كسب حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان والذي يرأسه الرئيس عمر البشير، بالأغلبية الميكانيكية تمرير قانون الانتخابات؛ بيد أنه خسر في ذات الوقت صدقيته وقدرته مستقبلا على طرح أي برنامج للوفاق الوطني ومساعدة البلاد على تجاوز حالة الاحتراب والتمزق والسيولة السياسية، فضلا عن امكانية الخروج من مأزق الأزمة الاقتصادية الخانقة التي لم تجد معها رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي ظلت مفروضة لأكثر من عقدين على البلاد. ففي الأربعاء الماضي أجاز البرلمان قانون الانتخابات لعام 2018، المثير للجدل في مرحلته الثالثة والأخيرة، رغم انسحاب عدد مقدر من الأحزاب السياسية والمستقلين (نحو 71 نائبا) احتجاجا على بعض بنود قانون الانتخابات. وجاء الاعتراض بسبب اعتقادهم بوجود ثغرات تسمح بالتلاعب في العملية الانتخابية وبلغت نقاط الخلاف نحو 28 نقطة خلافية. ومن أبرز هذه الاحزاب، حزب «المؤتمر الشعبي» وحزب «حركة الإصلاح الآن». وهما حزبان منشقان عن الحزب الحاكم على مدى العقدين الماضيين. والمثل السوداني يقول أن السلحفاة هي وحدها التي تعرف كيف تعض أختها وغيرها لا يستطيع ذلك بسبب ما تمتع به من جسم مصفح؛ فهل أدرك بالفعل حزب «المؤتمر الشعبي» وحزب «حركة الإصلاح الآن»، أن الحزب الحاكم يمكن أن يزور في الانتخابات من خلال تلك الثغرات محل الجدل والاختلاف، وإلا لماذا يضحي بهذه الخسارة السياسية الجسيمة؟. ليس هذا فحسب، فكل الأحزاب المعارضة المنسحبة والتي دخلت في توافق سياسي مع الحزب الحاكم عقب ما عرف بمؤتمر الحوار الوطني، تعتقد أن حزب المؤتمر الوطني نكص عن الالتزام بنتائح الحوار الوطني الذي استمر لأكثر من عامين كاملين. وكانت الخرطوم قد حشدت كل طاقاتها المادية والإعلامية للإعلان عن توصيات تلك المؤتمر، مما خلق حالة احتفالية غير مسبوقة بحضور 4 رؤساء دول وقائمة طويلة لممثلي عدد من الدول الأخرى والمنظمات الإقليمية في أكتوبر 2016. ووقع ممثلو الاحزاب وبعض الحركات المسلحة علي 993 توصية في ختام المؤتمر وأُعلن أن نسبة التوافق عليها تمت بنسبة 100%. وتناولت التوصيات ملفات الهوية والحريات والحقوق الاساسية والسلام والوحدة والاقتصاد والعلاقات الخارجية وقضايا الحكم والحوار. وكان من المنتظر أن تكون وثيقة الحوار الوطني ذات قيمة قانونية ودستورية بعد أن تتحول إلى تشريعات وقرارات وهذا ما يبدو أنه لن يتحقق في ظل إصرار الحزب الحاكم على فرض رأيه وتجاهل رأي من جنحوا للحوار والوفاق. رغم أن أهم ما جاء في الوثيقة أن اجازة القوانين ذات الصلة بالعملية السياسية لا تتم إلا بالتوافق السياسي بين مكونات احزاب الحوار الوطني. لقد دقّ الحزب الحاكم آخر مسمار في نعش «الحوار الوطني» المزعوم. وباجازة قانون الانتخابات بهذا العسف، وهو القانون الذي يرسم الخريطة السياسية لفترة ما بعد انتخابات 2020، يكون حزب المؤتمر الوطني قد أهدر عدد ثلاثة وعشرين اجتماعاً للجنة الوفاق التي شُكلت من القوى السياسية لبحث نقاط الخلاف في مشروع قانون الانتخابات ولأن تلك الأحزاب المعترضة لم تنسجب إلا في الخطوة الأخيرة قبيل اجازته فإن ذلك يعتبر دليلَ حرص وجدية من جانبها على الوصول إلى توافق مع المؤتمر الوطني. الأغلبية الميكانيكية البرلمانية منتج عكف الحزب الحاكم على صناعته ببراعة ولم يكن نتاج انتخابات حرة ونزيهة. وتؤكد الأغلبية الميكانية بهذه الصورة أن شرعية الدبابة التي أصبحت واقعا منذ 1989 لا تزال ماثلة. لقد كرس الحزب الحاكم نهجه الاقصائي والاستبدادي مؤكدا على تمرير كافة القوانين بصورة انفرادية رضي من رضي وأبى من أبى ومن لا يعجبه يشرب من البحر المالح.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة