اشياء بسيطة وتافهة تقلب مزاجي... في الحقيقة الثقافة الشبابية او المجتمعية السائدة الان (في هذه الحقبة) لا تتفق مع مفاهيمي... لا اللغة ولا الاسلوب ولا الوقاحة التي صارت سمة من سمات ثقافة المجتمع رجالا ونساء حكاما ومحكومين ... ربما هناك تفكك كبير فيما كان يميز الانسان السوداني وهو التهذيب بشكل عام . وخاصة لدى الجيل الحالي ، قد يبدو كلامي ككلام رجل مسن ، لكن هذا حقيقي جدا. ربما يكون السبب هو تلك الفجوة التي احدثها ظهور التكنولوحيا في مجتمع لم يتطور قيميا ومعرفيا كي يواكب ما تحت يده من تكنولوجيا.. فيستفيد منها اقصى استفادة ممكنة. يبدو الانسان السوداني الان في حالة انجراف شامل نفسيا نحو: السيطرة الهوسية للرغبة في التملك ، الافتقاد الكامل لأي مشروع فكري ذو اهمية ، الوصول لأهمية التملق (مازوشية) واهمية الاستعلاء (سادية) كإطارين للنشاط الذهني والتفاعلات الاجتماعية وعلاقات العمل ، الفكر الاستحواذي (وهذا امتداد تاريخي وليس بحديث في الواقع) ولوازمه من التهميش والاقصاء وسلب حقوق الآخر ما دام هذا الاخير لا يمتلك القدرة على المقاومة او تشكيل خطر على مصالح الاول. لا اعرف اذا كان هذا وغيره ناتج عن النظام الاسلاموي القمعي ام هو في الواقع انفجار لما كان مكبوتا ومحاطا بسرية تامة فضحته التكنولوجيا الحديثة والطبقية المتوحشة التي ظهرت بعد ان كان الناس متساوون في الفقر الا لقلة نادرة. ان المجتمع الان مجتمع شديد الفساد ، ليس من ناحية اخلاقية فقط بل من ناحية ثقافية ككل. هناك ازمة حقيقية لمجتمع يتجه نحو العنف والديونيسية بخطى حثيثة. ولا ادري ان كان هذا جيدا ام لا ، ففي حالة الخروج من الازمة الراهنة وغلبة الرأسمالية فإن هذه الاخيرة ستجد مجتمعا صالحا تماما للتفاعل معها. ذلك ان الرأسمالية تتبنى تلك القيم التفكيكية الفردانية ، وتتبنى الاستهلاك بمختلف صوره (تعبير عن نمط ديونيسي مهم) ، وتتبنى التنافس المحموم ، ولا تعترف بالقيم الا بما يحقق مصالحها. ما اوجزه هو اننا نتجه نحو مجتمعات ذات ملامح روحية مشوهة جدا ، متجهون نحو الامركة بكل سلبياتها ، بدون اي ايجابيات ، ومتجهون -على نحو مدهش الى النقيض من ذلك- الى البيروقراطية الثيولوجية الهشة بل والفارغة والمرنة حد تحولها الى وسيلة بدلا عن ان تكون غاية ؛ اي انها وسيلة نفعية براغماتية محضة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة