عشت في مصر أربعة عشر عاما..لم أتعرض للعنصرية كما تعرضت لها في السودان... والحقيقة أننا لا نتعرض للعنصرية إلا من المهمشين الذين يتحدثون بدورهم عن تعرضهم للعنصرية. إن هذا شيء مربك جدا لحساباتي كشخص لا أجد في العنصرية سوى اختلال عقلي وروح سوداء مظلمة. إن الشعب هنا يتحاكم إلى درجات لون الجلد ، إلى الملامح والسحنات. لقد عملت مع بعض الأجانب كالصينيين وخلافه ، وهم لا يضعون أي اعتبار للون عندما يتعلق الأمر بالعمل. إنهم أساسا لا ينظرون إليك بل يستمعون لك ، أنت عقل وصوت وطاقة فقط يجب أن تعمل جميعها لانتاج الغايات المطلوبة. أتذكر أن جدي الطيب الكردفاني كان سفيرا في مصر ؛ والغريب أن أكثر من شكره ومدحه لي كان هؤلاء المهمشين لأنه وحسب كلامهم كان ينزل من مكتبه لتخليص وتذليل كل المعرقلات والعقبات التي كانوا يتعرضون لها من العاملين بالسفارة..والأغرب من هذا أن العاملين أساسا هم من المهمشين. فالمهمش يهمش المهمش. العنصرية في السودان لا ترتبط بقوانين الدولة ؛ بل ترتبط بجماجم محشوة بالظلام الدامس.. وهذه الجماجم لا يمكن أبدا تفريغها من هذا الظلام. قبل بضعة سنوات ذهبت للحصول على تأشيرة خروج من العلاقات البينية وكان الموظف نقيبا في الشرطة يضع دائما كمامة على أنفه وفمه. هذا النقيب لم يكن يرتاح إلا بزراعة معوقات كثيرة أمامي حتى لا أنهي إجراءاتي. أتذكر أنه طلب مني استيتمنت statement بنكي لكي اسافر للقاهرة التي عشت فيها أربعة عشر عاما. رغم أن هذا غير مطلوب أبدا ، بل ولم يطلبه هو نفسه من كل المصطفين في طابور السفر للقاهرة. وكنت كل مرة اتحاشى القيام بإجراءات أمامه. والكارثة بالتأكيد ليست في عنصريته لكن الكارثة أنه لا يوجد نظام system للمحاسبة والدفاع عن حقوقك في ظل اختلاق عراقيل تسمح به اللوائح الفضفاضة والمعقدة للمؤسسات والتي لا تطبق إلا على من لا يدفع أو ليس له سند قبلي وعرقي. ما يحدث في هذا البلد فوضى عارمة ؛ ففي ظل شعب مضطرب نفسيا ، مع عدم وجود منظومة مؤسسية وقانونية ، تصبح الحياة جحيما ويعتمد أخذ الحقوق على قوة السلطة أو المال والكثير من الوقاحة. وللوقاحة في السودان أساسها المتين الذي يعكس شعبا مهزوزا في قيمه وفي ضميره ، أتذكر أنه في عام 2012 كان آدم سوكال يتعرض لعنصرية شاملة داخل المحكمة دفع به إلى رفض المثول أمام القاضي لأنه بحسب كلام سوداكال كان يمارس لغة تجريمية ضد سوداكال. وقد تطور الأمر بعد ذلك تطورا مذهلا كشف عن فساد القضاء أكثر من فساد سوداكال. وهو ليس فسادا ماليا بل فسادا ضميريا حيث تنعدم النزاهة تماما. هذه الفوضى محزنة جدا ؛ لأنك لا يمكن أن تدافع عن من يتعرض للعنصرية حينما يكون هو نفسه عنصريا. وحينما تتأسس جميع الخطابات على المقت النفسي. دعونا مثلا نتساءل لماذا دافع محامو دارفور عن وزير العدل رغم أننا تعرضنا للكثير ممن تم تعيينهم في الحكومة المزيفة هذه؟ والأمر واضح فهم انطلقوا من تعاضد عنصري حتى ولو على حساب قضية أكبر وهي قضية إقليم دارفور نفسه. وكذا الحال عند الباقين. وهذا ظلام دماغي مطبق عام وشامل. ولا حل له أبدا لأن القانون ليس أكثر من جمل لغوية ولا ينفخ فيه الروح سوى الوعي الانساني. فإن غاب الوعي أصبح القانون مجرد حبر على ورق.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست