التحكم في خور بركة : بين المستحيل و الممكن ! قضايا المياه وبدائل التنمية بولاية البحر الأحمر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 07:13 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-29-2017, 11:16 PM

د. عمر محمد علي أحمد
<aد. عمر محمد علي أحمد
تاريخ التسجيل: 07-21-2016
مجموع المشاركات: 10

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التحكم في خور بركة : بين المستحيل و الممكن ! قضايا المياه وبدائل التنمية بولاية البحر الأحمر

    10:16 PM August, 30 2017

    سودانيز اون لاين
    د. عمر محمد علي أحمد-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر



    المقدمة:
    لقد ظل الفقر المائي Water Stress سمة ملازمة للمناطق الحضرية بولاية البحر الأحمر كما هو أهم كوابح التنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، عند القاعدة العريضة من مواطني الولاية المنتشرين علي الساحل وفي المناطق الجبلية.
    لهذا هناك إجماع عند أهل الولاية وفي أوساط المهتمين بقضايا التنمية البشرية بان شح المياه يشكل سبباً قائماً بذاته لانسداد الآفاق ولاستدامة حالة الفقر.
    لقد بلغ اليأس بقطاع واسع من فقراء الريف القدر الذي رسّخ في دواخلهم أن شح الموارد الزراعية هو قدرهم الذي لا فكاك منه فباتوا يسألون الله تعالي اللطف .. أما سكان الأطراف في مدينتي بورتسودان وسواكن فهم ليسوا بأحسن حالاً من سكان الريف. أنهم يقتطعون قدراً غير يسير من دخولهم – وهي أصلاً متدنية – لشراء الماء خصماً علي متطلبات الحياة الأخرى كالغذاء والصحة والتعليم. تستحكم أزمة الماء عادة في الأحياء الطرفية في أشهر الصيف عندما تبدأ الحنفيات – أن وجدت – في الشخير المرعب!
    أن الحديث عن التنمية في ظل شح الماء – الذي جعل الله منه كل شي حي – حديث بلا معنى، كما أن إطلالة مدينتي سواكن وبورتسودان علي العالم الخارجي عبر البحر الأحمر ميزة تفقد قيمتها لدى المستثمرين كيفما كانت خياراتهم ومهما كانت إمكاناتهم.
    مصادر المياه في ولاية البحر الأحمر:
    أن أهم مصادر المياه في الولاية هي الأمطار فهي التي تغذي الأودية والخيران والمخزون الجوفي. لقد تباينت قراءات الأمطار التي تحصلنا عليها ولذلك أخترنا منها المتوسط وهو يتدرج نزولاً من 235 ملم/ السنة في أقصى جنوب الولاية إلي 50 ملم/ السنة في مثلث حلايب، بهذه المعدلات المتواضعة تصنف الولاية في مجملها ضمن الإقليمين شبه الصحراوي في جنوبها والصحراوي في شمالها. يتضح هذا التصنيف بصورة أكثر جلاءً إذا ما عبرنا الجبال إلي القطاع الغربي السهلي من الولاية. في شمال هذا السهل تسود صحراء النوبة الجرداء وفي جنوبه تتمدد صحراء العتمور التي تتحول إلي شبه صحراء كلما اتجهنا جنوباً نحو نهر عطبرة. رغماً عن سيادة الإقليم الصحراوي وشبه الصحراوي فإننا نلاحظ إعتدال المناخ في المناطق الجبلية والهضاب. تمثل جبال البحر الأحمر امتداداً للذراع الغربي للأخدود الإفريقي العظيم . شأنها شأن المناطق الجبلية والساحلية في معظم أقاليم العالم تتأثر ولاية البحر الأحمر من حيث المناخ بجبالها وبموقعها الساحلي مما يخرجها من التصنيف الحرفي للأقاليم الصحراوية. أن قراءة الخريطة الكنتورية للولاية تكشف لنا بوضوح أن القطاع الغربي منها يتدرج في صعود هادئ ورتيب من وادي النيل. يبدأ الصعود من خمسمائة متر فوق سطح البحر الأحمر إلي أن يصل إلي ألف متر عند أعلي القطاع مسمار – هيا من خط السكة الحديد ثم يتواصل إلي ألف متر ثم إلي ألف وخمسمائة متر في وسط الجبال. أما القطاع الشرقي من الجبال فهو يبدأ بطبيعة الحال من مستوى الصفر عند ساحل البحر الأحمر ليرتفع بضعة أمتار في السهل الساحلي الضيق نسبيا في شماله. من السهل الساحلي يبدأ الصعود في قفزات متتالية تبدأ بمائتي متر فوق سطح البحر ثم يتواصل الصعود إلي خمسمائة متر ثم إلي ألف متر والي ما فوق ألف وخمسمائة متر في الكتل الجبلية الأربعة التي تتوزع في النصف الأسفل من جبال البحر الأحمر. تقع الكتلة الأولي في أقصى الجنوب عند الحدود الدولية مع دولة اريتريا وفي موقع ليس ببعيد من ناحية الغرب من قرية قرورة. تقع الكتلة الثانية في عمق الجبال وعلي بعد تسعين كيلو متر إلي الغرب من مدينة طوكر. أما الكتلة الثالثة فهي عبارة عن سلسلة من الجبال تتمدد إلي الغرب من محور سنكات – جبيت. أخيراً نجد الكتلة الرابعة وموقعها في اتجاه الشمال الغربي من مدينة بورتسودان. يلاحظ أيضاً أن هناك عدة جبال شاهقة وتوجد أعلى قمة علي جبل هامويت Hamoyet الذي ينتصب في الكتلة الجبلية غرب قرورة إذ ترتفع قمته إلي 2764 متر فوق سطح البحر وهي ثاني أعلى قمة في السودان بعد قمة جبل مرة. أردنا بهذا الوصف أن نصل إلي خلاصة مفادها أن جبال البحر الأحمر في مجملها وبموقعها الساحلي تقف حائطاً في وجه الرياح الشمالية الشرقية العابرة للبحر الأحمر وبذلك تصبح مصيدة للرطوبة التي تحملها تلك الرياح في فصل الشتاء وتعتصرها لتهطل أمطاراً علي الجبال وعلى الساحل. ليست تلك الأمطار بالغزيرة فالمسطح المائي الذي تعبره الرياح – وهو البحر الأحمر – مسطح ضيق إذ يتأرجح عرضه حول المائتي كيلومتر أما الرياح الجنوبية الغربية التي تهب صيفاً فبعد رحلتها الطويلة من جنوب المحيط الأطلنطي عبر السهول السودانية الممطرة جنوباً والجافة شمالاً فغالباً ما تصل إلي جبال البحر الأحمر وهي منهكة وقليلة الرطوبة. رغماً عن ذلك ففي مواسم الخريف التي يصعد فيها الفاصل المداري إلي وادي حلفا شمالاً – كما حدث في هذا الموسم (2014) فان الأمطار تهطل في ولاية البحر الأحمر بغزارة اشد كما تشهد السيول التي تدفقت. تنحدر تلك السيول نحو الساحل والبحر الأحمر في شرق الولاية أو نحو نهر النيل في غرب الولاية وهي المسئولة عن الدمار الذي لحق بكثير من القرى بولاية نهر النيل.
    من بين الخيران التي تنحدر من جبال البحر الأحمر يحظى خور أربعات بأهمية كبرى لكونه يمثل المصدر الرئيس لمياه بورتسودان. لهذا يستحق أن نتوقف عنده لنسلط عليه بعض الضوء.
    خور أربعات : ينحدر خور أربعات من الجبال الواقعة في إتجاه الشمال الغربي من مدينة بورتسودان ويصب في شمالها مكوناً دلتا صغيرة. يُعرف عن هذا الخور انه يتبوأ المرتبة الثانية بعد خور بركة من حيث الايراد المائي. نستطيع إدراك هذه الحقيقة إذا ما علمنا أن منابع هذا الخور العليا تنحدر من أحدى الكتل الجبلية العالية التي سبقت الإشارة إليها. يفوق ارتفاع هذه الكتلة 1500 متر فوق سطح البحر. تشمخ قمتان في هذه الكتلة وهما جبل باواتي Bawati وتصل قمته إلي 1726 متر وجبل أودا Oda وترتفع قمته إلي 2246 متر.
    نلاحظ من قراءة الخريطة أن وادي اوكو Oku ينحدر من ذات الكتلة الجبلية ويتجه شمالاً نحو مثلث حلايب بينما يتجه خور أربعات إلي المنطقة شمال غرب بورتسودان. تحصلنا علي بعض المعلومات عن خور أربعات من ورقة منشورة علي الشبكة وهي من إعداد الباحثان الدكتور/ محمد الطاهر حسين والدكتور حسين عوض المحاضرات بشعبة الجيولوجيا بجامعة الملك سعود. نُشرت الورقة تحت عنوان:
    Integrated Water Management: Plan to Face Development Challenges in Eastern Sudan أي ما يعني: "الإدارة المتكاملة للمياه: خطط لمواجهة تحديات التنمية بشرق السودان". نشرت هذه الورقة مجلة "المياه الدولية" "Water International"، أما الحقائق التي تهمنا في سياق هذه الدراسة فهي:
    • تبلغ مساحة المستجمع Catchment area لحوض أربعات 4375 كيلومتر مربع.
    • يبلغ متوسط الإيراد السنوي عشرة مليون متر مكعب.
    • يبلغ عمق دلتا خور أربعات ثلاثين متراً.
    • يصل عمق المياه الجوفية إلي عشرة أمتار.
    • تقدر التغذية السنوية للحوض الجوفي ب 13,5 مليون متر مكعب.
    • تبلغ درجة الملوحة في المياه 920-2100 ملي جرام/اللتر.
    مياه سواكن وبورتسودان:
    ونحن نتناول موضوع المياه في ولاية البحر الأحمر لعله من المناسب أن نستعين ببعض الاضاءات التاريخية لنعرف من خلالها الدور الذي لعبته المياه في نشأة مدينتي سواكن وبورتسودان، ولنتعرف علي جذور الأزمة المائية التي تواجهها المدينتان .. ولنبدأ بمدينة سواكن الأكثر عراقة.
    تناول المؤرخ نعوم شقير في كتابه الموسوعي جغرافية وتاريخ السودان (طبعة 1967 دار الثقافة – بيروت) تناول تاريخ بعض المدن السودانية.
    عن تاريخ نشأة سواكن يقول المؤرخ في الصفحات (121 – 124). " في الواقع لا يعلم أحد زمن تأسيسها ولكن التاريخ يدلنا أنها كانت مركزاً تجارياً مهماً منذ عهد البطالسة علي مصر وان بطليموس فيلا دلفوس جعلها مخزناً لسن الفيل!".في موقع أخر يذكر المؤرخ شقير "فتح السلطان سليم العثماني سواكن في عام 1520 الميلادي وظلت تابعة للدولة العلية يتولاها حكام من قبل والي الحجاز إلي أن تنازل عنها الباب العالي لمصر في سنة 1866"
    عن المياه يقول نعوم شقير:-
    " .. وليس في سواكن نبع ولا نهر ويشرب أهلها من ماء المطر. كانوا قديماً يخزنونه في صهريج كبير في مكان جنوبي القيف (أي الرصيف) يعرف بالفولة. بنى لهم ممتاز باشا سداً من تراب علي بعد ميل من القيف لحبس مياه الأمطار (المنحدرة) من الجبال المطلة علي سواكن فاستغنوا به عن الفولة وعُرف مكان السد "بالشاطة". لما كثر العساكر مدة (فترة) الثورة المهدية لم تعد مياه الشاطة تكفيهم فاتت حكومتها بالة بخارية لتقطير مياه البحر تُعرف (بالكندسة) وجعلت توزع منها الماء علي الجيش والأهالي حتى إنتهت الثورة المهدية وبرح الجيش سواكن فأبطلتها واقتصر الأهالي علي الاستسقاء من الشاطة كانت "الكندسة" موضوعه في شبه جزيرة شمالي سواكن تعرف بجزيرة الشيخ عبد الله وهو مدفون فيها وله قبة تزار.
    يضيف المؤرخ قائلاً ( .. إلي شماليها – أي إلي شمال سواكن – يوجد مقام شهير للشيخ برغوت. أعتاد البحارة كلما مروا بمقامه أن يلقوا دلواً من مائهم في البحر سلاماً له، وإذا لم يفعلوا ذلك تشاءموا من سفر البحر).
    نلفت نظر القارئ الكريم إلي ثلاثة أمور في هذا الاقتباس وهي :ـ
    (1) مفردة " الكندسة التي أستخدمها المؤرخ ما هي إلا الـ the Condenser بالإنجليزية التي تعني مكثّف – أي ماكينة التقطير – لمياه البحر بعد درجة الغليان. بهذا المعنى تصبح ماكينة "الكندسة" الجيل الأول لمصانع تحلية مياه البحر التي تعتمد عليها حالياً بعض دول الخليج بنسبة عالية في التزود بالمياه العذبة.
    (2) يبدو أن هذه الماكينة كانت كبيرة الحجم وذلك بالقدر الذي يزود الأهالي والعسكر بمياه الشرب.
    (3) أن دفق البحارة العابرين بالقرب من ضريح الشيخ برغوت المياه العذبة بمقدار دلو يحمل دلالات عن القيمة الروحية والمادية العالية للماء عندهم.
    أهمية خور أربعات في نشأة بورتسودان:
    وثّق عالم الجغرافيا البروفسير مصطفي خوجلي لنشاة بورتسودان. في سياق هذا التوثيق ذكر البروفسير خوجلي أن من بين أهم العوامل التي شجعت الإدارة البريطانية علي إنشاء ميناء حديث عند مرسى الشيخ برغوت – وهو ميناء بوتسودان – كان توفر المياه من مصادر قريبة وبالكميات الكافية لسد حاجة البواخر والتمدد العمراني المرتقب. أورد البروفسير خوجلي هذه المعلومة في ورقته بالإنجليزية بعنوان: "ميناء بوتسودان: التنمية والمعوقات" نُشرت الورقة ضمن مجموعة من الأوراق العلمية التي أعدها أكاديميون وباحثون ببريطانيا. نُشرت تلك الأوراق في كتاب صدر عن الناشر ماكميلان تحت عنوان: "الموانئ البحرية والتنمية في إفريقيا المدارية" وهو بالإنجليزية:
    "Seaports and Development in Tropical Africa". عن تاريخ نشأة مينائي سواكن وبورتسودان يذكر البروفسير خوجلي أن ميناء سواكن ظل يمثل أهم المواني البحرية السودانية منذ القرن العاشر الميلادي وحتى بداية الحكم الثنائي.
    لهذا أمتد الخط الحديدي القادم من داخل البلاد عند إنشائه من محطة السلوم إلي ميناء سواكن أول الأمر.
    لم تكن الإدارة البريطانية راضية عن ميناء سواكن إذ كان يفتقر للعمق – أو الغاطس – المطلوب كما أن مخططها العمراني والأثري وكثرة الأطلال لا يسمحان بوضع مخطط عمراني جديث يستوعب متطلبات العصر، هذا بالطبع بالإضافة إلي مشكلة شح المياه. يذكر البروفسير خوجلي: "في يناير 1904 وقع حادث الباخرة أوفقانستان Ofganistan إذ اصطدمت بالصخور المرجانية عند مدخل ميناء سواكن. وجدت الإدارة البريطانية في هذا الحادث ما يعزز رغبتها في إنشاء ميناء بديل إذا ما وجدت الموقع المناسب. لم يدم البحث طويلاً إذ وجدت ضالتها علي بعد 36 كيلو متر إلي الشمال من سواكن وهو مرسى الشيخ برغوت.
    وجد البريطانيون في هذا المرسى أهم مطلوبات الميناء الحديث وهي: العمق، الحماية من العواصف البحرية، وذلك بالإضافة إلي متسع من الأراضي يكفى لإستيعاب المخطط العمراني الحديث بما فيه من منشآت خاصة بالميناء.
    تميز الموقع أيضاً بوفرة المياه الجوفية وقد ذكر الحاكم العام ذلك في تقريره السنوي لسنة 1905 حول "المالية والإدارة وحالة الحكم في السودان" وفيه يكتب: "An excellent water supply ample for all shipping requirements and for any conceivable development of the town would probably be available"
    اي بما يعني "أن بالموقع الجديد مصدر ممتاز للمياه بما يكفي إحتياجات السفن والتنمية العمرانية المتوقعة في المدينة".
    بدا العمل في إنشاء الميناء الجديد في بداية عام 1906 وأقيم الإحتفال الرسمي بإفتتاحه في عام 1909.
    المشروع الألماني لمياه بورتسودان:
    قبل تناول المشروع الألماني دعونا نعود إلي الوراء وتحديداً إلي منتصف عام 1976. في تلك الفترة ورد بصحيفة الأيام بتاريخ 17/5/1976 خبر مفاده: "أن الخبراء الألمان قد أعربوا عن إطمئنانهم عن توفر كميات ضخمة من المياه بمنطقة طوكر. أكد الخبراء أيضاً أن الكميات المتوفرة من المياه بهذه المنطقة ستكون كافية لسد النقص في مدينة بورتسودان ولكفاية حاجة مياه سواكن الذي وضعت خطة لتحديثه. أكدوا أيضاً أن تكلفة النقل عبر المائة وستين كيلومتر بين طوكر وبورتسودان تقدر بربع تكلفة نقل المياه من النيل"
    تلك هي البدايات المبكرة لأول مشروع جاد لمعالجة أزمة المياه في بوتسودان وسواكن معالجة جذرية. تقوم المعالجة علي ضخ المياه من الحوض الجوفي أسفل خور بركة ومن ثم نقلها بالأنابيب إلي بورتسودان وسواكن. تواصلت الدراسات الميدانية بكثافة في السنوات 78/1981م. يبدو أن الدراسات توقفت في منتصف الثمانينات بسبب حالة عدم الإستقرار السياسي التي كانت سائدة حينذاك. تواصل أعداد الدراسة فيما بعد وبنهاية عام 1988م اكتملت دراسة المشروع.
    في عددها عن شهري يناير/ فبراير 1989م نشرت مجلة "المياه العالمية World Water" ملخصاً للدراسة الخاصة بإمداد مدينتي بورتسودان وسواكن بالمياه العذبة من الخزان الجوفي عند أعلى دلتا طوكر.أعد الدراسة بيت الخبرة الألماني:
    Dortmund Consultant Rhein – Ruhr Ingenieurs وذلك بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الفني المعروفة بـ G.T.Z وبتمويل من الصندوق الألماني للتنمية K.F.W.
    جاء في مقدمة الدراسة أن بورتسودان ظلت تعتمد منذ بداية إنشائها في عام 1906 ولمدة ثمانية عشرة عاماً علي مصادر المياه الجوفية القريبة من المدينة. بحلول عام 1924 تضاعف الطلب علي المياه ولذلك تحول مصدر المياه إلي اسفل خور أربعات – أي أعلى الدلتا – الذي يبعد بمسافة عشرين كيلومتر في اتجاه الشمال الغربي من مدينة بورتسودان.
    شهدت السبعينات والثمانينات من القرن الماضي زيادة كبيرة في عدد سكان بورتسودان إذ بلغ عددهم في 1987 حوالي 450 ألف نسمة. أثناء الزيادة السكانية في تلك السنوات ظهرت إرهاصات الإختلال بين العرض والطلب علي المياه. تفاقم الاختلال وتأكد لإدارة المياه وجود فجوة خطيرة في إمدادات المياه. منذ ذلك التاريخ ظل شح المياه ملازماً للمدينة. كان يكفي أن تتراجع معدلات الأمطار في سنة واحدة ليتأثر المخزون الجوفي في دلتا أربعات سلباً لمدة سبع إلي ثماني سنوات! كانت إدارة المياه تسعى لمعالجة الفجوة في الامداد المائي بحفر المزيد من الآبار العميقة. بحلول عام 1987م وصل العمق إلي المستويات التي ازدادت فيها نسبة الملوحة وهو الأمر الذي بات يشكل خطورة علي صحة المواطنين. في تلك السنوات أستحكمت أزمة المياه في بورتسودان .. هي أزمة كان من الممكن تجنبها أن نفذت الحكومة حينذاك مشروع الخزان الجوفي عند مصب خور أربعات. طُرح هذا المشروع منذ عام 1974م حينما أعدت إدارة المياه مشروعاً في هذا الشأن وهو مشروع في تقديرنا قليل التكلفة. كان المشروع يهدف إلي احتجاز المياه المتسربة من أعالي خور أربعات وروافده وهي حصيلة بقية امطار الصيف والقدر اليسير من امطار الشتاء التي يمنع قاع الخور الصخري من تسربها إلي باطن الأرض لذلك تزحف تحت رمال الخور لتنتهي عند الدلتا ومن ثم البحر.
    بنهاية عام 1988 أكمل بيت الخبرة الألماني راين – رور Rhine – Ruhr دراسة نقل المياه من الحوض الجوفي أسفل خور بركة وكان أهم ما جاء بالدراسة:ـ
    • أن المخزون المائي في القطاع الأعلى من دلتا طوكر يفوق كثيراً من حيث الحجم نظيره في خور أربعات. فسرت الدراسة هذا التفوق بان مساحة حوض خور بركة تعادل خمسة عشرة ضعفاً مساحة حوض خور أربعات.
    • يقدر المعدل السنوي لهطول الأمطار علي حوض خور بركة بثلاثة أضعاف نظيرة في حوض خور أربعات.من جانبنا نضيف أن حصاد مياه الأمطار التي تهطل علي الكتلة الجبلية بشمال غرب بورتسودان يتقاسمه خور اوكو Oku مع خور أربعات وكما ذكرنا سابقاً ينحدر خور أوكو شمالاً في اتجاه مثلث حلايب.
    • تقدر الدراسة الألمانية أن المخزون بحوض بركة الجوفي يمكن أن يوفر ثلاثين ألف متر مكعب/ اليوم، أي ما يعادل ضعف إيراد المخزون الجوفي لخور أربعات الذي كان في أحسن الحالات خمسة عشرة ألف متر مكعب/ اليوم.
    • ترى دراسة بيت الخبرة الألماني أن الوسيلة الأمثل لنقل المياه إلي سواكن وبورتسودان هي الأنبوب Aqueduct .
    • تشير الدراسة أيضاً إلي أن الأنبوب الناقل للمياه من الحوض الجوفي لخور بركة يمكن أن يتزود بخمسة عشرة ألف مكعب يومياً إضافية من المصادر الجوفية في دلتا وات أهم الخيران ما بين بورتسودان وطوكر. أن الخيران التي حددتها الدراسة هي:ـ
    السلوم Salloum، قوب Gowb، أشات Ashat، سيتراب Sitrab، أوسير أودا Osir Oda وأخيراً خور سبآت Sabat ولعلها سبعت!. بهذا الإيراد الاضافي تصبح طاقة الأنبوب هي 45 ألف متر مكعب يومياً تضاف إلي الإنتاج المحلي في بورتسودان وسواكن. قدرت الدراسة حجم الطلب في بورتسودان حينذاك بـ27 ألف متر مكعب يومياً وهو الأمر الذي يعني كفاية الطلب وإيجاد إحتياطي للتوسع في الشبكة. لأغراض دراستنا هذه نجد في توفر المياه عند مصبات الخيران المنحدرة من الجبال مؤشر جيد ومصدر واعد لمستقبل القطاع الجنوبي من الساحل وسنعود إلي هذا الموضوع لاحقاً. تكلفة المشروع الألماني:
    كما ذكرنا إكتملت دراسة الجدوى الفنية لمشروع الأنبوب الناقل للمياه في نهاية عام 1988 وتوصلت الدراسة إلي أن التكلفة الإجمالية تبلغ 183 مليون دولار. حظي المشروع بتعاطف كبير من قبل الممولين والمانحين ولذلك لم تجد الحكومة السودانية صعوبة في الحصول علي التزامات Commitments بالحصول علي مساهمات في التمويل من أربعة مؤسسات تمويلية، كانت الالتزامات علي النحو التالي:ـ
    (1) التزمت الحكومة الألمانية عبر الوكالة الألمانية للتنمية (K.F.W) بتوفير مبلغ 37 مليون دولار في الحال كما أبدت استعدادها لإضافة 23 مليون دولار أخرى من ميزانيتها لعام 1989 بهذه الإضافة يصبح حجم التمويل الألماني 60 مليون دولار.
    (2) أبدى الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي إستعداده للمساهمة بمبلغ 37 مليون دولار.
    (3) أبدى بنك التنمية الإفريقي إستعداده بتقديم قرض بمبلغ 24 مليون دولار.
    (4) أبدى بنك التنمية الإسلامي إستعداده بتغطية المكون المحلي وهو تقديراً 50 مليون دولار.
    (5) حكومة السودان (تقديراً) 12 مليون دولار.
    (6) المجموع 183 مليون دولار.
    ننوه هنا إلي انه من أعراف مؤسسات التمويل التنموي أن تعلن عن إلتزامات بالتمويل Commitments وهي إجراءات ضرورية لإعداد دراسة الجدوى الفنية ولدعوة ممولين آخرين للمساهمة. لاحقاً تتحول الإلتزامات إلي قروض توقع مع الحكومات وتعتمدها الهيئات التشريعية.
    لعنة الديون والسياسة تعصفان بالمشروع:
    كان الإنتقال بالتمويل من مرحلة الإلتزامات إلي مرحلة توقيع إتفاقيات القروض رهين بإيجاد حلول لأزمة ديون السودان المتراكمة. للتوصل إلي حلول كان من المفترض أن يعقد نادي باريس إجتماعاً في مايو 1989م بحضور ممثلين عن حكومة السودان.لا ندري شيئا عما تمخض عن الاجتماع أو حتى ما إذا كان الإجتماع قد عُقد أم لا؟. ولكننا ندري أن الوضع السياسي في السودان كان في غاية التأزم بعد تقديم مذكرة ضباط الجيش! كما هو معلوم تمخضت الأزمة عن التطورات السياسية السالبة كما يعتقد قطاع كبير من السودانيين وكما يرى المجتمع الدولي في ظل العولمة والقطبية الأحادية وتلك قصة يعلمها الجميع. أن ما يهمنا من تلك التطورات هو أن مشروع الأنبوب – شريان الحياة لبورتسودان وسواكن – قد وئد في مهده.
    الأنبوب الناقل من النيل ... جاء متأخراً؟
    الآن وبعد أن انتعشت ولاية البحر الأحمر تنمويا واتسعت طموحاتها فإنها تجد نفسها أسيرة الفقر المائي وذلك بالقدر الذي دفعها إلي الاستعانة بمحطات التحلية في مجارة في غير مكانها لدول الخليج!. لاحت بارقة أمل أخيراً بالالتزام الرئاسي بإيجاد الحل الجذري لمياه بورتسودان وذلك بإعادة إحياء مشروع الأنبوب الناقل لمياه النيل Nile Aqueduct . لقد جاء هذا القرار متأخراً بعدة عقود أي منذ أن ظهرت في الأفق نذر أزمة المياه وكما قيل خير أن تأتي متأخراً من ألا تأتي. نقول ذلك لأنه كان من الممكن – على الأقل – اقتباس التجربة المصرية التي يعود تاريخها إلي النصف الثاني من القرن التاسع عشر!. كان ذلك عقب حفر قناة السويس وقيام المدن الجديدة في محور القناة وهي مدن: السويس، الإسماعيلية، بورت سعيد وبورت فؤاد التي تحمل أسماء حكام مصر الأتراك آنذاك. نقلت مصر الخديوية المياه إلي مدن قناة السويس بحفر ترعة الإسماعيلية فطبغرافية الأرض كانت تسمح باستخدام هذه الوسيلة المهدرة للمياه. من جانب آخر كانت هناك وفره في المياه إذا كان سكان مصر دون الـ 7,73 مليون نسمة (1882) كما لم تكن ثقافة النقل بالأنابيب بالانتشار الذي نراه حالياً. مؤخراً ولإمداد المدن السياحية على ساحل البحر الأحمر لجأت مصر إلي الوسائل الحديثة في نقل المياه وهي الأنابيب وما تفرضه من مضخات ومضخات دافعة Boosters وطاقة. إستطاعت مصر منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي أن تنشئ مدن سياحية على ساحل البحر الأحمر في الغردقة، رأس غارب، وفي شرم الشيخ وما كان لهذه الاستثمارات السياحية الضخمة أن تتحقق لولا الأنابيب الناقلة لمياه النيل.لم يتوقف الأمر عند إمداد المدن السياحية والمراكز الحضرية إذ تمكنت مصر بما حصلت عليه من تبرع سخي من رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد إيصال مياه النيل إلي شبه جزيرة سيناء حيث تم إمداد مدنها كالعريش ورفح بالماء كما نشطت الاستثمارات الزراعية في شمال شبه الجزيرة. إن كان لنا تعليق حول الأنبوب الناقل للمياه إلي بوتسودان فهو عبارة عن تحفظ حول اختيار عطبرة لضخ المياه!. أننا نرى أن أنسب المواقع لضخ المياه هي المواقع المطلة على بحيرة سد الشريك عند إنشائه. هناك عدة بدائل ما بين الشريك وبربر لمحطات الضخ ومنها على سبيل المثال قرية الكربة. يتمير هذا الموقع بكونه يطل على بحيرة سد الشريك عند إنشائه. أن ضخ المياه من بحيرة السد يعني الاقتصاد في الطاقة التي تستهلكها طلمبات الضخ العملاقة، يعني أيضاً عدم إجهاد تلك الطلمبات مما يطيل أعمارها ويقلل الحاجة لقطع الغيار والصيانة، من زاوية أخرى فإن ضخ المياه من بحيرة السد الساكنة يعطي ماءً أكثر صفاءً مما يجعلها صالحة للاستخدام البشري دون معالجات كيميائية كما أن خلوها من ذرات الرمل يمنع تأكل الأنابيب كما يحدث عادة.
    أخيراً فللموقع المطل على بحيرة سد الشريك عند قيامها ميزة القرب من محطة التوليد الكهرومائي المصاحبة للسد مما يقلل تكلفة النقل الكهربائي ويقلل الفاقد. قد يكون المبرر لاختيار عطبرة لمحطة الضخ هو سهولة نقل الأنابيب بالسكة الحديد والطريق البري لكننا نفضل معيار منصرفات التشغيل وسلامة الأنابيب باعتبارها عوامل مستدامة وأجدى بالاعتبار اقتصادياً
    البشريات والمحاذير:
    إننا نرى أن مشروع أنبوب النيل يحمل بين طياته كثير من البشريات لولاية البحر الأحمر كما يحمل بعض المحاذير التي ينبغي التحسب لها!.
    في واقع الأمر تشكل ذات المحاذير بعضاً من المبررات التي يستند عليها طرحنا حول تنمية حوض خور بركة كما سنوضح لاحقاً.
    البشريات:
    كما يعلم الجميع أن أهم المكاسب التي سيحققها أنبوب النيل عند إنشائه هي تغطية الاستهلاك المنزلي في مدينتي بورتسودان وسواكن، بالاستهلاك المنزلي نعني كفاية حاجة الإنسان كاملة في مشربه ومأكله، في صحته وملبسه وفي عبادته أما المكاسب الأخرى فهي:
    • أعمار مدينتي بورتسودان وسواكن بالخضرة مما يعني كثافة في التشجير وتعدد في المساحات الخضراء. إن إثراء البيئة يعني الكثير لسكان المدينتين إذ يزيل عن سكانهما رهق الصيف، يثري الحياة الاجتماعية ويسهم في تسويقهما سياحياًَ.
    • إنتعاش السياحة الشعبية في الأحياء الطرفية باستثمارات مقدور عليها أو بالحصول على القروض الصغيرة الميسرة. في تصورنا تستخدم هذه القروض – والمدخرات – في زيادة الطاقة الإيوائية و في الخدمات السياحية كالمطاعم "والبوفيهات" ومحلات الوجبات السريعة أو في عرض وبيع المصنوعات التقليدية من الأصداف والمحار وغيرها. إن توسيع الطاقة الإيوائية قد يعني للبعض تشييد فندق من الدرجة الثالثة وقد يعني لآخرين مجرد استراحة أو حتى تشييد غرفة أو غرفتين بمنافعهما أي بما يكفي لاستقبال أستاذ في التعليم العام وأسرته.
    • إمكانية إمداد المراكز الحضرية – السياحة في الهضاب بمياه النيل تشمل تلك المراكز مدن هيا، سنكات، جبيت وأهمها منتجع أركويت الذي سيصبح أكثر جاذبية وقابل للتوسع إذا ما توفرت له مياه النيل. لعله من الطريف هنا أن نذكر أن مفارش فندق أركويت العتيق كانت تُرسل إلي عطبرة للغسيل! كل ذلك عندما كان الفندق يتبع لهيئة السكة الحديد!.
    • إقبال المستثمرين على الاستثمار في الصناعات الغذائية والخدمات الخاصة باحتياجات السفن التي ترسو في مينائي بورتسودان وعثمان دقنة أسوة بالسفن العابرة. تشمل الخدمات تزويد السفن بالمياه المعدنية، اللحوم الطازجة والأسماك، الخضر والفاكهة وذلك اعتماداً على ما يرد من الداخل بالحاويات المبردة.
    المحاذير:
    إن الخلفية الاجتماعية التي يصل فيها أنبوب النيل هي خلفية قوامها مجتمعات حضرية وريفية تعاني في معظمها من حالة فقر مائي، هي في ذات الوقت وجود مدينتين مكتظتين بالسكان هما بورتسودان وسواكن. من زاوية أخرى تقوم على المنطقة العازلة بين المدينتين منشآت اقتصادية هامة. تشمل تلك المنشآت مطار بورتسودان الدولي، المنطقة الحرة التي يُروج لها لاستقبال الاستثمارات التجارية والصناعية لأغراض تجارة الترانزيت، مصفاة شل بعد إعادة تأهيلها، ميناء بشائر لتصدير البترول واستيراد مشتقاته.
    هناك أيضاً تسهيلات النقل العابرة "الترانزيت" التي قدمتها حكومة السودان أو – وعدت بتقديمها – إلي الدول الحبيسة المجاورة – أي الدول المغلقة – وهي دولة جنوب السودان، أثيوبيا، تشاد وأفريقيا الوسطى.
    من المؤكد أن هذه الوعود – إن تحققت – ستلقي بأعباء ثقيلة على بورتسودان وقطعاً ستلقي بظلالها على الإمداد المائي وإن كان من نهر النيل فأنبوب النيل مهما بلغ قطره سيظل قاصراً عن الاستجابة للطلب المتصاعد.
    في تصورنا سيتفرع أنبوب النيل إلي ثلاثة فروع عقب عبوره لجبال البحر الأحمر. بداهة سيذهب الفرع الرئيسي إلي بورتسودان والذي دونه قطراً إلي سواكن لتنتعش به المدينة وميناءها الذي يزداد أهمية كل يوم، أما الفرع الثالث فنتوقع له أن يكون من نصيب ميناء بشائر والمنطقة الحرة. على هذه الخلفية المتشابكة نتوقع أن تقوي عوامل الجذب Pull factors إلي بورتسودان وسواكن كما نتوقع أن تقوي عوامل الطرد Push factors بين سكان الريف على امتداد ولاية البحر الأحمر. تشير آخر الإحصاءآت عن ولاية البحر الأحمر تشير إلي أن عدد سكانها يبلغ 1,002,346 يعيش منهم 497,011 بمدينة بورتسودان و 65,115 بمدينة سواكن وهو الأمر الذي يعني أن المدينتين تستأثران بحوالي 56% من عدد سكان الولاية. نتوقع أن تتصاعد هذه النسبة نتيجة للآثار المضاعفة لوصول مياه النيل ولن نفاجأ إذا ما قفزت إلي 70-80%. أن للتمدد الحضري والكثافة السكانية العالية ثمن باهظ ستدفعه الولاية من مواردها والمواطن من أمنه وسلامة بيئته. من زاوية أخرى تعني الكثافة الحضرية العالية إفراغ ريف الولاية من سكانه وهي أصلاً ولاية قليلة السكان. إن النتيجة الطبيعية لهذه التحولات الديمغرافية هي خلق ثغرات في الأمن الوطني فالأوطان يحرسها أبناؤها المنتشرين في الثغور والتخوم وكما هو معروف إن أي فراغ سكاني سيملؤه آخرون وهم كثر ويتحينون الفرص!.
    نتوقع أن يتصاعد الطلب على المياه، ليس بسبب الكثافة السكانية المتوقعة فحسب وإنما بفعل ارتقاء مستوى المعيشة خاصة وسط شريحة رجل الأعمال ووسط الجاليات من دول الجوار الحبيسة التي ستستقر في بورتسودان لرعاية مصالح دولها في النقل العابر.
    في نهاية المطاف ستكتشف معتمدية بورتسودان أنها قد عادت إلي المربع الأول لتواجه مشكلة الإمداد المائي من جديد وبدرجة أكثر حدة وتعقيداً. عند الوصول إلي تلك المرحلة – وكخطوة أولى – نتوقع أن تعيد معتمدية بورتسودان إحياء المشروع الألماني لنقل المياه من حوض بركة الجوفي. هكذا يستمر الحال في دائرة مفرغة وهي كلما ازداد الطلب تلجأ الولاية إلي مصدر جديد وكلما ازداد العرض يتضاعف الطلب مما يعني العودة مرة أخرى إلي مياه النيل.
    ترى هذه الورقة أن الحكمة تقتضي البحث عن وسيلة للخروج من هذه الدائرة المفرغة. أن الوسيلة العملية التي تقترحها الدراسة هي إيجاد مناطق جذب قادرة على منافسة بورتسودان وسواكن.
    خــور بركــة:
    نظراً لكون خور بركة يمثل المرتكز الرئيس لطرحنا فإن هناك ضرورة لتعريف القارئ الكريم بهذا المجرى. استعصي علينا العثور على دراسات مستفيضة حول هذا المجري المائي ويبدو أنه هُمش من قبل الباحثين لكونه خارج منظومة نهر النيل!. لضرورات هذه الدراسة استعنا بمعلومات وإشارات من عدة مصادر كما عكفنا على دراسة ما تيسر لنا من خرائط وصور فضائية فكانت حصيلتنا من البحث والتقصي على النحو التالي:
    • تنحدر الروافد العليا لخور بركة من الكتلة الجبلية حول العاصمة الاريترية أسمرا وتعتبر تلك الكتلة من بين أعلى المواقع في المرتفعات الاريترية ولذلك تهطل عليها الأمطار بمعدلات عالية نسبياً. يتجه خور بركة شمالاً ماراً بمدينة أقوردات ثم يواصل رحلته مندفعاً بسبب الانحدار الحاد حتى الحدود الاريترية – السودانية. يشق خور بركة مجراه في الأراضي الاريترية والسودانية عبر الجبال شديد الوعورة ومن تلك الجبال تنحدر مئات الروافد الصغيرة والمتوسطة لتضاعف من إيراده.
    إن أهم تلك الروافد هو خور عنسبا الذي – هو الآخر – تتجمع روافده العليا من الجبال التي تحيط بأسمرا من ناحية الشرق. لهذا يتخذ هذا المجرى المائي مساراً إلي الشرق من خور بركة ماراً بمدينة "كرن" ثم ينحرف في اتجاه الشمال الغربي ليقترن بخور بركة قبيل دخوله إلي الأراضي السودانية.
    • أما الرافد الثاني من حيث الإيراد المائي فهو خور "لانقيب" الذي ترفده عشرات الخيران التي تنحدر من الجبال والهضاب في جنوب ولاية البحر الأحمر. تنحدر أهم تلك الروافد شرقاً من خط تقسيم المياه الذي يفصل ما بين حوض نهر النيل وحوض خور لانقيب.
    لأهمية هذا الخور في طرحنا سنعود إليه لاحقاً بشيء من التفصيل.
    • أما بالنسبة لطولي خوري بركة وعنسبا فبحسبما جاء بموسوعة راند ماكنالي Rand Macnally للأنهر الدولية "Encyclopedia of Interaction Rivers" فهي كالآتي:
    - يبلغ طول خور بركة 643 كيلومتر يجري منها 443 كيلومتر في الأراضي الاريترية و 200 كيلومتر في الأراضي السودانية.
    - يبلغ طول خور عنسبا 346 كيلومتر ويجري بأكمله في الأراضي الاريترية.
    • أما متوسط الإيراد السنوي لخور بركة فهو خمسمائة مليون متر مكعب وفقاً لما أفادنا به الدكتور إبراهيم أحمد المكي الخبير السوداني بالمنظمة العربية للتنمية الزراعية في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي.
    وردت هذه المعلومة في ورقته بعنوان "الموارد المائية العربية وضرورة ترشيد استخدامها" نُشرت الورقة بمجلة "الزراعة والتنمية في الوطن العربي" بالعدد الثاني، السنة الثانية عشر وبتاريخ أبريل – مايو 1993م.
    • بتكليف من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية – الإيفاد IFAD- أعدت الشركة البريطانية أندرسون للري والخدمات الهندسية Anderson Irrigation and Eng. Services أعدت ورقة عمل حول إعادة تأهيل مؤسسة طوكر الزراعية في سبتمبر 2008. اشتملت الورقة على معلومات عن خور بركة وجاء فيها الآتي:
    - تبلغ مساحة حوض خور بركة 45 ألف كيلومتر مربع.
    - يتراوح حجم الإيراد السنوي لخور بركة ما بين مائتي مليون متر مكعب ومليار متر مكعب من المياه.
    - يجري الخور في الفترة ما بين يوليو وسبتمبر في دفقات متقطعة Spates أو Flush-floods بما يعني سيول تستمر ليوم أو يومين.
    - رصدت الدراسة عدد الدفقات في السنوات من 2003 إلي 2008 وكانت على النحو التالي:
    2003: 18 دفقة، 2004: 10 دفقات أو سيول، 2005: 24 سيل، 2006: 22 سيل، 2007: 23 سيل وفي 2008 سيل واحد حتى شهر سبتمبر!.
    • جاء بالورقة التي أعدها الدكتوران الطاهر حسين وحسين عوض التي سبقت الإشارة إليها معلومات إضافية عن خور بركة وحوضه الجوفي وأخترنا منها الآتي:
    - تبلغ مساحة حوض خور بركة 46,450 كيلومتر مربع.
    - يبلغ متوسط إيراده السنوي خمسمائة مليون متر مكعب.
    - يبلغ حجم التغذية السنوية لحوض بركة الجوفي 55 مليون متر مكعب.
    - يصل عمق الحوض الجوفي إلي ثلاثين متر ويتراوح عمق المياه الجوفية ما بين 8 و 9 متر.
    - تبلغ نسبة الأملاح في مياه حوض بركة الجوفي 520 إلي 1000 مليجرام/ اللتر، أي نصف نظيراتها في حوض أربعات الجوفي.
    تجدر الإشارة هنا إلي أن هناك أنهر في البلاد العربية يقل إيرادها السنوي عن خور بركة. من بين تلك الأنهر نذكر منها اليرموك بالأردن الذي يبلغ إيراده السنوي 0,438 مليار متر مكعب كما نذكر نهر بردي الذي قامت عليه العاصمة السورية دمشق ويبلغ متوسط إيراده السنوي 0,4 مليار متر مكعب، لهذا ندعو الجغرافيين السودانيين لترفيع مجري بركة إلي نهر بدلاً عن خور.
    دلتا طوكـر:
    تكونت دلتا طوكر منذ زمن موغل في القدم من أرساب الطمي الذي يحمله خور بركة وهناك تشابه كبير وقواسم مشتركة مع دلتا القاش، ففي كلتا الحالتين تتجدد التربة بفعل الأرساب السنوي للطمي.
    لهذا إشتهرت دلتا طوكر بدرجة عالية من الخصوبة وإنتاجية عالية من القطن والحبوب. كان أول من فكّر في توطين زراعة القطن بدلتا طوكر هو الحاكم التركي أحمد ممتاز باشا الذي كان يدير المستعمرة التركية حينذاك على ساحل البحر الأحمر وكانت سلطاته تمتد حتى ميناء مصوع باريتريا.
    تميزت دلتا طوكر بإنتاجها من القطن عالي الجودة ليس بسبب الخصوبة المتجددة فحسب وإنما لسبب آخر وهو خلوها من أمراض القطن. تعزي هذه الميزة لتعرض الدلتا للرياح الموسمية التي تهب صيفاً والشتوية الطاردة للحشرات.
    لهذا يقال أن تقاوي القطن الذي كان يستخدمها مشروع الجزيرة كانت تستجلب من دلتا طوكر. تراجع إنتاج القطن في دلتا طوكر منذ بداية خمسينات القرن الماضي حينما تقرر تفكيك الخط الحديدي الخفيف الذي كان ينقل القطن من مدينة طوكر إلي ميناء ترنكتات وهو ميناء شيد خصيصاً كمنفذ للدلتا وكحلقة وصل بينها وبورتسودان.
    كان القطن يُجمع في الحواشات ويتم نقله إلي طوكر بالجمال. ينقل القطن بعد ذلك بالقطار الخفيف (600 ملم) من طوكر إلي ميناء ترنكتات حيث تنتظره السنابيك والبواخر الصغيرة لتنقله إلي بورتسودان. في غياب الطرق المعّبدة كانت طوكر – وجنوب الولاية – تتزود بالبضائع التي تنقلها السنابيك من بورتسودان في رحلات العودة.
    كان الجميع ينهل من خيرات الدلتا: الحكومة من عائدات تصدير القطن، الجزيرة من التقاوي الجيدة، المزارع من نصيبه من عائدات القطن ومن زراعة الذرة والدخن لغذائه والرعاة من المخلفات الزراعية لماشيتهم كما ينعم الجميع بتوفير السلع بأسعار معتدلة.
    لأسباب مجهولة اتخذ القرار بتعطيل ميناء ترنكتات وتفكيك الخط الحديدي ونقله إلي مشروع الجزيرة!؟. كانت تلك بداية الانهيار في دلتا طوكر إذ أن نقل الأقطان بالشاحنات عبر الكثبان الرملية والطرق الوعرة يكلف كثيراً ويقلل من العائدات المرجوة. تضافرت عدة عوامل في القضاء على مشروع طوكر الزراعي فبغير تكلفة النقل كانت علاقات الإنتاج شبه الإقطاعية التي عاني منها المزارعون تارة بتخصيص ربع العائد من إنتاج القطن – وهو الذي أطلق عليه تندراً "ربع المسكين" – وتارة بنظام الشيل في التمويل وتارة أخرى بتقاعس الحكومة عن عمليات تسطيح الأرض وإقامة الجسور أو التروس في مياه خور بركة.
    تراجع أيضاً إنتاج الحبوب من الذرة والدخن واللذان كانا يزرعان كشوائر لحماية شجيرات القطن من الرياح. كانت النتيجة الطبيعية هي اتساع دائرة البطالة واستشراء الفقر وسوء التغذية وما يجره من أمراض على رأسها السل! تحول المزارعون ومعظم سكان المناطق جنوب الدلتا من منتجين إلي متلقين للإغاثة من برنامج الغذاء العالمي ومن منظمة أوكسفام. ازداد الطين بلة حينما ضرب الجفاف ولاية البحر الأحمر في منتصف الثمانينات ونفقت بسبه معظم الثروة الحيوانية. في تلك السنوات لجأ الكثيرون إلي الدلتا فعلى الأقل كانت هناك وفرة في المياه وتشير بعض المصادر إلي أن عدد سكان الدلتا ازداد في تلك السنوات بنسبة 40% فحق .استشعر الأخوة بدول الخليج أبعاد المآسي التي يعيشها شرق السودان واحتضنت دولة الكويت الشقيقة مؤتمر المانحين لتنمية شرق السودان. كانت الحصيلة كافية لبداية حقيقية وجادة في إزالة الغبن التنموي إن توفرت الإدارة الملتزمة والتي تتوخى الشفافية في أدائها. من جهة أخرى يبدي الاتحاد الأوروبي تعاطفاً كبيراً مع شرق السودان ويعلن عن استعداده للإسهام في مشاريع التنمية، تمخض هذا التعاطف عن: "مشروع إعادة تأهيل دلتا طوكر Toker Delta Rehabilitation Project (TDRP) الذي سيتم تنفيذه في أربع سنوات. التزم الاتحاد الأوربي بتمويل المشروع بأكمله وخصص لذلك – كبداية – ثلاثة مليون يورو للدراسات. يتكون مشروع الاتحاد الأوربي من ستة بنود وهي:
    1- قيام إدارة فاعلة وكفؤة.
    2- ضمان تمليك المزارعين الذين لا يملكون أرضاً بالدلتا مساحة خمسة أفدنه لكل واحد منهم إذ يرى الاتحاد الأوربي أن عشرة ألف مزارع يستحقون تمليك الأرض المروية.
    3- إزالة شجر المسكيت من أكبر مساحة ممكنة وذلك لتوسيع الرقعة الزراعية.
    4- إعادة تأهيل نظام الري الفيضي والتأكد من توفر الإدارة القادرة على استمراريته.
    5- الارتقاء بخدمات الإرشاد الزراعي بين صغار المزارعين.
    6- ضمان كفاءة التنفيذ وفقاً للخطة الزمنية التي يتفق عليها.
    بدفع من الأجواء المتفائلة التي سادت بعد التوقيع على اتفاقية سلام الشرق ومن التعاطف الذي عبرّ عنه مؤتمر المانحين بالكويت والاتحاد الأوربي رأت الحكومة السودانية ضرورة التحرك في اتجاه دلتا طوكر. لهذا تم تكوين بعثة مشتركة من وزارة الزراعة الاتحادية والصندوق الدولي للتنمية الزراعية المعروف بإيفاد IFAD. استعانت الإيفاد بالاستشاري البريطاني أندرسون للري والخدمات الهندسية المحدودة وهو Anderson Irrigation and Eng. Services LTD زارت البعثة بورتسودان في سبتمبر 2008 وفيها التقت بالمسئولين بوزارة الزراعة الولائية ثم انتقلت إلي دلتا طوكر لدراسة مشاكل الزراعة بالدلتا ميدانياً. أعد بيت الخبرة البريطاني ورقة عمل حول إعادة تأهيل مؤسسة طوكر الزراعية وفيها حشد كثير من المعلومات عن الدلتا توطئة لصياغة مشروع التأهيل الذي تسعى له وزارة الزراعة.
    نورد أدناه بعض المعلومات التي تضمنتها ورقة العمل:
    • تبلغ مساحة الدلتا 406 ألف فدان.
    • تبلغ مساحة الأراضي القابلة للري 160 ألف فدان.
    • يبلغ عدد المزارعين بالدلتا 24 ألف مزارع بينما يبلغ عدد ملاك الأراضي 5724 مالك.
    • أوردت الدراسة أسماء إحدى عشرة قبيلة تملك أراضي بالدلتا وهي تنازلياً حسب المساحات المملوكة قبائل: الارتيقا، البني عامر، الشاياب، الأشراف، الهدندوا، الكاملاب، النوراب، الأمرار، الحباب، الحسناب الرشايدة.
    • تغطي أشجار المسكيت 60 ألف فدان من أراضي الدلتا.
    • لاحظت البعثة أن الأراضي المزروعة تقل دائماً عن الأراضي المروية، كما تقدر متوسط مساحة الأراضي المزروعة في الأعوام 4/2003 -8/2007 بحوالي 65 ألف فدان.
    • بلغ متوسط عدد الفيضانات في السنوات 2003 - 2007 عدد 19 فيضان أما عام 2008 فقد انخفض جريان الخور إلي فيضان واحد.
    • لاحظت الدراسة أن هناك تشابه كبير بين جريان خور بركة وخور القاش إذ يتأثر الخوران بمعدلات هطول الأمطار في المرتفعات الاريترية.
    • قدم الاتحاد الأوربي تمويلاً أولياً في 1998 لوضع خطة موجهة Master Plan تحت مسمى "مشروع إعادة تأهيل دلتا طوكر Toker Delta Rehabilitation Project .
    • لاحظت الدراسة أن الأراضي الأعلى خصوبة بالدلتا هي أراضي وسط الدلتا إذ تستأثر بمعظم جريان خور بركة. لاحظت أيضاً أن التربة الرملية تغطي الدلتا الشرقية وأن هناك قدر من الملوحة في الدلتا الغربية.
    • أنه بسبب هجر المزارعين للدلتا في سنوات الجفاف والإهمال تكاثرت الكثبان الرملية وأشجار المسكيت.
    • أن الدلتا تتعرض لرياح عاتية صيفاً وشتاءٍ، ففي تزامن مع جريان خور بركة في الفترة ما بين يوليو وسبتمبر تهب من الجنوب الشرقي رياح الهايت أبيت بسرعة 21,3 كلم/الساعة وبهذه السرعة تحدث أضراراً بالزراعة وتحرك الكثبان الرملية.أما رياح الهبباي فهي شتوية إذ تهب في الفترة ما بين أكتوبر وديسمبر وهي أقل عنفاً وتهب من جهة الشمال – الشرقي. إن كانت الرياح والأعاصير مفيدة في طرد الحشرات التي تتسبب في أمراض الإنسان والنبات فإن لها وجهاً سالباً وهو تعريتها للتربة الخصبة في الدلتا وفي تكوين الكثبات الرملية التي تعيق إنسياب مياه الخور وبذلك تقلل من مساحة الأراضي القابلة للزراعة.
    • أشارة ورقة العمل إلي أن المساحة الإجمالية القابلة للري الصيفي كانت تبلغ 200 ألف فدان كما أشارت إلي أن أكبر مساحة كانت تزرع في بداية القرن الماضي بلغت 130 ألف فدان. تراجعت هذه المساحة في السنوات 46/1977 إلي 80 ألف فدان ثم واصلت التراجع إلي 31 ألف فدان كما حدث في عام 7/2008.

    أعادة تأهيل الدلتا:
    يرى بيت الخبرة البريطاني أ.م. اندرسون أن معالجة مشاكل دلتا طوكر يمكن أن تتم من خلال مدخلين. يتمثل المدخل الأول في معالجة مشاكل الري والإدارة على صعيد الدلتا أما المدخل الثاني يتمثل في وضع تصميم هندسي بغرض التحكم في جريان خور بركة عند دخوله إلي الدلتا.
    أولاً: معالجة مشاكل الري:
    لاحظت الشركة أنه نتيجة لسنوات الإهمال المتعاقبة وقلة الإمكانات، تفاقمت التشوهات في طبوغرافية الدلتا. تعزي تلك التشوهات تارة للعواصف الترابية التي تهب صيفاً وشتاءً وتارة لتدفق السيول من خور بركة دون وجود قنوات محددة وحسبما يتفق. لهذا تكاثرت الكثبان الرملية بمختلف الأحجام كما تشققت أرض الدلتا في جداول بفعل جريان المياه في غياب وسائل التحكم، تسببت تلك التشوهات في تغيير مجاري المياه بحيث أصبحت تتجه أحياناً إلي الأراضي قليلة القيمة الزراعية أو كثيرة الكثبان الرملية وبذلك تُحرم منها أراضي صالحة للزراعة وفي أمس الحاجة للري. لاحظت الدراسة أنه في ظل فقر الإمكانات تتم معالجات مبتسرة وقصيرة الأجل فالحواجز والسدود الترابية تغلب فيها الرمال أحياناً كما أنها لا تخضع لعمليات المندلة Compaction ولهذا سرعان ما تتفتت وتنهار فيعاد رفع التربة كل عام أو عامين.
    يرى الاستشاري أن معالجة هذه التشوهات لن تتحقق إلا بوجود إدارة هندسية فاعلة ومحفزّة ولو اقتضى ذلك توقيع عقود خاصة مع المهندسين من ذوي التأهيل الجيد والخبرة. إضافة لذلك لابد من المعينات من الآليات ووسائل النقل ومن توفر كل المصروفات الجارية.
    وفقاً لتقديرات المسئولين بوزارة الري فإن عمليات معالجة تشوهات الدلتا تكلف مائة مليون دولار. يرى الاستشاري أنه من الممكن تدبير هذا المبلغ إذا اعتمدت الحكومة خطة إعادة التأهيل والتزمت بمبلغ تستطيع الإيفاد تكملته من مواردها ومن دعم المانحين عبر صندوق إعمار الشرق أو عبر الاتحاد الأوربي.
    ثانياً: ترويض خور بركة:
    ترى ورقة العمل التي أعدها الاستشاري البريطاني أن ترويض خور بركة يتطلب الصعود إلي أعلى الدلتا أي عند الموقع الذي يخرج فيه الخور من الجبال ليبدأ انتشاره على الدلتا وهو موقع صخرة شيدين Sheddin Rock لقد سبق أن أقيم سد ترابي أو Bund عند هذا الموقع تحديداً على خور توموسي K.Tomosay للتحكم في الجريان. يرى الاستشاري البريطاني أن هناك ضرورة لإقامة منشآت هندسية ثابتة لتوزيع تدفقات خور بركة العالية، - وهي في فهمنا لها أنها عبارة عن حوائط بالخرصانة المسلحة؟ - كما هي منشآت لن يكتمل أداؤها دون أعمال مكملة على أطراف المجرى ودون قنوات محمية من التآكل حينها سيكون من الممكن توجيه المياه إلي الاتجاهات التي يتم اختيارها. بهذه المنشآت الهندسية سيكون من السهل توزيع Splitting المياه القادمة من أعلى الخور بين القناة المؤدية إلي خور توموسي وعدة قنوات بالقطاع الشرقي من الدلتا وبذلك يتحقق التوزيع الأمثل لمياه الخور وذلك بنثرها على أكبر مساحة من أراضي الدلتا. جاء هذا المقترح في ورقة الاستشاري البريطاني المنشورة بالشبكة على النحو التالي:
    "Through the choice o suitable "Splitter" type structures in some key locations, flood flows could be divided between several channels thereby reducing the flood impact and also the water management"
    في موقع آخر من ورقة العمل يمضي الاستشاري موضحاً:
    "Tomosay embankment can be reduced in the future through the construction of PERMENENT splitting type structures together with associated river bank works and protected channels to convey the water away from the structures to the land"
    إضاءآت حول الأطماء والسدود المتتالية:
    سنتناول في هذا الجزء من الدراسة موضوع الأطماء في خور بركة كما سنقدم اقتراحنا الخاص باستخدام السدود المتتالية للتحكم في مياه خور بركة بما يحمله من طمي.
    الأطماء في مياه خور بركة:
    لم تتوفر لنا مصادر أو دراسات حول نسبة الطمي وبقية العوالق في مياه خور بركة. لذلك لجأنا إلي تقديرات بنيناها على ما تم رصده في اثنين من روافد نهر النيل وهما النيل الأزرق ونهر عطبرة. أستعنا بهذين النهرين لكونهما يجريان تحت معطيات جغرافية ومناخية مشابهه، ذلك لأن منشأ خور بركة هو ذات المنشأ وهو المرتفعات الأثيوبية – الاريترية. تناول موضوع الأطماء في هذين النهرين الدكتور صلاح الدين الشامي في كتابه "دراسات في النيل". جاء بصفحة (164) من هذا الكتاب الآتي: "أن النيل الأزرق يحمل من الرواسب والحمولة العالقة حوالي كيلوجرام في كل متر مكعب من المياه في موسم الفيضان، على حين يحمل نهر عطبرة في نفس الفترة حوالي ثلاثة كيلوجرام أو يزيد في كل متر مكعب من المياه". من بين التفسيرات العلمية لظاهرة الأطماء التي استعنا بها ما جاء بورقة البروفسير ج. دي سليفيو G.Di Silvio التي شارك بها في المؤتمر العالمي حول الأطماء. نظمت المؤتمر وزارة الري والموارد المائية بالخرطوم في الفترة 10-16 نوفمبر 2006. كانت الورقة تحت عنوان:
    "Sediment Sources and Causes: Approaches to Sediment yield Evaluation"
    أي "مصادر وأسباب الأطماء: مداخل لتقييم الأطماء "مقدم الورقة أستاذ في مادة الهايدروليكا بجامعة بادوا Padua بإيطاليا كما كان عضواً في لجنة تسيير المؤتمر. جاء في ورقة البروفسير دي سليفو الآتي:
    " The process of removal of soil particles from the slopes of the water shed and conveyance to the hydrographic network, may be grouped into three main categories: volume or mass erosion, surface erosion, and linear erosion"
    ويضيف:
    " All the physical processes mentioned above are ultimately related to water as a fundamental physical agent "
    أي بما يعني:
    أن عملية إزالة ذرات التربة من المنحدرات ونقلها إلي شبكة الروافد تتم عبر طرق وهي: تشبع التربة بالمياه (مياه الأمطار) مما يجعلها تتحرك بكميات كبيرة أشبه بالوحل Mass movement، أما الطريقة الثانية فهي القوة الحركية Kinetic energy لحبات المطر التي عند اصطدامها بالأرض تفتت التربة والصخور وهو الأمر الذي تنتج عنه التعرية السطحية وأخيراً إندفاع المياه في المجاري الذي هو الآخر يحدث تعرية في بطون وجنبات الروافد والمجرى الرئيسي وهي التعرية الطويلة، أي الـ Linear erosion يسترسل البروفسير دي سيليفو موضحاً أن كل العمليات الفيزيائية المذكورة ترتبط بالمياه باعتبارها عامل فيزيائي أساسي.
    أما بالنسبة لكمية الطمي التي يحملها خور بركة فهي قطعاً كميات كبيرة. أننا لا نستدل على ذلك بوجود دلتا طوكر فهي نتيجة لتراكمات الطمي عبر آلاف السنين ولكننا نستدل على ذلك بالحقائق الجغرافية الماثلة والمستجدات المناخية والبيئية التي طرأت على حوض خور بركة. نشير أدناه إلي أهمها:
    • ينبع خور بركة وروافده الأقوى خور عنسبا من المرتفعات الاريترية التي تصل إلي قرابة الثلاثة ألف متر فوق سطح البحر.
    بعد رحلة ليست بالطويلة يصل خور بركة إلي دلتا طوكر التي لا يتجاوز ارتفاعها عن سطح البحر سوى بضع أمتار. لهذا يتسم خور بركة بحدة الانحدار إذا يقدّر معدل انحداره متر وحد لكل 6,2 كيلومتر. بهذا الانحدار الحاد يكتسب الخور مقدرة هائلة في حمل الطمي كما يكتسب قوة تعرية طولية هائلة لمجراه أي High erosive power.
    في تقديرنا أن كمية الطمي في خور بركة ازدادت في العقود الأربعة الماضية وذلك لعدة أسباب أهمها:
    • كان لحوض بركة نصيب من الجفاف الذي ضرب اريتريا باعتبارها تشكل الإمتداد الشرقي لإقليم الساحل الأفريقي، كانت أكثر السنوات جفافاً هي منتصف ثمانينات القرن الماضي، في تلك السنوات قضي الجفاف على الغطاء النباتي بشقية الشجري والعشبي مما عرّض التربة لعوامل التعرية الهوائية والمائية.
    • تراجعت مساحات الغابات في المرتفعات الاريترية بسب القطع الجائر للأشجار وذلك أما لاستخدامها كوقود عندما تفاقمت أزمة الطاقة العالمية أو بسبب النشاط العمراني الكثيف الذي شهدته مدن وقرى اريتريا عقب حصولها على استقلالها في عام 1991م وعودة النازحين داخلياً واللاجئين خارجياً.
    • أخيراً هناك ظاهرة تغيير المناخ التي قد تعني جفافاً يقضي على الغطاء النباتي مما يكشف التربة ويجعلها سهلة الانجراف وقد تعني أمطاراً غزيرة للغاية تعقبها سيول عنيفة وبتفاعل الحالتين تتضاعف معدلات التجريف.
    على ضوء ما تقدم فإننا نستطيع القول أن كثافة الأطماء في فيضان خور بركة تتراوح ما بين أربعة إلي خمسة كيلوجرام في المتر المكعب من المياه. لم تتوفر لنا معلومات عن طبيعة العوالق التي يحملها خور بركة أي الـ Suspended Matter لكننا وجدنا في دراسة الجدوى الاقتصادية التي أعدتها شركة سويكو SWECO السويدية عن سد مروي (1984) ما يفيد بأن مكونات العوالق في نهر النيل عبارة عن رملة بنسبة 30% وطمي وطين بنسبة 70%.
    نورد هذه النسب لتعطينا مؤشرات عن طبيعية المواد العالقة في مياه خور بركة:
    الأطماء نعمة للأراضي الزراعية ونقمة على السدود:
    عندما يتباهي المزارع السودان بأنه أرضه "قريرة" فإنه يعني غلبة الطمي على مكونات التربة وهو الأمر الذي يعطيها درجة عالية من الخصوبة والإنتاجية. هكذا كان الحال عبر عشرات القرون في الزراعة الفيضية وفي أودية ودلتاوات أنهار العالم.
    رغماً عن ذلك فقد عُرف عن الأطماء بأنه ألد أعداء السدود ويكفينا هنا أن نتذكر ما فعله بخزان الرصيرص الذي تراجعت طاقته في التخزين – قبل التعلية – من 3,5 مليار متر مكعب إلي حوالي نصف هذه الطاقة وذلك قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره!. أما خزان خشم القربة فقد كانت حالته أكثر سوءً إذ فقد ما يقرب من ثلثي طاقته التخزينية في سنوات أقل. للتقليل من مخاطر الأطماء لا يبدأ التخزين عادة إلا بعد انحسار ذروة الفيضان وتراجع نسبة العيكورة. رغماً عن ذلك تترسب كميات من الطمي في أحواض السدود وللتقليل من مخاطرها تصمم السدود عادة بحيث تسمح بمرور ما يترسب من طمي في القاع من خلال بوابات تحتية Sluices كما هو الحال في سد مروي وغيره. تلك وسائل احترازية ولكنها لا تمنع الأطماء على المدى البعيد وأحياناً المتوسط؟.
    أما السدود العملاقة كالسد العالي وسد النهضة عند اكتماله فتسمح سعاتها التخزينية بإرساب كل الطمي الوارد مع المياه دون تأثير على أدائها للوظائف الأخرى وأهمها التوليد الكهربائي. ولكن إلي حين وإن طال الزمن!.
    أن أهم الأسباب التي حالت دون تشييد سد على خور بركة – أو حتى مجرد التفكير فيه – هو الخوف من أن يفقد جدواه في سنوات قليلة بسبب الأطماء. أن الجديد الذي تطرحه هذه الدراسة – كما سيتضح لاحقا – هو فصل المياه عن الطمي من خلال السدود المتتالية وبذلك تتحقق الاستفادة القصوى من المياه ومن الطمي على حد سواء.
    السدود المتتالية Cascade Dams:
    يتردد مصطلح السدود المتتالية في أكثر من موقع في هذه الورقة ولعله من المناسب التعريف بهذا النوع من السدود.. تشييد السدود المتتالية عادة – وليس حصرياً – على الأنهر حادة الانحدار وعلى مسافات قصيرة قد تكون بالقدر الذي ينشأ فيه سد عند ذيل بحيرة السد الأسفل!.
    كما هو الحال مع معظم السدود تشييد السدود المتتالية لتحقيق ستة أهداف رئيسة أو بعضها والأهداف هي:
    1) توليد أقصى قدر ممكن من الطاقة الكهرومائية.
    2) تخزين المياه لاستخدامها في التوليد الكهربائي وفي الزراعة وللاستهلاك المنزلي.
    3) لتسهيل حركة الملاحة النهرية على المنحدرات الحادة وذلك باستخدام الأهوسة Locks and Weirs.
    4) للحماية من الفيضانات العالية.
    5) لإثراء المنظر الطبيعي وتشجيع الاستثمارات السياحية.
    6) لإثراء الثروة السمكية.
    لهذه الأسباب وأخرى دونها أهمية نجد كثافة عالية من السدود المتتالية والمتقاربة في كثير من الدول الصناعية وذلك بالقدر الذي يبدو فيه قطاع مجري النهري – River Cross Section كالدرج!.
    ونحن بصدد طرح أفكار حول تنمية حوض خور بركة رأينا ضرورة استصحاب بعض التجارب الناجحة في تشييد السدود المتتالية لتحقيق التنمية الإقليمية. للولايات المتحدة عدة تجارب في إنشاء السدود المتتالية ومن بين تلك التجارب اخترنا أكثرها نجاحاً. كانت تلك التجربة في عام 1933 حينما أجاز الكونغرس الأمريكي خطة الرئيس الأمريكي. حينذاك فرانكلين روزفلت لإنعاش الاقتصاد الأمريكي بعد حالة الكساد الكبير The Great Depression الذي ضرب دول العالم وكانت من بينها الولايات المتحدة. عُرفت تلك الخطة الصفقة الجديدة أي The New Deal كان من بين مشاريع تلك الصفقة قيام سلطة وادي نهر تنيسي Tennessee Valley Authority (T.V.A) كسلطة لتنمية حوض هذا النهر بصفة عامة وللتوليد الكهربائي بصفة خاصة وكان التوليد المستهدف هو ألفين ميقاواط.
    من بين الكتب التي استعنا بها في إعداد ورقتنا حول تنمية حوض خور بركة كان كتاب "تخطيط حوض النهر بين النظرية والتطبيق".
    River Basin Planning: Theory and Practice يحتوي الكتاب على عدة بحوث حول تخطيط أحواض النهر، قام بجمع ونشر تلك البحوث كل من Christopher J. Barrow, Suranjit K. Saha .
    جاء بالبحث الخاص بنهر تنيسي أن عدة سدود متتالية قد شيدت وكان لتشييدها آثار إيجابية بعيدة المدى على التنمية الصناعية والزراعية فأصبحت من التجارب الناجحة التي يُستشهد بها عالمياً في تنمية أحواض النهر.
    أما التجربة الأمريكية الثانية في السدود المتتالية فقد تمت في حوض نهر أرنكساس الذي يمثل – شأنه شأن نهر تنيسي – رافداً مهماً من روافد المسيسبي وقد اكتملت منظومة السدود المتتالية على هذا النهر في بداية سبعينات القرن الماضي. لتقييم تجربة تنمية نهر أركنساس نظمت الرابطة الأمريكية للموارد المائية: The American Water Resources Association نظمت ندوة بالتعاون مع سلطة وادي تنيسي (T.V.A) في الفترة من 4 إلي 7 مايو 1980 وصدرت مداولاتها في كتاب تحت عنوان: "الإدارة الموحدة لحوض النهر Unified River Basin Management خلصت الندوة إلي أن مشروع تنمية نهر أرنكساس اشتمل على تشييد عشرين سداً متتالياً يصل إنتاجها من الكهرباء إلي 2260 ميقاواط. حقق المشروع كل الأهداف المنشودة وهي: التوليد الكهربائي، النقل النهري، الزراعة، وفرة المياه طوال العام، الاستثمارات الصناعية والسياحية والتحكم في الفيضانات العالية. تلك بعض المشاريع التي تشكل الآن قوة الاقتصاد الأمريكي وتفوقه.
    أما أوروبا الصناعية فقد كانت سبّاقة في إنشاء السدود المتتالية لتوليد أقصى قدر من الطاقة الكهرومائية. تشهد بذلك كثافة السدود المتتالية في النرويج، السويد، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا هذا بعض ما أفادت به اللجنة الدولية للسدود الكبرى (I.C.O.L.D) في تقريرها الذي نشرته في عام 1990 تحت عنوان: " السدود في أوروبا والاتحاد السوفيتي Dams in Europe and U.S.SR. يوضح التقرير أن أعلى كثافة للسدود المتتالية رصدت في الثلاث مقاطعات (ولايات) الإيطالية الشمالية التي تقع في منحدرات جبال الألب وتكثر فيها الأنهر حادة الإنحدار، يبلغ عدد السدود في تلك المقاطعات (165 سداً) متتالياً تتوزع بين المقاطعات الثلاث على النحو التالي مقاطعة لومبارديا Lombardia (70 سداً)، مقاطعة بيمونتي Piemonte (55 سداً)، وأخيراً مقاطعة ترنتينو ألتو أدجي Terntino – Alto – Adige (40 سداً). بقي أن نعلم أن الطاقة الكهرومائية المولدة من السدود المتتالية هي التي جعلت من الشمال الإيطالي – الذي يضم مدينتي ميلانو وتورين – أحد أهم الأقاليم الصناعية في العالم.
    نشير هنا إلي أننا قد قدمنا تعريفاً موجزاً عن السدود المتتالية ضمن دراسة سبق أن نشرناها تحت عنوان: "نحو ثقافة إيجابية عن السدود" نشرت الدراسة بصحيفة "التيار" الغراء في أحد عشر حلقة ما بين 13/12/2009 و 23/1/2010 كما نشرت مقتطفات منها بمجلة سد مروي.
    أنتهى الجزء الأول و يتبع بأذن الله .....
    د. عمر محمدعلي أحمد
    جمعية خريجي كلية الدراسات
    الأقتصادية و الأجتماعية
    جامعة الخرطوم
    [email protected]


























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de