تثور الشعوب لأسباب مختلفة تتعلق بالاوضاع السياسية في كل بلد، قد تكون الأسباب اقتصادية كما في نموذج السترات الصفراء، وقد تكون الأسباب سياسية كما حدث في الجزائر وقد تكون اقتصادية سياسية وهو نموذج السودان، من جهة أخرى ظاهرة عدوى الثورات ظاهرة عرفتها الشعوب، حيث تبدأ في مكان ثم تنتقل من بلد لآخر نسبة لتشابه الظروف وليس بالضرورة الجوار . كما تسبب هذه الثورات في حالة من الازعاج والقلق في الدول المجاورة ذات الأنظمة المشابهة وفي حالة الثورات التي تحدث في اوقات متقاربة كما هو الحال في الحالة الماثلة الآن يحدث ان تتأثر كل ثورة بما سبقتها سواء في الشعارات، أو المطالب، او غيرها من السمات التي تتميز بها. في وقتنا الحالي شهدت الفترة الماضية خلال الربع الأخير من العام ٢٠١٨ والربع الاول من العام ٢٠١٩ ثلاث ثورات في قارتين مختلفين الأولى هي ثورة السترات الصفراء في فرنسا ولا زالت مستمرة حتى الآن رغم تحقيق مطالبها بالغاء الزيادات الضريبية على العاملين ، تلاها ثورة التاسع عشر من ديسمبر في السودان التي بدأت بمطالب ترتبط بغلاء المعيشة وانعدام بعض السلع مثل الخبز والوقود والنقد في البنوك ثم تحولت إلى مطالبة بإسقاط النظام بكامله الذي استمر لمدة ثلاثون عاما، ولا تزال الاحتجاجات مستمرة. و في شهر مارس من العام ٢٠١٩ اندلعت احتجاجات في الجزائر تطالب بعدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، حيث استمر رئيسا للبلاد لعشرين سنة، وفي السنوات الأخيرة أصبح عاجزا عن القيام بمهامه بسبب المرض ورغم ذلك استمر في المنصب كرئيس. احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا حققت هدفها حيث استجاب الرئيس ماكرون للمطالب التي اندلعت بسببها الاحتجاجات، واعتذر الرئيس ماكرون علنا للمحتجين، ولكن رغم ذلك استمرت الاحتجاجات ولأن حكومة ماكرون حكومة ديموقراطية منتخبة في ظل نظام ديموقراطي فلم يكن هناك مجال للمطالبة بذهاب الحكومة او الرئيس واقتصر الأمر على المطالب بإصلاح الأحوال الإقتصادية للمحتجين وهم الطبقة العمالية. اخذت الاحتجاجات السودانية من السترات الصفراء الاستمرارية والمثابرة ، والاحتجاجات في كل مكان تقابل عادة بشرطة مكافحة الشغب، وتختلف الطريقة التي تتعامل بها هذه القوات من بلد لآخر، ففي فرنسا كان تعامل الشرطة مع المحتجين في حدود ما هو مسموح به في بلد ديموقراطي، الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، فلم يتم استخدام الرصاص الحي او العنف المفرط. واما تعامل الشرطة الجزائرية كان أرقى في عمومه مع المحتجين بشهادة كل من شاهد الاحتجاجات على أجهزة الإعلام، وقد استفاد المحتجين الجزائريون من أسلوب الثوار االسودانين السلمي والإصرار على التمسك بالسلمية التي أخذها المحتجين شعارا لهم مثل السودانيين . اما الأجهزة الامنية السودانية ولا نقول الشرطة حتى لا نحملها كل الوزر فقد استخدمت كل الاساليب القمعية بما فيها القتل مع المحتجين ونالت أشد الادانات في الداخل والخارج، فقد سقط اكثر من خمسين شهيدا حسب منظمات حقوق الإنسان، وأكثر من ستين شهيد حسب المعارضة ومئات من المصابين، وآلاف المعتقلين، وشمل الضرب المبرح للمحتجين الذي مارسته القوات الامنية المتظاهرات من النساء ولم يسلمن من الضرب بلا رحمة. ومن حيث تحقيق المطالب فقد استجاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لمطالب المحتجين وأعلن انسحابه من الترشح مع تأجيل الإنتخابات المزمع اجرائها في أبريل القادم، مع القيام بتعديلات واصلاحات واسعة على جهاز الدولة وأن حوارا سيجري يضم كل المكونات والفعاليات السياسية في البلاد للخروج برؤية ترضى كل الأطراف، ولكن رغم ذلك استمرت الاحتجاجات تطالب الرئيس بوتفليقة ان ينهي ولايته في موعدها في أبريل ولا يتجاوزه، أما في السودان فلم تتم الاستجابة لمطالب المحتجين إذ استمرت الاحتجاجات حتى اليوم، ويصر المحتجون على مطلبهم مهما حدث وانهم سيستمرون في الاحتجاج حتى يتحقق مطلبهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
د.الصادق محمد سلمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست