    التعليل لأفعال الله تعالى: وقال الماتريدية أن أفعاله تعالى تكون على مقتضى الحكمة لأنه حكيم ، كما وصف نفسه في حكمه التكويني والتكليفي، أراد هذه الحكمة لكنه قصدها غير مجبر عليها ولا ملزم لأنه مختار مريد ،فلا يقال أنه يجب عليه فعل الصلاح والأصلح ،لأن الوجوب يستلزم أن يكون لغيره حقاً عليه ،والله تعالى لا يسأل عمال يفعل وأن عقاب العاصي وثواب الطائع لحكمة قصدها ومنع أن يخلف وعيده لأن الله وعد بمقتضى حكمته.
    تقويم:
    نلاحظ أن الماتريدية كانوا أقرب على الحل الصحيح لمسألة دور العقل في تحسين أو تقبيح الأفعال، وذلك بتقسيم الأفعال أي عندما لم يتعاملوا مع الأفعال بصورة موحدة ،ولكن لم يوضحوا طبيعة هذه الأفعال بنوعيها حيث يمكن القول بأن الأفعال التي لا سبيل لإدراك حسنها أو قبحها إلا بالشرع هي الأفعال المطلقة عن قيود الزمان والمكان ، وأن الأفعال التي يمكن للعقل أن يدرك حسنها أو قبحها هي الأفعال المحدودة بالزمان والمكان النسبية فيهم.

    الصفات الإلهية بين التشبيه والتفويض
    المشبهة (المجسمة):
    التشبيه هو القول بالتشابه بين الله تعالي ومخلوقاته، والتجسيم هو تصور الهش تعالى على صورة جسم، والتشبيه ظهر قبل الإسلام عند الفرق المسيحية واليهودية، ثم تسرب إلى بعض الفرق المتطرفة في البلاد الإسلامية، وقد استندت هذه الفرق إلى فهم الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والمخلوقات على هذا الظاهر دون تأويل وأهم الفرق بعض غلاة الشيعة والكرامية والحشوية.
    غلاة الشيعة:
    من هؤلاء المغيرة بن سعيد الذي قال أن معبوده رجل من نور على رأسه تاج وله من الأعضاء ما للرجل ، ومن هؤلاء بيان بن سمعان الذي زعم أن معبوده إنسان من نور على صورة إنسان في أعضائه وأنه يفنى كله إلا وجهه.
    الكرامية:
    وتنسب هذه الفرقة إلى مؤسسها محمد بن كرام السجستاني، وهو من مثبتي الصفات الإلهية، لكنه تطرف لينتهي إلى التجسيم والتشبيه، وقد دعا أتباعه إلى تجسيم معبوده ،وزعم أنه جسم له حد ونهاية وذكر في كتاب عذاب القبر أ ن معبودة أحدى الجوهر، وقال أنه مماس للعرش من الصفحة العليا ،وجوز على الانتقال والتحول والزوال ،كما أثبت رؤية الله تعالى سواء استلزمت الجهة والجسمية أم لا ،وقد وصف الشهرستاني الكرامية بأنهم (ليسوا علماء معتبرين بل سفهاء جاهلين).
    الحشوية:
    هم الذين أدى تمسكهم بفهم الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والمخلوقات على هذا الظاهر دون تأويل إلى الوقوع في التشبيه، يقول التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون (أن الحشوية قوم تمسكوا بالظواهر فذهبوا إلى التجسيم وغيره) وهم تيار يضم بعض المنتسبين إلى أهل السنة بفرقهم المختلفة وعلى وجه الخصوص بعض متأخري الحنابلة، إذ على الرغم من أن أحمد بن حنبل لم يكن مشبهاً بل دعا إلى مذهب خاص في التفويض، إلا أن بعض متأخري الحنابلة قد وقعوا في التشبيه استناداً إلى الأخذ بظاهر الآيات المتشابهة ،وجوز هؤلاء رؤية الله تعالي في الدنيا ومن هؤلاء أبو يعلي الذي قال فيه بعض فقهاء المذهب الحنبلي (لقد شان أبو يعلي الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحار) وابن الزاغوني والذي قال فيه بعض الحنابلة (أن في قوله من غرائب التشبيه ما يحاور فيه النبيه) وقد استنكر العديد من أئمة المذهب الحنبلي هذا التيار عندما شاع في القرنين الرابع والخامس منهم ابن الجوزي (رأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح.... فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس... ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته ويقولون نحن أهل السنة وكلامهم صريح في التشبيه)(1).
    تقويم:
    إن الحشوية فهموا التفويض فهماً خاطئاً أدى بهم إلى الوقوع في التشبيه ، فالتفويض عند بعض السلف هو السكوت عن الكلام في الآيات المتشابهة ،وقد فهموه على أنه فهم (حمل) الآيات على ظواهرها مع الكلام عن هذا الفهم، يقول ابن الجوزي (عجبت من أقوام يدعون العلم ويميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها فلو أنهم أمروها كما جاءت سلموا(2) ) .فالحمل هنا يتضمن فهم معين وكلام عن هذا الفهم، أما الإمرار فيقوم على السكوت عن الخوض في الكلام أو الفهم.
    الحنابلة:
    إحدى فرق أهل السنة والجماعة تنسب إلى الإمام أحمد بن حنبل مؤسس المذهب الفقهي الحنبلي، وتضم العديد من العلماء أشهرهم ابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم ، وأطلق على هذه الفرقة أيضاً (أصحاب الحديث) و(أهل السلف) ، ويعد المذهب الوهابي المنسوب إلى محمد بن عبد الوهاب امتداداً لهذه الفرقة مع التركيز على الجانب السلوكي والعملي فيها.
    ابن تيمية:
    مذهبه في التفويض:
    كان مذهب أحمد بن حنبل هو السكوت عن الكلام في الآيات والأحاديث الواردة في الصفات ، وتفويض الأمر لله مع تنزيهه عن التشبيه والتعطيل استناداً إلى قراءته للآية (..... وما يعلم تأويله إلا الله....) ،ولكنه لم يتحدث عن كيفية فهم هذه الآيات باعتبار أن فهم معانيها يختص به الله تعالى.
    ثم جاء ابن تيمية وأخذ بمذهب التفويض، أي السكوت عن الكلام في هذه الآيات والأحاديث مثل ابن حنبل، ولكنه أضاف أن السلف فهموا هذه الآيات والأحاديث على ظاهرها يقول ابن تيمية (.... ثم من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه عليم قادر لم يقل أن ظاهر هذا غير مراد لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا فكذلك لما وصف نفسه أن خلق آدم بيديه لم يوجب ذلك أن ظاهره غير مراد....)(1)
    أفعال العباد:
    ينفي ابن تيمية الجبر لأنه يفضي إلى نسبة المعاصي التي يرتكبها الإنسان إلى الله، ويثبت للإنسان القدرة على الفعل والاختيار دون أن ينسب صفة الخلق للإنسان كما ذهب المعتزلة (من المستقر في فكر الناس أن من فعل العدل فهو عادل ومن فعل الظلم فهو ظالم ومن فعل الكذب فهو كاذب فإن لم يكن العبد فاعلاً لكذبه وظلمه بل الله الفاعل لزم أن يكون الله المتصف بالكذب والظلم).
    التعليل لأفعال الله:
    يرفض ابن تيمية موقف الأشاعرة في قولهم بِأن أفعال الله تعالى لا تعلل لأن هذا يفضي إلى نفي الحكمة عن أفعاله تعالى. فالله تعالى خلق الخلق وأمر بالمأمورات ونهى عن المنهيات لحكمة محمودة.

    ابن القيم:
    التفويض:
    يذهب ابن القيم مذهب ابن تيمية في التفويض في مسألة الآيات والأحاديث المتشابهة التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والإنسان.
    الحسن والقبح:
    يتفق ابن القيم مع الماتريدية في القول بأن للأفعال حسناً أو قبحاً ذاتياً ، وأن العقل قد يدرك حسن أو قبح هذه الأفعال ،لكن الثواب والعقاب شرعيان (والحق الذي لا يجد التناقض إليه سبيلاً أن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة كما أنها نافعة وضارة ولا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي).
    أفعال العباد:
    كما رفض ابن القيم (كابن تيمية) القول بالجبر، وأثبت الفعل والاختيار للإنسان دون نسبة الخلق له (فالجبرية شهدت كونه منفعلاً يجري عليه الحكم منزلة الإله والمحل وجعلوا حركته بمنزلة الإله والمحل وجعلوا حركته منزلة حركات الأشجار ولم يجعلوه فاعلاً إلا (على سبيل المجاز) كما رفض التصور الأشعري للكسب لاتصافه بالغموض وإلغائه قدرة الإنسان على الاختيار والفعل.
    ابن الجوزي:
    يفترق ابن الجوزي عن ابن القيم وابن تيمية في أنه يرى فهم الآيات والأحاديث المتشابهة على معانيها المجازية المشهورة التي يعرفها العربي من غير تأويل وهو مذهب ابن حزم والغزالي والماتريدي (ولا يحتاج إلى تأويل من قال الأصبع الأثر الحسن .... ولا إلى تأويل من قال يداه نعمته).
    (والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن فإن صرف صارف حمل على المجاز).
    تقويم:
    إن موقف السلف الصالح من الآيات والأحاديث المتشابهة ينقسم على معرفة وعمل، أي كيف فهم السلف الصالح هذه الآيات ثم ما هو موقفهم العملي منها، فالقول بأن كل السلف سكتوا عن الكلام فيها غير صحيح، فإن بعض السلف قد تكلموا فيها خصوصاً للرد على المبتدعة منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود، أما كيف فهم السلف الصالح هذه الآيات فهناك رأي ابن تيمية وابن القيم أنهم فهموها على ظواهرها، وهناك رأي ابن الجوزي وابن حزم والغزالي أنهم فهموها على المجاز المشهور والذي يفهمه العربي دون تأويل ، وهو الرأي الذي نرحجه.

    الباب الثاني
    الفصل الأول
    أصل كلمة تصوف والمواقف المختلفة منه
    اختلف الباحثون في اشتقاق كلمة صوفي:
    • فقيل إنه لقب أي لا تشهد له من جهة العربية اشتقاق أو قياس.
    • وقيل المشتق من الصفاء وإلى هذا يشير السبتي:
    تنازع الناس في الصوفي واختلفوا فيه وظنوه مشتقاً من الصوف
    وليست انحل هذا للاسم إلا لفتي صافي فصوفي حتى لقب الصوفي.
    • وقيل أنه مشتق من الصفو بمعنى الصفاء أيضاً.
    • وقيل أنه مشتق من الصف الأول لأن الصوفية في الصف الأول أمام الله.
    • وقيل نسبة لأهل الصفة وكانوا قوماً من فقراء المهاجرين والأنصار بنيت لهم صفة في مؤخرة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. والصفة موضع غير البيت ذو ثلاث حوائط مظلل ليستتر به من البرد والحر(1) وكانوا معروفين بالعبادة.
    • وقيل أنه مشتق من اسم (صوفة بن مرة) أحد سدنة الكعبة في الجاهلية.
    • وقيل مشتق من كلمة (صوفيا) اليونانية وهي تعني الحكمة.
    • وقيل أنها مشتقة من الصوف ويقال الصوفي للرجل إذا لبس الصوف.
    وكثير من الصوفية يرون هذا الرأي ومنهم السراج الطوسي في كتابه (اللمع) وأيده ابن خلدون وآخرون.
    تقويم:
    رد التصوف إلى كلمة (صوفيا) وهو امتداد لمحاولة رد التصوف إلى مصدر أجنبي خالص هو الفلسفة اليونانية. كما أن رده إلى الصف لأن الصوفية في الصف الأول أمام الله هو تأويل صوفي للمصطلح ، يمكن اعتباره امتداد لمحاولة رد التصوف إلى مصدر إسلامي خالص، وكذلك رده إلى أهل الصفة الذين سكنوا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم واشتغلوا بالعبادة وتعاون المهاجرون والأنصار على طعامهم طيلة أعوام الهجرة لشدة فقرهم. ونلاحظ أن الصوفية رأوا أن سلوكهم هو السلوك الأمثل في التصور الإسلامي وأنهم كانوا ينظرون إلى الحياة بعين السخط والتشاؤم ويستعجلون الخروج من الدنيا إلى الآخرة. والواقع أن سلوكهم كان سلوكاً استثنائياً ومرتبطاً بظروف الدعوة في مرحلة معينة بدليل أن أهل الصفة كانوا يشكون للرسول صلى الله عليه وسلم حالهم وكان يبشرهم بالحياة الأفضل في الدنيا قبل الآخرة، فمن أهل الصفة عبد الله بن الأسد المخزومي الذى قال (كنا عند رسول فشكونا إليه الفقر والعري وقلة الشيء، فقال عليه الصلاة والسلام اصبروا فوالله لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من قتله وأنه لا يزال هذا الأمر فيكم حتى تفتح أرض فارس والروم)(1) وبدليل أنه بعد فتح مكة لم يبق أهل الصفة على ما كانوا عليه في الصفة عالة على إخوانهم.
    ثانياً: المواقف المختلفة من التصوف:
    1) موقف القبول المطلق:
    ويمثله كثير من الصوفية.
    2) مواقف الرفض المطلق:
    ويمثله بعض المتكلمين والفقهاء وخاصة بعض متأخري الحنابلة.
    تقويم لموقف الرفض المطلق:
    هذا الموقف مبني على فهم خاطئ لموقف أئمة المذهب الحنبلي من التصوف ، و القراءة المتكاملة لهؤلاء الأئمة تناقض هذا الموقف ، فعن الإمام أحمد بن حنبل نجد في الجزء الثاني من طبقات الحنابلة للقاضي محمد بن أبي يعلي مقدمة الشيخ أبي محمد بن تميم النبلي في عقيدة الإمام أحمد بن حنبل (قد سئل مرة عن المريد فقال أن يكون مع الله كما يريد وأن يترك كل ما يريد لما يريد... وكان يعظم الصوفية ويكرمهم وقال وقد سئل عنهم وقيل له يجلسون في المساجد فقال: العلم أجلسهم).
    أما في العصر الحديث فيسند أنصار هذا الموقف إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولكن العديد من النصوص المنقولة عنه تخالفه، ففي القسم الثالث من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب جزء (فتاوى ومسائل) قام بجمعها الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم ومحمد عبد الرازق الدويسي والصفحة رقم (31) المسألة الخامسة "اعلم أرشدك الله – أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي هو العلم النافع ودين الحق الذي العمل الصالح إذا كان من ينسب إلى الدين: منهم من يتعانى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء ومنهم من يتعانى بالعبادة طلب الآخرة كالصوفية. وبعث الله بنبيه بهذا الدين الجامع للنوعين"(1). وفي القسم الثاني من مؤلفاته (الفقه) المجلد الثاني ص (4) في رسالة (أربع قواعد تدور الأحكام عليها) يقول " اعلم رحمك الله إن أربع هذه الكلمات يدور عليها الدين سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير أو في علم الأصول أو في علم أعمال القلوب الذي يسمى علم السلوك..." وفي (لحق المصنفات) "هذه مسألة" صفحة (124) قال " فنفس محبته أصل عبادته والشرك فيها أصل الشرك في عبادته ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون يوصون كثيراً بمتابعة العلم قال بعضهم "ما ترك أحد شيئاً من السنة إلا لكبره في نفسه".
    الموقف التقويمي (النقدي):
    وهو الموقف الذي يتجاوز الرفض أو القبول المطلقين للتصوف، إلى تناوله من حيث اتفاقه أو اختلافه مع أصول الدين ،المتمثلة في القواعد اليقينية الورود القطعية الدلالة المطلقة عن قيود الزمان والمكان ، فإن اتفق معها كان القبول، وإن اختلف كان الرفض، وهو فيما نرى الموقف الحقيقي لابن تيمية الذي يقول "لأجل ما وقع في كثير من الاجتهاد والتنازع فيه تنازع الناس في طريقهم فطائفة ذمت (الصوفية والتصوف) وقال أنهم مبتدعون خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف ،تبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام ،وطائفة قلة غلو فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء ،وكلا طرفي هذه الأمور ذميم. والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين ، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ وفيهم من يذنب ويتوب أو قد لا يتوب ،ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاصٍ لربه. وقد انتسب غليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلاً..".
    ويقول ابن تيمية في كتاب الاستقامة ج1 صفحة (363) (.... وهذه الشطحات أوجبت فتنة على الطائفتين من الناس إحداهما: حجبت بها عن محاسن هذه الطائفة ولطف نفوسهم وصدق معاملتهم فأهدروها لأجل هذه الشطحات وأنكروها وأساءوا الظن بهم مطلقاً وهذا عدوان وإسراف)
    كما أنه الموقف الحقيقي لابن القيم الذي يقول "فاعلم ان في لسان القوم من الاستعارات، وإطلاق العام وإرادة الخاص، وإطلاق اللفظ وإرادة إشارته دون حقيقة معناه، ما ليس على لسان أحد من الطوائف غيرهم ، ولهذا يقولون "نحن أصحاب عبارة" و"الإشارة لنا والعبارة لغيرنا" ،وقد يطلقون العبارة التي يطلقها الملحد ويريدون بها معنى لا فساد فيه ،وصار هذا سبباً لفتنة طائفتين: طائفة تعلقوا عليهم بظاهر عباراتهم فيدعوهم وظللوهم. وطائفة نظروا إلى مقاصدهم ومغزاهم فصوبوا تلك العبارات وصححوا تلك الإشارات، فطالب الحق يقبله ممن كان ويرد ما خالفه على من كان (1). والطائفة الثانية حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائهم وحسن معاملتهم عن رؤية شطحاتهم ونقصانها فسحبوا عليها زيل المحاسن وأجروا حكم القبول وهؤلاء أيضاً معتدون مفرطون.
    والطائفة الثالثة: وهم أهل العدل والإنصاف الذين أعطوا كل ذي حق حقه وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح بل قبلوا ما يقبل وردوا ما يرد(2)
    وبناء على هذا يورد ابن القيم تعريفاُ للتصوف فيقول (... والتصوف زاوية من زوايا السلوك الحقيقي وتزكية النفس وتهذيبها لتسعد لسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى، ومحبة فإن المرء مع من أحب). كما يورد تعريفاً آخراً فيقول "والدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد في الدين وكذلك التصوف قال الكتبي: التصوف هو الخلق فمن زاد في الخلق فقد زاد عليك في التصوف".

    مصادر التصوف
    أولاً: رد التصوف إلى مصدر أجنبي خالص
    أ) المصدر الفارسي:
    هنالك من المستشرقين من ذهب إلى القول بأن التصوف من أصل فارسي، منهم دوزي فهو يرى أن التصوف جاء من أصل فارسي، حيث كان موجود قبل الإسلام فقد ظهرت منه فكرة صدور كل شئ عن الله ، والقول بأن العالم لا وجود له في ذاته ،وأن الموجود الحقيقي هو الله. وكل هذه المعاني يفيض بها التصوف الإسلامي.
    ب) المصدر المسيحي:
    هنالك من المستشرقين من رأى أن التصوف من مصدر مسيحي ،ويستند أولئك إلى حجتين الأولى الصلات بين العرب والنصارى في الجاهلية والإسلام ،والثانية أو الشبه بين حياة الزهاد والصوفية وحياة المسيح والرهبان وطرقهم في العبادة والملبس، ومن الذين يذهبون إلى هذا الرأي (جولدزيهير ونيكولسن واوليري).
    ج) المصدر الهندي:
    ويميل بعض المستشرقين إلى رد التصوف الإسلامي إلى الفكر الهندي ،ومن هؤلاء هورتن ومارتنمان، فقد ساق الأخير حججاً كثيرة منها أن الزهد الإسلامي هندي في أساليبه، فاستعمال المخلاة والسبح عادة هندية بالإضافة للتشابه في عقائد الهنود في وحدة الوجود والفناء وعقائد متفلسفة الصوفية.
    د) المصدر اليوناني:
    ومنهم من رد التصوف الإسلامي إلى مصدر يوناني، وهم يعنون به التصوف الذي بدأ في الظهور في القرن الثالث الهجري على يد ذو النون المصري و الذي يطلق عليه اسم التصوف الفلسفي.


    تقويم:
    نلاحظ أن المستشرقين إذ ردوا التصوف الإسلامي إلى مصدر أجنبي خالص لم يتوصلوا إلى موقف موحد ،فأوائل المستشرقين كانوا أميل إلى ردهإلى مصدر واحد، أما المتأخرين منهم فهم أميل إلى رفض فكرة المصدر الواحد ،يقول نيكليسون في كتابه التصوف الإسلامي "برهن البحث الحديث على أصل الصوفية لا يمكن أن يرد إلى سبب واحد محدود ومن هنا لم يرتضِ باحث منصف هذه التعليمات الجارفة من أمثال أنها رد فعل للعقل الآلي تجاه الدين الإسلامي الفاتح أو أنها ليست إلا نتاج للفكر الفارسي أو الهندي".(1)
    أما القول بالمصدر الفارسي فيمكن الرد كما يقول د. أبو الوفاء التفتزاني بأن هذه الأفكار لا توجد إلا عند أصحاب وحدة الوجود الذين ظهروا في وقت متأخر (القرنين السادس والسابع الهجري) وليس كل الصوفية في الإسلام قائلين بهذا المذهب.
    ويعاب على القول برد التصوف الإسلامي إلى الزهد المسيحي أن تأثر بغير الصوفية بالمسيحية لم يظهر إلى وقت متأخر (أواخر القرن الثالث الهجري) بعد أن كان الزهد قد استقر في القرنين الأول والثاني الهجريين وأصبح دعامة التصوف الإسلامي.
    أما القول برده إلى الفكر الهندي فيرد أبو الوفاء بأنه لم يعثر على نصوص صريحة تدل على معرفة صوفية المسلمين بعقائد الهنود وديانتهم إلا عند الصوفي المتفلسف ابن سبعين في كتابه "الرسالة النورية" ،حيث يذكر شيئاً من صيغ الأذكار عند البراهمه، وهو ما كان في القرن السابع الهجري. كما يرى بعض المستشرقين أن هذا التشابه مبالغ فيه وسطحي أكثر من أن يكون جوهرياً كما عند (بروان) في كتابه "تاريخ الفرض الأدبي".
    أما القول الأخير فيمكن الرد عليه بأنه أن كل من غير المنكور أثر الفلسفة اليونانية عامة وفلسفة أف########ن خاصة على التصوف الإسلامي ،خاصة عند ما يطلق عليهم الصوفية المتفلسفين مثل السهروري وابن عربي وابن سبعين ،كما أنه لا يمكن رد التصوف الإسلامي كله إلى مصدر يوناني لأن الصوفية الأوائل لم يقبلوا على فلسفة اليونان إقبال الفلاسفة المسلمين(1)
    ثانياًَ: المصدر الإسلامي الخالص:
    ومن الباحثين من ينكر أي أثر للمصادر الأجنبية على التصوف الإسلامي، ويرده إلى مصادر إسلامية خالصة مثل القرآن والسنة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، ويقارب هذا الرأي ما أورده د. أبو الوفاء التفتزاني في كتابه السابق الذكر من أن "التصوف متعلق أساساً بالشعور والوجدان، والنفس الإنسانية واحدة على الرغم من اختلاف الشعور والأجناس وما تصل غليه نفس بشرية واحدة بطريق المجاهدات والرياضات الروحية قد تصل إليه أخرى دون اتصال واحدة منها بالأخرى.
    ويترتب على هذا أن التشابه بين التصوف الإسلامي وغيره من أنواع التصوف الأجنبية لا يعني دائماً وأبداً أخذه عنه.
    ثالثاً: التأثير المتبادل بين المصادر الأجنبية والإسلامية:
    الواقع من الأمر أن كلا موقفين السابقين هو إنكار لسنة التأثير المتبادل ،فموقف المستشرقين القائم على رد التصوف الإسلامي إلى مصدر أجنبي خالص واعتباره مجرد نقل التراث الأجنبي هو إنكار لتأثير التصوف الإسلامي في هذا التراث ، حتى الصوفية الذين أخذوا من هذا التراث الأجنبي لم يكونوا مجرد نقلة له إنما أخذوه ثم نموه وطوروه.
    كما أن رد التصوف الإسلامي إلى مصدر أو مصادر إسلامية خالصة هو إنكار لتأثر التصوف الإسلامي بهذا التراث الأجنبي ، والحقيقة الحضارة العربية الإسلامية التي يعد التصوف الإسلامي أحد عناصرها جزء من المجتمع الإنساني وحضاراته متأثرة به ومؤثرة فيه، فلا تستطيع أي حضارة أن تنعزل عن العالم الذي يعيش فيه أو أن تأثيره فيها. غير أنه يجب النظر إلى طبيعة هذا التأثير المتبادل على التيارات المختلفة للتصوف الإسلامي ، ففي حين أن التيار الذي أطلق عليه اسم (التصوف الفلسفي) كما عند الجيلي (الاتحاد) والحلاج (الحلول) وابن عربي (وحدة الوجود) انطلق من مفاهيم مستمدة من المصادر الأجنبية، أي أن عملية الأخذ والتنمية والتطوير لم يكن بعد الانطلاق من المفاهيم الإسلامية، إنما تالياً لها. نجد أن التيار الذي يطلق عليه اسم (التصوف السني) كما عند الإمام الغزالي مثلاً انطلق أولاً من المفاهيم الإسلامية ، ثم تأثير في صياغته لهذه المفاهيم بمصادر غير إسلامية. هذا الموقف يقارب رأي بعض المستشرقين منهم سبنسر ترمنجهام في كتابه (الصوفية في الإسلام) حيث يقول "إن التصوف الإسلامي تطور طبيعي داخل حدود الإسلام ولا يمكن إلا بصلة طفيفة بالمصادر غير الإسلامية مع أنه نظام إشاعات من الحياة الصوفية الزهدية المسيحية الشرقية وفكرها وبالتالي فإن نظام الصوفية الواسعة المتطورة قد يكون في الإسلام ومهما كان الدين الذي يدين للأفلاطونية المحدثة أو الغنوصية أو التصوف المسيحي إلا أنه ينبغي أن ننظر إليه بحث كما نظر إليه الصوفية على أنه النظرية الباطنية للإسلام.

    رؤية إجمالية لنشأة وتطور التصوف
    تمهيد:
    عندما ظهر الإسلام كانت المجتمعات التي توجد بين الخليج العربي والمحيط الأطلسي إما قبائل أو شعوب ، وقد أشار القرآن لهذين الطرفين (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) "الحجرات:13" ، وكانت الهجرة بمثابة ترقي للعلاقة بين الناس إلى ما فوق الطور القبلي ،وهنا سيتحدث القرآن عن المؤمنين لا جملة بل حسب انتمائهم، فإما مؤمنين ينتمون إلى قبائل (الأعراب) ،أو مؤمنون ينتمون إلى شعب (أهل المدينة) "ما كان أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله....) "التوبة:12" ،وبالتالي قطعت الروابط القبلية فيصبح المؤمنون من القبائل المختلفة يخضعون لنظام معاملات واحد كما في (الصحيفة) التي كانت بمثابة دستور للشعب الجديد، وبدأت الأمة العربية المسلمة جنيناً في رحم هذا المجتمع (الشعب) الذي أوجده الإسلام، ولدت فيه ونمت معه واكتملت به، وكانت فترة الخلافة الراشدة امتداداً لمدرسة النبوة فقامت على المساواة بين الناس وقطع العلاقات العشائرية والقبلية.
    غير أنه بعد الخلافة الراشدة بدأت مرحلة الصراع (الدفع) الاجتماعي كان الصراع الداخلي فيها قائماً بين قوى تستهدف كل منها الخلافة (الدولة إدارة السيطرة على الإمكانيات المشتركة) ، وتدعي كل منها أحق من غيرها بها، وإن كانت كل منها تحصل معها تراثها القبلي فيما تدعيه من وحدة الأصل (الأمويون، الهاشميون والعباسيون).
    1) كانت بداية التصوف متمثلة في فئة الزهاد الذين اتخذوا موقفاً من هذا الصراع يتمثل في اعتزاله والانشغال بالعبادة. يقول النموبخي "من الفرق التي افترقت في ولاية علي على فرقة اعتزلوا مع سعد ين مالك وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب فإن هؤلاء اعتزلوا عن علي وامتنعوا عن محاربته والمحاربة معه ودخولهم بيعته والرضا به فسموا المعتزلة". ويقول المطلي "وهم سموا أنفسهم معتزلة وذلك عندما بايع الحسن معاوية وسلم إليه الأمر اعتزلوا الحسن ومعاوية وجميع الناس وذلك أنهم كانوا من أصحاب علي ولزموا مساجدهم وقالوا ننشغل بالعلم والعبادة فسموا بذلك المعتزلة".
    ومن النصوص السابقة نفهم أن هذه الفئة لا تنتمي بصلة إلى المعتزلة الفرقة الكلامية المشهورة بأصولها الخمسة ،وإنما كانوا أسلاف الصوفية وأخذوا اسمهم من موقفهم من الصراع الاجتماعي الدائر في زمانهم ،والقائم على اعتزال القوى المتصارعة ، وبناء على هذا كانت المرحلة الأولى في نشأة التصوف هي مرحلة الزهد، وهي الواقعة في القرنين الأول والثاني الهجري ، فكانوا اتساقاً مع خصائص هذه المرحلة أفراداً لهم طريقة زهدية تتصل بالمأكل والمشرب والملبس ،ومن هؤلاء الحسن البصري المتوفى 110هـ ،ورابعة العدوية. ويميز ابن الجوزي بين الزهد ومرحلة التصوف في قوله ( أن الصوفية انفردوا عن الزهاد بصفات وأحوال وتوسموا بسمات فاحتجب إلى إفرادهم بالذكر والتصوف طريقة ابتدءوها الزهد الكلي).(1)
    2) منذ القرن الثالث للهجرة نجد الصوفية عنوا بالكلام في الدقائق والسلوك وغلب عليهم الطابع الأخلاقي، ونشأ علم للتصوف يتميز عن علم الفقه له لغته الاصطلاحية الخاصة التي لا يشارك الصوفية فيها غيرهم، يقول ابن خلدون "فلما كتبت العلوم ودونت وألف الفقهاء في الفقه وأصوله والكلام والتفسير وغير ذلك كتب رجال من هذه الطريقة في طريقهم فنمهم من كتب في الورع ومحاسبة النفس في الأخذ والترك كما فعل القشيري في الرسالة والسهروردي في كتاب (عوارف المعارف) فصار علم التصوف في الملة علماً مدوناً بعد أن كانت طريقة عبادة فقط.
    3) ومن ناحية أخرى نجد بعد شيوخ التصوف في القرنين الثالث والرابع كالجنيد والسري السقطي والحراز يجمعون حولهم المريدين من أجل تربيتهم، فتكونت لأول مرة الطرق الصوفية في الإسلام ، وكان أيضاً نوع من التصوف الفلسفي يمثله الحلاج الذي أعدم لمقالته في الحلول 309هـ.
    4) ثم جاء الإمام الغزالي في القرن الخامس الهجري وأرسى القواعد من جديد من التصوف يساير أهل السنة على مذهب الأشاعرة الكلامي ،ويخالف تصوف الحلاج والبسطامي ، ومنذ القرن السادس الهجري أخذ التصوف السني في العالم الإسلامي يزداد بتأثير الغزالي، وظهر صوفية كونوا طرقاً لتربية المريدين منهم أحمد الرفاعي المتوفى 570هـ وعبد القادر الجيلاني المتوفى 651هـ.
    5) كما ظهر منذ القرن السادس مجموعة من شيوخ التصوف الذين مزجوا التصوف بالفلسفة ، ومنهم السهروردي صاحب حكمة الإشراق المقتول 549هـ والشيخ الأكبر محي الدين بن عربي المتوفى سنة 638هـ وابن السبعين المتوفى 669هـ ، وقد أخذوا من المصادر الأجنبية كالفلسفة اليونانية وخاصة الأفلاطونية المحدثة.
    6) غير أنه منذ دخول الأمم والشعوب المسلمة لمرحلة الاستضعاف وكمقدمة لها أصاب التصوف شيء من التدهور (منذ القرن الثامن الميلادي وحتى العصر الحاضر)،فاتجه أصحابه إلى الشروع والتلخيصات لكتب المتقدمين، وتوقف الاجتهاد فيه ،كما عني أصحابه من الناحية العلمية بضروب من الطقوس والشكليات أبعدتهم من جوهر دعوتهم. ولعل ابن تيمية يشير إلى بداية هذه المرحلة بتميزه بين طبقات الصوفية( وقد صارت الصوفية ثلاث طبقات : صوفية الحقائق فهم الذين وصفناهم ،وصوفية الأرزاق فهم الذين وقفت عليهم الخوانق والوقوف فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل التصوف ، وأما صوفية الرسوم فمنهم المقصودين المقتصرين على التشبه بهم في اللباس والآداب الوصفية ، فهم بمنزلة الذي يقتصر على زى أهل العلم".(1)





    الفصل الثاني
    بعض قضايا التصوف
    نظرية المعرفة الصوفية(الكشف)
    نظرية المعرفة الصوفية(الكشف) ترى أن الحواس والعقل هي وسائل معرفة ظنية ، بمعنى أنها معرضة للصواب والخطأ ، لهذا يجب أن نلجأ إلى الكشف كوسيلة للمعرفة المطلقة اليقين. ومضمونها أنه بالرياضة الروحية والجسدية يرق الحجاب بين الإنسان وخالقه حتى يزول أو يكاد يزول، فيلتقي الإنسان المعرفة تلقياً مباشراً من الله تعالى بدون واسطة من الحواس والعقل.
    تقويم:
    يمكن اعتبار الكشف كشكل من أشكال الرؤية الصادقة التي أشارت النصوص قال(ص) "الرؤية الصادقة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة". لكن المعرفة الكشفية معرفه ذاتية لابد لها من معيار موضوعي لها للأخذ بها كوسيلة للمعرفة ، هذا المعيار ذو بعدان :
    بعد تكويني :هو اتساقها مع الوحي في إدراكها للغيبيات المطلقة عن قيود الزمان والمكان، يقول الشاطبى (فهذا أصل اقتضى للعاقل أن لا يجعل العقل حاكما بإطلاق، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع)
    بعد تكليفي:هو اتساقها مع الحواس في إدراكها لعالم الشهادة المحدود زمانا و مكان والسنن الالهيه التي تضبط حركته ﴿ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والافئده لعلكم تشكرون﴾.
    ومن هنا كان التمييز بين الوحي وموضوعه الغيب المطلق الذي يتضمن الوجود الغيبي المطلق من قيود الزمان والمكان بشكليه المطلق (وجود الله تعالى) والمحدود (مثل وجود الملائكة الجن، الجنة، النار...)، والرؤية الصادقة وموضوعها الغيب النسبي(المقيد)، الذي يتضمن كل ما لم تتوافر إمكانية معرفته عن عالم الشهادة في مرحلة معينة أو في ظل ظروف معينه أو لشخص معين، مع توافر هذه الإمكانية في مرحلة تالية أو ظروف أخرى أو شخص أخر ، والذي لم ينهى الإسلام عن البحث المعرفي فيه لأنه يقع أصلاً في نطاق عالم الشهادة.





















    الكرامات
    اثبت أهل السنة بفرقهم المختلفة كرامات الأولياء، غير أن هناك مذهبين في إثباتها، و بالتالي تفسيرها:
    الإثبات المطلق: اى إثبات الكرامة دون تقييد مضمونها: تكوينيا: فالكرامة يمكن أن تتم بانقطاع اضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود،وهو ما عبر عنه أصحاب هذا التفسير بتعريف الكرامة بأنها " خرق للعادة" ،والمقصود بالعادة عند أصحاب هذا التفسير العادة المضطرة اى السنن الالهيه.. غير أن هذا التفسير لا يوضح الفرق بين الكرامة والمعجزة، لذا رفضه عدد من متأخري الاشاعرة و المتصوفة منهم السبكي القائل )معاذ الله أن يتحدى نبي بكرامه تكررت على ولي، بل لا بد أن يأتي النبي بما لا يوقعه الله على يد الولي ،و إن جاز وقوعه فليس كل جائز في قضايا العقول واقعا . و لما كانت مرتبة النبي أعلى و أرفع من مرتبة الولي كان الولي ممنوعا مما يأتي به النبي على الإعجاز و التحدي، أدبا مع النبي )(1)تكليفيا: فالكرامة يمكن أن تحدث للشخص مع عدم التزامه بأوامر ونواهي الشريعة .ولم يقول بهذا المذهب إلا بعض متاخرى الصوفية،وأصحاب التصوف القائم على الحلول والاتحاد ووحده الوجود،فهو مبنى على امكانيه الحلول أو الاتحاد أو الوحدة بين الذات الالهيه والذات الانسانيه وسقوط التكاليف.
    الإثبات المقيد: اى إثبات الكرامة مع تقييد مضمونها: تكليفيا :بالتزام الأوامر والنواهي ،وقال بهذا الحنابلة والاشاعره وأهل التصوف السني ، يعرف الشريف الجرجاني الكرامة بأنها (ظهورُ أمرٍ خارق للعادة من قِبَل شخص غير مُقارنٍ لدعوى النبوة، فما لا يكون مقروناً بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجاً، وما يكون مقروناً بالنبوة يكون معجزة)(2) تكوينيا: بالتزام حتمية السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود ، وبالتالي فان الكرامة هي تكريم الله تعالى لشخص صالح دون
    (1) طبقات الشافعية 2/320 .
    (2)التعريفات،الجرجاني، ص210.

    انقطاع اضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود.يقول الاسفرائينى (إن الكرامة لا تبلغ مبلغ خرق العادة وإنما هي إجابة دعوة أو موافاة ماء في غير موقع) (1)، وهو يقارب رأى عدد من العلماء الذين فرقوا بين الكرامة والمعجزة بان ما جاز معجزه لنبي لا يجوز كرامه لولى ، يقول الإمام النووي (قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين الذي صار إليه أهل الحق جواز انخراق العادة في حق الأولياء ... قال وصار بعض أصحابنا إلي أن ما وقع معجزة للنبي لا يجوز تقدير وقوعه كرامه لولي فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر وينقلب العصا ثعبان ويحي الموتى إلي غير ذلك من آيات الأنبياء كرامة لولي )(2). و رفض أبو محمد بن أبي زيد المالكي الكرامة طبقا للتفسير الأول إلا بشرط حدوثها في المنام , وتبعه في هذا الراى عددا من العلماء منهم أبا الحسن علي القابسي (ت 403هـ) وأبا جعفر أحمد الداودي (402هـ). وجوز الإمام ابن حزم من أهل الظاهر الكرامة طبقا للتفسير الأول في حياة الرسول، أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فيرى انه لا سبيل إلى شيء من هذا. (3)، وطبقا لهذا التفسير يجوز الأخذ بالتعريف الكرامة بأنها"خرق للعادة".بشرط أن يكون المقصود بالعادة ما اعتاد عليه الناس لا العادة المضطردة، ورد في شرح العقيدة الطحاويه"فالمعجزة في اللغة كل أمر خارق للعادة ،وكذلك الكرامة في عرف ألائمه أهل العلم المتقدمين، ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما...وجماعها الأمر الخارق للعادة...وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله ،ويعلمه ماعلمه الله إياه، ويستغنى عما أغناه الله ،ويقدر على ما اقدره الله عليه من الأمور المخالفة للعادة المضطردة أو لعاده اغلب الناس ،فجميع المعجزات والكرامات لا تخرج عن هذه الأنواع )(4)
    (1)الاسفرائينى، الموافقات، ص25.
    (2)الإمام النووي، بستان العارفين، ص 30.
    (3)ابن حزم، الأصول والفروع،دار الكتب العلمية،بيروت،1984.
    (4)شرح العقيدة الطحاويه ،مكتبه الدعوة الاسلاميه،القاهرة،ص 499.

    و الأيمان بالكرامة طبقا لهذا التفسير يتفق مع المنهج الإسلامي الذي يقرر انضباط حركة الوجود بسنن إلهية لا تتبدل (ولن تجد لسنة الله تبديلاً)، كما يتفق مع التفكير العلمي ويناقض التفكير الخرافي.


























    الملاماتية والنفس الإنسانية
    تعريفها:
    فرقة من فرق الصوفية بمدينة نيسابور بخرسان في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري. اختارت لنفسها اسم الملامة التي هي تأنيب النفس في ،مقابل اسم الصوفية لأنهم كانوا ثائرين على الكثير مما كان مقرراً عند الصوفية.
    اشتقاق الاسم:
    واسم الملاميتة متصل بمفهوم اللوم الوارد في القرآن كقوله تعالى (ولا أقسم بالنفس اللوامة) و (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم). ويقول حمدون القصار (طريقنا ترك التزين للخلق بحال وترك طلب رضاهم في نوع من الأخلاق والأحوال وألا يأخذك في الله لومة لائم).
    المراد باللوم:
    والمراد باللوم الملاماتي لوم النفس القائم على أن لا يرى الملاماتي لنفسه حظاً على الإطلاق ، ولا يطمئن إلى عمل ظناً منه أن النفس شر محض. ومن ناحية أخرى المراد باللوم لوم النفس باعتبارها شر محض. ومن ناحية أخرى المراد باللوم لوم الناس إياهم ، لأن الملاماتية خوفاً من أن تنكشف أحوالهم تعمد أن يظهروا للناس ما يجلب عليهم التأنيب. يقول أبو أبي حفص (أهل الملامة قوم قاموا مع الحق تعالى على حفظ أوقاتهم ومراعاة أسرارهم فلاموا أنفسهم على جميع ما أظهروا من أنواع القرب والعبادات وأظهروا للخلق قبائح ما هم فيهما وكتموا عنهم محاسنهم، فلاموا الناس على ظواهرهم ولاموا أنفسهم على ما يفعلونه من بواطنهم).
    الفرق بين الملاماتية والصوفية:
    أما الفرق بين الملاماتية والصوفية فهو كما يرى السلمي أن الصوفي لا يتحرج من إظهار الدعاوي وإعلان ما يفتح الله عليه من أسرار الغيب ولا الخروج على الناس بالكرامة. أما الملاماتي فيحتفظ على سر الله ويتكتم في نفسه ما بينه وبين ربه، ولا دعوى له لأنها رعونة، ولا يظهر كرامة خوفاً من أن تكون ابتلاء أو أن يفتتن الناس به. لذا يقسم السلمي أرباب الأحوال والعلوم إلى ثلاثة أقسام علماء الشريعة المشتغلين بظواهر الأحكام وهؤلاء هم الفقهاء، وأهل المعرفة بالله المنقطعين إلى الله، والزاهدين في أسباب الدنيا وهؤلاء هم الصوفية ، والذين زين الله بواطنهم بالقرب وقد غار الحق عليهم لئلا يعرف الخلق أحوالهم، فأظهر للخلق منهم صفاتهم الظاهرة التي تفيد معنى الافتراق، لكي يسلم لهم حاله معه تعالى وهؤلاء هم الملاماتية).
    القوى النفسية:
    يستعمل السلمي كلمات الروح والسر القلب والنفس والطبع ويرتبها على هذا النحو من حيث الأفضلية بينها .
    تقويم: الأرجح أن النزعة التشاؤمية التي تنظر إلى النفس الإنسانية باعتبارها شراً محضاً يجب التخلص منه ذات مصدر زرادشتي هندي وجد طريقه إلى صوفية خرسان تحت تأثير البيئة الحضارية التي عاشوا فيها.
    التأثير بمذهب وحدة الوجود:
    كما يتضح أثر المصادر غير الإسلامية في هذه المحاولة من تأثير المذهب الملاماتي بوحدة الوجود هو ماثل في الرياء وكون الله تعالى وحده وهو الفاعل (لا فاعل المطلق).
    تدهور المذهب الملاماتي:
    كما خلف الملاماتية الأولين فئة نزلت بهذا المذهب إلى أحط درجات الفساد والتدهور ،واستخدمت تعاليمه كمبرر للإباحة حتى اقترن في أذهان الناس بمعنى العبث بأمور الدين والتراخي في أداء العبادات، والمباهاة بالمعاصي.


    الباب الثالث
    الفلسفة الإسلامية
    الفصل الأول
    علاقه الفلسفة الإسلامية بالفلسفة اليونانية
    1) علاقة الفلسفة الإسلامية بالفلسفة اليونانية:
    هنالك تصورين لعلاقة الفلسفة الإسلامية بالفلسفة اليونانية سوف نتناولها بالتفصيل:
    التصور الأول: أن الفلسفة الإسلامية مجرد نقل للفلسفة اليونانية:
    ينكر التصور الأول أصالة الفلسفة الإسلامية ، فيعتبرها مجرد نقل للفلسفة اليونانية، وبعبارة أخرى فإن ما يسمى بالفلسفة الإسلامية ما هي إلا فلسفة يونانية مترجمة إلى اللغة العربية دون أي إضافة، وأن من يسمون بالفلاسفة الإسلاميين ليسوا مسلمين بل خارجين عن الدين الإسلامي. وهذا التصور يمثله بعض المستشرقين ويستند إلى تبريرات عدة:
    التبرير الأول: أن القدرة على التفلسف (أي ممارسة النشاط العقلي التجريدي) ينفرد بها الجنس الأري (الذي ينتمي إليه قدماء اليونانيين)، أما العرب الشعوب الإسلامية فلا تمتلك هذه القدرة لأنها تنتمي إلى الجنس السامي، ومن أنصار هذا التبرير رينان وجوتيه.
    التبرير الثاني: إن الدين الإسلامي والقرآن يمنعان النشاط العقلي الحر (الذي يميز الفلسفة)، ومن أنصار هذا التبرير ثنمان في كتابه (المختصر في تاريخ الفلسفة).
    تقويم التصور الأول:
    التبرير الأول يستند إلى العنصرية التي هي من خصائص أطوار التكوين الاجتماعي القبلي، حيث معيار الانتماء إلى القبيلة وحدة النسب (الدم) الحقيقي أو الوهمي ، غير أن التطور الاجتماعي في أغلب مجتمعات العالم قد تجاوز هذه الأطوار إلى طور جديد هو الأمة التي مناط الانتماء إليها الهوية الحضارية (التي وعاؤها اللغة)، لذا تراجع أغلب المستشرقين عن هذا التبرير في مراحل لاحقة.
    كما أن هذا التبرير ينطوي على جملة من الأخطاء والمتناقضات أهمها أن تقسيم البشر إلى ثلاثة أقسام (ساميين، حاميين وأريين) هو تقسيم لغوي لا عرقي، إذ لا يوجد عرق نقي لم يختلط بباقي الأجناس ،وأن التجريد (كما يقرر علم النفس) هو ملكة عقلية إنسانية لا يختص بها جنس معين.
    أما التبرير الثاني فقائم على تصور معين للفلسفة هو وجوب انفصالها عن الميتافيزيقا والدين، والواقع من الأمر أن أي مذهب فلسفي إنما ينطلق من فرض أو فروض يسلم بها دون أن تكون قابلة للنفي أو الإثبات بالتجربة العلمية ،وإن كانت قابلة للتحقق بالأدلة العقلية، فهي ميتافيزيقية بهذا المعنى. كما أن هذا التصور يلزم منه استبعاد كل الفلسفات الدينية الغربية والشرقية وهي تشكل جزءاً كبيراً من الفلسفة في كل مراحل تطور الفلسفة. كما أن أي فلسفة إنما تنطلق من القيم الحضارية للأمة التي ينتمي إليها الفيلسوف المعين، وبناء على هذا فإن استناد الفلسفة الإسلامية إلى الميتافيزيقا أو انطلاق الفلاسفة الإسلاميين من الإسلام الذي يشكل الهيكل الحضاري للأمم والشعوب المسلمة لا تنفي كونها فلاسفة أو. والملاحظ أن بعض الكتاب الإسلاميين بدافع نقية الفكر الإسلامي من الشوائب اتفقوا مع المستشرقين في هذا التصور.
    التصور الثاني: أن الفلسفة الإسلامية هي محصلة أخذ وتنمية وتطوير الفلسفة اليونانية:
    هذا التصور يقول بأصالة الفلسفة الإسلامية، أي أن العرب وإن كانوا قد أخذوا بذور المعرفة بما فيه الفلسفة من اليونان فإنهم نموها وطوروها ،ويؤكد هذا تاريخ هذه الفلسفة التي مرت بثلاث مراحل:
    أولاً: الترجمة: أنشا المأمون لذلك ديوان الحكمة استغرقت الترجمة قرناً من الزمان (القرن الثاني الهجري) ، والترجمة ليست عملاً آلياً ينقل فيه نص من لغة إلى لغة، بل هي عملية انتقاء ما لا يناقض بنية حضارة معينة لهذا فأن العرب ترجموا كتب الفلسفة دون كتب الأدب الأسطورة اليونانية ،وترجمت أرسطو أكثر مما ترجمت كتب أفلاطون، وترجمة الجمهورية أكثر مما ترجمت المحاورات الخاصة بالأخلاق و الجمال.
    ثانياً: الشرح: ما أن حل القرن الثالث حتى بدت بوادر الشرح والتأليف،و الشرح ليس التعبير عن عبارة بعبارة أخرى، بل هو عملية تمثيل جديد كما يبدو في كتاب فلسفة أرسطو للفارابي.
    ثالثاً: التأليف: بعد الترجمة والشرح بدا بوادر التأليف،و هي مرحلة الإضافة ،فقد كتب الفارابي فلسفة أرسطو أولاً كي يكتب أخيراً (تحصيل السعادة).
    لماذا اتخذ الفلاسفة الإسلاميين الفلسفة اليونانية نقطة بداية:
    إذا كان ما سبق ينهض دليلاً على أن الفلسفة الإسلامية لم تكن مجرد نقل للفلسفة اليونانية بل هي عملية أخذ وتنمية وتطوير للأخيرة، إلا أنه يجب أن نضع في الاعتبار أن الفلاسفة الإسلاميين قد اتخذوا الفلسفة اليونانية نقطة بداية لأن الشعوب التي ضمها الفتح الإسلامي كانت تسود بها عقائد وأديان ومذاهب اتخذت من الفلسفة والمنطق اليونانيين أدوات أو أسلحة للدفاع عن هذه العقائد، فكان على الفلاسفة الإسلاميين الذين عنوا أساساً بالدفاع عن الدين الإسلامي في وجه هذه العقائد والمذاهب ،محاربتهم بنفس سلاحهم ،أي الانطلاق من ما هو مسلم بصحته لديهم (الفلسفة والمنطق اليونانيين)، للوصول على ما هو مسلم لدى الفلاسفة الإسلاميين (الدين الإسلامي)، مع الإقرار أنه قد أصابهم نوع من التبجيل للفلسفة والمنطق اليونانيين كنتيجة لطول استخدامهم لها كأدوات أو أسلحة ،بخلاف علم الكلام الذي اتخذ من مفاهيم الدين الإسلامي نقطة بداية لأن المتكلمين خاطبوا أساساً المسلمين ،وانطلقوا من ما هو مسلم لديهم (الدين الإسلامي). وبعبارة أخرى فإن الفلسفة الإسلامية هي محاولة لبناء عقلانية إسلامية ذات خطاب موجه (بصورة أساسية) إلى شعوب تسلم صحة الفلسفة والمنطق اليونانيين ولا تسلم بصحة الدين الإسلامي، وعلم الكلام هو محاولة لبناء عقلانية إسلامية ذات خطاب موجه (بصورة أساسية) إلى جماعات تسلم بالدين الإسلامي.
    ويترتب على هذا أن الفلسفة الإسلامية لا تقتصر على الإنتاج الفكري للكندي والفارابي وابن سينا في المشرق وابن ماجه وابن طفيل وابن رشد في المغرب (كما يرى العديد من المستشرقين)، بل تمتد لتشمل التصوف وأصول الدين (علم الكلام) وأصول الفقه وأصول التفسير إذ مصطلح الأصول في الفكر الإسلامي يقارب في المعنى مصطلح فلسفة في الفكر الغربي (إذ كلاهما يتضمن صفتي الكلية والتجريد) ، وبعبارة أخرى فإن الفلسفة الإسلامية في المعنى الشيق تعني الإنتاج الفكري لهؤلاء الفلاسفة، وبالمعنى الواسع تعني كل هذه المعرفة الإسلامية.

    2) علاقة الفلسفة الإسلامية بالدين والحضارة الإسلاميين وهل هي عربية أم إسلامية؟:
    أولاً: علاقتها بالدين الإسلامي:
    مذهب النفي المطلق:
    هذا المذهب يرى أن هناك تعارضاً بين الدين الإسلامي والفلسفة بصورة عامة ،والفلسفة اليونانية بصورة خاصة، ويترتب على هذا أنه لا يمكن أن نطلق صفة الإسلامية على الإنتاج الفكري لهؤلاء الفلاسفة، أي بعبارة أخرى لا يوجد ما يطلق عليه فلسفة إسلامية أو فلاسفة إسلاميين ،ومن ممثلي هذا المذهب بعض متأخري الحنابلة كابن الصلاح في كتابه (الفتاوى).
    تقويم:
    هذا المذهب كما ذكرنا مبني على أساس أن هناك تعارضاً مطلقاً بين الدين الفلسفة وهو صحيح للآتي:
    • إنه قائم على فرضية أن الفلسفة تأخذ موقفاً موحداً بين جميع القضايا وأن هذا الموقف مناقض لموقف الدين الإسلامي منها، بينما واقع الأمر أن هناك تعدد في المواقف تجاه هذه القضايا بمقدار تعدد المذاهب الفلسفية وتعدد الفلاسفة، وهذا الأمر قرره ابن تيمية في معرض رده على من قال أن الفلاسفة جميعاً قالوا بقدم العالم (أما نفي الفلسفة مطلقاً أو إثباتها فلا يمكن أن ليس للفلاسفة مذهب ينصرونه ولا قول يتفقون عليه في الإلهيات والنبوات والمعاد ولا في الطبيعيات والرياضيات).(1)
    • كما أن هذا الموقف ظهر في فترة تحولت فيه الفلسفة (الحكمة) من نشاط عقلي كلي مجرد إلى بحث في الغيبيات، واختلطت بمعارف محرمة كالسحر الكهانة والشعوذة، ويدل على هذا ربط متأخري الفقهاء بين الفلسفة وهذه العلوم المحرمة ويقول النووي (قد ذكرنا من أقسام العلم الشرعي، من العلم الخارجة عنه ما هو محرم أو مكروه أو مباح فالمحرم كتعلم السحر وكالفلسفة والشعبذة (الشعوذة) والتنجيم وعلم الطبائعين).(2) وواضح أن هذه المعارف تمثل أنماط التفكير الأسطوري والخرافي التي تتناقض مع نمط التفكير الفلسفي والعلمي فضلاً عن الدين.
    • كما أن هذا المذهب يتفق مع مذهب بعض المستشرقين السابق ذكرهم، إذ اتخذ هؤلاء المستشرقين موقف أنصار هذا المذهب دليلاً على إنكار أصل الفلسفة الإسلامية.
    مذهب النفي والإثبات (النقدي):
    وهذا المذهب قائم على أنه ليس هناك تعارض مطلق بين الفلسفة بصوره عامة، والفلسفة اليونانية بصور خاصة ،بل هناك أوجه اتفاق وأوجه اختلاف ،وفي حالة الاختلاف يكون الرفض وفي حالة الاتفاق يكون الأخذ والقبول. وبالتالي فإن الإنتاج الفكري لهؤلاء الفلاسفة يمكن إطلاق صفة الإسلامية في حالة الاتفاق مع الدين الإسلامي ،كما يمكن نفيها عنه في حالة الاختلاف و التعارض.
    ابن تيمية:
    فابن تيمية مثلاً لا يأخذ موقفاً موحداً من الفلسفة "المقصود هنا الفلسفة اليونانية" سواء بالرفض والقبول بل يقسمها إلى ثلاثة أقسام:
    1) الإلهيات "الميتافيزيقا": وهو يرفضه وأغلب رفضه للفلسفة ينصب على هذا القسم منها.
    2) الطبيعيات: ويرى جواز الأخذ به مع عدم ربطه بالإلهيات "الميتافيزيقا" اليونانية، بتعبيره "غالباً كلام جيد وهو كلام كثير واسع ولهم يقول عرفوا به وهم يقصدون به الحق لا يظهر عليهم فيه العناد ولكنهم جهالة بالعلم الإلهي"
    3) الرياضيات: ويرى جواز الأخذ به ويعتبره "ضرورية العلوم الفرائض قسمة التركة الميراث وغيرها(1). وبناء على هذا لا يلغي صفة الإسلامية على الإنتاج الفكري لهؤلاء الفلاسفة بل يقرر "أنه كان في كل من هؤلاء من الإلحاد التحريف بحسب ما خالفوا به الكتاب والسنة ولهم من الصواب الحكمة ما وافقوا فيه ذلك".(2)
    الغزالي:
    كما أن الغزالي يأخذ نفس الموقف فيقسم الفلسفة (اليونانية) إلى ثلاثة أقسام حسب تعارضها أو توافقها مع أصول الدين:
    1) قسم يتعارض مع هذه الأصول لفظاً ومعناً ،وحصره في ثلاث قضايا هي (قول الفلاسفة اليونانيين بقدم العالم وإنكار البعث الجسدي وإنكار علم الله تعالى بالجزئيات).
    2) قسم يتعارض مع هذه الأصول لفظاً ويتوافق معها معناً ،وحصره في سبع عشر قضية.
    3) قسم يوافق هذه الأصول لفظاً ومعناً.(3)
    ويحدد الموقف من هذه الأقسام (قسم يجب التفكير فيه وقسم يجب التبديع به وقيم لا يجب إنكاره أصلاً).
    وبناءً على هذا فإن الغزالي لم ينفِ صفة الإسلام عن الإنتاج الفكري لهؤلاء الفلاسفة بصورة مطلقة. وأخيراً يجب تقرير أن مصدر اللبس هو عدم التمييز بين ما كتبه هؤلاء الفلاسفة واعتبارهم مترجمين وباعتبارهم فلاسفة لهم إضافات إلى الفلسفة اليونانية.
    ثانياً: علاقتها بالحضارة الإسلامية:
    المقصود بصفة الإسلامية في مصطلح الفلسفة الإسلامية الحضارة الإسلامية لا الدين الإسلامي ،فهي ليست من علوم الدين الإسلامي بل من علوم الحضارة الإسلامية لا الدين الإسلامي، ويمكن توضيح هذه الحقيقة من خلال تقسيم الفقهاء للعلوم ويميزوا بين العلوم الدينية (الشرعية) والعلوم العقلية (الدنيوية)، الأولى تتعلق بأصول الدين والأخيرة ثمرة لنشاط العقل الإنساني، ولكنها ظهرت في المجتمعات الإسلامية، فتسمية إسلامية بالمعنى الحضاري لا المعنى الديني. فالفلسفة الإسلامية تنتمي إلى النوع الأخير من العلوم شأنها شأن العمارة الإسلامية والفن الإسلامي والصيدلة الإسلامية.
    ثالثاً: هل هي عربية أم إسلامية:
    1) عربية: يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن الفلسفة عربية، لأن العرب هم حملة لواء الدفعة الأولى فيها (أول الفلاسفة هو الكندي الذي ينتمي إلى قبيلة كندا العربية)، ومن أنصار هذا الرأي لطفي السيد مدير الجامعة المصرية في عهده.
    2) إسلامية: أما أصحاب هذا الرأي فيذهبون إلى أن هذه الفلسفة إسلامية لأن العديد من فلاسفتها ذو أصول غير عربية (إيرانية، تركية، ....) ومن أنصار هذا الرأي الشيخ مصفى عبد الرازق شيخ الأزهر في عصره.
    3) عربية إسلامية: إن الإسلام هو الهيكل الأساسي للحضارة العربية لأنه هو الذي نقل القبائل والشعوب في هذه المنطقة إلى أمة واحدة ،وبالتالي فإن كل الرأيين السابقين على حده غير صحيح ،لأنه يقوم على الفصل بين العروبة والإسلام وهو غير صحيح ومستحيل، وإذا كان مناط الانتماء إلى القبيلة هو النسب أو الدم فإن مناط الانتماء إلى الأمة العربية المسلمة برابطة الهوية الحضارية التي وعي بها اللغة، وبالتالي فإن عدم انتماء أغلب هؤلاء الفلاسفة للقبائل العربية برابطة النسب لا ينفي انتماءهم إلى الأمة العربية المسلمة برابطة الهوية الحضارية التي وعاؤها اللغة العربية لقوله صلى الله عليه وسلم "ليست العربية فيكم من أب وأم إنما العربة لسان فمن تحدث العربية فهو عربي" .كما أنها ليست إسلامية فقط لأن الإسلام كدين باعتباره ديناً انطوى تحته العديد من الأمم كان لكل منها حضارته وفلسفته وهناك الفلسفة الإسلامية الإيرانية وهناك الفلسفة الإسلامية التركية....

    الفصل الثاني
    الفلاسفة الإسلاميين المشرقيين وبعض القضايا التي تناولوها
    الكندي
    أولاً: نظرية الوجود:
    1) العالم:
    يقول الكندي بحدوث العالم،والمقصود به أنه العالم له بداية ونهاية، فانتقل من العدم إلى وجود، وسينتقل من الوجود إلى العدم بفعل الإرادة الإلهية. فهنا يرفض القول بقدم العالم أي أنه ليس للعالم بداية أو نهاية فهو أزلي أبدي كما يرى بعض الفلاسفة اليونانيين.
    ثم يورد عدة أدلة على حدوث العالم منه دليل تناهي الجسم:
    1. إذا كان هناك جسم، ثم قطعنا منه جزءاً فإن الجزء الباقي منه إما أن يكون متناهي أو غير متناهٍ.
    2. فإذا كان الجزء الباقي متناهي وضم إليه الجزء المقطوع فإن المجموع سيكون متناهياً.
    3. وإذا كان الجزء الباقي لا متناهٍ وضم إليه الجزء المقطوع فإن المجموع إما أن يكون أكبر من الأول أو مساوياً له.
    4. فإذا صار أكبر من الأول فسيترتب على هذا أن يصبح الجسم الأصلي بعد إضافة الجزء المفصول أكبر من الجسم الأصلي أي يصبح اللامتناهي أكبر من اللامتناهي وهذا تناقض.
    5. أما إذا ظل الجسم الأصلي مساوياً لنفسه قبل وبعد الإضافة فهذا تناقض.
    6. وبالتالي يجب القول أن الجسم الأصلي متناهٍ بعد فصل الجزء المقطوع وبعد إضافته.
    7. والعالم جسم متناهٍ.
    8. وإذا كان العالم متناهٍ فإن الأغراض المحمولة عليه مثل الحركة والزمان كلها متناهية.(1)
    2) الله تعالى:
    أدلة وجوده تعالى:
    أخر الكندي الكلام عن وجود الله تعالى على الكلام عن حدوث العالم لأنه مبني عليه، ويعتبر الكندي أن وجود الله بديهي عند من يمتلك العقل والفهم ،أما من يحتاج إلى برهان فهو من عميت بصيرته، ويرى أن البراهين الجائز الأخذ بها هي البراهين التي جاءت في الكتب السماوية وكتب بعض الفلاسفة، وقد أورد عدة براهين من هذا النوع منها برهان الغائية القائم على الاستدلال بالنظام الموجود في العالم على وجود منظم له. أما البراهين اللمية (من لم كذا) أو الماذية (من لماذا كذا) فلا يجوز الأخذ بها لأنها قائمة على مفاهيم العلة والمعلول أو السبب والمسبب (العلية أو السببية) ،وهي مفاهيم مرتبطة بالعالم المخلوق لا الخالق.
    صفاته تعالى:
    وصفات الله تعالى على نوعين: صفات السلب "أي سلب صفات النقض عند الله" ،وصفات الإيجاب "أي إثبات صفات الكمال لله تعالى"، والكندي يجمع بين صفات السلب وصفات الإيجاب فيقول عن صفات السلب ".... فقد نبين أن الواحد الحق ليس شيء من المعقولات ولا عنصر ولا جنس ولا نوع ولا شخص ولا عقل ولا كل جزء "وأما صفات الإيجاب فهي مثل قوله" .... هذا تدبير حكيم عليم جواد عالم متقن لما صنع.
    غير أنه يرجع صفات الإيجاب إلى صفات السلب، أي يقول بأولوية صفات السلب كالمعتزلة. كما يقول بوحدة الصفات والذات أي أن الصفات ليست شيئاً زائداً عن الذات بل هي والذات شيء واحد.
    صفة العلم الإلهي:
    ويرى الكندي أن العلم الإلهي يشمل الكليات الثانية (الأفكار) والجزئيات المتغيرة (الأشياء المادية) ، وهو هنا يخالف بعض الفلاسفة اليونانيين الذين قصروا العلم الإلهي على الكليات التغير أيضاً يقول الكندي ".... لأن كان هذا هكذا فقد بعد الحق كثيراً من ظن أن العلة الأولى لا تعلم الجزئيات).(1)
    ثانياً: نظرية المعرفة:
    وسائل المعرفة عن الكندي ثلاث هي:
    1) الحواس: وبها تدرك النفس ما هو جزئي متغير (الأشياء)، فهي معرفة بظاهر الأشياء، وتتميز هذه المعرفة بأن المدرك له صورة أو مثال في النفس.
    2) العقل: وبه تدرك النفس ما هو كلي ثابت (الأفكار)، فهي معرفة بباطن الأشياء ،وتتميز هذه المعرفة بأن المدرك ليس له صورة أو مثال في النفس ،لأن المدرك هنا عبارة عن تجريد "الاقتصار على ما هو مشترك والقصور عن ما هو مختلف ككلمة إنسان".
    3) الوحي: يرى الكندي أن من يقتصر على الحواس، فهو يعرف ظاهر الأشياء فقط، ومن يقتصر على العقل فهو يعرف باطن الأشياء ،ولكن يحتاج إلى زمان طويل ليتدرب على هذه المعرفة التجريدية، وربما يخطئ العقل في هذه المعرفة، لذا وجدت طريقة ثالثة هي المعرفة الإشراقية التي يعني بها الوحي فهي خاصة بمكن يصطفيهم الله تعالى للنبوة والرسالة وهي تنال للكسب (والجه الإنساني) شأن الوسيلتين السابقتين بل تأتي لصاحبها بلا طلب أو تكلف فإذ هي تابعة لإرادة الله تعالى.

    ثالثاً: نظرية القيم:
    يذكر الكندي من تعريفات الفلسفة أنها "التشبه بأفعال الإله بقدر طاقة الإنسان " وأفعال الإله هي الفضائل الكاملة "القيم المطلقة"، وتشبه الإنسان بها هو الالتزام بهذه الفضائل "القيم" وهو نسبي محدود.
    ولتعريف الفضيلة "القيمة" يعتمد على تقسيمها إلى قسمين:
    القسم الأول: ويكون داخل النفس "أي القيم الفردية" ويضم نوعين من القيم:
    أ‌) قيم معرفية: وهي الحكمة وهي معرفة الأشياء بحقائقها فهي معرفة نظرية تتطلب استعمال ما يجب استعماله من هذه الحقائق.
    ب‌) قيم عملية وتضم:
    1. قيمة النجدة: وهو استعمال القوة الغضبية في الموضع المناسب كالدفاع عن الأوطان وهي وسط بين إفراط "عدوان وتفريط الجبن".
    2. قيمة العفة: وهي فضيلة القوة الشهوانية وهي الاعتدال في إشباع الحاجات العضوية.
    القسم الثاني: ويكون خارج النفس "أي قيم اجتماعية" وهو بمثابة الثمرة للقسم الأول ويضم قيمة العدل ثمرة جميع القيم السابقة.
    تقويم:
    • أخذ الكندي بمفهوم الخلق القرآن القائم على الإيجاد من العدم ،كما قال بحدوث العالم ،وخالف بعض الفلاسفة اليونانيين "أفلاطون، أرسطو" الذين قالوا بقدم العالم وتابعهم في ذلك بعض الفلاسفة الإسلاميين.
    • كما يتفق كلامه في علم الله تعالى بالكليات والجزئيات مع التصور القرآني للعلم الإلهي المطلق (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين).
    • كما تأثر في تصوره للفضائل بمفهوم الوسطية القرآني (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) "الإسراء". بالإضافة إلى تأثره بتقسيم أفلاطون للفضائل إلى حكمة ونجدة وعفة وعدل.
    • كما أخذ من المعتزلة القول برد صفات الإيجاب إلى صفات السلب ووحدة الذات والصفات.

    محاولة أسلمه نظرية الفيض عند الفلاسفة الإسلاميين
    الجذور التاريخية لنظرية الفيض:
    هي نظرية ذات أصول يونانية فارسية تعرف عليها المسلمون في القرن التاسع الميلادي (الثالث الهجري) عن طريقين: طريق غربي يتمثل في مدرسة الإسكندرية، وطريق شرقي يتمثل في مدرسة حران. وقد حاول الفلاسفة الإسلاميين تنميتها وتطويرها بما يتلاءم مع مفاهيم الدين الإسلامي، لأنها كانت بمثابة الأساس الفلسفي الذي ترتكز عليه العديد من الديانات والاعتقادات التي سادت في العديد من الشعوب التي ضمها الفتح الإسلامي "كالغنوضية أو الصابئة في فارس "فجاءت محاولة الفلاسفة الإسلاميين الانطلاق مما هو مسلم لدى هذه الشعوب (نظرية الفيض) للوصول بهم إلى ما هو مسلم لديهم (الدين الإسلامي).
    نظرية الفيض في الفلسفة اليونانية:
    ظهرت في الأفلاطونية الجديدة، حيث نجد أفلاطون في كتابه (التاسوعات) يقسم العالم إلى عالمين عالم حقيقي عقلي، وعالم وهمي محسوس ثم يقسم العالم العقلي إلى ثلاث درجات "أقانيم" هي الواحد والعقل والنفس. فالواحد يفيض فيوجد العقل (الكلي) والذي يفيض فتوجد النفس (الكلية). أما المادة فهي نتيجة استنفاذ الفيض لإمكانياته فهي عدم أي نفي للوجود. ومصدر اعتقادنا بوجودها خداع للحواس.
    نظرية الفيض عند الصابئة:
    كما نجد النظرية عند الصابئة، حيث قسموا الوجود إلى وجودين وجود روحاني نوراني علوي، ووجود مظلم سلفي. ويوجد العالم بفعل الفيض الذي يراه الصابئة في موجودات روحية عشرة هي الواحد والعقل والنفسي والروحانيات السبع، فالنفس تفيض الروحاني الأول الذي يفيض الثاني وهكذا إلى السابع.

    محاولات الفلاسفة الإسلاميين أسلمة النظرية:
    حاول الفلاسفة الإسلاميين كما بينا سابقاً أسلمة نظرية الفيض لأنها كانت بمثابة الأساس الفلسفي للعديد من الديانات التي سادت في العديد من الشعوب التي ضمها الفتح الإسلامي ،فالصابئة استندوا إليها لتكريس تعدد الآلهة (الشرك)، فقالوا أن الروحانيات السبعة هي آلهة صغرى لذا عبدوها لارتباطها بالكواكب التي تحل فيها تلك الروحانيات "كتعبير من عبادة الكواكب"، ولا يختلف هذا الموقف عن محاولة الأفلاطونية الجديدة الاستناد إليها لتكريس التثليث (أي القول بأن هناك ثلاثة آلهة). فجاءت محاولة الفلاسفة الإسلاميين مصادرة النظرية لصالح الدين الإسلامي ،ويدل على هذا أنهم اهتموا بالشكل الشرقي للنظرية تحديداً لأنه هو الذي كان سائداً في الشعوب التي ضمها الفتح الإسلامي كفارس. هذه المحاولات تمت عن طريق تأويل النصوص لتتفق مع النظرية من جهة، وتعديل النظرية لتتفق مع مفاهيم الدين الإسلامي من جهة أخرى.
    أولاً التأويل: (الفارابي وابن سينا):
    حاول الفارابي (وتابعه في هذا ابن سينا وعددٌ من الفلاسفة الإسلاميين) أسلمة النظرية من خلال التأويل لينتهي إلى أن الواحد هو الله تعالى، وأن العقل هو عالم الجبروت (عالم الشهادة)، وأن النفس هي عالم الملكوت (عالم الغيب)، وأن العقل الفعال هو جبريل عليه السلام أو الروح الأمين وأن العقول العشرة هي الملائكة العشرة.
    ثانياً: التعديل:
    أ) الفارابي:
    - يرى الفارابي أن الواحد تفيض عنه سائر الموجودات كما تفيض الأشعة عن الشمس.
    - أما مراتب الفيض فهي كالآتي:
    - أن الواحد يعقل (يفكر في) ذاته فيفيض عنه عقل ثانٍ، وعندما يعقل ذاته فيفيض عنه الفلك الأعلى.
    - وعندما يعقل العقل الثاني الواحد يفيض عنه العقل الثاني وعندما يعقل ذاته تفيض عنه السماء الأولى.
    - وعندما يعقل العقل الثالث الواحد يفيض عنه العقل الرابع وعندما يعقل ذاته تفيض عنه كرة الكواكب.
    - ويستمر الفيض من العقل الرابع إلى الحادي عشر وتفيض عنهم الكواكب من زحل إلى القمر.
    - أما العقل الحادي عشر (العقل الفاعل) فتفيض عنه النفوس عند استعداد الأجسام.
    - فكل عقل يفيض مرتان: الأولى عندما يعقل الواحد فيفيض عنه عقل آخر، والثانية عندما يعقل نفسه فيفيض عنه فلك.
    ب) ابن سينا:
    - يرى ابن سينا أن الواحد يعقل ذاته فيفيض عنه العقل الأول وهو ممكن الوجود بذاته، واجب الوجود بغيره (أي الواحد).
    - عندما يعقل العقل الأول الواحد يفيض عنه العقل الثاني وعندما يعقل ذاته بأنه واجب الوجود بغيره (الواحد) تفيض عنه نفس الفلك، وعندما يقل ذاته بأنه ممكن الوجود بذاته يفيض عنه جسم ذلك الفلك.
    - ويستمر سلسلة الفيض على النحو الذي ذكره الفارابي مع التعديل الذي أدخله حتى تصل إلى العقل الفعال.
    - وهكذا فإن التعديل الذي أدخله ابن سينا على النظرية وافترق فيه عن الفارابي أن كل عقل من العقول العشرة يعقل نفسه مرتين (مرة باعتباره ممكن الوجود بذاته ومرة باعتباره واجب الوجود بغيره عند ابن سينا، ويعقل نفسه مرة واحدة عند الفارابي. وأن الفلك جسم ونفس عند ابن سينا وجسم عند الفارابي.


    تقويم:
    • جاءت محاولة الفلاسفة الإسلاميين أسلمة نظرية الفيض كما بينا سابقاًَ لأنها كانت بمثابة الأساس الفلسفي للعديد من الديانات التي سادت في العديد من الشعوب التي ضمها الفتح الإسلامي، بهدف الانتقال بهم مما هو مسلم به لدى هذه الشعوب، إلى ما هو مسلم لدى هؤلاء الفلاسفة (الإسلام)، دون أن ينتبه الفلاسفة الإسلاميون إلى أن الأساس الفلسفي الذي تستند إليه نظرية الفيض الذي هو وحدة الوجود (أن هناك وجود حقيقي واحد هو وجود الإله أما سائر الموجودات فوجودها وهي مصدره خداع الحواس) يختلف عن الأساس الفلسفي لنظرية الخلق "الإيجاب من العدم" ،والذي هو التوحيد (أي أن لله تعالى وجود حقيقي مطلق كما أن المخلوقات أيضاً وجوداً حقيقياً لكنه محدود "له بداية ونهاية").
    • كما جاءت هذه المحاولة لأن نظرية الفيض كانت بمثابة نظرية علمية لتفسير وجود الكواكب سادت في ذلك العصر.
    لكنهم خلطوا بين الدين (الذي يبحث فيما هو مطلق وثابت) والعلم (الذي يبحث فيما هو نسبي ومتغير). لأن القرآن اكتفى في مجال العلم بما هو مطلق وثابت فيه (حيث الناس على انتهاج البحث العلمي للكشف عن قوانين الطبيعة) أما الآيات الواردة في تفسير بعض الظواهر الطبيعية فهي أمثلة مضروبة للناس من أجل حثهم على البحث في الطبيعة لا في القرآن.

    الإسهامات الفلسفية للإمام الغزالي
    موقفه من الفلسفة:
    انتمى الإمام الغزالي أولاً إلى علم الكلام على المذهب الأشعري (أحد مذاهب أهل السنة)، وقد استخدم الفلسفة والمنطق الأرسطيين للدفاع عن الدين شأن سائر علماء الكلام في هذه المرحلة. ثم انتقل إلى التصوف مع احتفاظه بالانتماء إلى المذهب الأشعري ،كما يتضح في محاولته التوفيق بين التصوف والمذهب الأشعري، ليصبح أحد مؤسسي التصوف الأشعري أو السني ،وفي هذه المرحلة تأثر بالفلسفة الأفلاطونية شأن أغلب الصوفية إلا أنه نظر إلى هذه الفلسفة من خلال الدين لا العكس كما فعل أنصار التصوف الحلولي أو ما أسمي (التصوف الفلسفي) ،على الأقل في كتبه التي خاطبت العامة مثل إحياء علوم الدين. وهكذا فإن الغزالي لم يكن فيلسوفاً إسلامياً بالمعنى الدقيق للكلمة فقد انتمى إلى علم الكلام وأخيراً إلى التصوف ولكنه في كلا المرحلتين قدم إسهامات فلسفية ستناولها هنا بإيجاز.
    كما يترتب على هذا أن موقف الغزالي من الفلسفة هو موقفاً نقدياً يتناولها من حيث اتفاقها أو اختلافها عن أصول الدين ،ففي الحالة الأولى يكون الرفض، وفي الحالة الثانية يكون الأخذ والقبول ،وبناءاً على هذا قسم الفلسفة إلى ثلاثة أقسام: قسم يتناقض مع أصل الدين شكلاً مضموناً (حدده في ثلاثة قضايا) ،وهنا كان موقفه التحريم، وقسم يتناقض مع هذه الأصول شكلاً (حدده في سبع عشر قضية) ،وهنا كان موقفه التبديع، أما القسم الأخير يمثل باقي القضايا الفلسفية، فلا يتناقض مع هذه الأصول شكلاً ومضموناً، وهنا كان موقفه الأخذ والقبول مع ملاحظة أنه يقصد بالفلسفة الفلسفة اليونانية.

    نظرية المعرفة:
    أ) إمكانية المعرفة (الشك المنهجي):
    تبنى الغزالي الشك المنهجي (الابتداء بالشك للانتهاء باليقين) كما في كتابه (المنقذ من الضلال) ،حيث يبدأ بالشك في الحواس بأدلة منها أن الكوكب نراه بحجم الدينار بينما البراهين تثبت أنه أكبر من الأرض. وإذا أمدتنا الحواس بمعلومات ثم جاء العقل فكذبها فمن يدريني أن هناك قوة أعلى من العقل قد يأتي وقت تثبت فيه خطأ الثقة في العقل. ثم شك في الشعور لأننا نحلم ونعتقد أثناء الحلم أن ما نراه حقيقة واقعية ثم نستيقظ ونعلم أن ما عشناه كان وهماً. ثم انتقل إلى اليقين بالكشف أو الحدس أو بتعبيره بنور قذفه الله في قلبه.
    ب) وسائل المعرفة (الكشف):
    نظرية الكشف الصوفي:
    تبنى الغزالي (شأن أغلب الصوفية) هذه النظرية، ومضمونها أن الحواس والعقل وسائل معرفة ظنية ،لهذا نلجأ للكشف كوسيلة للمعرفة اليقينية ومضمون هذا الكشف أنه بالرياضة الروحية يرق الحجاب بين الإنسان وخالقه حتى يزول ،فيتلقى الإنسان المعرفة تلقائياً مباشراً من الله بدون واسطة من الحواس والعقل.
    القلب كتعبير عن الكشف:
    عبر الغزالي عن الكشف بالقلب كوسيلة للمعرفة، فالقلب عنده ليس الجسم المادي المحسوس الموجود في صدر الإنسان، إنما هو (لطيفة روحانية تمثل حقيقة الإنسان حسب تعبيره).
    ح) طبيعة المعرفة (كيفيتها):
    ويحاول الغزالي توضيح كيفية حدوث المعرفة فيضرب مثالين:
    الأول: أن القلب كالمرآة والعلم هو انطباع الصور في هذه المرآة، فإن القلب غير مجلوه فيما لا يستطيع أن يعكس العلوم، والذي يجعل مرآة القلوب تصدأ هو الشهوات، والذي تجلوه هو الإعراض عن هذه الشهوات.
    الثاني: يقول أننا لو افترضنا حوضاً في الأرض احتمل أن ينساق إليه الماء من فوقه بأنهار تفتح عليه، ويحتمل أن يحفر أسفل الحوض، ويكون ذلك الماء أغزر وأصفى. فالقلب مثل الحوض، والعلم مثل الماء، والحواس مثل الأنهار، لذا يمكن أن يساق العلم بواسطة رفع الحجب عنه حتى تنفجر ينابيع العلم من داخله.
    نظرية الوجود:
    أما نظرية الوجود عند الغزالي فقائمة على الأخذ من نظرية الفيض ما يرى أنه لا يتناقض مع الدين الإسلامي:
    - فيأخذ من هذه النظرية القول بعالمين: عالم جسماني سفلي وعالم روحاني عقلي علوي، غير أنه يطلق على الأول اسم عالم الملك (الشهادة)، وعلى الثاني اسم عالم (الغيب). كما أنه يضيف عالم يتوسطهما هو عالم الجبروت كمقابل للبرزخ.
    - ويرى أن الله تعالى صدر عنه عقل لأنه فياض على كل كائن وجوده، ولكنه لم يحدد كيفية صدور العقول عن هذا العقل، فضلاً عن أنه يرادف بين الفيض والأمر الإلهي.
    - ويدلل على أن العقل هو أول درجات الفيض بالحديث (أول ما خلق الله العقل فقال له اقبل ثم قال له أدبر فأدبر...).
    - ثم يوضح درجات الفيض بعد العقل وهي النفس فالهيولي، ويطلق على العقل اسم القلم وعلى النفس اللوح المحفوظ.
    - كما يرى أن العقول صدر عنها العالم الجسماني بواسطة النفوس.
    - غير أن الغزالي يرفض النتيجة المنطقية لنظرية الفيض وهي قدم العالم ويقدم أدلة لنقضها في بعض كتبه.
    نظرية القيم:
    أما نظريته في القيم على أساس أشعري – صوفي، حيث نجده أولاً يورد عدة تعريفات للفعل الحسن (القيم الأخلاقية هو ما ينطبق على سائر القيم) طبقاً لتعدد المعايير التي يستخدمها، حيث يعرفه بأنه ما يوافق غرض فاعله (معيار أداتي وظيفي) وما حسنه الشرع (معيار ديني شرعي) وما لفاعله أن يفعله (معيار الواجب).
    كما يلتزم بالتصور الشرعي القائم على أن الحسن القبح ما حسنه وقبحه الشرع ،ولا حسن ولا قبيح قبل ورود الشرع. ويهاجم قول المعتزلة بالحسن والقبح الذاتيين. وبعبارة أخرى فإن الغزالي شأن سائر الأشاعرة يقر بالموضوعية المطلقة التكليفية المتمثلة في الوحي، وينكر الموضوعية المحدودة التكوينية المتمثلة في الفطرة. كما ربط الغزالي بين القيمة والمنفعة، فالعمل ليس شراً لأنه ضار وليس خيراً لا لأته نافع يقول (إن الكذب ليس حراماً لعينه بل لما فيه من ضرر على المخاطب أو على غيره).(1)
    تقويم:
    رأى العديد من الباحثين أن مذهب الغزالي ينطوي على العديد من التناقضات ،غير أن هذه التناقضات لا يمكن فهم سببها إلا بمراعاة التغير فى فكره بانتقاله من علم الكلام إلى التصوف (مع احتفاظه بأساسيات المذهب الأشعري في المرحلتين). كما يجب التمييز بين كتبه التي كتبها للخاصة (التي يغلب عليها الأفلاطونية المحدثة و المصطلحات الفلسفية)، وكتبه التي كتبها للعامة ،والتي يغلب عليها النصوص الدينية والفهم الظاهري الحرفي لها، وهو تقليد كان سائداً في عصره.

    الفارابي
    نظرية الوجود
    مبادئ النظرية:
    يمكن تشبيه الوجود عند الفارابي بهرم له ست درجات، وتشكل مبادئ الوجود (أما أسماء المبادئ التي بها قوام العالم) الست، هي الدرجات، هذه المبادئ هي:
    1) السبب الأول (الله تعالى): في الدرجة الأولى من درجات هرم الوجود لأنه تعالى السبب في وجود سائر المبادئ الأخرى.
    2) الأسباب الثواني أو العقول العشرة (أو ما يقابل الملائكة أو الأرواح): وهي تتولى شئون عالم السماء.
    3) العقل الفعال (الروح القدس): وهو المسئول عن عالم الأرض (عالم ما دون فلك القمر).
    4) النفس: وهي القوة التي بها تتحرك الأجرام السماوية وتلك التي توجد في الإنسان والحيوان والنبات.
    5) الصورة: ويقصد الهيئة التي يكون عليها الشيء.
    6) المادة: فلكل شيء مادة خام تكون جسمه وله صورة تشكل هيئته.
    ومن هذه المادة والصورة تتكون الأجسام التي في العالم وهي ست:
    أ) الجسم السماوي (الكواكب).
    ب) الحيوان الناطق (الإنسان).
    ج) الحيوان غير الناطق (الحيوان).
    د) النبات.
    هـ) الجسم المعدني (المعادن).
    و) الاستطقسات (العناصر) الأربعة (الماء والنار والتراب والهواء).
    الله تعالى:
    يقسم الفارابي الوجودات إلى قسمين:
    القسم الأول: واجب الوجود: يستلزم العقل وجوده لا محالة (أي أن وجوده ضروري) وهو السبب الأول (الله تعالى).
    القسم الثاني: ممكن الوجود: وهو مفتقر إلى سبب لوجوده، وينتقل من الوجود بالقوة (الإمكانية) إلى الوجود بالفعل (تحقق بسبب واجب الوجود (الله تعالى).
    العالم:
    كيفية وجود العالم (محاولة أسلمة نظرية الفيض):
    حاول الفارابي تفسير كيفية وجود العالم من خلال محاولته أسلمة نظرية الفيض ،عبر تأويل النصوص القرآنية لتتفق مع النظرية أولاً،و تعديل النظرية لتتفق مع مفاهيم الدين الإسلامي ثانياً.
    العالم السماوي: حيث يرى أن الواحد يفيض عنه سائر الموجودات كما تفيض الأشعة عن الشمس ، وهذا الفيض له مراتب أولها أن يفيض عن الواحد العقل الأول، وأن كل عقل (من الأول إلى العاشر) يفيض مرتين: الأولى (عندما يعقل الواحد) فيفيض عنه عقل آخر والثانية (عندما يقل ذاته) فيفيض عنه فلك. أما العقل الحادي عشر (العقل الفعال) فتفيض عنه النفوس عند استرداد الأجسام.
    العالم الأرضي: والأجرام تدور فينشأ من دورانها مادة مشتركة. وكل الأجرام تختلف في دورتها عن الأخرى، ومن هذا الاختلاف تخرج إشعاعات تؤثر في المادة المشتركة فتجعلها تتحول من صورة إلى صورة أخرى (من الأدنى إلى الأعلى)، وهكذا تحولت المادة المشتركة إلى العناصر الأربعة ثم تحولت العناصر الأربعة إلى المعادن وهذه المعادن إلى النبات وهذا النبات إلى الحيوان، وهذا الحيوان إلى إنسان فإذا وجد الإنسان فإن العقل الفعال يعطيه النفس.
    الإنسان:
    موقفه من خلود النفس:
    أما موقفه من خلود النفس فمبني على تقسيمه الثلاثي للناس، حيث هناك أهل المدينة الفاضلة (الذين عرفوا الفضيلة وعملوا بها) وأهل المدينة الفاسقة (الذين عرفوا الفضيلة ولم يعملوا بها) وأهل المدينة الجاهلة (الذين لم يعرفوا الفضيلة ولم يعملوا بها)، والمعرفة عند الفارابي هي تحرر من المادة (تحرر واقعي لا تحرر ذهني)، لذا فإن أهل المدينة الفاضلة لما عرفوا الفضيلة تحررت نفوسهم من المادة وعرفوا الفضيلة تحرروا من ولما عملوا بها تخلد نفوسهم في النعيم، أما أهل المدينة الفاسقة لما عرفوا الفضيلة تحررت نفوسهم من المادة، ولكنهم لم يعملوا بها فتخلد نفوسهم في الشقاء، أما أهل المدينة الجاهلة فلم يعرفوا الفضيلة وبالتالي لم تتحرر نفوسهم من المادة فلا تخلد نفوسهم ويحالون إلى التراب.
    البعث الروحاني:
    كذلك يرى الفارابي أن الجسم يبطل بالموت ولا حاجة إليه لاستحقاق النعيم أو الشقاء لأن النعيم الروحاني أفض والشقاء الروحاني أقوى.
    تقويم:
    أدت محاولة الفارابي أسلمة نظرية الفيض على الوجه السابق بيانه للأسباب السابق بيانها إلى ظهور بعض التناقضات بين بعض ما يلزم من مذهبه الفلسفي ،وبعض مفاهيم الدين الإسلامي، رغم حرصه على إلغاء هذه التناقضات ،واتفاق باقي أجزاء مذهبه مع الدين، والعلة وراء ذلك اختلاف الأساس الفلسفي لنظرية الفيض (وحدة الوجود) عن الأساس الفلسفي لنظرية الخلق (التوحيد). كما أن موقفه من خلود النفس رغم أنه جاء كمحاولة لحل مشكلة خلود نفس غير العاقل من الناس (المجانين والأطفال) إلا أنه نفى لوحدة النفس، بمعنى أما أنها تفنى بفناء الجسد عن كل الناس، أو تبقى بعد فناءه عند كل الناس. أما قوله بالبعث الروحاني لا الجسدي فقد تأثر فيه بالتصور الأفلاطوني القائم على فصل النفس عن البدن، وأوليه النفس على البدن ،وهو تصور مغاير للتصور الإسلامي القائم على وحدة النفس والبدن.

    الفارابي
    نظرية المعرفة والقيم
    نظرية المعرفة:
    تحدث الفارابي عن الملكات العقلية تحت مسمى العقول وصنفها كالآتي:
    1) العقل القوة إمكانية المعرفة ،وهو توافر المعرفة عند الإنسان، ويأخذ شكل استعداد معرفي فطري، وجاءت التسمية من تقسيم أرسطو للوجود إلى وجود بالقوة( إمكانية الوجود) ووجود بالفعل (تحقق الوجود).
    2) العقل بالملكة والعقل بالفعل، اى تحقق المعرفة الحسية والمجرده‘ ويقصد بها تحقق المعرفة (الحسية أي الإدراك الحسي) في حالة العقل بالملكة (والتجريدية) أي الإدراك المجرد في حالة العقل بالفعل.
    3) العقل المستفاد (الخبرة المعرفية): ويعني به الخبرة المعرفية المتراكمة عند الإنسان وعلى وجه الخصوص الفيلسوف.
    4) العقل الفعال (عقل الكون): ويعني به العقل الكلي أي العقل الكون، فهو بخلاف العقل الجزئي أي عقل أفراد النوع الإنساني، وهو العقل الحادي عشر المسئول عن عالم ما دون فلك القمر، وهو بمثابة شرط موضوعي للمعرفة (كالضوء بالنسبة للإبصار)، فهو الذي ينقل العقل من القوة إلى الفعل أي من الإمكانية إلى التحقق.
    5) الاتصال بالعقل الفعال: إذا كان أرسطو يرى أن هناك طريقاً واحداً للاتصال بالعقل الفعال هو طريق العقل ،وذلك بالنسبة للفيلسوف، فإن ذلك يعني استبعاد الوحي وسيلة للمعرفة، لذا أضاف الفارابي طريقاً آخر للاتصال بالعقل الفعال بالإضافة إلى الطريق السابق هو التخيلية القوية جداً بالنسبة للنبي.
    نظرية القيم:
    وتحقق الفضائل ئ(القيم) شأنه شأن تحقق المعرفة عن الفارابي يتم عن طريق الاتصال بالعقل الفعال على النحو السابق ذكره.
    وقد قدم تصنيفاً للفضائل والقيم على النحو التالي:
    1) الفضائل (القيم) النظرية: وتتعلق بتحصيل العلوم النظرية (الفلسفة والمنطق...).
    2) الفضائل (القيم): الفكرية: وتتعلق بمعرفة العلوم التجريبية وبتعبيره "بمعرفة الأمور الجزئية على التجربة".
    3) الفضائل (القيم) العلمية: وتتعلق بالممارسة العلمية للواقع (التطبيق) كقيادة الجيش والاقتصاد.
    4) الفضائل (القيم) الخلقية: وتتعلق بالقيم الأخلاقية.
    تقويم:
    • أراد الفارابي إضافة الوحي كوسيلة للمعرفة بالإضافة إلى العقل وإثبات أن أمر النبوة أمر ممكن وليس مستحيلاً كما هو معتقد منكري النبوة. ولكن يلزم من كلامه أن مرتبة الفيلسوف أعلى من مرتبة النبي بواسطة مخيلته على محاكيات (نماذج) للأشياء. كما أن العقل أقوى من المخيلة.
    • كما يلزم من كلامه أن النبوة مكتسبة وليست اصطفائية لأن المخيلة مشتركة بين كل الناس. وقد حاول الفارابي استبعاد هذه النتيجة المنطقية اللازمة من مذهبه بقوله أن المخيلة القوية فطرة يفطر الله تعالى عليها الناس.
    • كما يلزم من مذهبه عدم علم الله تعالى بالجزئيات المتغيرة (الأشياء) إلا عن طريق الكليات الثابتة (الأفكار) ،وقد حاول استبعاد هذا اللازم بتصريحه مرات بشمول علم الهع لكل شيء كلي كان أو جزئي كما في قوله (معنى علمه الأول لذاته لا ينقسم وعلمه الثاني عن ذاته إذا تكثر لم يكن الكثرة في ذاته بل بعد ذاته ما تسقط من ورقة إلا يعلمها من هنا يجري القلم في اللوح جرياً متناهياً إلى يوم القيامة)(1).

    ابن سينا
    نظرية الوجود:
    أ) الإنسان:
    النفس:
    تعريف النفس:
    يأخذ ابن سينا بتعريف أرسطو للنفس بأنها (كمال أول، جسم طبيعي، آلي، ذو وجود بالقوة).
    كمال أول: يقصد أرسطو بالكمال الفعل، فالوجود عنده بالقوة (إمكانية كالبذرة) أو وجود بالفعل (تحقق كالشجرة). لكن الوجود بالفعل الذي يتعلق به الكمال ينقسم إلى وجود بالفعل الأول (أي أولى درجات تحقق الوجود كالشجرة قبل أن تثمر) وهو الكمال الأول، ووجود بالفعل الثاني (أي آخر درجات تحقق الوجود كالشجرة المثمرة) وهو الكمال الثاني. وبالتالي فإن المقصود بأن النفس كمال أول وأن وجودها بالفعل الأول أي في أول درجات تحقق درجات الوجود أنها صالحة لتأدية وظائفها دون أن تؤدي هذه الوظائف فعلاً (مثل تعلم العلم دون العمل به).
    جسم طبيعي: ثم انتقل إلى بيان خصائص الجسم الذي هو أداة لهذه النفس فحدد أول خصيصة له بأنه طبيعي أي أن حركته ذاتية (مصدرها النفس) بخلاف الحركة الآلية التي مصدرها مؤثر خارجي.
    آلي: أي أن الجسم بمثابة الآلة للنفس وأن أعضاؤه بمثابة آلات لتأدية وظائف النفس.
    ذو وجود بالقوة: إذا كان وجود النفس بالفعل (الأول) فإن الجسم ذو وجود بالقوة أي إمكانية والنفس هي التي تنقل هذا الجسم من القوة إلى الفعل (أي من الإمكانية إلى التحقق).
    من أين جاءت النفس: إذا كان ابن سينا قد أخذ من أرسطو الإجابة على السؤال ما هي النفس فإنه قد أخذ من أفلاطون الإجابة على السؤال من أين جاءت النفس لاعتقاده أن هناك اتفاق بين أفلاطون والدين في الإجابة على هذا السؤال، حيث يرى أن النفس كانت موجودة قبل وجود بدنها في عالم علوي قم هبطت إليه بعد اكتما الجسم المستعد لقبولها كما في قصيدته العينية التي يشبه فيها النفس بحمامة حبست في قفص وتحن إلى التحرر من شجنها والعودة إلى الحرية.
    وهبطت إليك من المحل الأربع ورقاء ذات تعزز وتمنع
    أدلة وجود النفس:
    ثم يورد ابن سينا مجموعة من الأدلة لإثبات وجود النفس منها:
    البرهان الطبيعي، البرهان النفسي (السيكولوجي)، برهان الاستمرار ،برهان وحدة النفس ،وسنورد هنا برهان الإنسان المعلق في الفضاء لأنه من ابتكاره، ومضمونه أنه لو فرض أن إنساناً خلق في الفضاء دفعه واحدة، ولم يحس بوجود أعضاءه ، لانها وضعت وضعاً يحول دون تماسكها، وترك يهوي في فضاء لا هواء فيه ،حتى لا يكون لديه فكرة ما عن الجسم، ولو فرض أن تخيل يداً أو رجلاً فلا يظنها يده ولا رجله، ولكن رغم هذه الشروط كلها فإنه سيظل يحس بذاته، وأنه موجود، وما ذلك إلا إثبات للنفس وأنها غير البدن.
    خلود النفس:
    ويرى ابن سينا أن النفس وإن كانت مع البدن فإنها لا تفسد بفساده، إذ هو ليس علة لها، فالنفس ذات روحانية بسيط غير مركبة وبالتالي غير قابلة للفساد والانحلال.
    قوى النفس:
    ويقسم ابن سينا النفس إلى ملكات أو بتعبيره إلى نفوس "حسب مراتب الحياة الثلاثة النبات والحيوان والعاقلة. وبرى أن للنفس النباتية ثلاثة قوى: غازية (التغذي) ونملية (النمو) ومولدة (التناسل).
    وللنفس الحيوانية بالإضافة إلى قوى النفس النباتية قوتان: محركة (الحركة) ومدركة (الإدراك).
    وللنفس الناطقة (الإنسانية) بالإضافة على قوى النفس النباتية والحيوانية قوتان: عملية (السلوك) ونظرية (التفكير).
    تقويم:
    جاءت نظرية ابن سينا في النفس محاولة لإقامة نظرية إسلامية في النفس تأخذ من كل أرسطو وأفلاطون، بمعنى آخر فإن معيار الأخذ أو الرفض من كل من أرسطو وأفلاطون كان ما يراه ابن سينا موافقاً أو مخالفاً للدين الإسلامي، حيث نجده يأخذ من أرسطو تعريفه للنفس ويرفض الأخذ بالإجابة على السؤال من أين جاءت النفس لأن أرسطو ينكر خلود النفس وهو ما يخالف الدين، ويلجأ إلى أفلاطون في الإجابة على هذا السؤال لاعتقاده أن هناك اتفاقاً بينه وبين الدين الإسلامي ، متجاهلاً أن التصور الأفلاطوني يقوم على فصل النفس عن الإنسانية عن البدن وأولويتها عليه ، بينما التصور الإسلامي قائم على وحدة النفس والبدن.
    ب) الله تعالى:
    طرق إثبات وجود الله تعالى:
    يرى ابن سينا أن هناك طريقين لإثبات وجود الله تعالى:
    أولاً: الطريق العقلي: ويقوم على تقسيم الوجود إلى:
    1) واجب الوجود: أي الوجود الضروري وبتعبيره (الذي متى فرض غير موجود عرض منه محال) أي الذي استحالة في افتراض عدم وجوده وهو الله تعالى.
    2) ممكن الوجود: أي الوجود الممكن وبتعبيره (والذي متى فرض غير موجود أو موجود لم يعرض منه محال) أي الوجود الذي ليس هناك استحالة في افتراض وجوده أو عدمه (وهو الموجودات سواه).
    ثم يقسم الوجود إلى قسمين:
    1) واجب الوجود بذاته: أي الوجود الضروري والذي مصدر الضرورة وجوده ذاته وبتعبيره (الذي يوجد لذاته لا لشيء آخر) وهو الله تعالى منظور إليه في ذاته.
    2) واجب الوجود بغيره: أي الوجود الضروري ولكن مصدر الضرورة وجود سواه وهو سائر الموجودات (سواه تعالى) بعد إيجادها، ومنظوراً إليها من خلال علاقتها بالله تعالى.
    ثم يقسم ممكن الوجود إلى قسمين:
    1) ممكن الوجود بذاته: وهو سائر الموجودات سواه تعالى قبل وبعد إيجادها منظوراً إليها في ذاتها.
    2) ممكن الوجود بذاته: واجب الوجود بغيره: وهي سائر الموجودات سواه الله بعد إيجادها منظوراً إليها في ذاتها ومن خلال علاقتها بالله تعالى.
    وبعد هذا التقسيم يرى ابن سينا أن هناك وجود إما واجب أو ممكن. فإن كان واجباً صح وجود الواجب (الله تعالى) وهو المطلوب. إن كان ممكناً فإن هذا الممكن ينتهي وجوده إلى واجب الوجود(1).
    ثانياً: الطريق الحدسي: لا يستخدم فيه المنطق والبرهان، أي لا يتعمد فيه على مقدمات تؤدي إلى نتائج، ولا يستدل بالمخلوقات على وجود الخالق، بل العكس يستدل بالخالق على مخلوقاته، وتتم بالحدس أي معرفة تأخذ شكل نور يلقى في النفوس عند تجردها من العوارض الحسية (الشهوة).
    ج) العالم:
    محاولة أسلمة نظرية الفيض:
    سار ابن سينا على خطى الفارابي في محاولة أسلمة نظرية الفيض من خلال طريقتين:
    أولاً: تأويل النصوص القرآنية لتتفق مع نظرية الفيض وقد تبنى التأويلات التي أوردها الفارابي.
    ثانيها: تعديل النظرية لتتفق مع مفاهيم الدين الإسلامي. وأهم التعديلات التي أدخلها ابن سينا على النظرية هي:
    - إن الواحد يعقل ذاته فيفيض عنه عقل أول وهو ممكن الوجود بذاته واجب الوجود بغيره.
    - وإن كل عقل من العقول العشرة يعقل نفسه مرتين عند ابن سينا (مرة باعتباره واجب الوجود بغيره ومرة باعتباره ممكن الوجود بذاته) ويعقل نفسه مرة واحدة عند الفارابي.
    - ومرجع هذا أن الفلك مكون من جسم ونفس وعند ابن سينا ومكون من جسم فقط عند الفارابي.
    تقويم:
    أكمل ابن سينا النسق الفلسفي الذي بدأه الفارابي متخذاً من مثله الفلسفة اليونانية نقطة بداية والدين الإسلامي نقطة نهاية من خلال محاولة تطوير الأولى لتتلاءم مع الأخير. وهذا النسق الذي صار مذهب شبه رسمي للفلاسفة بعد ابن سينا. كما أن له بعض الإضافات لهذا النسق الذي بدأه الفارابي كما هو واضح في تصوره لكيفية حدوث الفيض.
    ثانياً: نظرية المعرفة:
    قسم ابن سينا العقل إلى ملكات وعقول بتعبيره:
    1) العقل الهيولاني (إمكانية المعرفة): وهو استعداد معرفي فطري موجود لدى كل شخص.
    2) العقل بالملكة والعقل بالفعل (تحقق المعرفة التجريدية والحسية): هما مرحلة تحقق المعرفة بشكليها (التجريدية "وهي عنده فطرية" أو العقل بالملكة وبتعبيره "المعقولات الأولى مقل قولي الكل أكبر من الجزء") و (الحسية أو العقل بالفعل وبتعبيره "المعقولات الثواني").
    3) العقل المستفاد (الخبرة المعرفية): وهو اكتمال تحقق المعرفة
    4) العقل الفعال (عقل كوني): وهو العاشر من سلسلة العقول الصادرة عن الأول. وهو بمثابة شرط موضوعي للمعرفة (كضوء الشمس بالنسبة للإبصار) فهو الذي ينقل المعرفة الإنسانية من الإمكانية إلى التحقق وبتعبيره هو الذي يخرج المعقولات من القوة إلى الفعل.
    5) العقل القدسي: الوحي للأنبياء والحدس للأولياء.
    تقويم:
    جاء ابن سينا بالعقل القدسي كمحاولة لإضافة الوحي كوسيلة للمعرفة بالإضافة إلى العقل الذي اكتفت به الفلسفة اليونانية. كما كان نقطة بداية تحول الفلسفة الإسلامية من اتخاذ العقل أداة معرفة رئيسية إلى الحدس أو الكشف إدارة معرفة رئيسية كما هو واضح في رسائله الصغرى. غير أنه لا يضع فروق حاسمة بين الوحي والحدس.

    الفصل الثالث
    الفلسفة الإسلامية المغربية
    ابن باجه:
    أ) نظرية المعرفة:
    يعرض ابن باجه في كتاب تدبير المتوحد (المنهج الذي ينبغي أن يلتزم به الإنسان لكي يحقق الغاية المثلى وهي (الاتحاد بالعقل الفعال)، وبالتالي الاتحاد بالوجود المطلق الذي ينفرد به الله تعالى.
    كيفية المعرفة:
    ويرى ابن باجه أنه يمكن للفرد أن يحقق هذه الغاية ،ويصل إلى مرتبة التوحد، بأن يرقى صعوداً من الجزئي المحسوس إلى الكلي المعقول بمساعدة إشراف العقل الفعال من أعلى.
    أ) التوازي في رحلة صعود العقل:
    ويقطع العقل في رحلة الصعود سلسلة من الصور، وهو حين يقطعها يجتاز مراحل تقابل وحدات هذه السلسلة في العقل ،فكل ما هو موجود من صور في هذا العالم مرتبطة بمادة محسوسة توجد في العقل الفعال بصورة مفارقة (أي مجرد من المادة).
    ب) الصور المعقولة:
    وهي سبعة تمثل هذه المراحل:
    1) الصور الهيولانية: أي الأشكال التي تكون عليها الأشياء من حيث هي جزء من الاستعداد المعرفي في عقل الإنسان.
    2) الصور المعقولة للجسيمات: أي ما يقارب صور الإدراك الحسي.
    3) التصورات النفسية المتوسطة بين الحي والعقل: أي ما يقارب صور ادارك التجريدي.
    4) العقل الإنساني في ذاته: ويمثل مرحة وعي الإنساني لجوهره المتمثل في أنه موجود ذو طبيعة عقلية.
    5) العقل الفعال: آخر العقول العشرة المسئولة عن عالم الأرض (عالم ما دون فلك القمر( أي ما يقابل جبريل أو روح القدس في الدين.
    6) عقل الأفلاك: مجموعة عقول مفارقة عددها عشرة تتولى شئون عالم السماء أي ما يقابل الملائكة أو الأرواح في الدين أو الكوكب في العلم.
    7) الواحد الأول: الله تعالى.
    ج) نوعي الصور:
    هناك نوعان من الصور:
    النوع الأول: الصور المعقولة الهيولانية: وتوجد في عقل الإنسان بالقوة (أي كإمكانية معرفة)، والعقل الفعال هوة الذي يخرجها من القوة إلى الفعل (أي من الإمكان إلى التحقق)، وحينما تصبح عقلاً مستفاداً (أي العقل المكتسب للتجارب والخبرات) ، أي يصبح وجودها وجود صور خاصة مجردة من المادة.
    النوع الثاني: الصور المعقولة المفارقة: التي لم تكن أصلاً مادة في مادة فإنها لا تتبدل وتظل كما هي ويعقلها العقل كما توجد في ذاتها. كما أن العقل المستفاد هو صورة العقل بالفعل تصبح هذه الصور المعقولة صوراً للعقل المستفاد.
    د) عقل الإنسانية الواحد:
    ثم يشير ابن باجه إلى عقل واحد أزلي للإنسانية هو الذي يصل إلى الاتحاد بالعقل الفعال، أما العقول الإنسانية الجزئية فإنها فانية لا تبقى بعد الموت ،إلا إذا استطاعت أن تتخيل الجزئيات (المحسوسات) على نحو يجمع بين الإحساس المرتبط بالمادة والتعقل والذي عنده مجرد من المادة.


    تقويم:
    • رفض ابن باجة بنظريته في المعرفة أن تتم عملية المعرفة خلال التلقي السلبي للإنسان للعلم الإلهي، بل هي عنده حصيلة العلاقة الجدلية بين طهور علم الله تعالى وإظهار الإنسان لهذا عن طريق التعقل والنظر في المعقولات. وهو هنا يوافق نظرية المعرفة الإسلامية ويعارض طريق التصور والإدراك الصوفي للحقائق والذي يضمر القول بالطريق الأول للمعرفة، وهو هنا متأثر بأرسطو.
    • غير أنه عاد واتفق مع نظرية الكشف الصوفي (ما يسمى بالتصوف الفلسفي على الأخص)، من حيث الغاية عندما رأى إمكانية حدوث طهور العلم الإلهي ظهورا ذاتياً لا صفاتياً (أي إمكانية ظهور عين العلم الإلهي المطلق لا ما دل عليه) لغير الأنبياء. وبتعبير آخر إمكانية حدوث الوحي لغير الرسل والأنبياء ولعله في هذا متأثر بنظرية المثل الأفلاطونية – وتيار التصوف الفلسفي- كما يتضح في قوله بوجود نوعين للصور، يمثل النوع الأول منها مستوى أول لصور المحسوسات، وذلك في العقل (عقل الإنسان)، ثم نوع ثاني يمثل مستوى مثالي ثانٍ لهذه الصور، في العقل الفعال.
    • كما أن نظريته في المعرفة تستند إلى نظرية مثالية في الوجود قائمة على البقاء على الوجود الروحي وإلغاء الوجود المادي.

    الصور المعقولة عند باجة
    الرقم اسم الصورة طبيعتها (تعريفها)
    1 الواحد الله تعالى
    2 عقل الأفلاك عشرة عقول مفارقة تتولى شئون عالم السماء أي الملائكة أو الأرواح في الدين أو الكواكب في العلم
    3 العقل الفعال آخر العقول العشرة المسئولة عن عالم الأرض أي ما يقابل جبريل أو الروح القدس في الدين
    4 العقل الإنساني في ذاته يمثل مرحلة وعي الإنسان لجوهره (كونه ذو طبيعة عقلية)
    5 التصورات النفسية المتوسطة بين الحس والعقل ما يقارب صور الإدراك التجريدي
    6 الصور المعقولة للجسيمات ما يقارب صور الإدراك الحسي
    7 الصور الهيولانية الأشكال التي تكون عليها الأشياء من حيث هي جزء من الاستعداد المعرفي بالإنسان


    ابن باجه
    ب) الفلسفة الاجتماعية والسياسية:
    يشير ابن باجه إلى أن تدبير المتوحد يجب أن يكون صورة للتدبير السياسي في الحكومة الفاضلة، ويبدأ إصلاح المجتمع من الفرد، فتحقق وجود الفرد المتوحد هو الخطوة في إصلاح المجتمع كله.
    المجتمع الفاضل:
    وحينما يتحقق وجود الأفراد المتحدين لينشأ بينهم تضامن اجتماعي ويتمكنون من إقامة مجتمع كامل تسود فيه الفضيلة، وتنتهي الشرور بفضل قدرة هؤلاء الرجال على الاتصال العقل الفعال الذي يلهمهم الحكمة والهداية، لذا فهو مجتمع لا يحتاج إلى أطباء أو قضاة.
    نواة المدينة الفاضلة:
    أما في ظل الحكومات الحالية غير الكاملة فعلى المتوحدين أن يجتمعوا في وحدة مرتبطة ليكونوا نواة للمدينة الفاضلة، وطالما لم تأخذ الجماعة بآرائهم فإنهم يظنون غرباء مجتمعهم ،ذلك أنهم مواطنو الحكومة الفاضلة الذين يبشرون بحدوثها.(1)
    تقويم:
    تأثر ابن باجه بالفارابي في تصوره للحكومة الفاضلة والمجتمع الفاضل ،ويرى الدكتور أبو ريان أن ابن باجة لم يكن فيلسوفاً نظرياً في فكرته عن الحكومة الفاضلة ،أي لم تكن هذه الفكرة لديه من قبيل الأفكار القبلية السابقة على التجربة ،إذ أنه كان يلجأ إلى الممارسة التجريبية لأحوال المجتمع وظروفه وأخلاقه وعاداته ويحاول إصلاحها فتنشأ لديه فكرة عن المجتمع الأمثل.
    غير أننا نرى أن آراءه السياسية والاجتماعية لم يصل إليها من رصد حركة الواقع الموضوعي والسنن الإلهية التي تحكمها، بل كانت محصلة تطبيق للفلسفة ومنهجه في المعرفة المثاليين (وهو في هذا كان أميناً مع فلسفته متسقاً مع ذاته)، وإن تأثره بالفارابي في هذه الآراء ما هو إلا صدى لتأثره بالفارابي في جملة آرائه التي تشكل فلسفته.
    وقد حاول ابن باجه أن يضع مثل أعلى يشد تطور واقعه أو يحل مشكلاته بإعادة تشكيل هذا الواقع في صورة جديدة، لكنه انتهى إلى مثالية أي خيال لا تتوافر إمكانية تحقيقه في الواقع ،ويتضح لنا هذا في تصوره للمجتمع الفاضل الذي ينفي فيه الشر الطبيعي (المرض) فهو لا يحتاج لأطباء، والشر الاجتماعي فلا يحتاج إلى قضاه ، و من المستحيل أن يوجد مجتمع بلا جريمة ،ولكن هناك فرق بين مجتمع تكون فيه الجريمة هي النشاط الطبيعي المشروع ،ومجتمع تكون فيه انحراف غير مشروع. فيميز المجتمع الثاني أنه يسلب الجريمة مشروعيتها ويكشف ويحدد صفتها الإجرامية.

    ابن طفيل
    تحليل فلسفي لقصة حيي بن يقظان
    عرض فلسفته من خلال قصته (حيي بن يقظان).
    1) اكتفاء العامة بظاهر الدين:
    تجري أحداث القصة على جزيرتين الأولى يسكنها مجتمع إنساني تقليدي تسود فيه الشهوات والنزاعات الدنيا ،وأهله يحاكون الحقائق بأمثلة الخيال، وهم يقبلون ظاهر النصوص بمدلولاتها الحسية، وقد جاء القرآن على هذه الصورة لكي يخاطب العامة الذي يرفضون جميع صور التأويل العقلي للصور للوصول إلى باطنها.
    2) علماء الظاهر وعلماء الباطن:
    وقد ظهر في هذه الجزيرة فتيان سلامان، تميزوا بسمو النظر العقلي وبتغلبهما على الشهوات ،وكان الأول يساير العامة ويقبل دينهم في الظاهر،و لا يلبث أن يسيطر عليهم ،أما الثاني فيعتزل الجزيرة ويتجه نحو جزيرة مجاورة يظن أنها قفر من السكان.
    3) مراحل المعرفة:
    في هذه الجزيرة يسكن حيي بن يقظان الذي تولد طبيعياً من العناصر الطبيعية، أو ألقي به في اليم طفلاً، وتكفلت به ظبية فأرضعته ثم أخذ يدرج في مدارج المعرفة، فتعلم بنفسه كيف يكفي حاجاته الطبيعية، وكافح حتى خرج من الطور الحيواني، ثم ابعث لديه شعور ديني مصدره التعجب من اكتشاف للنار ،ويمر خلال حياته في سبعة مراحل كل منها سبع سنين يصل في نهايتها إلى الفناء ،فيصير عقلاً فتكون روحه مرتبطة بالعالم العلوي، وتكون غايته أن يلتمس الواحد في كل شيء ،فيرى الطبيعة كلها تنزع إليه ويرى التجلي الإلهي شاملاً ويكون عمره قد أشرف على الخمسين.


    4) عدم تعارض الدين مع الفلسفة:
    وحينذاك يحدث اللقاء بين حيي وأبسال ،وفهم أبسال لغة حيي، واكتشف أن العقيدة الدينية السائدة في مجتمع الجزيرة الأولى انتهى إليها حيي وعرفها لدقة بهداية العقل الفعال ،وعرف أبسال أن العقيدة ما هي إلا رمز للحقيقة الروحية المحجوبة عن البشر بسبب تعلقهم بالعالم المادي المحسوس، وأنه لكي تنكشف هذه الحقيقة يجب استخدام منهج التأويل الرمزي، فللعقيدة ظاهر وباطن، ولكنها في الحقيقة أمرها واحد ، يفهمه العامة على مستوى حياتهم المادية ،ويفهمه الخاصة على مستوى الكمال العقلي.
    5) عجز العامة عن إدراك الباطن:
    ثم نجد حيي يصحب أبسال في رحلة إلى الجزيرة المجاورة لكي يخرج أهلها من الجهل ويعلمهم أسرار الحقيقة ،ولكنه لاحظ أنه كلما أمعن في شرحه الفلسفي كلما ازداد الناس منه حتى واجهوه بالعداوة ،واضطر إلى الرحيل هو وأبسال عائدين إلى جزيرتهم الخالية، لكي يعكفا لعبادة الله عبادة روحية خالصة حتى يدركهما الموت، فاتضح لهم أن العامة لا قدرة لها على إدراك الحقيقة، بل يقوي على إدراكها قلة المتحدين من لهم قوة الإدراك على التخلي عن مطالب البدن وحاجات الدنيا ،وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان على حق حينما عرض لهم الحقائق الدينية في صورة أمثلة حسية ،ولم يجهر لهم بالمكاشفات النورانية الكاملة التي لا يدركها سوى قلة من المتوحدين أي الفلاسفة المتصوفين.(1)
    تقويم:
    • يرى البعض أن ابن طفيل يقصد من قصته استعراض أحوال الإنسان لو لم ينزل عليه الوحي وكيف أنه يستطيع وحده بدون معلم أن يصل إلى حقائق الوحي وأصل العقيدة. كما يرى آخرون أنه قصد بها بيان التطابق بين النقل والعقل والفلسفة من حيث أنهما يعبران عن حقيقة واحدة فالدين يصورهما بصورة حسية والعقل يكتشفها ويصوغها في قالب عقلي.
    • غير أننا نلاحظ أن هذه القصة إنما تصل بنا إلى نتيجة مؤداها أنه في الوقت الذي يمكن فيه يبرر إرسال الرسل إلى عامة الناس الذين يعجزن عن الوصول إلى أصول العقائد بدون معلم أو مرشد خارج أنفسهم. نجد أن المتوحدين ليسوا بحاجة إلى الرسل لأنهم يستطيعون الوصول إلى حقائق الوحي بعقولهم وهداية العقل الفعال.
    التوفيق بين الدين والفلسفة عند ابن رشد:
    1) الشرع يوجب النظر الفلسفي:
    بدأ ابن رشد بتحديد معنى الفلسفة (فعل الفلسفة ليس أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع)(1) والشرع قد ندب على ذلك أو واجب العمل به كما في قوله تعالى (أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) "الاعراف: 184" (فاعتروا يا أولي الأبصار) "الحشر: 2". الاعتبار والنظر لا يكون إلا بالقياس العقلي" إذ الاعتبار ليس شيئاً أكثر من استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه، هذا هو القياس أو بالقياس(2) ولئن قال قائل أن النظر بالقياس الفقهي لم يكن في أول الإسلام ولم يقل أحد بدعة إلا طائفة من الحشوية.
    ولما تبين أن الشرع يحث على الأخذ بالقياس العقلي ويوجبه كان على الناس الواجب على المفكر أن يدرس قوانين القياس وذلك بتعلم المنطق والفلسفة.


    2) الشرع باطن وظاهر: ضرورة التأويل:
    ويرى ابن رشد أن الفلسفة موافقة للدين والدين موافق للفلسفة، فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه، وإذا كان في القرآن والحديث أقوال والحديث تخالف في ظاهرها حقائق الفلسفة ،وتوهم أن الفلسفة تضاد المشرع، فإن ذلك ما هو إلا ظاهر يقبل التأويل ، ولهذا المعنى أجمع المسلمون على أنه ليس يجب أن تحل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها. والسبب في ورود الشرع فيه الظاهر و الباطن هو اختلاف نظر الناس وتباين قرائحهم في التصديق. ولما أراد ابن رشد أن يصف البشر عمد إلى نظرية الفلاسفة في تقسيم القياس فقال أن الفلاسفة قسموا القياس إلى ثلاثة أنواع:
    1) القياس البرهاني: يقوم على مقدمات يقيني ،ويرتكز على مبدأ أول من مبادئ العقل وهو من ثم ذا نتيجة يقينية وهو القياس الفلسفي.
    2) القياس الجدلي: ويقوم على مقدمات محتملة، وتكون النتيجة محتملة وهو لا يصلح إلا أن يكون أداة للجدل والمناظرة.
    3) القياس الخطابي: ويستند إلى مقدمات واهية موافقة لاستعدادات السامع العاطفية فهو قياس عاطفي يهدف إلى التأثير أكثر مما يهدف إلى الإفهام. وعلى هذا الأساس قسم ابن رشد البشر إلى ثلاثة أصناف: البرهانيون وهم الفلاسفة والجدليون وهم المتكلمون والخطابيون وهم عامة الناس.
    3) قانون التأويل:
    وللتأويل قانون لابد من التمسك به "فالناس على ثلاثة أصناف: صنف ليس هو من أهل التأويل أصلاً وهم الخطابيون الذين هم الجمهور الغالب ،وصنف هو من أهل التأويل الجدلي وهم الجدليون، وصنف هو من أهل التأويل اليقيني وهؤلاء هم البرهانيون.(1)
    فالتصريح بالتأويل يجب أن يحصر في أهل البرهان لن التصريح بالتأويلات اليقينية لمن هم من أنصار الظاهر ولا يمكنهم من فهم المؤول لأنهم من غير أهله فيجب إذاً أن لا يصرح بالتأويل للجمهور.
    ومن هنا يحمل ابن رشد على المتكلمين عامة والغزالي خاصة لأنهم أولوا آيات كثيرة وصرحوا بتأويلهم للجمهور (فأوقعوا الناس من قبل ذلك في شتات وتباغض وحروب ومزقوا الشرع وفرقوا الناس كل التفريق)(1)
    4) الشرع يتم العقل:
    فللشرع إذن معنيان باطن وظاهر وهما في الحقيقة معنى واحد فلسفي إن خالفه الظاهر رد إليه بالتأويل وإلا بقي على حاله غير تأويل ومن ثم فمن الخطأ أن تنسب إلى ابن رشد تلك الازدواجية التي تنسب إليه قديماً. فالشرع جاء متمماً للعقل والوحي يزيد على الحقيقة الفلسفية أوصافاً ورموزاً توافق عقلية الشعب وتحثه على العمل الصالح. وهكذا كان الوحي متمماً لعجز العقل في الناحية العلمية فمعنى الملائكة في الشرع عقول الأفلاك، ومعنى الجنة والنار والثواب والعقاب المعرفة العقلية في العالم الآخر في شكلها الخاص إيجاباً وسلباً ومعنى الخلق من العدم الفيض الضروري ومعنى حشر الأجساد الانتقال من طور إلى طور في المعرفة العقلية. ويختم ابن رشد تصوره للتوفيق بين الفلسفية والشريعة بتقريره أن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة وهما المصطحبتان بالطبع، المتحابتان بالجوهر.
    تقويم:
    • طرحت مشكلة التوفيق بين الدين والفلسفة في الفلسفة الإسلامية عامة وعند ابن رشد خاصة لأن الفلاسفة الإسلاميين اتخذوا الفلسفة اليونانية نقطة بداية رغم أنهم نموها وطوروها بعد ذلك لتوافق الدين الإسلامي وهنا حدث تناقض بين الدين وبعض مفاهيم ونظريات الفلسفة اليونانية مثل القول بقدم العالم وإنكار حشر الأجساد وإنكار علم الله بالجزئيات.
    • كما أن الذي انتهى إليه ابن رشد لهذه المشكلة جعل الحقيقة الفلسفية وعلى وجه الخصوص فلسفة أرسطو التي كان ابن رشد أحد أكبر أنصارها وشراحها فوق الحقيقة الدينية ويتضح لنا في جعله القياس البرهاني الذي يستند إليه أهل التأويل البرهاني (الفلاسفة) أعلى من القياس الخطابي.
    • كما أن ابن رشد ليدعم هذا الحل الذي قدمه قدم تعريفاً للفلسفة قد يوافق عليه الفلاسفة الذين يؤمنون بوجود إله. لكن هناك فلسفات تنكر وجود الإله وبالتالي فإن هذا التعريف قد لا يتفق عليه كل الفلاسفة.

    فلسفة ابن رشد

    أولاً: العالم:
    1) قدم العالم:
    يتابع ابن رشد أرسطو في قوله (بأن العالم وجود متغير أزلي)، فالعالم عنده وحدة أزلية لا يجوز عليه العدم، فليس هناك إيجاد من عدم ولا عدم بعد وجود ،وكل ما يحدث هو خروج من القوة (الإمكانية) إلى الفعل (التحقق) ورجوع من الفعل إلى قوة (مثل خروج الشجرة من البذرة، وفناء الشجرة مع بقاء البذرة). لكن ابن رشد لا يرتب على القول بقدم العالم (أزليته) إنكار وجود إله خالق أو نفي الخلق (كما في المدارس المادية في الفلسفية الغربية)، بل ينفي معنى معيناً للخلق هو الإيجاد من العدم، ليثبت معنى آخر هو الإخراج من القوة (إمكانية الوجود) إلى الفعل (تحقق الوجود). ويترتب على هذا أن طبيعة العلاقة بين الصورة (الشكل) والهيولي المادة الأولى التي تكونت منها الأجسام والتي أسماها أرسطو المادة المظلمة) قائمة على أنه لا يمكن انفصال الصور عن الهيولي (إلا في الذهن الإنساني أي إلا في تصور الإنسان) ،فالصورة محتواه في المادة على هيئة النواة، وإن الصور المادية لا تفتأ تحدث توليداً مع أنها لا تنفك عن المادة.
    2) مراتب الوجود:
    والموجودات على مراتب، بعضها فوق بعض، تؤلف سلسلة واحدة متصلة.
    أ‌) العرض المجرد: أي الهيولي أو المادة المتخذة لأشكال معينة (وتقابل العدم).
    ب‌) الصور المادية: أي المادة المتخذة لأشكال معينة (وتقابل الموجودات المادية) والفعل (تحقيق الوجود).
    ج) الجوهر المفارق: (أي الله تعالى) وأطلق عليه اسم الصورة الأولى للعالم.
    3) الموجودات المادية والموجودات العقلية:
    ويرى ابن رشد أن هناك نوعين من الموجودات:
    الأولى: الموجودات المادية زهي متحركة يحركها في غيرها.
    الثانية: الموجودات العقلية وهي محركة لغيرها، وغير متحركة في ذاتها الموجودات العقلية تتفق بالبساطة (الوحدة)، ولكن كلما بعدت عن المبدأ الأول قلت بساطتها (أي قلت وحدتها وصارت قابلة لتقبل التعدد).
    ثانياً: الله تعالى:
    1) المحرك الأزلي:
    وإذا كان التغيير أزلياً فإنه يستلزم حركة أزلية،و هذه تحتاج إلى مجرد أزلي، فالقول بأن العلم متحرك منذ الأزل هو وحدة الذي يبرر لنا (عند ابن رشد) الوصول إلى إثبات موجود مفارق للعالم؛ محرك له منذ الأزل هو الله تعلى؛ وهذا الموجود بإيجاده تلك الحركة الدائمة خليق بأن موجد العالم لكن بأثيره في التعالم يحدث بتوسط العقول المحركة للأفلاك.
    2) صفات المحرك الأزلي:
    ويرى ابن رشد أن ماهية المحرك الأول (الله تعالى) هو أنه عقل لا كثرة (تعدد) فيه ،والوصف الإيجابي الذي نصف به الله تعالى هو أنه عقل ومعقول؛ فالوجود واحد فهو خالق باعتباره ،عقل ومخلوق باعتباره مخلوق ،فهو هنا يقترب من مذهب وحدة الوجود.
    ثانياً الإنسان:
    1) النفس:
    يتابع ابن رشد أرسطو في قوله بأن النفس مرتبطة بالجسد كارتباط الصور بالهيولي (أي الشكل بالمادة "شكل المنضدة ومادة الخشب مثلاً")؛ لكنه يحاول أن لا يتابعه في النتيجة التي تلزم من القول ،وهي إنكار خلود النفس فيرفض القول بخلود النفس الجزئية. (أي يرفض القول بخلود عقول أفراد النوع الإنساني) فيقول بخلود النوع الإنسان.
    2) العقول الثلاثة:
    حيث يقول ابن رشد بثلاثة عقول هي:
    1) العقل الهيولاني: وهو عقل أزلي لا يصيبه الفناء وهو بمثابة عقل للنوع الإنساني ككل.
    2) العقل الفعال: وهو أيضاً أزلي وهو عقل الفلك الأخير.
    3) العقل المنفعل: وهو الاستعداد المعرفي عند الإنسان وهو يوجد بوجود الإنسان ويفنى بفنائه، بمثابة عقل أفراد النوع الإنساني.
    والعلاقة بين العقول الثلاثة عند ابن رشد قائمة على أن (العقل الفعال) يجعل الصور التي يتخيلها( العقل المنفعل) معقولة، و(العقل الهيولاني) يقبل هذه المقولات. وبعبارة أخرى فإنه على قدر استعداد نفس الإنسان (العقل المنفعل) وقدرتها على الإدراك، وقد تكون الدرجة التي يرفع (العقل الفعال) الصور حتى تصير معقولة، ويكون مبلغ قدرة (العقل الهيولاني) على جعلها جزء من محتوياته.
    تقويم:
    • اتخذ ابن رشد فلسفة أرسطو نقطة بداية، ثم حاول تنميتها وتطويرها بما يتلاءم مع التصوف الإسلامي للوجود. ولكنه أخفق في محاولته في عدة نقاط كما يتضح في تعارض بعض أجزاء مذهبه الفلسفي مع بعض المفاهيم في التصور الإسلامي للوجود التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة. فمثلاً نفى معنى معين للخلق (الإيجاد من العدم) ليأت بمعنى آخر (الإخراج من القوة إلى الفعل) بينما هذا المعنى هو الذي ورد في النصوص القطعية. كذلك إنكار خلود النفس الجزئية وإثبات خلودها كجزء من عقل النوع الإنساني. بينما دلت النصوص القطعية على خلود النفوس الجزيئة على الوجه الأول.
    • كذلك قاله الفلاسفة اليونانيون - أرسطو – أن تأثير المحرك الأول (الله تعالى) في العلم يتم بتوسط عقول الأفلاك رغبة منهم في تنزيه الإله عن مخالطة الموجودات المادية المتغيرة، وهو ما تابعهم فيه ابن رشد، لكن يستلزم من هذا القول حديد (تقييد) الفعل المطلق لله تعالى (الربوبية)
    • غير أن محاولة ابن رشد تدل على أن كلاً من الفلسفة الغربية والإسلامية قد انطلقوا من مقدمة واحدة ليصلوا إلى نتائج مختلفة، فالمادية (الماركسية) انطلقت من مقدمة العالم (المادة أزلية) لتصل على نتيجة هي أنه (لم يخلقها أحد ولا توجد ثمة قوة خارج أو فوق العالم) بينما نجد ابن رشد ينطلق من ذات المقدمة دون أن ينفي وجود الله.
















    ابن خلدون
    نقد الفلسفة والمنطق
    عدم تطابق العالم مع صور الفلسفة:
    نوجه ابن خلدون إلى نقد الفلسفة كما وصلت إلى علمه، وكان يرى أن العالم- كما يراه- لا يتطابق مع صورها الثابتة المقررة قبل التجربة ،وينتقد زعم الفلاسفة أنهم يعرفون كل شيء لأن العالم أوسع من أن يستطيع عقلنا الإحاطة به ،وأنه يوجد من الكائنات والأشياء أكثر مما يستطيع أن نعلم لقوله تعالى (ويخلق ما لا تعلمون).
    طريقة المعرفة المشاهدة لا الأقيسة المنطقية:
    ويرى أن الأقيسة المنطقية التي يستخدمها الفلاسفة لا تتفق في الغالب مع طبيعة الأشياء المحسوسة، لأن معرفة هذه لا تسنى إلا بالمشاهدة. أما ما يزعمه البعض من إمكان الوصول إلى الحقيقة بمجرد استعمال قوانين المنطق فإنه وهم كاذب ، لذلك يجب على العالم أن يفتكر فيما تؤدي إليه التجربة الحسية.
    النفس بفطرتها خالية من المعرفة:
    النفس بفطرتها خالية من المعرفة، ولكنها قادرة على التفكير فيما يقع للحواس والتصرف فيه، وكثيراً ما ينشأ الحد الأوسط الصحيح بالحدس وليس بالطرق التي اكتسباها متبعين قوانين المنطق الصوري.
    وظيفة المنطق:
    والمنطق لا ينتج معرفة، بل هو يرسم الطريق الذي ينبغي أن نسلكه في تفكيرنا، وهو يدلنا على طريق المعرفة وله من الفضل بقدر ما يحفظنا من الزلل، وما يشحذ أذهاننا وما يلزمنا من الدقة في التفكير، فهو علم مساعد ينبغي أن يشتغل بتعليمه فريق من الأكفاء لتنتدبون ذلك لكن ليس له الشأن الأساسي الذي يجعله الفلاسفة. ويستطيع فحول النظار أن يستغنوا عن الصناعة في جميع فروع العلم.(1)
    تقويم:
    رغم أن ابن خلدون عارض النزعة الصوفية العقلية عند الفلاسفة بمبادئ الدين البسيطة إلا أن الدين لا يؤثر في آرائه. وإذا كان نقده السابق موجه للفلاسفة المتأثرين بأرسطو بصبغته الأفلاطونية الجديدة إلا أنه تأثر بجمهورية أفلاطون والفلسفة الفيثاغورية. كما أن ابن خلدون مع قوله بأن الحواس أصل كل إدراك ومع صلة أبحاثه بالحياة الواقعية ينزع نزعة صوفية، وذلك من خلال محاولة إطلاق الحدس من قيوده ليدرك الحق مباشرة من غير طرق المنطق.

    الخاتمة
    تناول الكتاب الفكر الفلسفي الإسلامي بفروعه الثلاثة الأساسية علم الكلام، التصوف والفلسفة الإسلامية وقد تناولنا تعريف كل فرع وظروف نشأته والمواقف المختلفة منه ثم عرضنا لبعض القضايا التي يتناولها الفرع المعين وموقف العلماء والمذاهب منها.

    المراجع
    1) ابن رشد، فصل المقال، المكتبة المحمودية التجارية، مصر.
    2) ابن تيمية، الرد على المنطقيين، طبعة بيروت، دار المعرفة، مختصر الفتاوى المصري، القاهرة، 1949.
    3) ابن حزم، الأصول والفروع، دار الكتب العلمية بيروت، 1984.
    4) ابن القيم، شفاء العليل، المطبعة الحسنية، القاهرة.
    5) أبو الوفاء الغنميمي التفتزاني، مدخل على التصوف الإسلامي، ط3، 1992م.
    6) أحمد أمين، فخر الإسلام، القاهرة، 1960م.
    7) البغدادي، الفرق بين الفرق، دار المعارف، مصر.
    8) الحصني، دفع شبه وتمرد ذلك للإمام أحمدن القاهرة، بدون تاريخ.
    9) الشهرستاني، الملل والنحل، المطبعة الأدبية، مصر.
    10) الغزالي، تهافت الفلاسفة، طبعة بيروت، 1960م.
    المنقذ من الضلال، طبعة دمشق 1946م.
    11) دي بور، الفلسفة الإسلامية، ترجمة عبد الهادي أبو ريدة، القاهرة.
    12) زينب الحضري، اثر ابن رشد في فلسفة الصور الوسطى، دار التنوير، 1980م.
    13) عبد الحفيظ المكي، موقف أئمة الحركة، دار السلام، القاهرة، ص1988م.
    14) عطية أبو عازة، علم الكلام، طبعة 1980م.
    15) محمد علي أبو ريان، تاريخ الفكر الفلسفي، القاهرة، 1986.
    16) محمد يوسف موسى، القرآن والفلسفة، دار المعارف، القاهرة، 1968.

    الفهرس
    مقدمة
    الباب الأول: علم الكلام
    الفصل الأول: تعريف علم الكلام.
    الكلام لغة واصطلاحاً، تعدد أسمائه، سبب تسميته، عوامل ظهوره الداخلية والخارجية، ومقارنة بين المنهج الكلامي والفلسفي.
    الفصل الثاني: بعض قضايا علكم الكلام وموقف الفرق الكلامية فيها.
    الإمامة عند الشيعة.
    الحسن والقبيح بين المعتزلة والأشاعرة والماتريدية.
    الجبر والاختيار بين الجبرية والقدرية.
    الصفات الإلهية بين الشبيه والتفويض.
    الباب: التصوف الإسلامي
    الفصل الأول: تعريف بالعلم
    سبب تسميته، المواقف المختلفة منه، المراحل نشأته وتطوره.
    الفصل الثاني: بعض قضيا التصوف.
    الكشف
    الكرامات.
    الملامايتة والنفس
    الباب الثالث: الفلسفة الإسلامية
    الفصل الأول: ماهية الفلسفة الإسلامية.
    علاقتها بالفلسفة اليونانية وبالدين والحضارة الإسلامية وهل هي عربية أم إسلامية.


    الفصل الثاني: بعض الفلاسفة الإسلاميين المشرقيين والقضايا التي أثاروها
    الكندي
    الفارابي
    ابن سينا
    الإسهامات الفلسفية للإمام الغزالي
    الفصل الثالث: الفلسفية الإسلامية المغربية
    1) ابن باجه.
    2) ابن طفيل.
    3) ابن رشد.
    4) ابن خلدون.
    الخاتمة
    المصادر.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de