الحلقة الخامسة الإنسان في الحضارة الغربية الباب الثاني الحياة الفصل الثالث متعددة الخلايا
يقدر العلماء، أن الكائنات متعددة الخلايا ظهرت منذ حوالي 800 مليون سنة.. وقد ظهر للعلماء أن الكائنات الحية المرئية من بشر وحيوانات ونباتات، هي محصلة لتعاون عشرات بل مئات مليارات الخلايا المنفردة.. "وتتراوح أعداد خلاياها من العشرات في الكائن الواحد إلى مئة ألف مليار () خلية في الإنسان، ومئة مليون مليار () في الحوت الكبير، وتعمل كل هذه الخلايا في تناسق وتناغم لمصلحة هذا الكائن الواحد".. (3 ص 114).. وهذه الخلايا، تخصصت في وظائفها تخصصاً عالياً لدرجة أن أيا منها لم تعد قادرة على الحياة منفردة.. ولنعطي تصوراً لعدد الخلايا، في الكائن الواحد.. نذكّر أن خلايا الإنسان الواحد، تقدر، بمائة ألف مليار خلية!! أما الحوت الكبير، فخلاياه تقدر بمئة مليون مليار خلية!! وجميع هذه الخلايا منفصلة عن بعضها، ومتصلة ببعضها، ولكل منها حياتها الخاصة، ولكنها لا تستطيع أن تعيش إلا بالتعاون مع الخلايا الأخرى، لأنها متخصصة في وظائفها. وكل كائن حي، من متعددة الخلايا هذه، يبدأ كخلية واحدة (بويضة مخصبة بحيوان منوي).. ففي الكائنات متعددة الخلايا، تنقسم الخلية الواحدة إلى اثنتين، ثم تنقسم الخليتان إلى أربع خلايا، والأربع إلى ثماني، وتزيد الأعداد في تضاعف متتالي، إلى 16، ثم 32، ثم 64، وهكذا.. وبعد عشرين تضاعف فقط يزيد عدد الخلايا عن الترليون!! أما بالنسبة للكائنات وحيدة الخلية، فتنفصل كل خلية، من هذه الأعداد الهائلة، مكونة كائناً قائماً بذاته. مما يميز الكائنات متعددة الخلايا هو أن خلاياها الناتجة عن الانقسامات المتتالية، تكون متصلة، وتتخصص كل مجموعة منها للقيام بوظيفة معينة للكائن.. وقد تطلب هذا نشأة عدد من الظواهر البيولوجية شديدة التعقيد، التي أدت إلى وصول الحياة على الأرض، إلى الشكل الذي وصلت إليه.. ونذكر من هذه الظواهر: 1/ نشأة نظام لإنتاج الغذاء والطاقة داخل الخلية (التمثيل الضوئي في النباتات والميتوكوندريا في الحيوانات).. وذلك بدلاً من الحصول على الطاقة من التحليل الكيميائي المباشر لمواد الوسط المحيط.. وهذه المواد قد تتوفر أو لا تتوفر. 2/ ظهور آلية التكاثر الجنسي، وسيادته على التكاثر اللاجنسي.. والتكاثر الجنسي يحقق محافظة أفضل على النوع، وذلك نتيجة لاختلاط المادة الوراثية من الأب والأم. 3/ عند الانتقال من وحيدات الخلية إلى عديدات الخلايا، نشأت ظاهرة تخصيص كل مجموعة من خلايا الجسم في أداء وظيفة معينة، كأن تصبح بعضها خلايا دم، وبعضها خلايا عصبية، وهكذا.. وبذلك ظهرت أجهزة متخصصة لأداء كل وظيفة بشكل أفضل للكائن الحي.. ورغم هذا التخصيص، تحتفظ كل خلية بالنمط الجيني الكامل للكائن الحي، الأمر الذي جعل الاستنساخ (الكلونة) ممكناً!! 4/ ظهور النظام العصبي الكيميائي، وهو نظام يربط بين أجهزة الكائن الحي العضوية بعضها ببعض _جسم الكائن الحي والبيئة المحيطة به_ الجانب العضوي والجانب النفسي للكائن الواحد. 5/ تطوير جهاز المناعة الحاجب، حتى أن خلايا الجهاز المناعي تخصصت على نحو يفوق تخصص أي خلايا أخرى في الجسم.. وهذه الخلايا تخاطب بعضها بعضاً.. وهي تستطيع أن تتعرف على الأجسام والخلايا التي لا تنتمي إلى نفس الكائن (self-non) ويتم هذا التخاطب والتعرف بواسطة أعضاء متخصصة تعرف بالمستقبلات (Receptors).. كما تحتفظ خلايا الجهاز المناعي بمعلوماتها في ذاكرة قوية للغاية تعرف باسم (الذاكرة الخلوية) وهي أكثر حدة وأكثر تخصصاً من ذاكرة الدماغ (Brain Memory). 6/ ظاهرة الموت: كانت الكائنات الأولية تتكاثر بالانقسام المتتالي، ولا تعرف الموت إلا إذا أصابها عامل مميت من البيئة المحيطة (أي أنها لا تعرف الموت المبرمج)!! وحتمية الموت ضرورية للحفاظ على الكائنات عديدة الخلايا، بل للحياة على الأرض ككل.. فالموت يحقق ما يلي: أ/ استبعاد الأفراد الهرمة، أو التي ظهرت فيها طفرة ضارة. ب/ إفساح المكان لأفراد جدد.. فلو أُتيح البقاء لكل الأفراد الذين يكونهم أنثى نجم البحر مثلاً _وهي من الرخويات_ فإن نجوم البحر الناشئة ستملأ المحيط الأطلسي بكامله، بعد سبعين عاماً. ج/ إعادة تدوير مواد الطبيعة التي تنطلق من عدد ثابت من الجسيمات تحت الذرية لسد حاجات الكائنات الجديدة. د/ يتم تجديد الكثير من أعضاء الجسم عن طريق موت بعض الخلايا، كما يحدث من اختفاء الأغشية الجلدية بين أصابع الجنين لتشكيل هذه الأصابع. ونحن لنا للحديث عن الموت عودة، فهو ضروري جداً للحياة وتطورها البيولوجي والروحي!! الانفجار الأحيائي الكبير Biological Big Bang)): بعد نشوء الحياة، وتطورها في أشكال الأحياء المختلفة، حدث ما عُرف بالانفجار الأحيائي الكبير.. وكان ذلك فيما عُرف بالعصر الكمبري _نسبة لمرتفعات كمبري في ويلز بإنجلترا، حيث وجدت أولى حفريات هذا العصرـ وكان هذا منذ حوالي540 مليون سنة.. وفي هذا العصر ظهرت معظم الكائنات الحيوانية المعروفة اليوم، في فترة تمتد من 5 إلى 10 ملايين سنة.. ويلاحظ أن حوالي 90% من الكائنات التي ظهرت في العصر الكمبري قد انقرضت، ولم يعد لها وجود على سطح الأرض. ولقد توج تطور الحياة على الأرض بالكائن البشري، كخلاصة وقمة لتطور الحياة على الأرض. يلخص هويمارفون ديتفورت القضية بقوله: "لقد مر منذ الانفجار الكوني الأول وحتى اليوم، حسب الاعتقاد الذي توصلنا إليه في هذا الكتاب، حوالي 13 مليار سنة.. أكثر من نصف هذه المدة، أي حوالي 8 مليارات سنة، مضت حتى أدت تحركات الأجيال المختلفة من النجوم إلى تشكل العناصر التي يتكون منها عالمنا اليوم، وحتى تشكلت أخيراً مجموعتنا الشمسية بما فيها الأرض. قبل حوالي 4.5 مليارات سنة كان تبرّد القشرة الأرضية قد وصل إلى درجة تمكنت معها المحيطات والغلاف الجوي الأول من النشوء وبدأت فيها بالتالي العمليات التي سميناها مرحلة التطور الكيميائي.. قبل حوالي 3.5 مليارات سنة نشأت على الأرجح الخلايا العديمة النواة الأولى.. أما تطور الكائنات الحية الأعلى المتعددة الخلايا فقد بدأ بعد ذلك بحوالي 3 مليار سنة، أي أنه قد بدأ قبل حوالي 600 إلى 700 مليون سنة من الوقت الحاضر. جميع هذه الأرقام هي بالطبع أرقام عامة لكنها صحيحة على الأرجح بالخطوط العريضة على الأقل.. نحصل من ذلك على استنتاج غير متوقع وهو أن تطور حياة وحيدات الخلية قد استمر فترة يزيد طولها أربع إلى خمس مرات عن الفترة التي احتاجها التطور للوصول من متعددات الخلايا البدائية الأولى في المحيطات الكامبيرية إلى البرمائيات إلى ثابتات الحرارة وحتى الإنسان. لقد استغرقت الطبيعة لتطوير عملية انقسام النواة المعقدة ما لا يقل عن مليار سنة.. وتنطبق على الأرجح، أرقام مماثلة على الانتقال من الخلايا العديمة النواة إلى الخلايا الأعلى المحتوية على نواة، وعلى تطوير عملية التركيب الضوئي وعلى اكتساب القدرة على تنفس الأوكسجين.. تبعاً لذلك كنتيجة لظروف الحوار بين الحياة والمحيط والتي كانت تعكس بعضها كصور المرآة ـ فإن الكوارث التي تحدثنا عنها في الصفحات السابقة كانت تجري بسرعة التصوير البطيء. مليار سنة لإنجاز انقسام النواة.. وزمن طويل مماثل لإنجاز عملية التركيب الضوئي بصورة جيدة وكاملة.. ثم (فقط) 600 إلى 700 مليون سنة لقطع الطريق الطويل من متعددات الخلايا اللافقارية الأولى إلى الإنسان!!" (2 ص 165)..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد الفاتح عبدالرزاق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست