الإنسان في الحضارة الغربية الحلقة السابعة عشر بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 07:37 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-19-2019, 10:53 PM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنسان في الحضارة الغربية الحلقة السابعة عشر بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

    09:53 PM January, 19 2019

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور)
    الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية

    الإنسان في الحضارة الغربية
    الباب السادس
    الموت وأزمة المعنى والهدف
    الفصل الأول
    الإنسان والموت

    الحفاظ على الحياة هو الدافع الأساسي، لكل سلوك، عند جميع الأحياء، من حيوان الخلية الواحدة حتى الإنسان.. وصراع الحياة، في جميع صوره، سواء أكان صراعاً مع البيئة، أو صراع الأحياء فيما بينهم، أو الصراع داخل الحي الواحد، دافعه الأساسي الحرص على الحفاظ على الحياة، والعمل على تفادي أي خطر يتهددها، والسعي الدؤوب في تحصيل كل ما يساعد على الحفاظ عليها، وعلى استمراريتها.. فلا حي على الإطلاق، في الأوضاع الطبيعية، يريد أن يفقد حياته.
    وعند الإنسان، دافع الحفاظ على الحياة أوكد، وذلك بسبب وجود العقل.. فمحور جميع السلوك الإنساني، هو العمل على الحفاظ على الحياة، والإستزادة منها، عن طريق تفادي مهدداتها ومنغصاتها: من ألم ومرض، ونقص في أسبابها، والعمل على التحوط لتفادي هذه المنغصات، ومعالجتها إذا وقعت.. هذا في الجانب السلبي.. أما في الجانب الإيجابي، فجميع نشاط الإنسان يدور حول الاستزادة من الحياة، ومن أسباب الحياة، حسب ما يصوره له عقله، ويتوفر عليه علمه.. ومن هنا تأتي أهمية الأمن، كحاجة أساسية، عند جميع الأحياء، وعند الإنسان خاصة.. فالأمن على الحياة، هو الحاجة الأساسية.
    الحياة منذ نشأتها على الأرض، كما رأينا عند حديثنا على التطور، مهددة بصورة دائمة، بشتى الصنوف من المهددات، ومعرضة للموت والانقراض.. فالموت هو العدو الأول للحياة، والخطر الدائم الذي يتهددها.. والموت ظاهرة ملازمة للحياة، لم تتخلف قط، منذ نشأة الحياة وإلى اليوم.. وبسبب مهددات الحياة العديدة، وعلى رأسها الموت، أصبح الخوف أيضاً، ملازماً لحياة الأحياء، منذ الأميبا وحتى الإنسان.. وقد ترك الخوف أثاراً خطيرة جداً، على حياة الأحياء، خصوصاً الإنسان، الذي ورث الخوف من الحيوات السابقة، وأضاف اليه الخوف الذي يصحب حياته القائمة.. وقد ترك الخوف بصمته السلبية، على كُلِّ الإنسان: عقله وقلبه وجسده.. وأصبح بذلك أكبر معوق للحياة الإنسانية، وأكبر عقبة أمام الكمال الإنساني.. وإلى الخوف ترجع جميع انحرافات السلوك الإنساني.. ولذلك، لا سبيل إلى تحرير الإنسان إلا بتحريره من الخوف، الذي كان في البداية، الدافع الأساسي لتطوره.. ولا سبيل للتحرر من الخوف عند الإنسان، إلا سبيل تحريره من الخوف من الموت، العدو الأكبر، والشر الأكبر.
    ولما كان الموت، حسب التجربة الطويلة، حتمياً، ولم يتخلف قط.. ولما كان الإنسان بسبب من وجود العقل عنده، يعي تماماً، أن مصيره للموت، أصبح الموت عنده، وكأنه جزء أساسي من طبيعته.. وهنالك اختلاف جذري، في تصور الإنسان، للموت.. وهذا الاختلاف يقع بين تصورين: تصور للإنسان ككائن، ينتهي وجوده بنهاية حياته بالموت.. وتصور ثاني لا يرى أن الموت يشكل نهاية الوجود الإنساني، وجود الإنسان مستمر بعد الموت.. التصور الأول هو ما تقوم عليه الحضارة الغربية، كحضارة مادية، تقوم على العقل المجرد، أما التصور الثاني فهو ما يقوم عليه الدين _وسنعرضه في موضعه..
    يقول إيريك فروم، عن وعي الإنسان بالموت: "الوعي بالذات، والعقل، والتخيل، كل هذه الملكات قد مزقت (الانسجام) الذي اتسم به الوجود الحيواني.. وجعل ظهورها من الإنسان شيئاً شاذاً، خارقاً في الكون، فهو جزء من الطبيعة، خاضع لقوانينها الفيزيائية، عاجز عن تغيير هذه القوانين، ولكنه مع ذلك يتجاوز بقية الطبيعة، وهو بمعزل عنها على حين أنه جزء منها.. إنه بلا مأوى ولكنه مغلول إلى المأوى الذي يشترك فيه مع الكائنات جميعا. قذف به إلى العالم في مكان وزمان عرضيين. وهو مرغم علي الخروج منه على سبيل المصادفة. أيضاً ولما كان الإنسان في وعي بنفسه، فانه يدرك عجزه، والقيود التي تحد وجوده. وهو يتنبأ بنهايته: وهي الموت. ولا يتحرر أبداً من ثنائية وجوده، ولا يستطيع أن يتخلص من عقله حتى لو أراد ذلك. كما لا يستطيع أن يتخلص من جسده ما دام حياًـ وجسده يدفعه إلى أن يريد الحياة. وإذا كان العقل نعمة الإنسان، فهو نغمته أيضاً، إذ يدفعه إلى القيام ـ دائما وأبدا ـ بمهمة حل ثنائية لا سبيل إلى حلها".. راجع كتابنا (العصر الذهبي للإسلام أمامنا).
    فالإنسان حسب عبارة فروم "يتنبأ بنهايته وهي الموت".. فالموت هو نهاية الإنسان!! هذا هو تصور إنسان الحضارة الغربية بصورة عامة ـ يجب ملاحظة أننا نعني بإنسان الحضارة الغربية كل البشر على الأرض، على تفاوت بينهم، فجميعهم أتباع لهذه الحضارة، وهي التي تمدهم بتصوراتهم الأساسية، ولا خلاف في ذلك إلا في الدرجة.. فبعضهم في قلب الحضارة، والبعض على هامشها.. وبسبب من الطبيعة المادية للحضارة، واعتمادها الكلي على العقل وحده، فهي لا تملك أي إمكانية لغير تصور أن الموت هو نهاية الإنسان.. فالإنسان، حسب هذه الحضارة، ظاهرة بيولوجية تنعدم من الوجود، بموت الجسد.. ويصعب في إطار الفكر العلماني، تصور حياة أخرى بعد الموت، يقول نينيان سمارت: "أما الإتجاه الثاني في مواجهة صعوبات الإيمان بالحياة الأخرى، فهو يتعلق بفكرة الهوية الشخصية.. والمسألة هنا لا تتعلق كثيراً بالصلة المفروضة بين المخ والوعي (بحيث يبدو من الناحية الواقعية، أنه لا يمكن أن يوجد وعي بعد تلف معين بغير رجعة في خلايا المخ)، وإنما تتعلق بمعنى الحديث عن وجود بغير جسم. إن الطريقة التي يمكن بها التعرف عليَّ هي _بناءً على ذلك_ من خلال جسمي، وتعلق مفهومنا الطبيعي عن الهوية الشخصية باستمرار العلاقة المكانية الزمانية.. ألا يتهدم مفهومنا عن الهوية عندما نحاول التفكير في وجود بغير جسم في مجال آخر يفترض أنه الفرد نفسه الذي يستمر هناك كما عاش هنا على الأرض!؟" (13 ص 48)..
    ويقارن نينيان سمارت، حاله ما قبل الميلاد، وحاله ما بعد الموت، فيقول: "إننا نميل إلى اعتبار الموت ساخراً من إنجازاتنا، إذ يبدو أننا في النهاية لا شيء، ولا نعتبر الميلاد أو الحمل سخرية بنا، وإن كانا يدلان على أننا في زمن سابق كنا لا شيء، ويبدو أن عدم الوجود في المستقبل أدعى إلى القلق من عدم الوجود في الماضي" (13 ص 58)..
    ويقول باسكال: "إننا نعدو نحو الهاوية بعد أن وضعنا غلالة على أعيننا حتى لا نراها.. والموت الذي يتهددنا في كل لحظة سيضعنا، خلال سنوات قلائل وعلى نحو لا فكاك منه، في مأزق مخيف، قوامه: أما العدم حتى الأبد، أو التعاسة الأبدية.. ليس هناك ما هو أكثر واقعية من هذا، إثارة للرهب، وقد نصفر في الظلام كما يحلو لنا: تلك هي النهاية التي تنتظر حتى أروع ألوان الحياة جمالاً على الأرض. إن الفصل الأخير قاسي، بغض النظر عن ما كانت عليه الكوميديا من بهجة: ففي النهاية: يلقى قليل من الثرى فوق رأس المرء، وينتهي كل شيء إلى الأبد" (14 ص 136)..
    هذا التصور هو ما يعطيه الظاهر، الذي يقوم عليه العلم، ولا يعطي غيره.. فحسب الظاهر، نحن كنا في حالة عدم قبل ميلادنا، وسنصير إلى العدم، بعد موتنا.. ويجب ملاحظة أن نظرية التطور تتحدث عن الأنواع، وليس الأفراد!!
    إذا كان وجود الإنسان، يأخذ حيزاً قصيراً جداً، في الزمان والمكان، تصبح قيمة الإنسان ووزنه، تافهتين جداً، بالنسبة للكون.. وهذا ما بعثه التصور الغربي في اذهان الكثيرين، من أبناء الحضارة، بعد سيادة العلم، وإبعاد النظرة الدينية.. يقول أرنولد توينبي: "لقد أظهر الدليل الجيولوجي أن الحياة ظهرت على هذا الكوكب منذ مليون سنة في الماضي.. كما حسب علماء الفلك في بحث البعد الزمني أن كوكب الأرض نفسه ربما وجد منذ ضعف ذلك الزمن على الأقل، وهم يتنبأون على أنه سيظل قابلاً للسكنى طوال ألفي مليون سنة أخرى (إلا إذا أختار سكانها من البشر بالطبع في الجيل الحاضر أن يغامروا بجعل الكوكب غير صالح للسكنى بشن حرب ذرية عالمية).. وعلى ذلك يظهر أن مدى حياة الفرد البشري قصير بصورة لا حد لها في البعد الزمني، كما أن حجم الجسم في البعد المكاني ضئيل بصورة لا حد لها" (13ص 199).. ويقول: "إن الكون الذي يجد نفسه (الإنسان) فيه، هائل الإتساع في البعد المكاني وبعده الزماني بحيث دور ضيوفه البشر - باعتبارهم ظواهر طبيعية - تافه للغاية.. أن إدراك هذه الحقائق العلمية التي ثبتت حديثاً يستحيل أن يتوافق مع الإيمان التقليدي الزرادتشي، واليهودي والمسيحي والإسلامي، بالبعث للأجساد البشرية، ويصعب أن يتوافق مع الإيمان التقليدي بالله، للمجموعة نفسها من الأديان، ذلك الإيمان الذي يتصور الله على أنه شخص بالمعنى الإنساني للكلمة" (13 ص 200).. ويواصل فيقول: "إن الكون الطبيعي هو من نوع يستبعد معه الاحتمال في وجود الإله الشخصي الذي يكون قد خلقه، ولا بد أن يستبعد أيضاً - فيما يبدو - احتمال الخلود الشخصي بعد الموت" (13 ص 201).. وتحدث بعد ذلك عن انتشار الإلحاد.
    لقد تناول الفكر الغربي قضية الموت، في مجالات: العلم، الفلسفة، وعلم الاجتماع، ومختلف العلوم.. والوجوديون أكثر من تحدث عن القضية، خصوصاً هيدجر، الذي يتم الرجوع إليه كثيراً عند تناول القضية.. وقد أورد د. زكريا إبراهيم لهيدجر قوله: "إن الموت وحده الكفيل بالكشف عن طبيعة المستقبل.. هذا إلى أن (الموت) هو تلك النهاية التي يستطيع الموجود البشري عن طريقها أن يصبح (كلا).. والقلق هو الذي يكشف لنا عن طابع وجودنا باعتبارنا موجودات متناهية قد جُعلت للموت، وليس الإنسان هو الموجود الوحيد الذي يعرف أنه فانٍ فحسب، بل الإنسان أيضاً هو الموجود الوحيد الذي يدخل الموت في جميع كينونته باعتباره أعلى ما لديه من إمكانيات، فهذا الحد الأليم _حد الموت أو الفناء أو التناهي_ـ إنما هو الذي يحد الوجود الإنساني ويميزه، بحيث قد يكون من الممكن أن نقول أن الوجود البشري هو في صميمه (وجود نحو الموت) أو (وجود للموت) أو وجود من أجل الموت أو توقعه، إنما هو الأساس الذي تقوم عليه كل محاولة من أجل إدراك وجوده ككل" (15 ص 411).. والحديث ليس عن الموت بصورةٍ عامة، وإنما عن الموت الشخصي، هذا ما يهم كل فرد بشري، ثم يأتي موت الآخرين من الأحياء والأقربين.. يقول هيدجر: "إمكانية موتي إنما هي إمكانيتي الخاصة، فليس في استطاعة أحد أن يموت بدلاً مني أو عوضاً عني.. ومعنى هذا أنني حيثما أتحدث عن (موتي) فإنني أتحدث عن (واقعة شخصية، لن يستطيع أحد أن يعانيها بدلاً مني.. وحينما آخذ على عاتقي هذه الإمكانية) أنني سرعان ما أجد نفسي في عزلة وجودية تنقطع معها كل الوشائج التي تربطني بالعالم أو بالآخرين.. وليس أمامي سبيل للتهرب من ذلك القلق، الذي يستولي على مجامع قلبي حينما أفكر في الموت.. ومهما أحاول أن أخفي عن نفسي تلك الإمكانية، بمختلف طرق المخادعة والمخاتلة، فإن نجاحي في هذه المرحلة لا بد من أن يظل رهيناً ببقائي في مستوى الوجود الزائف.. فالاغتراب عن الذات هو الشرط الأوحد للقضاء على كل تفكير في الموت.. والانحدار إلى مستوى (الوجود الزائف) هو الضمان الأوحد لتجاهل حقيقة (وجودنا من أجل الموت)" (15 ص 412)..
    وما يقوله هيدجر هذا، ينطبق على كل إنسان.. وعملياً، معظم حياة الناس اليوم، هي تعبير عن محاولة الهروب من الموت، والتفكير فيه بحيل غير مجدية.. فالناس اليوم، بجعل حياتهم كلها من أجل الإستهلاك، إنما يريدون أن يبعدوا أنفسهم عن الموت، بتصور واهم عن الاستزادة من الحياة، عن طريق الزيادة في الاستهلاك.. وكل صور التسلية الهروبية التي تفنن فيها إنسان هذا العصر، هي تعبر عن الهروب من الموت، وكذلك الحال بالنسبة للانغماس في الكحول، والمخدرات والجنس.. يقول آرلوند توينبي: "إن كلمة الموت كادت أن تصبح نفسها غير مذكورة في الغرب، وبخاصة في الولايات المتحدة، وهي من بين جميع الدول المتقدمة أشدها تقدماً في الإيحاء بما يتم به تلطيف التعبير عن هذه الكلمة البغيضة.. أن الموت (غير أمريكي)، لأن حقيقة الموت إذا تم الاعتراف بها كحقيقة حتى في الولايات المتحدة، فيجب الاعتراف إذاً بأن الولايات المتحدة هي ليست الجنة الأرضية الموعودة (وهذه من الحقائق المسلمة في طريقة الحياة الأمريكية).. أن الأمريكيين المعاصرين، والغربيين المعاصرين، في حياتهم يميلون إلى قولهم "ذهب" أو "مضى" بدلاً من "مات".. وعندما يقف المعزون المحزونون في جنازة غربية، أمام رجل التصوير، فإن عليهم أن يرسموا ابتسامة المصور التقليدية على مُحياهم، كأنهم يحضرون حفل زفاف أو سباق، ولا يحضرون جنازة" (13 ص 208)..
    فإنسان الحضارة الغربية، عاجز عن حل مشكلة الموت، كما أنه عاجز عن مواجهته، ولذلك تفنن في أساليب الهروب.. والهروب لا يمكن أن يكون حلاً!! والموت ليس أمراً ينتظرنا في نهاية طريق الحياة، وإنما هو ملازم لحياتنا، طوال وقتها.. أورد د. ذكريا إبراهيم عن هيدجر قوله: "ليس موتي واقعة تظهر في خاتمة حياتي، وإنما هو واقعة ماثلة - على صورة إمكانية جادة - في كل لحظات حياتي، ومعنى هذا أن الموت لا يكاد ينفصل عن كينونتي نفسها، ما دام الاندفاع نحو المستقبل لا بد أن يكون بمثابة إتجاه نحو (الموت) أو (النهاية) بل هو إمكانية معاشة تعبر عن فعل (التناهي) أو (الإنتهاء)." (15 ص 412).
    إذا كان الوجود الإنساني، فعلاً وجود من أجل الموت _وهذا ما لا يمكن أن يعطي التفكير المادي خلافه_ يصبح الوجود الإنساني، فعلاً، وجوداً، لا قيمة له.. ومهما تهربنا من الموت، كما يرى هيدجر، فإن هروبنا لا يجدي.. والحل عند هيدجر هو مواجهة الواقع البشري، الذي يقوم على (الوجود من أجل الموت) بشجاعة!! ولكن من أين يمكن أن تأتي هذه الشجاعة، وطبيعة الحي الأساسية تقوم على الحفاظ على الحياة!؟
    في إطار العلمانية، التي تؤكد الحياة الدنيا فقط، تصبح محنة الموت أكبر وأخطر.. يرى هيدجر: "أن الطريق الأصيلة لمواجهة الموت هي أن نعيش على ضوء الموت!!".. هذا ليس بحل.. وعملياً القلق والخوف من الموت، لا يمكن تفاديه كما يرى هيدجر نفسه!! يقول الأستاذ محمود، عن الخوف، والخوف من الموت بالذات: "فالحياة مولودة في مهد الخوف.. ومكتنفة بالخوف في جميع مدارجها.. ولولا بوارق الأمان، الفينة بعد الفينة، ولولا لوائح اللطف، الفينة بعد الفينة، ولولا غواشي الغفلة، في أغلب الأحيان، لاجتاح الخوف الحياة، ولقطع نياطها ".. ونحن لنا عودة إلى دور الخوف في الحياة.
    على كلٍ، التصور العلماني المادي للموت، والذي تقوم عليه الحياة الغربية، يجعل وجود الإنسان، وجوداً عرضياً، لا قيمة له.. وهو مجرد ومضة، في تاريخ الكون، سرعان ما تنطفيء بالموت.. وهذا من أكبر وأخطر، جوانب قصور تصور الحضارة الغربية للإنسان وللحياة الإنسانية.
    بالطبع، يوجد من يؤمنون بالحياة بعد الموت، ونحن لا ننفي وجود أمثال هؤلاء.. ولكنهم لا يمثلون التيار الرئيسي، لإنسان الحضارة الغربية.. وإيمانه بحياة بعد الموت، لا تعطيه مرجعية الحضارة الغربية ـ العلمانية ـ وإنما يعطيه الدين.. وجوهر الدين، يكاد يكون غائباً اليوم، حتى عند أصحاب الأديان الكتابية الكبرى.. بل بالنسبة للغرب بالذات، المسيحية نفسها تعلمنت، والزحف مستمر!!

    19/1/19م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de