بحزن عميق وعبرات طوال طوى الموت الشيخ عوض عريبى الذي ظل في المستشفى معتمدا على الله اولا وعلى المساعدات الطبية لاكثر من ربع قرن. ودع نيويورك ابنها البار عوض الذى فارق الحياة في صباح السبت التاسع من سبتمبر الماضى في المستشفي في منهاتان . فارق الحياة بعد صبر يعجز الخيال عن وصفه ودعت نيويورك عريبى وهي باكية حزينة بالم وفراق يعتصر الجميع وكان هذا واضحا في التجمع الضخم الذي جاء ليودع عوض الفقد العظيم للجالية . لماذا لان عوض كان رمزا ----كان معلما( بتشديد العين ) ---- معلما ---- كان " تكية" --- كان عطرا يفوح في الاماكن وكان رائحة طيبة ذكية يشمها كل من جلس اليه وجلس معه وجلس به وجلس بينه . تعالوا معى نتأمل هذه المعانى التي تركها عوض : كان رمزا في الصمود والصبر والشمم ---- عندما تذهب اليه تحس بالتضاءل بالصغر وتحس بانك امام جبل عظيم ----مبنى شاهق لا يطوله احد ولا يقدر ان يقف امام امامه --- كان صبره وشموخه يضعف كل من ذهب اليه --- كانت ابتسامته الوضيئة تبكى كل من جلس معه واليه . وهذا هو الاحساس الذي انتبانى عندما ذهبت اليه المرة الاولي منذ حوالى العقدين من الزمان وهو نفس الاحساس الذي خالجنى عندما ذهبت اليه هذا العام مع الزميلة لينا يعقوب ( صحيفة السوداني ) وام العيال الاستاذة خالدة ابراهيم . والابنة لميس . كان عوض معلما بارزا من معالم هذه المدينة . يذهب اليه بين الفينة والاخرى كل من هو مقيم كل من هو زائر كل من هو طالب وكل من هو "مطلوب" لعمري دعوته مستجابة . كان القمة الشامخة التي تشرف الانسان السودانى في كل مكان يكفى ان تذهب اليه وتجد معه مختلف الجنسيات وهو فى نفس الحالة انشراح وانفتاح واندياح وتماهي وتأخي . كل المدن تفخر بمعالمها ونحن كنا نفخر بعوض عريبي لماذا لان عوض رغم مظاهر الضعف التي تحيط به من كل جانب كان قويا ---- كان شامخا ----كان عاليا ---- كان معلما لذلك مهما اعطتك الدنيا عندما تذهب الي عوض تحس بانك لاشئ تحس بانك العبد الفقير الذي لايملك من حطام الدنيا شئ " بعض كبار المسئولين السودانيين كان يأتى اليه مباشرة من المطار سرا " . معالم المدن ---- تنتهى بانتهاء المدن . اذا خلدت المدن وبقت الى اخر الزمان فهى في النهاية تنتهي بنهاية الفانية . ولكن معلم نيويورك عوض عريبى لم ينتهي بالموت لانه انتقل الى اخر " برزخى " تزول فيه كل معدات التنفس الاصطناعى وتعود الحياة " البرزخية" تمهيدا للحياة " السرمدية " وهذا هو الفوز العظيم . عندما كنت تجلس امام عريبى تحس بان الدنيا لاتساوى عند الله جناح باعوضة .كانت قوته اتية من شخصيته الفذة ونفسه الكبيرة وتلك القوة في الصبر والثبات التي منحه الله اياه بعد اختاره واصطفاه لهذا البلاء البلاء العظيم فتقبله بتسليم ورضا وحمد يبدأ في الصباح الباكر بالقرأن وينتهى في في نهاية اليوم بالقران . كان عوض معلما ومدرس ---- وكان عالما صحيح انه لايملك "سبورة" او "طباشير" ولكن كل دقيقة معه تساوي كتب الدنيا " لمن يفقه او يعقل " كانت بسمته الصادقة البيضاء كانت تساوى ارقى المحاضرات كيفية الاذعان والتسليم بقضاء الله وقدره الذي لامفر منه . كان عوض يعطى هذه الدروس دون مقابل . قال لى الاستاذ عبدالرحيم منصور " وهو بالمناسبة استاذ بالمهنة " كان يقول لي اننا كنا نذهب اليه لانفسنا اى لكى نتعلم منه الصبر والثبات وقوة الايمان . لذلك كان عوض يعطى هذه الدروس وهو " صامت " وهو "متحدث " وهو " مصلي " وهو " راكع " وهو "ساجد" للحى القيوم بالمناسبة حفظ عوض اكثر من سبعة اجزاء من القران الكريم . كان عوض عريبى رائحة طيبة ذكية تعطر كل من حوله ---- وكانت هذه الرائحة تدلف الى القلب بدون ان تحملها ريح وكان تفوح فى كل مكان يجلس " لان الابتسامة البيضاء المضيئة لاتفارق هذا الثغر " وكان العبير يفوح فيملا الارض والكون الفسيح --- تحس حينها ان الرائحة لاتأتى من الارض ولكنها ربما من الفردوس الاعلى . الرائحة دليل على الصدق والجلد والصبر والتسليم المطلق بقضاء الارض النافذ فى الارض لا محالة وهي ايضا دليل على ان ارادة المولى متى تشاء وكيف تشاء هى الغالبة . لذلك كان رحيل عوض عريبى هو " الانتباهة" التى ايقظت الكل من الثبات العميق ----- وصدق من قال ان الموت هو بداية الحياة --- لا يعرف المرء قدره الحقيقى والتي هو ذاهب الا عندما يأتى ملك الموت ويدعوك الى هذه الرحلة الابدية اما الى جنة او الى نار. لذلك تقاطر السودانيين وامتلا مسجد الاحسان عن بكرة ابيه لان موت عوض نبه الكل المرض لايقتل وان الكبر ليس معناه الاقتراب من القبر ولكن اجل الله اذا جاء لايقدم ولا يؤخر وان. ان رحيل عريبى بعد ربع قرن فى سرير المرض دليل على ان الصبر هو مفتاح الفرج . وان العمل الحقيقى هو عمل الاخرة وان الدنيا لاتساوى عند الله جناح باعوضة . لذلك كانت حياة عوض ومماته عبرو عظة وكان معلما وكان معلما لكل من بقى معه من اهله وكل من زاره فى هذه السنوات الطوال . وضع الله عريبى واختاره من جميع خلقه لهذا الامتحان الصعب الذي امتد الى اكثر من عقدين من الزمان ولاشك انه اجتاز الامتحان بنجاح وتفوق والدليل على ذلك تلك الابتسامة الدائمة والحمد الذي لاينقطع . لانملك ان نقول اللهم لاتحرمنا اجره و لاتفتنا بعده وادخله جنة الفردوس بصبره ورحمتك فانت ولى ذلك والقادر عليه وانا لله وانا اليه راجعون . صلاح ادريس – كاتب صحفي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
صلاح ادريس
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست