الظلم الاجتماعي ضالة تجار الدين. بقلم أمين محمَد إبراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 02:51 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-19-2016, 02:29 PM

أمين محمَد إبراهيم
<aأمين محمَد إبراهيم
تاريخ التسجيل: 03-30-2014
مجموع المشاركات: 16

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الظلم الاجتماعي ضالة تجار الدين. بقلم أمين محمَد إبراهيم

    01:29 PM February, 19 2016

    سودانيز اون لاين
    أمين محمَد إبراهيم-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    في برنامج مراجعات بفضائية النيل الأزرق (حلقة 23/1/2016م) سأل مقدمه الطاهر التوم ضيفه الزبير أحمد حسن الأمين العام لما يعرف بالحركة الإسلامية عن وجود مشتركات بين حركته والشيوعيين على الصعيد القضايا و الهموم الوطنية المشتركة ومسألة العدالة الاجتماعية. فأجاب الضيف على سؤال مضيفه بمثله لماذا لا يبحث الشيوعيون عن أسس للعدالة الاجتماعية في الإسلام؟ وأضاف ما معناه أنهم إذا ما فعلوا ذلك ربما تكون بيننا مشتركات.
    إجابة الزبير الواردة أعلاه هي محور موضوع هذا المقال، لأسباب كثيرة نضمنها تباعاً في متنه، أولها: أنها إجابة مراوغة و ملتوية، مراد صاحبها هو، عدم الابانة والافصاح، بل إخفاء ما يضمره من مرتكزات أيديولوجية رافضة و مناهضة لمبدأ العدالة الاجتماعية، لكونها تسعى لتحقيق المساواة الإقتصادية بين الناس، و نفي التمايٌز الطبقي (الاجتماعي) بينهم.
    وثانيهاً: أن قصد صاحبها بها هو خداع و تضليل المتلقي، و حمله على الاعتقاد بأن رفضه للعدالة الاجتماعية التي ينادي بها الشيوعيون سببه مصدرها (غير الإسلامي من وجهة نظره)، بينما سبببه الحقيقي هو ما أشرنا إليه في الفقرة أولها أعلاه.
    و ثالثهاً: أن إجابة الزبير تكشف بجلاء عن ذهنية الاسلاموي، المصممة و المبرمجة آلياً للمراوغة لتفادي الرد على أي سؤال يواجه صاحبها، و ذلك إما بالاجابة عليه بسؤال مثله، تماماً كما فعل الزبير، أو بالتجاهل التام للسؤال المطروح عليه، والإجابة على آخر افتراضي من صنع خياله المُدرَب على المكر. و لكل ذلك لم تفاجئنا إجابة الزبير على سؤال مضيفه، فمثلها مما يتوقع صدوره - على سبيل الحتم واللزوم - من ذهنية كادر حركي اسلاموي، ممن تضاءلت أو ضمرت مساهماته الثقافية والفكرية أو انعدمت وغابت تماماً عن نشاطه السياسي، و انحصر جهده في النشاط الحركي المحض، أي القائم على حركة الجسد و وظائف أطرافه الميكانيزمية، مع التعطيل التام أو شبه التام للفكر، و حصر وظيفة العقل، في أفضل الأحوال، في محض الحفظ التلقيني واجترار محفوظات، ما أنتجه عقل السلف الصالح، و من تبعهم من الفقهاء، ليقتصر كل نشاط أصحابه، على الترديد الببغائي لاجتهادات السلف، بتجاهل متعمد للحكمة الكامنة في قاعدة: (تغيٌر الأحكام مع تغيُر الزمان)، التي لم يتردد حتى فقهاء السلف في اقرَارها والعمل بمتقضاها. فالأفهام التي التي تتجاهل قوانين التطور الموضوعية عامةً، أو يشق عليها وعيها، يستشكل عليها استبانة العلاقات و الروابط الباطنية بين ظواهر الواقع الموضوعي، فيتعذَر على أصحابها بالضرورة، وعي وإدراك أبسط مسائلها و أكثرها بداهةً، نذكر منها، مثالاً دون حصر، سبب (علة) مخاطبة الإنسان حصراً بالأوامر الربانية وتكليفه بحمل الأمانة (كما في وصفها القرآني). نقول ذلك رغم أن الإسلام لم يترك إدراك علة التكليف لفطنة المخاطب بشرعه، بل أورده نصاً صريحاً بأن (العقل مناط التكليف الشرعي) و لكن ماذا نفعل مع )حجاب العقل( بأثر غيبوبة الأيديولوجية؟. فالعقل أداة التمييز نعمة خص بها الخالق الإنسان وميَزه بها عن غيره من الأحياء وجعله سبباً (علة) لتكليفه بالفروض والواجبات الشرعية، ثم اسند إليه مهمة عمارة الأرض وبناء الحضارات، تعويلاً على قوة و حيوية عقله وقدرته اللامحدودة على الابتكار والإبداع. و غني عن الذكر بالطبع، أن الخالق عزَ وجلَ لو أراد قصر مهمة الإنسان، في مجاراة ومنافسة بقية الكائنات، التي يعتمد بقاءها (وجوداً وعدماً)، على محض الركض كراً وفراً (كجلمود صخر حطه السيُل من عل)، لأنعم عليه بما يلزمه، من مخالب أو أظلاف أو حوافر.
    حديثنا هنا عن الزبير (حامل أيديولوجية الاسلامويين). أما الزبير أحمد الحسن (بتاع أم الطيور وعطبرة الثانوية و اقتصاد جامعة الخرطوم) (حالة كونه خال من فايروس الأيديولوجية) فلا نجادل مطلقاً، في نجابته و تمتعه بالذكاء والفطنة. فهو بحسب سيرته التي سرد ملخَصها لمضيفه، صاحب تاريخ حافل بالانجاز والتفوق في التحصيل الأكاديمي أهَله للقبول باقتصاد جامعة الخرطوم و التخرج بدرجة علمية جيدة. و فوق هذا وذاك فهو من أبرز قياديي حزبه مما أهَله لتولى مناصب سياسية وتنفيذية هامة في حكومته. ولكن علة جيل الزبير، شأنه في ذلك شأن الأجيال السابقه له، تكمن في أنه انتمى إلي التنظيم، ونما وترعرع فيه، في ظل السيادة المطلقة، أو السيطرة الكلية لإردة شيخ التنظيم، و هيمنة منهج تفكيره الآحادي المنغلق، فأحتكر أمر إدارة تنظيمه، و التنظير له قولاً و كتابةً انابة عن أعضائه. و أعانه على ذلك الأعضاء الإمعات، باستسلامهم لقياده طواعيةً وبمحض اختيارهم، و بقناعة قوية و راسخة، بأن التفكير فرض كفاية إذا قام به شيخهم سقط عنهم. ولذلك فطوال عقود الستينات والسبعينات و حتى منتصف الثمانينات تقريباً، تكاد لا تجد من خرج على هذه الهيمنة والاحتكار سوى الدكتور حسن مكي بمؤلفاته التي يغلب عليها الطابع التأريخي للحركة.
    و إذا أخذنا الزبير كنموذج لجيله، و رغم كل ما ذكرناه، عن نباهته و ذكائه، فهل قرأ له أحدكم في أية صحيفة أو مجلة أو اصدارة أو كتاب، مقالاً أو مساهمةً فكرية أو ثقافية أو بحثاً علمياً، أو حتى مساهمة نظرية، يؤبَه لها، في الاقتصاد مجال تخصصه ؟؟ لا أقصد بهذا التساؤل (و لا ينبغي لي) التباهي أو ادعاء قراءة كل ما يكتب، ولكني أسعى (ما وسعتني الحيلة و الوقت) للمحافظة على عادة مداومة القراءة عامةً، كما أحرص خاصةً على قراءة كل ما يقع عليه نظري من مساهمات الاسلامويين. ورغم ذلك لم يقع نظري على شئ مما كتبه الزبير. و حسب ظني - و أرجو مخلصاً أن يكون مخطئاً - فليس بمقدور أحد القول بخلاف ما نوهنا إليه. والزبير ليس استثناءً في هذا الصدد، ( فأمثاله كثر إذ لا تقل نسبة حركيي تنظيمه عن 99% من عضويته). و نظرة واحدة إلي معظم من تسلقوا قمم المراكز القيادية في التنظيم، تؤكد إصابة أكثرهم بالأمية الثقافية الراجعة، و الأنيمية الفكرية الحادة. فلا غرابة أن جلهم إن لم نقل كلهم خامل الذكر في ميدان الكدح الذهني و إنتاج الفكر والثقافة. أذكر منهم، على سبيل المثال لا الحصر، علي عثمان محمد طه و أحمد إبراهيم الطاهر ونافع وقطبي المهدي وغيرهم كثير من الرموز التاريخية لقادة الإسلامويين. بل أنظر إلي من قال الزبير أنهم جندوه للتنظيم من مرحلتي المدرسة الوسطى و الثانوية، المغفور له بإذن ربه، المعتصم عبد الرحيم والأستاذ هاشم أبوبكر. و أطرح ذات السؤال بشأن مساهماتهم الفكرية والثقافية تجد ذات الإجابة. وتتعاظم محنة هؤلاء، ومعها مصيبة الوطن عامةً، والعمل العام فيه، إذا علمنا أن جل هؤلاء إن لم يك كلهم، يعملون في حقلي التعليم و القانون، وهي مهن لا تستقيم ممارستها دع عنك إتقانها و التمهر في مزاولتها إلا بمداومة القراءة و الكتابة. و تتفاقم وتبلغ المصيبة مبلغ الكارثة، إذا علمنا أن معظم من وُجد من قادتهم (متورطاً) بالاشتغال بجدل الفكر والثقافة، و الاسهام بالكتابة في قضايا الرأي، كانوا يعانون من حصار و تهميش و محاربة الشيخ. أما بعد إقصاء الشيخ، فقد حل محله عسكر الإسلامويين، وأحكم قبضته على الحركة، بواسطة ما يعرف بالتنظيم (أو الجهاز) الخاص، فأصبح من يشتغلون بقضايا الفكر، على قلتهم، يهجرون التنظيم، و يكفون عن الانتماء إليه، سواءً بالإقصاء القسري أو بفرارهم بجلودهم منه، فرار السليم من الأجرب.
    نعود لقول الزبير في معرض حديثه عن مراحل تكونه الفكري والسياسي، أنه قرأ كتب التفسير و السيرة والفقه عامةً، و مؤلفات سيِد ومحمَد قطب و مراجعها كابن تيمية وغيرهم من المصادر و المراجع الأسس لأيديولوجية الإخوان المسلمين خاصةً. و أول ما يتبادر إلي ذهن من يسمع مطالبته الآخرين بالبحث عن أسس العدالة الاجتماعية في الإسلام، هو ماذا عن بحثه هو و رهطه؟؟ فهل بحث فيما قرأه خلال ما يقارب نصف القرن (انضم للتنظيم حسب إقراره في البرنامج في مفتتح سبعينيات القرن الماضي)، عن أسس للعدالة الاجتماعية في الاسلام؟؟، و إذا كان رده على الاستفهامات أعلاه بالإيجاب، فإلي ماذا انتهى به البحث والتقصي؟؟.. ألا يقول الحديث الشريف: (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها جذبها)؟؟ ألا ترادف الحكمة في إحدى تجلياتها "الحقيقة". أوليست الحقيقة هي ضالة من يزعم أنه داعية؟ و استدراكاً نسأله هل يؤمن أصلاً بالعدالة الاجتماعية سواء أكان مصدرها الإسلام أو غيره؟؟
    نعلم يقيناً أن الزبير لا قبَل له بالإجابة على الاستفهامات أعلاه بالإيجاب، و ذلك ببساطة لأنه - و كما يوحي طلبه المذكور - لم يكلف نفسه عناء البحث عن أسس العدالة الاجتماعية في الإسلام، ليس لخلو مبادئه وتعاليمه منها، بل لأنه ورهطه لا يؤمنون مطلقاً بالعدالة سواء كانت اقتصادية - اجتماعية أو حتى العدالة الطبيعية. أما العدالة الاجتماعية بالذات فهي تمثل النقيض الأيديولوجي لمحتوى فكر وتطبيق حزب الزبير وحكومته.
    و حتى لا يتهمنا أحد، بإلقاء الكلام على عواهنه، وتوزيع التهم جزافاً، فإننا نستشهد هنا بالتطبيق العملي لأيديولوجيتهم و بتنزيلها من حيَزها النظري إلي تطبيقها على أرض الواقع الحي (بياناً بالعمل). فمنذ عهد الإدارة الاستعمارية، و طوال عهود الحكومات الوطنية، السابقة لجائحة حكم حزب الزبير و دولته، شهد شعب السودان، توازنا معقولاً في الفوارق الاقتصادية، بين شرائحه الغنية والفقيرة، حقق مساواة وعدالة اجتماعيتين نسبيتين. و كان ذلك بفضل ريادة وقوة القطاع العام بسيادته وهيمنته شبه التامة على مجمل العملية الاقتصادية في البلاد. و قد مكَنته هذه السيادة والهيمنة، من أن يلعب دورا رئيساً وقيادياً مشهوداً، في عملية إعادة توزيع ريع الثروة القومية و فوائدها، توزيعاً عادلاً إلي حد كبير، أساسه مراعاة لظروف الشرائح الضعيفة والفقيرة التي شكَلت أغلبية الشعب (و منها غالب عضوية حزب الزبير قبل 30 يونيو 1989م). و اعتمد القطاع العام، في إعادة توزيع الثروة، سياسات دعم السلع الإستراتيجية ومجانية الخدمات الضرورية كالتعليم والعلاج وغيرها، مما يسَر للشرائح الضعيفة تلبية حاجياتها الضرورية. و كان ذلك كافيا لإثارة حفيظة و حنق، أعداء العدالة الاجتماعية، على القطاع العام، و إضمار البغض له، فأعملوا فيه معاول الهدم بمجرَد استيلائهم على السلطة بالقوة، بالخصخصة وبيع هيئاته مؤسساته - أمواله وأصوله المملوكة للشعب على الشيوع- بأبخس الأثمان لشركات و تجار حزبهم و الاسلامويين الأجانب. وأكملوا مشروع الإجهاز على القطاع العام، بتصفية الخدمة المدنية وإلغاء قوميتها و محو حيدتها، بفصل و تشريد غير الموالين من وظائفهم العامة (وهم آلاف المواطنين)، و إحلال عضوية حزبهم والموالين له في محلهم، فيما عرف بسياسة التمكين. و لتجريد الشعب من كل حماية قاموا بإلغاء دعم السلع الضرورية، وإلغاء مجانية التعليم والعلاج وغيرها من الخدمات الضرورية، مع تسليعها في سوق أطبقوا عليه بالكامل، و أحكموا سيطرتهم عليه، فتركوا المواطن المحدود الدخل، أو إن شئت الدقة (معدومه)، نهبا لغول السوق و جشع ونهم تجارهم، ليعاني الأمرين في توفير أبسط ضروريات حياته.
    و يُلحظ أن الزبير ورهطه لا ينسبون ما يؤمنون به أو عكسه إلي اجتهاد فكر البشر الذي يحتمل الصواب والخطأ، بل ينسبونه إلي السماء، لاسباغ صفة التقديس والربانية على أيديولوجيتهم بقصد إحلالها محل الشريعة الإسلامية. وبما أنهم إنما يفعلون كل ذلك، للإدعاء بألا سبيل إلي تغييرأو تعديل أيديولوجيتهم، ، ودمغ كل من يخالفهم الرأي والنظر في أمور دنيوية، بمخالفة أمر رباني والخروج من الملة، فإننا نواجههم دون كلل أو ملل بكشف وفضح حقيقة أنهم إنما يكذبون بالدين، و يستثمرون فيه و ويتكسبون به باتخاذ مقدساته مطية لتحقيق مكاسب دنيوية بحتة، و انهم يفعلون ذلك، كمحض (مقاولين لأعمال دينية)، وهي الصفة التي يصفهم بها، المفكر المصري الأستاذ خليل عبد الكريم. و في سند ذلك نورد أدناه أدلة مادية قاطعة وغير قابلة للدحض، تفضح كيف يغيرون ويبدلون أيديولوجيتهم، بأسرع مما يتصور العقل، متى كان ذلك مطلوباً لاستدامة حكمهم ، بل و يتبنون مبادئ وشعارات تخالفها تماما و لا يؤمنون بها مطلقاً. أنظر اتفاقيات التعاون والإخاء والتوءمة بين حزب الزبير و الحزب الشيوعي الصيني الحاكم في الصين. معلوم أنه لا غضاضة في تبادل المنافع التجارية وخلافها بين الدول المتباينة المبادئ والأفكار وحتى المعتقدات، فهذا ما تقتضيه ضرورةً العلاقات الدولية، و مصالح الشعوب، فالضرورات تبيح شرعاً المحظورات. ولكن لا تدري، ما هي الضرورة الشرعية التي تبيح لحزب الزبير العقائدي المتشدد، الذي يدمغ كل من يخالفه الرأي والنظر بتهم الكفر والالحاد، لأن ينشئ علاقات إخاء وتعاون، مع الحزب الشيوعي الصيني؟؟ و نسأل النظام ومعه ما يسمى زورا وبهتان بـ (هيئة علماء السودان) عن الحكم الشرعي لتلقى حزب الزبير، مبلغاً كبيراً من الحزب الصيني، لتشييد داره أو كما قال؟؟.
    تشكَلُ أيديولوجية الاسلامويين، وبرنامجهم السياسي حصراً، كل الإسلام في نظرهم. ولكن محنة هذه الأيديولوجية، تكمن في أنها لا تنتج شيئاً، سوى التفكير السياسي الفطير و القاصر، مما يضطرهم ويجبرهم دائماً، على تعديل وتغيير مواقفهم، كلما دعتهم إلي ذلك مقتضيات تاكتيكات الصراع، و حرصهم على مصالحهم الدنيوية. و يؤكد ذلك بالتالي نفي علاقاتها، بمقدسات الدين الثابتة التي لا يعتريها التغيير. كما يؤكد أن دمغهم لمخالفيهم في الفكر والرأي بالالحاد، يجري على أساس مصلحي دنيوي محض، لا علاقة له بالدين مطلقاً. أنظر كيف اتهم رئيس المؤتمر الوطني (شيخه السابق) رئيس المؤتمر الشعبي بالكذب والغش والنفاق وبأوصاف ترقى لتهم التكفير والخروج على الملة إثر خلافهما على عظمة السلطة. و أنظر كيف يتحاوران حالياً، لتوحيد أهل القبلة كما يزعما. فالدين عندهم ( محض ورق لف لأغراضهم الدنيوية) كما كان يردد دائماً الراحل الأستاذ الخاتم عدلان.
    و أنظر أيضاً كيف حوَل حزب الزبير ودولته الحرب مع الحركة الشعبية لتحرير السودان (الأصل)، إلي حرب دينية مقدسة، تدور بين الإسلام والكفر. ثم أنظر كيف عادا و فاوضاها وتصالحا معها وشاركاها في السلطة، واضطرا بسبب اصرارها وضغطها لتبني ما لا يؤمنان به (مبدأ التقسيم العادل للسلطة والثروة)، تحت قعقعة سلاحها و كيف تبنيا شعار التوزيع العادل للثروة وضمناه في متن أحكام دستور 2005 الانتقالي، و كل مواثيق نيفاشا و ما تلتها من اتفاقيات لاحقة. علماً بأن مبدأ التوزيع العادل للسلطة والثروة، يمثل جوهر العدالة الاجتماعية. و في تقديرنا الخاص، أنها تمثل الضمان الضروري لبسط السلام و التعايش والتساكن السلمي بين مكونات شعب السودان المتعدد الأصول الإثنية والحضارية والثقافية .. إلخ. و لا ينال من قوة و مضاء، أدلة إثباتنا إقرار المؤتمر الوطني، بمبدأ التوزيع العادل للثروة، كونه تعاهد بالالتزام به، مع إضماره نية عدم تطبيقه فعلاً، لأن هذا لا ينفي إقراره المبدأ، بل يؤكد أن المؤتمر الوطني، ليس غشاشا و خادعاً فحسب و إنما هو حزب مَنْ إذا عهدوا خانوا، تماماً كما في أوصاف المنافق الواردة في الحديث الشريف. فهل نتجنى على المنافقين والمخادعين، إذا قلنا، أنهم مقاولو أعمال دينية، و أن أقلَ ما يمكن وصفهم به، هو أنهم قوم غشاشون وكذابون وجبناء يخافون و لا يستحون. " ما تسمع ترديدهم ما لدنيا قد عملنا، و هي لله هي لله، وثوابت الدين خط أحمر".
    نعود لسؤال صدر المقال هل للعدالة الاجتماعية أسس في الاسلام؟ و نجيب عليه ببلى دون أدنى تردد، ونضيف أن الباحث عن هذه الأسس لا يحتاج إلي الدليل؟ ولكنا قبل الخوض في تفاصيل أسسها، نبدأ بتوضيح أن مبدأ العدالة على مستوييه، المفاهيمي النظري التطبيقي العملي، كلي لا يتبعَض أو يتجزأ. ومن ثم فهي كقيمة انسانية رفيعة و سامية، لا تختلف أو تتباين باختلاف مصادرها، سواء كانت دينية أو فلسفية أو خلافها. و مما لا يشق على أحد إدراكه هو اشتقاق عبارة العدالة الاجتماعية من لفظة ومدلول العدالة. و يمكننا إيجاز تعريف مدلول العدالة الإجتماعية بالمساواة الاقتصادية بين الناس وبالتالي عدم التمييز الاجتماعي بينهم، وإنهاء تقسيمهم على أساس الفقر والغنى ضرورة أنهم، في رأينا، يساهمون جميعاً - ولو بتفاوت - في إنتاج ثروة المجتمع. فالمنتج أحق الناس بريع انتاجه، اذ لا يستقيم عقلاً أو منطقاً و لا ينسجم و المجرى العادي للأمور، أن ينتج المنتجين الخيرات، ويستحوز على ريع انتاجهم و نتائج عملهم وكدهم وجهدهم، من لا ينتج مطلقاً، أو من يلعب دوراً ثانوياً في العملية الإنتاجية. في تقديرنا أن مبدأ العدالة الاجتماعية، يستجيب لنداء الإخاء الإنساني و أشواق الفطرة السوية المجبولة على خير البشرية، و يتطابق و ينسجم بالتالي مع قواعد العدالة الطبيعية.
    و في تقديرنا أيضاً، أن تعاليم الإسلام قد شكَلتَ في وقتها ثورة اجتماعية، زلزلت مجتمع ما قبل نزول الوحي وعصفت بالتقسيم الإجتماعي، السائد في مكة و ما حولها، و دشنت عهداً جديدا للمستضعفين والفقراء والأرقاء، في موجهة مستغليهم من الأرستقراطية التجارية. باعلانها ألا فضل لعربي على عجمي أو أبيض على أسود أو غني على فقير إلا بالتقوى، و ألغائها عمليا الفوارق الاجتماعية بين المسلمين، و مساواتها فعلياً بين الفقراء و الأغنياء، عملاً بنصوص القرآن و الحديث النبوي الشريف، فجذبت الدعوة إلي الدين الجديد المستضعفين من فقراء و أرقاء، وحفزتهم مبادئ المساواة وعدم التمييز بين الناس، وإلغاء الاضطهاد الاجتماعي والإقتصادي، إلي تحمل العبء الأكبر في الدفاع عن الدين الجديد، وعلى الصمود في وجه أرستقراطية قريش وآلة تعذيبها القاسية الفظة. وعلى المستوى التطبيقي لعملي رفعت تعاليم الدين الجديد مستضعفي و فقراء مكة كياسر و سمية و ابنهما عمار و عبد الله بن مسعود الأجير وبلال الحبشي و صهيب الرومي و وسليمان الفارسي و حباب بن الأرت ، إلي مرتبة و منزلة أبي بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، و غيرهم من تجار قريش و سادتها قبل البعثة. و شهدت الدولة الإسلامية منذ تأسيس دولة المدينة على يد رسول الله (ص) و طوال عهود الخلفاء الراشدين، تطبيقاً عملياً نموذجياً للعدالة الاجتماعية من حيث المساواة والعدل بين المسلمين. وفي اعتقادنا أن نظرة واحدة إلي إدارة بيت المال (يقابل وزارة الخزانة والمالية في لغة العصر ومستودع المال العام) ولتوزيع محتوياته على المسلمين بعدالة وسوية منقطعا النظير، و دون أدنى تمييز بينهم، تكفي للدلالة على سبق الإسلام لتطبيق المساواة و العدالة الاجتماعية. و في ذلك ترصد مصادر التاريخ الإسلامي كيف كان حرص الخلفاء الراشدين إلي إيصال الحق لأصحابه المسلمين كاملاً غير منقوصٍ و دون أي تمييز بينهم. و تذكر المصادر كيف خرج أبو بكر في أول عهد ولايته و على ظهره (جوالات) يتاجر لكسب قوته وقوت عياله وكيف اعترضه عمر و أحد الصحابة و صداه عن ذلك، وأقنعاه بضرورة التفرغ للخلافة على أن يؤمر له، بما يفي بحاجته وحاجة أهله من بيت المال مثله في ذلك مثل سائر المسلمين، لا يزيد ولا ينقص. وتذكر المصادر أيضا حرص بقية الخلفاء الراشدين، على إفراغ بيت المال من كل محتوياته بتقسيمها على محتاجيها من المسلمين حتى قيل أن عمر أو علي أو كليهما كانا يكنسانه ويناما فيه بعد تفريغه من محتوياته، بتوزيعها على مستحقيها.
    لاحظ الفرق بين حرص السلف الصالح على حراسة و حماية مال المسلمين و بالغ حرصهم على إيصاله لمستحقيه بالسوية، كاملاً غير منقوص، ثم تشددهم إزاء من تحدثه نفسه بالعبث أو التلاعب به، وبين تكالب نافذي حزب الزبير وحكومته على المال العام و تهالكهم على نهبه وسرقته جهاراً نهاراً، و تسابقهم على استباحة أكله بالباطل فيما يذهب بعضهم إلي تسميته بالـ "عضَة" و يتحصن البعض الآخر من مسئولية نهبه وسرقته ببدعة "التحلل"، ثم قارن بين الفريقين "مع الاستغفار على خطيئة المقارنة و إعلان التوبة النصوحة" تجد أولاً: لماذا يتحرج الإسلامويون من مجرد ذكر أمانة و استقامة و زهد الراشدين والصحابة، ثم تجد ثانيا: لماذا يبغض القوم فلا يطيقون، من يذكرهم بالعدالة والمساواة، اجتماعية كانت أم غيرها.


    أحدث المقالات
  • متى يخرج السودان من دوامة الفشل (1/3) ؟ بقلم نعماء فيصل المهدي
  • من الذي يتجرأ على تعديل نجيب محفوظ ؟! بقلم د. أحمد الخميسي. كاتب مصري
  • مسلسل تجديد العقوبات وبكاء الإنقاذ على أطلال العلاقات السودانية الأميركية
  • هل اللواء امن ادم الفكي والي جنوب دار فور منافق و مدعي و هل يملك مكتبا ملكا حرا في جنوب دار فور
  • أدركوا الآثار.. !!
  • استثمارات سعودية سوداء عفنة ثمننا لضحايا الحرب باليمن
  • هل يعود القتل للسياسات الوطنيه بالانتقال من التبعيه للشراكه :حالة العالم العربي
  • الحقيقة حول الأمن القومي الإسرائيلي بقلم ألون بن مئير
  • رفع العقوبات عن إيران... دراسة في الأسباب والنتائج
  • للمرافعة، إنتبهوا ..!! بقلم الطاهر ساتي
  • حضرنا ولم نجد القمة..!! بقلم عبد الباقى الظافر
  • إبداع و(رص)!! بقلم صلاح الدين عووضة
  • صناعة العجز «3» بقلم أسحاق احمد فضل الله
  • هنيئاً للسودان بأشباله بقلم الطيب مصطفى
  • كجبار أو قجري كوتنا لذكرى شهداء المحس شعر حافظ نعيم
  • ليز راولى , تهنئة للشيوعيين الكنديين!!! بقلم بدوى تاجو
  • مُشاركة في ندوة السدود التي أقامتها حركة تحرير كوش السودانية بالولايات المتحدة
  • معارك مقاومة السدود : الوعى.. التنظيم.. وهذا أو الطوفان!. بقلم فيصل الباقر























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de